ظاهرة المباني العشوائية في ليبيا

المقدمة

تعاني مدن ليبيا من تفاقم ظاهرة البناء العشوائي التي باتت من الظواهر اللافتة وسط غياب الإجراءات القانونية والبدائل المقترحة من السلطات المختصة لمعالجة ما يتعلق بتلك الظاهرة، من مشاكل الإنشاءات القائمة على الطريق والقضاء العام والاعتداء على أملاك الدولة، أن ظاهرة البناء العشوائي في ليبيا تحولت إلى أزمة حقيقية في ظل استغلال مقاولين وتجار الفوضى التي تلت سقوط معمر القذافي قبل عشر سنوات، لوضع يدهم على أراضٍ بشكل غير قانوني وأنشأوا عليها سكنًا عشوائيًّا، ما تسبب في تغيير ملامح معظم مدن البلاد




مشكلة العشوائيات في ليبيا

وإن كانت العشوائيات تعتبر امرا متوقعا في الدول ذات الكثافة السكانية العالية والدخل المنخفض في أن معا ، إلا أنه من المحزن وجود هذا الواقع في دولة مثل ليبيا، حيث العدد القليل للسكان والمستوى المرتفع لعائداتها النفطية، إن مشكلة السكن تعد من أبرز التحديات التي تواجه الليبيين وقد بدأت المشكلة في الظهور اللافت في بداية الثمانينات ، ولعلها من أهم مخرجات ونتائج القانون رقم (4) لسنة 78 والذي ُمنع فيها الايجار واصبح البيت لساكنه ومنع امتلاك اكثر من سكن ، و الأرض ليست ملكا لأحد مما ضيق الخناق على كلا الجانبين العرض الملاك والطلب المواطنين الباحثين عن السكن، وما زاد من تفاقم الأزمة تزامن مثل هذه القوانين مع انخفاض ميزانية الاسكان ، إضافة إلى تكبيل القطاع الخاص عموما وقطاع الاستثمار العقاري على وجه الخصوص كل هذه العوامل بالإضافة لعوامل أخرى سيتم ذكرها لاحقا كانت السبب في ظهور العشوائيات . إن عدم توازن خطط التنمية للمدن والريف قد ساهمت في اذكاء ظاهرة البناء العشوائي في معظم دول الوطن العربي فقد كشفت دراسة لإنماء المدن عن أن النمو الحضري في معظم الدول العربية قد أدى لظهور العديد من المناطق العشوائية، وقد فاق عدد القاطنين في العشوائيات 15 مليونا في مصر مثلا (القطاط , 2008) كما انتشرت ظاهرة العشوائيات في دول المغرب العربي ، حيث اتضح أن نحو 50 % من سكان المناطق الحضرية في المملكة المغربية يقيمون في أحياء عشوائية، ولم يقتصر وجود المناطق العشوائية على الدول العربية التي تعاني من المشكلات الاقتصادية وإنما ظهرت أيضا في بعض الدول العربية ذات الدخل المتوسط بل وحتى المرتفع ولعل ليبيا خير مثال على ذلك ، حيث تعاني من عجز كبير في تلبية حاجة المواطنين للسكن ؛ اذ شكلت أزمة السكن قبل عقد من الزمن ما نسبته 40 الف وحدة سكنية كعجز سنوي 2008 ووصل العجز إلى 300 ألف وحدة سكنية في سنة 2010 , يتضح من هذا أن هذه المشكلة أخذة في الزيادة وبشكل ملحوظ إذا لم تتخذ حيالها العديد من الاجراءات والخطوات المناسبة لحل هذه المشكلة والحد من اثارها. أثر تفاقم ظاهرة البناء العشوائي في المدن الكبيرة الليبية و زحف العمران على الاراضي الزراعية كان لابد لنا من الحديث عن الأثار السلبية لهذه الظاهرة و مدى تأثيرها على الاجيال القادمة و معرفة الجانب القانوني للمخالفين و الاجراءات المتبعة للحد من انتشار الظاهرة و معالجة المناطق المتضررة ، ان النمو العشوائي ظاهرة عالمية تعاني منها الكثير من دول العالم وقد تختلف الاسباب والانماط بين دولة وأخرى ويكون حجم تأثيرها بقدر اهتمام الدولة بهذه الظاهرة و التصدي لها و معالجة أسبابها

ويمكن تعريفها بانه النمو المخالف للقوانين واللوائح داخل و خارج المخططات مثل الاحياء الفقيرة المتخلفة عمرانياً حول المدن وعادتاً ما تكون من الصفيح. مثل مصر و المغرب و إندونيسيا او الاحياء الريفية في تركيا ولكن أختص النمو العشوائي في ليبيا بخصائص أفردته عن بقية البلدان حيث كان النمو العشوائي عبارة عن مباني فاخرة ومكلفة حيث سمي بعشوائيات القصور و تتوفر في معظمها الخدمات الاساسية مثل المدارس والطرق و وحدات الرعاية الصحية

بالرغم من ان هناك عدة تشريعات منظمة للعمران تطبق داخل ليبيا بداية من قانون التخطيط العمراني رقم 3 لسنة 2001 م لتنظيم التخطيط على مستوى الوطني وعلى المستوى الاقليمي وعلى المستوى الاقليمي الفرعي ويقصد بها المحلية لأول مرة . وايضا قانون حماية الأراضي الزراعية رقم 15 لسنة1992م و الخاص بتعريف الأراضي الزراعية ومنع إقامة المنشآت داخلها ومنع قطع الأشجار إلا بإذن مسبق وحدد شروط منح الإذن بالبناء وقطع الاشجار كما نظم هذا القانون البناء في الأراضي الزراعية وأختصرها على سكن صاحب المزرعة والمرافق التي تخدم المزرعة فقط . و تنفيذاً لما جاء بالخطة الوطنية للحد من ظاهرة النمو العشوائي و احتواء القائم منها تم إنشاء مشروع بمصلحة التخطيط العمراني سمى بمشروع دراسة وتقييم المناطق العشوائية أوكلت له مهمة إجراء الدراسات اللازمة بقصد احتواء ما يمكن احتوائه منها و صدر قانون الإذن بتفعيل المشروع من وزارة الإسكان والمرافق بالكتاب رقم 4479 بتاريخ 17/يوليو/2012 ، و الإذن للمصلحة من قبل الوزارة بالتعاقد مع الشركة المختارة بطريقة التكليف المباشر بتاريخ 12/5/2013 م بالعاصمة طرابلس و بنغازي وسرت . بالنسبة لمن ارتكب البناء المخالف أو ما يعرف بالبناء العشوائي فقوة القانون التي تتمثل في جهاز الشرطة هو الذي سيقوم بإزالة البناء المخالف أو العشوائي


عشوائيات تُهدد المستقبل العمراني في ليبيا


هذا ما يمكن ملاحظتهُ وبوضوح لمن يعيش في المدن الليبية هذه الأيام التسارع العمراني الرهيب حيث يستغرق إنجاز المبنى الواحد مدة قصيرة تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أسابيع حتى يُصبح جاهزاً للاستعمال ، لكنّ الحقيقة أن هذه التسارع العمراني لا يخضع لمخططات التطوير العمراني للمدن ولذلك تُصنّف على أنها بناء عشوائي, ويعتبر غياب أدوات تطبيق القانون في هذه المسألة أحد الأسباب التي أدّت إلى تفاقمها ، أضف إلى ذلك الأسعار المرتفعة للأراضي المقسّمة بغرض البناء داخل المدن ، مع تباطؤ الدولة في تنفيذ أو استكمال بعض المشاريع السكنية التي كانت ستساهم إلى حدّ كبير في حلّ أزمة السكن التي يُعاني منها المواطن الليبي ويؤثر البناء العشوائي على الدّخل المحدود للمواطن الليبي لاضطراره لصرف مبالغ مالية على سكن لا تتوفر فيه أبسط الشروط الصحية والمواصفات الفنية الضرورية , بدءاً من متطلبات البِنية التحتية كالصّرف الصحي والمياه الصالحة للشرب وإمدادات الكهرباء ، كما لا تنعكس آثار البناء العشوائي على دخل المواطن فقط ، إذ إن البناء العشوائي لا يُقتصر على المِساحاتِ الخالية وغير الصالحة إلا للبناء ، فقد امتد ليطال الغطاء النباتي للبلد , حيث جرى الاعتداء على المساحات الخضراء وجرْفها ، وتفتيت الأراضي الزراعية في مناطق خضراء وزراعية كمنطقة الجبل الأخضر، كما تمّ التعدي على المسطّحات الخضراء والحدائق والميادين والأرصفة في المدن والبلدات الليبية ، والبناء بالقرب من الطرق السريعة والطرق الرئيسة دون الأخذ في الاعتبار المخططات و المعايير الفنية المعتمدة في تخطيط الطرق ، بالإضافة إلى الاعتداء على المباني والمواقع و المدن الأثرية


معالجة ظاهرة البناء العشوائي في ليبيا


أولاً: تفعيل وتعزيز دور المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بالتخطيط والتطوير العمراني على المستوي المحلي , مثل مصلحة التخطيط العمراني وقطاع المرافق والمشروعات والحرس البلدي والشرطة الزراعية والشرطة السياحية

ثانياً: إيقاف أعمال البناء المخالفة للمخططات والأعمال التي تتم بدون تراخيص ، وتطبيق القوانين الخاصة بالتطوير العمراني وحماية الآثار والمدن التاريخية والساحات والميادين العامة

ثالثاً: التعجيل بتنفيذ المشروعات القائمة بما يتوافق والتوجهات البيئية المعاصرة والمصلحة العامة وتحديث المخططات وأعمال التهيئة العمرانية المعتمدة وتطوير آليات منح تراخيص البناء بقطاع المرافق

رابعاً: تعديل القوانين والتشريعات ذات العلاقة بالتخطيط والتطوير العمراني وخاصة فيما يتعلق بالملكية العقارية وتقسيم الأراضي وتسجيلها وإشهارها

. خامساً: تعزيز مشاركة القطاع الخاص والسلطات المحلية بما يكفل المحافظة على المصلحة العامة و التقيد بالمخططات المعتمدة

. سادساً: إلزام المواطنين والمكاتب الهندسية ومكاتب الخدمات ومُحرّري العقود بالكفّ عن إبرام عقود نقل الملكية والقيام بالأعمال الهندسية وأعمال البناء إلا بعد التأكد من سلامة الإجراءات والتحقق من عدم مخالفتها للتشريعات والقوانين والمواصفات الفنية

. سابعاً: على وسائل الإعلام المحلية والوطنية المختلفة التأكد من صحة الإجراءات عند الإعلان عن بيع أو شراء الأراضي والعقارات والدعاية لها

. ثامناً: تكليف فريق متابعة لرصد ظاهرة البناء العشوائي بمختلف أشكالها ، واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها وذلك بالتنسيق مع الإدارات العامة ومؤسسات المجتمع المدني المَعنيّة بالأمر




ختاتماً


لعل هذه التوصيات التي ذكرناها تُعتبر البداية الصحيحة لمعالجة هذه الظاهرة التي أضرّت كثيراً بالغطاء النباتي من جهة و أدّت إلى ظهور عشوائيات ومباني لا تتوفر فيها الشروط المناسبة للسكن ، وقد يثمر تعاون المؤسسات الحكومية الرسمية والمجتمع المدني والنشطاء في الحدّ من هذه الظاهرة وإيجاد حلول للمشاكل المترتّبة عليها



المصادر



 ب,ن) 2.2.2021 ، العشوائيات في ليبيا ، العرب)، 

ب,ن) 23.11.2021 ، العشوائيات في ليبيا ، احدى المفرزات في ليبيا) ، مجتمع ليبيا

المقالات الأخيرة