الحماية الدولية للصحفيين أثناء النزاعات المسلحة

المقدمة

نتيجة للتقدم التكنولوجي والتطور العلمي الذى شهدته وسائل وأساليب القتال المستخدمة في النزاعات المسلحة ، وصناعة الأسلحة الفتاكة التي أدى استخدامها إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين بات من الضروري العمل على تجنب أثارها انطلاقا من توفير الضمانات اللازمة للحد من عواقبها ،فالحرب تعتبر في نظر الكثيرين ظاهرة اجتماعية منذ القدم وتطورت كثيرا هذه الحرب مما أوجب ضرورة إنشاء قانون يحمي الفئات الغير مشاركة ومعنية بهذه الحرب، والذي يعنينا الإشارة إليه أننا سنتناول في موضوعنا هذا، الحماية القانونية المكفولة للصحفيين والاحترام الواجب لهم أثناء النزاعات المسلحة سواء كان ذلك أثناء النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية، وذلك بالاستناد على مبدأ أساسي في القانون الدولي الإنساني يقرر "بأن لا يكون الصحفيون الذين لا يشاركون في الأعمال القتالية هدفا لأي اعتداء أو هجوم بل يجب الحفاظ عليهم وحمايتهم وفقا لآليات وأساليب تحددها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو الدولة الحامية أو الطرفين المتحاربين"، بمقتضى اتفاقية دولية، توجب على أطراف النزاع المسلح أن تضع في اعتبارها مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين، الأمر الذي يعد منطلقا أساسيا لإضفاء الحماية اللازمة للصحفيين، والتي جاء تنظيمها بصورة واضحة وفقا لاتفاقيات جنيف 1949 وخاصة الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة الدولية والبروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 والعديد من القرارات والنصوص الدولية المتفرقة، التي ناشدت الدول باحترام حصانة الصحفيين خاصة وأن القانون الدولي الإنساني قد اعتبر الصحفيين بمثابة مدنيين في مناطق النزاع

فئات الصحفيين وطبيعة الانتهاكات التي يتعرضون لها

ميز القانون الدولي الإنساني بين الصحفيين العاملين في مناطق النزاعات المسلحة، والمراسلين الحربيين الملحقين بالقوات العسكرية، ويقع على عاتق الصحفيين مجموعة من الواجبات أثناء تغطية النزاعات المسلحة، تتمثل في عدم المشاركة في الأعمال العدائية، ارتداء المعدات اللازمة للوقاية؛ مثل الخوذ والسترات المضادة للرصاص والمدون عليها كلمة “صحافة – Press”، بالإضافة إلى الالتزام بأخلاقيات المهنة وآدابها

وفي مقابل تلك الواجبات يتمتع الصحفي بحقوق وهي ليست امتيازات فئوية أو حقوقًا خاصة، بل إنها حقوق عامة يمارسها الصحفيون نيابة عن المجتمع بهدف النهوض برسالة الصحافة في كشف الحقائق، وتبصير الرأي العام، ويمكن تلخيصها في 3 نقاط: أولها حق الصحفي في الحصول على المعلومات، وعدم إجبار الصحفيين على إفشاء مصادر معلوماتهم، وعدم جواز توقيف الصحفيين

لكن الواقع العملي على الأرض يشهد انتهاكات عديدة يتعرض لها الصحفيون خلال وجودهم في مناطق الحروب والنزاعات، وهي لا تختلف عن الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون الموجودون في مناطق النزاع المسلح، إذ إنها تمس حرمة الجسد والكرامة الإنسانية ومن أهم أشكالها القتل والضرب، والجرح المتعمد، والتعذيب، والاغتصاب، وتبقى الانتهاكات المانعة للحرية أو المقيدة لها من أنواع الانتهاكات المنتشرة التي يتعرض لها الصحفيون لأسباب قد يكون لها ما يبررها أو العكس، ومن أهم أشكالها الحبس والاعتقال والاختطاف والطرد

يضاف إلى ذلك، الانتهاكات المعنوية المتمثلة في أفعال تهدف إلى إشاعة الرعب في نفوس الصحفيين أو إهانتهم للضغط عليهم من أجل توجيههم نحو نقل فكرة معينة تناسب سياسة بعض الأطراف المتنازعة أو حرمانهم من الأدوات التي من خلالها يستطيعون ممارسة أعمالهم

الاتفاقيات والقرارات الدولية التي تؤطر الحماية القانونية للصحفيين

كفلت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 الحماية للصحفيين باعتبارهم أشخاصًا مدنيين، وتكفل حمايتهم أثناء النزاع المسلح، والذي قد ورد في المادة 79 و52 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الذي ينص على حماية الصحفيين بالنزاعات العسكرية والحماية العامة للأعيان المدنية. ويعتبر ما يتعرض له الصحفيون– الذين يمكن التعرف عليهم من خلال ما يرتديه في الميدان (السترة الواقية الخاصة بالصحافة)- من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بحسب ما جاء في المادتين 7 و8 من ميثاق روما (النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية) لعام 1998


بالإضافة إلى تلك المواثيق الدولية، كان لمجلس الأمن الدولي إسهام في هذا الإطار بإصداره بالإجماع القرار رقم 1738 لعام 2003بخصوصحماية الصحفيين في أوقات النزاع المسلح وقد تضمن ما يلي


إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم في حالات النزاع المسلح

ضرورة اعتبار الصحفيين أشخاصًا مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم بصفتهم هذه، شريطة ألا يقدموا على أي عمل يضر بوصفهم كمدنيين

الإشارة إلى أن المعدات والمنشآت الخاصة بوسائل الإعلام تُشكل أعيانًا مدنية، ولا يجوز أن تكون هدفًا لأي هجمات أو أعمال انتقامية

إدانة أعمال التحريض على العنف ضد المدنيين في حالات النزاع المسلح

مطالبة جميع الأطراف في أي نزاع مسلح بالامتثال التام للالتزامات المنطبقة عليهم بموجب القانون الدولي والمتعلقة بحماية المدنيين في النزاع المسلح بمن فيهم الصحفيون وموظفو وسائل الإعلام والأفراد المرتبطون بهم وبذل قصارى الجهد لمنع ارتكاب انتهاكات القانون الإنساني الدولي ضد المدنيين بما في ذلك الصحفيون.


ختـــامــاً : يمكن القول بأن قواعد القانون الدولي الإنساني، قد أضفت صفة الشخص المدني على الصحفي، على الرغم من الاختلاف الواضح بينهما، فتتم معاملته بنفس معاملة الشخص المدني بالرغم من وظيفة الصحفي أثناء النزاعات المسلحة التي تجبرهم على الوجود في بؤر النزاع الخطرة رغبة منه في الحصول على سبق صحفي وتغطية الحدث أولًا بأول، بينما المدني دافعه الرئيسي أثناء النزاعات المسلحة الابتعاد قدر الإمكان عن أماكن الخطر والاشتباكات، وهذا يستدعي النظر إلى وضع الصحفي بصفته تلك وليس بصفته مدنيًا




:المصادر

بسمة العواملة ، 5.3.2022 ، الحماية الدولية للصحفيين أثناء النزاعات المسلحة ، موقع الدستور

مشهود فاطمة ، 17. 6.2019 ، الحماية الدولية للصحفيين أثناء النزاعات المسلحة ، كلية الحقوق ، جامعة عبدالحميد بن باديس .

المقالات الأخيرة