أ- المحاكمات: إن للدولة التزام بمقاضاة الجرائم، وذلك وفقًا لقانون المعاهدات الدولية والقانون العرفي، حتى وإن كانت هذه الجرائم ارتكبت في ظل النظام السابق أو إن مرتكبها هو النظام السابق، وكل ذلك منصوص عليه في المادة الرابعة للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
إن المحاكمات هي التي تؤدي إلى التحول المعياري من حكم غير شرعي إلى حكم شرعي، وتؤدي إلى التحول إلى نظام سياسي أكثر ليبرالية
إن للمحاكمات أهمية من الناحية الجزائية؛ فهي تقوم بفرض العقاب وتصحيح الأوضاع، ومن ناحية أخرى تمنع عدم ظهور أي محاولة لانتهاك حقوق الإنسان في المستقبل، إذ إن إعفاء الأفراد من العقاب وعدم خضوعهم للمحاسبة أو فرض أي عقوبات عليهم يؤدي إلى انعدام حقوق الإنسان؛ فالإفلات من العقاب هو نقيض سيادة القانون
عدم القدرة على ردع انتهاكات حقوق الإنسان يؤثر على الضحايا المباشرين بل وإن تداعياته تمتد أيضًا إلى التأثير على العملية الديمقراطية وإرساء سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان، فعندما تحرض الشرطة على القتل أو تيسره دون أن تتعرض لأي عقوبة فهي بذلك تكون مشاركة في الجريمة، كما إن ضعف ردع منتهكي حقوق الإنسان تمتد آثاره لتشمل المجتمع كله
إن المحاكمات تقوم بتقييد مرتكبي الانتهاكات المعروفين وتؤدى إلى إعادة إصلاحهم وتأهيلهم؛ فهي تطهر المجتمع من القادة الخطرين وتقوم بردع مجرمي الحرب في المستقبل وإعادة تأهيل الدول العاصية
تعد المحاكمات مفيدة لبناء السلام وإقرار الحقيقة بشأن أحداث الماضي، وتتم المحاكمات من خلال المحاكم الوطنية، والمحاكم الدولية، والمحاكم المختلطة، والمحكمة الجنائية الدولية
ب- لجان تقصي الحقيقة: تركز هذه اللجان على الماضي، لا على واقعة بعينها، فتحاول رسم صورة كاملة لانتهاكات حقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني خلال فترة زمنية محددة، لا توجد بصورة دائمة وإنما لفترة مؤقتة وتنتهي بمجرد تقديمها تقرير نتائج عملها، يتاح لها قدر من السلطة حتى تتمكن من الوصول لأكبر قدر من المعلومات بالإضافة إلى الأمن حتى تتمكن من دراسة القضايا الحساس، لذلك تعد ذات أهمية كبيرة وعادة ما تتشكل في لحظة الانتقال السياسي في بلد ما
ت- تعويض الضحايا (جبر الأضرار): الهدف الأساسي للتعويض هو إعطاء العدالة للضحايا، وتعني الاعتراف بالضحية ورد كرامته وإعادة الثقة بين المواطنين بعضهم البعض من ناحية وبين المواطنين والدولة من ناحية أخرى
إن مبدأ التعويضات أصبح ملزمًا وفقًا للقانون الدولي، وبالرغم من اختلاف التزامات كل دولة في تفاصيلها الدقيقة، تبعًا لاختلاف المواثيق الموقعة عليها، فهي ملزمة (التعويضات) في مواجهة الدول جميعا
تأخذ التعويضات عدة معاني؛ منها التعويض المباشر، أو رد الاعتبار، أو الاسترجاع، وعند النظر إلى نوعها فإنها تنقسم إلى مادية ومعنوية، بينما من ناحية الفئة المستهدفة فقد تكون فردية أو جماعية
التعويض المادي يتم عن طريق منح أموال وحوافز أو تقديم خدمات مجانية كالتعليم والصحة والإسكان، فيما المعنوي يتم عن طريق اعتذار رسمي أو إعلان يوم وطني للذكرى
ث- إصلاح المؤسسات: يأتي عندما ينتهي الحكم التسلطي أو عندما ينتهي الصراع، حيث تعمل المؤسسات الكبرى على مساندة الحكم التسلطي أو الشمولي على الصراع، وتكون محتفظة بعلاقتها مع الزعماء السابقين سعيًا وراء مصالحها الشخصية، فتقاوم أي محاولة لتغيير الوضع الراهن، فتتعطل البنية الأساسية، بما يؤدي إلى عدم ثقة المواطنين في هذه المؤسسات، لذلك يجب إصلاح هذه المؤسسات حتى يتم نشر السلام وتحقيق الديمقراطية والقضاء نهائيًا على الحكم الشمولي، وتصبح المؤسسات خادمة للمواطنين بدلًا من أن تكون قامعة للأفراد، فتخدمهم بنزاهة وتحمي حقوق الإنسان
ج- آليات إحياء الذكرى: تعد ذات أهمية كبيرة في العدالة الانتقالية، لوجود ارتباط كبير بينها وبين عملية التصالح مع الماضي؛ حيث تجاوز الأضرار التي مر بها الأفراد في فترات الحروب والنزاع، تهدف إلى تعريف الناس بماضي ضحايا انتهاك حقوق الإنسان، وذلك لتوعيتهم من خلال تلك الآلية
يتم إحياء الذكرى من خلال النصب التذكارية الموجودة في أغلب المجتمعات من تماثيل ولوحات تذكارية، تخلد أبطال الحرب أو متاحف وطنية تهتم بالتراث الثقافي، فتجسد تلك النصب نشاطات الحكومات والأشخاص في فترة تاريخية سابقة. هذا ويؤدي إحياء الذكرى إلى استدامة التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان