اين تكمن اهمية الفصل السابع
كلما نظر مجلس الأمن الدولي في أزمة من الأزمات الدولية، نبدأ بسماع أحاديث عن معنى أن يتم اتخاذ قرار بموجب الفصل السابع، أو الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة. في هذه الأحاديث يختلط الحقيقي بالمتوهَّم. من هنا جاءت أهمية توضيح هذه المسألة.
كثيراً ما يتناهى إلى مسامعنا قول أحدهم إن هذا القرار أو ذاك ملزم لأنه صادر بموجب الفصل السابع. هكذا قول ينمّ عن جهل القائل بألف باء القانون الدولي. فكل قرارات مجلس الأمن ملزمة، وقد نصت على إلزاميتها المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة: ("يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق").
تتوزّع مواد ميثاق الأمم المتحدة على 19 فصلاً من ضمنها الفصلان السادس والسابع. كلا الفصلين المذكورين ينظمان صلاحيات مجلس الأمن في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين
الفارق بينهما يظهر من عنوانيهما. بينما يأتي الفصل السادس (المواد 33 ـ 38) تحت عنوان "في حل المنازعات حلاً سلمياً" فإن الفصل السابع (المواد 39 ـ 51) يأتي تحت عنوان "في ما يُتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان".
توجب مواد الفصل السادس على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرّض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر أن يلتمسوا حلّه بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أي إلى الوسائل السلمية في حلّ النزاعات. في المقابل يكتفي مجلس الأمن بمتابعة النزاع وتقديم توصيات بما يراه ملائماً من الإجراءات وطرق التسوية (المادة 36) أو بما يراه ملائماً من شروط حل النزاع.
أما الفصل السابع فهو يتضمن المواد التي تنظم عمل مجلس الأمن في حالة تهديد السلم أو الإخلال به وفي حالات العدوان
يمكن تقسيم إجراءات مجلس الأمن بموجب هذا الفصل إلى قسمين.
الأول يتحدث عن دعوة المتنازعين إلى تنفيذ توصياته تحت طائلة اتخاذ تدابير لا تتطلب استخدام القوات المسلحة، ومن بينها وقف العلاقات الاقتصادية وجميع وسائل المواصلات والاتصالات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الديبلوماسية (المادة 41).
أما الثاني فيتطرق إلى حالة عدم وفاء التدابير المذكورة بالغرض منها، وحينها يجوز له أن يستخدم القوات الجوية والبحرية والبرية لفرض حفظ السلم والأمن الدوليين، أي لتطبيق محتوى قراره (المادة 42). في هذه الحالة، يطلب من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تضع تحت تصرّفه ما يلزم من القوات المسلّحة والمساعدات والتسهيلات (المادة 43) أو يطلب من المنظمات والوكالات الإقليمية استخدام وسائل القمع لتنفيذ القرار وذلك تحت إشرافه (المادة 53 وتقع في الفصل الثامن).
في البداية كان مجلس الأمن ينظر إلى تهديد السلم والأمن الدوليين على أنه خطر يتأتى من أزمة تنشب بين دولتين أو أكثر. ولكنه، في ما بعد، راح يرى أن تهديداً مماثلاً يمكن أن تتسبّب به الأزمات الداخلية، وهذا ما يظهر في قراره المتخذ لمواجهة سياسية التمييز العنصري في جنوب إفريقيا عام 1977 وفي عشرات القرارات الصادرة، بموجب الفصل السابع، منذ العام 1991.
عندما نفّذ حلف شمال الأطلسي ضربات جوية على يوغوسلافيا، عام 1999، لردعها عن تطهير الأقلية الألبانية في كوسوفو، لم يصدر قرار بهذا الخصوص عن مجلس الأمن. لكن المشاركين اعتبروا أن عملهم يستند إلى القرارين 1199 و1203 المتخذين سابقاً بموجب الفصل السابع. وعندما شنت أميركا، بمعاونة حلفائها، هجوماً على العراق عام 2003 دون صدور قرار من مجلس الأمن، اعتبر رئيس الوزراء البريطاني أن هذا العمل يستند إلى قرارات مجلس الأمن 678 (1990)، 687 (1991) و1441 (2002). في الحالتين حصل جدال حول قانونية هذه الأعمال.
في 17 مارس 2011، أصدر مجلس الأمن القرار 1973 بخصوص الأزمة الليبية
فرض بموجبه حظراً جوياً لمنع طائرات القذافي من قصف المدنيين وسمح بتنفيذ هجمات مسلّحة ضد سلاح الجو الليبي لتعطيله. ونص القرار أيضاً على "اتخاذ كافة الخطوات الضرورية لحماية المدنيين، حتى لو تطلب الأمر تدخلاً عسكرياً"، وهدد القذافي بقصف قواته إن لم يلتزم بوقف إطلاق النار
على هذا القرار استندت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون من أجل إسقاط نظام القذافي
وضوح القرار حال دون أي تدخل روسي لحماية القذافي رغم أن روسيا كانت تريد أن ينسق الحلفاء معها أيّة خطة مماثلة قبل تنفيذها. اعتبرت روسيا أنها خُدعت
كل قرارات الأمم المتحدة ملزمة، لكن القرارات الصادرة بموجب الفصل السادس لا تتحدث عن استخدام الوسائل القمعية لفرض تنفيذها. في الوقت نفسه، ليس ضرورياً أن يؤدي كل قرار صادر بموجب الفصل السابع إلى استخدام القوة. في الحقيقة لا تنص قرارات مجلس الأمن بالضرورة على الفصل أو على المواد المستند إليها، فالمجلس يمارس صلاحياته مستنداً على كل ميثاق الأمم المتحدة
مسألة صدور القرار بموجب الفصل السابع تعني أن مجلس الأمن يشير إلى احتمال استخدامه لصلاحياته المنصوص عليها في الفصل المذكور (ومنها تدابير لا تتطلب استخدام القوة العسكرية ومنها اللجوء إلى القوّة كما أوضحنا أعلاه)