مصادر القانون الدولي العام

القانون ضرورة اجتماعية، ووسيلة لا غنى عنها لإقرار النظام داخل المجتمع ، والقانون الدولي كغيره من فروع القانون الأخرى يهدف إلى هذه الغاية، والقانون الدولي منذ نشأته يسعى إلى وقاية المجتمع الدولي من النزاعات والحروب المدمرة، لكنه في المرحلة الحالية، وبعد أن تحقق حد أدنى من السلام في العالم، وابتعد شبح الحرب العالمية، ازداد التواصل بين الدول، وارتبطت مصالح الدول، وظهرت علاقات متنوعة، سياسية، واقتصادية، وثقافية، فأصبح هدف القانون الدولي هو تقوية الروابط والتعاون بين الشعوب وتحقيق التنمية الشاملة، كما أكد على ذلك ميثاق الأمم المتحدة (المادة الأولى

اولاً : المصادر الأصلية للقانون الدولي العام

حددت المادة 38 من قانون محكمة العدل الدولية مصادر القانون الدولي والتي اشتملت على المعاهدات الدولية، والأعراف الدولية، والمبادئ العامة للقانون، بالإضافة إلى الأحكام القضائية التي يتم استخدامها كوسيلة فرعية لتحديد قواعد القانون في مختلف الدول


المعاهدات الدولية

وتعني اتفاق بين دولتين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي بقصد إحداث أثر قانوني وفقاً لأحكام القانون الدولي، وهو تعبير شامل ليس فقط معاهدات بل أنه يشمل أيضاً الاتفاقيات الدولية والمواثيق والعهد الدولي والبروتوكولات وأية وثيقة تُعقد بين دولتين أو أكثر

خصائص المعاهدات الدولية

التعبير عن إرادتين أو أكثر بهدف إحداث أثر قانوني حيث تعتبر المعاهدات الدولية تصرفات قانونية تصدر عن توافق ارادتين لإحداث أثر قانوني ولا يشترط أن تكون توافق هذه الارادتين في وقت واحد بل يمكن أن يكون تصرف منفرد اي صادر عن دولة واحدة يستتبعها موافقة الطرف الاخر او يمكن ان تكون توافق الارادتين او اكثر في وقت واحد ويقصد بان المعاهدات هي تصرفات قانونية اي تهدف الى انشاء حقوق وواجبات للدول الاطراف بحيث تكون ملزمة لهم اما التصرفات القانونية الغير ملزمة مثل تصريحات الرؤساء كالقمة العربية او القمة الاوروبية وغيرها لا تعتبر معاهدات نظراً لعدم الزاميتها

ان تصدر المعاهدات بصيغة مكتوبة: إن التعبير عن المعاهدات يجب ان يتخذ شكلاً معيناً وهي ان تكون مكتوبة وفق معاهدة فيينا للمعاهدات الدولية الا انه اذا لم تكن المعاهدة الدولية مكتوبة الا ان هذا لا يخل من قوتها القانونية. o انها عبارة عن اتفاق أو أكثر بين شخصين من اشخاص القانون الدولي: ويقصد بها نسبة المعاهدة الدولية لا طراف القانون الدولي اي يقصد بهم الدول وهذا ما اخذت به اتفاقية فيينا الا ان الاتفاقيات بين الدول والاشخاص الاخرين (مثل شركة عالمية متعاقدة مع دولة ما) لا يخل بالقوة القانونية لهذه الاتفاقية

أن تكون منعقدة وفق القانون الدولي: اي انها خاضعة للقانون الدولي وفي حالة انها كانت خاضعة لغير القانون الدولي لا تعتبر معاهدة دولية كأن تكون مثلاً خاضعة للقانون داخلي في هذه الحالة لا يمكن اعتبارها معاهدة دولية

يمكن أن تضمنها وثيقة واحدة أو أكثر: حيث يمكن ان تكون المعاهدة الدولية وفق وثيقة واحدة او وثيقتين او اكثر

تعدد التسميات: حيث يمكن ان يكون للمعاهدة الدولية اكثر من مصطلح وذلك حسب كل دولة حيث يمكن للدول ان تعدد فيها مصطلح المعاهدة

العرف الدولي

هو مجموعة من القواعد والعادات الدولية تم إنشاؤها منذ القدم حيث أستمر المجتمع الدولي على إتباعها والعمل بها حتى أصبحت مُلزمه في نظر أشخاص القانون الدولي، حيث تشتهر بقدرتها على التأقلم مع الظروف في الساحة الدولية، إضافة إلى أن العُرف يعتبر الأساس لجميع القوانين والتشريعات الدولية والمحلية، بحيث يرتبط ظهورها بظهور التجمعات البشرية. يشترط وجود ركنين أساسيين حتى يكون هناك عرف دولي، وهما الركن المادي والركن المعنوي

أولاً: الركن المادي: ويتمثل في توافر تصرف أو السلوك الذي اعتادت مجموعة من الدول أو أشخاص القانون الدولي العام، وقد يكون هذا التصرف سلبي أو إيجابي ويمكن الاستدلال على وجود مثل هذا السلوك من أعمال أشخاص القانون الدولي والأجهزة التابعة له

ولهذا الركن شرطين هما: التكرار: أي استمرار وتكرار بالعمل بمضمون هذه العادة أو التصرف (القاعدة العرفية ). فيما يخص المدة الزمنية لتكرار السلوك حتى يصبح عرف دولي فهي تختلف حسب السلوك وحسب الظروف أيضا، فبعض العادات تصبح عرف دولي بعد مرور العديد من السنوات وبعضها يحتاج لبعض من القرون

العمومية: أي أن تكون العديد من الدول وأشخاص القانون الدولي قد اعتاد على إتباع هذه العادة، وإن يكون هناك قبول لهذه العادة من العديد من أشخاص القانون الدولي سواء كان قبول ضمني أو صريح


ثانياً: الركن المعنوي: الركن المادي وحده لا يكفي حتى يكون العرف دولياً بل يجب أن يكون هناك ركن معنوي أيضا ويتمثل هذا الركن في شعور أشخاص القانون الدولي بإلزامية هذه العادة واعتقادهم بأنها قاعدة قانونية من قواعد القانون الدولي العام

مبادئ القانون العامة التي اقرتها الامم المتحضرة

هناك اختلاف كبير بين فقهاء القانون الدولي في تحديد طبيعة مبادئ القانون العامة وفي تحديد مكانه هذه المبادئ كمصدر من مصادر القانون الدولي. فقد انكر بعض الفقهاء على مبادئ القانون العامة صفة المستقل فمنهم من اعتبرها مجرد وسائل تكميلية يلجأ اليها القضاء عند عدم وجود قواعد اتفاقية او عرفية يمكن تطبيقها على النزاع المعروض عليه . وهي في حقيقتها معايير تسترشد بها المحكمة عندما تصدر حكمها بعد ان يثبت لها عدم وجود قاعدة اتفاقية او عرفية يمكن تطبيقها على النزاع المعروض عليها . وفي هذه الحالة يكون حكم المحكمة مؤسسا على مبادئ غير قانونية . فليست المبادئ العامة هي التي تنشأ القاعدة القانونية الدولية وانما هو عمل القاضي الذي يستند الى المبادئ العامة المستخلصة من الانظمة القانونية الداخلية . ولكن هذا التفسير مرفوض لأنه يتعاض مع نص المادة 38 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية , حيث نصت صراحة على ان وضيفة المحكمة ان تفصل في المنازعات التي ترفع اليها وفقا لا حكام القانون الدولي , فالمحكمة لا تنشئ قواعد قانونية دولية , وانما هي تطبقه . ويذهب بعض الفقهاء الاخرين امثال لوفور الى ان الفقرة (ج) من المادة 38 تشير الى قواعد القانون الطبيعي وهذا التفسير هو الاخر لا يتفق مع نص المادة 38 الذي يتكلم صراحة عن المبادئ العامة التي اقرتها الامم المتمدنة ,اي المبادئ التي تطبق فعلا عند هذه الامم , فلا يجب اذا الخلط بين قواعد القانون المثالي وبين القواعد القانونية الوضعية .ويرى فريق آخر من الفقهاء ان الفقرة (ج) من المادة 38 تعني قواعد العدالة .ولا يمكن ايضا قبول هذا التفسير , لأنه لا يتفق مع نص الفقرة الثانية من المادة 38 الذي يتكلم عن سلطة المحكمة في الحكم وفقا لقواعد العدالة والانصاف وذلك في حالة موافقة اطراف الدعوى صراحة , على تخويل المحكمة هذه السلطة . وفي رأي غالبية الفقهاء السوفيت ان الفقرة (ج) من المادة 38 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية لا تتحدث عن مصدر معين من مصادر القانون الدولي او وسيلة خاصة لا نشاء قواعده

ثانياً: المصادر الاحتياطية أو الاستدلالية للقانون الدولي العام

أولاً: احكام المحاكم : المحاكم الدولية ( كمحكمة العدل الدولية، ومحكمة التحكيم الدولية ، والمحكمة الجنائية الدولية ) هي المصدر الاستدلالي الأول للقانون الدولي ، أما بالنسبة لأحكام المحاكم الوطنية فليس لمقررات المحاكم في دولة ما من حيث المبدأ أثر خارج الأراضي الخاضعة لسيادة تلك الدولة عملاً بمبدأ إقليمية القوانين والأحكام

ثانياً: الفقه : القانون الدولي مدين منذ القدم لدراسات مجموعة كبيرة من العلماء الذين تولوا شرح قواعده المتعارف عليها وبناء نظرياته المختلفة ومجموع ما نشر من أبحاث هؤلاء العلماء يسمى «الفقه الدولي» ويستند إليه كمصدر استدلالي في استخراج القاعدة القانونية الدولية . ومن أبرز فقهاء القانون الدولي الذين لمعت أسماؤهم ( فيتوريا, غروشيوس, فاتيل

ثالثاً: مبادئ العدالة والإنصاف : يــرى بعض الفقهاء وجــوب اللـجوء إلى قواعد الـعدالة لتكملة مصادر القانون الدولي العام, وفكر العدالة والإنصاف من الأفكار التي لا يمكن تحديدها بطريقة واضحة وذلك لأن كثيراً ما يربطها الفقهاء بقواعد القانون الطبيعي ، ومن غير الممكن اعتبار هذه القواعد مصدر أصلي مباشر لقواعد القانون الدولي العام وذلك لأنها تنبع عن الفكر والضمير الإنساني للقاضي المحال له النزاع, ولا يمكن للقاضي أن يحكم بها إلا برضى الأطراف, لكن كان لها دور هام في نطاق القانون الدولي العام، مبادئ العدل والإنصاف قد تكون أداة مفسرة لقواعد القانون الدولي العام بمعنى أنها تفسر القواعد القانونية وتوضح معناها والمقصود منها, أو أداة مكملة لها بمعني أنها تكمل الثغرات القانونية، أو أداة مُعدلة أو ملغية لقواعد القانون الدولي



:المصادر

(ب ، ن ) ، 2.7.2021 ، المعاهدات الدولية في القانون الدولي العام ، موسوعة ودق القانونية

(ب ، ن ) ، 30.9.2021 ، المعاهدات الدولية ، موقع الشرق

(ب ، ن ) ، (ب ، ت ) ، مصادر القانون الدولي العام ، مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات

المقالات الأخيرة