النمور الآسيوية أو نمور شرقي آسيا هو لقب يطلق
على اقتصاد دول؛ تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية. سميت بهذا الاسم
لتحقيقها معدل نمو اقتصادي مرتفع وتصنيع سريع خلال الفترة ما بين الستينيات والتسعينيات،
وفي بداية القرن الواحد والعشرين تحولت هذه البلدان إلى بلدان متقدمة، وساعدت في
نمو اقتصادات بعض الدول الآسيوية. تمتلك النمور الآسيوية توجه مشاركة خاصة مع بعض
الدول الآسيوية ذات الاقتصاد الجيد، مثل الصين واليابان. والنمور الآسيوية مصطلح
ظهر قبل ثلاثين عاما للإشارة للنمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده سنغافورة وتايوان
وهونغ وكونغ وكوريا الجنوبية، فمن أمم فقيرة محطمة حققت هذه الدول - منذ الستينيات
- قفزات صناعية واقتصادية مذهلة، ووصلت إلى دول مزدهرة، فكوريا الجنوبية مثلا نهضت
من أمة منهارة (قتلت الحرب الأهلية فيها أربعة ملايين مواطن) إلى دولة صناعية
رائدة تملك اليوم تاسع أكبر اقتصاد في العالم، أما تايوان فلم تكن أكثر من جزيرة
صغيرة للصيادين حققت قفزات اقتصادية مدهشة رفعت دخل المواطن إلى 13 ألف دولار
ووضعتها في المركز الـ 23 ضمن أكبر اقتصاديات العالم. ومصطلح النمور الآسيوية مقتبس من مكانة «النمور» نفسها في الثقافات
الآسيوية، فالنمر الآسيوي يتميز بسرعة حركته ومباغتته للخصوم، وهذا بالضبط ما
فعلته الدول السابقة كونها باغتت العالم بسرعة نموها وانتقالها لمرحلة التصنيع
بطريقة حيرت أساتذة الاقتصاد في الغرب. ففي علم الاقتصاد الرأسمالي تعد الديمقراطية وتوفر الثروات الطبيعية
مطلبا أساسيا للازدهار الاقتصادي غير أن ما حدث في الدول السابقة خالف تماما هذا
المبدأ كون معظمها تقريبا يعاني من شح في الثروات المعدنية والطبيعية (بل ويعاني
بعضها من شح في المياه العذبة مثل سنغافورة التي تستورد مياه الشرب من ماليزيا)، وباستثناء هونغ كونغ (التي
ازدهرت تحت الإدارة البريطانية) خضعت تايوان لفترة طويلة لحكم القائد الثوري شيانج
كاي شك - ومازالت تُحكم من قبل الحزب الوطني الذي أسسه، غير أن شح الثروات الطبيعية
جعل تلك الدول تستثمر في المواطن نفسه بحيث حققت أيضا أكبر نسبة نمو في التعليم
والدخل على مستوى العالم.
النماذج التنموية للنمور الأسيوية
تايوان ونموذجها الاقتصادي
أول دول النمور الآسيوية هي تايوان، فيعد
اقتصاد دولة تايوان خامس أضخم اقتصاد في قارة آسيا كما يعتبرها صندوق النقد الدولي
واحدة من أضخم دول العالم اقتصادياً، ومن منظور المنتدى الاقتصادي العالمي يرى أن
الاقتصاد التايواني يحتل المركز الخامس عشر من بين القوى التنافسية الاقتصادية
العظمى على مستوى العالم وذلك طبقاً لتقرير التنافس العالمي الذي يصدر عن المنتدى
الاقتصادي كل عام اتباع سياسة الخصخصة لعل
أهم السياسات أو المناهج الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات التايوانية لتنقذ نفسها
من أقوى الأزمات الاقتصادية التي حلت بها بعد انقضاء الحروب العالمية كانت سياسة
الخصخصة؛ فقد قامت الحكومة التايوانية بعرض أكبر بنوك الدولة التي تمتلكها وكذلك
أهم المنشآت الصناعية التي تمثل محور الاقتصاد التايواني للبيع حيث يتملكها الآن
رجال أعمال وكيانات اقتصادية كبيرة بشكل رسمي. وعلى قدر ما تحمل سياسة الخصخصة تلك
من تبعات اقتصادية سلبية بالأخص على المواطنين أكثر من السلطة نفسها لكنها في نفس
الوقت تعطي الفرصة للكيانات الاقتصادية الضخمة والمدربة على النهوض بالمشاريع
التجارية المختلفة في تولي أعمدة اقتصاد الدولة وبالتالي العمل على تحسين خدماتها
بشكل سريع وكفئ وفي نفس الوقت بأقل التكاليف.
هونج كونج ونموذجها الاقتصادي
ثاني دول النمور الآسيوية وواحدة من أهم مراكز
الاقتصاد العالمي، وربما كان السبب في ذلك هو سياسة التحرر الاقتصادي الذي تتبعه
هونج كونج الذي يلغي كافة الرسوم والضرائب المفروضة على حركة التجارة داخل وخارج
الدولة؛ فطبقاً لمؤشر الحرية الاقتصادية الذي يصدر كل عام عن جريدة (وول ستريت)
تعد هونج كونج أعلى الدول على الإطلاق في درجة التحرر الاقتصادي وذلك منذ عام 1995
أي العام الذي أطلق فيه ذلك المؤشر.
سياسة التحرر الاقتصادي من يقرأ في تاريخ
الاقتصاد في دولة هونج كونج يعي جيداً أن الحكومة اتبعت أساليب اقتصادية قد تبدو
محفوفة بالمخاطر وبها قدر عالي من المجازفة إلا أنه أتت بثمارها بشكل يفوق
المتوقع، فكثير من حكومات العالم تحاول دائماً ضبط سوق العملة والاقتصاد المحليين
لها خشية أن يستغل ذلك من قبل دولة أخرى مما قد يسبب انهيار الاقتصاد بها على
الفور. أما هونج كونج فقد قامت بالعكس تماماً حيث عملت على تحرير سعر صرف عملتها
المحلية
كوريا الجنوبية ونموذجها الاقتصادي
كثيراً ما توصف نهضة كوريا الجنوبية بالمعجز
الحقيقة حيث انتقل الاقتصاد الكوري من واحد
من أفقر الكيانات عالمياً وأكثرها تأزماً إلى واحدة من أهم الدول
الاقتصادية العالمية؛ فيعتبر اقتصاد كوريا الجنوبية رابع أهم اقتصاد في قارة آسيا
بعد دول النمور الآسيوية الأخرى كما يقع في المركز الحادي عشر ضمن الكيانات
الاقتصادية العالمية وذلك بالرغم من إتباعها لسياسة اقتصادية تختلف كلياً عن
النمور الآسيوية الأخرى، فالنسبة الأكبر من حجم التجارة في كوريا الجنوبية تمتلكه
عائلة واحدة فقط وتسيطر على كافة موارده مما يضع الاقتصاد الكوري في خطر محدق إذا
ما فشلت تلك العائلة في الحفاظ على حجم التجارة الذي تديره في الأجيال القادمة.
سنغافورة ونموذجها الاقتصادي:
يعتبر اقتصاد سنغافورة واحداً من أكثر الكيانات
الاقتصادية انفتاحاً على العالم ليس فقط من بين دول النمور الآسيوية الأخرى وإنما
على مستوى دول العالم أجمع، حيث يتميز المنهج الاقتصادي الذي تتبعه سنغافورة
بالمزج بين أهم العناصر الاقتصادية فعالية وتأثيراً في نظام واحد؛ فيعتبر الاقتصاد
السنغافوري في المركز السابع ضمن أقل الأنظمة الاقتصادية العالمية فساداً وأكثرها
توفيراً لمزايا العمل والاستثمار به حيث تمنح الحكومة للمستثمرين مزايا اقتصادية
عديدة لعل أهمها هو تخفيض نسبة الضريبة العائدة للحكومة من الأنشطة التجارية
المختلفة والتي تبلغ تقريباً حوالي 14% من إجمالي الوارد الاقتصادي، كما تعتبر
سنغافورة أيضاً ثالث أعلى دول العالم من حيث الناتج المحلي ومعدلات الإقبال على
استهلاك ذلك الناتج أما بالتجارة الداخلية أو الخارجية.
كيف نجحت النمور الآسيوية؟
اعتمدت دول النمور على استراتيجية إنمائية
محددة في ظل عدم توفر الموارد الطبيعية، فحواها الاعتماد على مجموعة معينة من
الصناعات التصديرية التي تقوم على استيراد المواد الأولية من الخارج وتصنيعها في
الداخل معتمدة على ميزة الوفرة النسبية لعنصر العمل (الوفرة النسبية في عنصر
العمالة وتكدس أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل وارتفاع معدلات النمو السكاني (
حيث لجأت دول النمور لاستثمار هذه الميزة النسبية في الصناعات التصديرية كثيفة العمالة وذات الأجر الرخيص، بحيث كسبت ميزة تنافسية في دول العالم من خلال منتجاتها الرخيصة التي غزت كل دول العالم، وأرغمت بلدان العالم المتقدم إلى إحضار شركاتها الكبرى والاستثمار فيها لتصنيع منتجات أرخص ثمنا.
المراجع
_
(أمينة عمر/2021-02-03/ كيف حققت نمور آسيا المعجزة الاقتصادية لها، الموسوعة
السياسية).
_ عبده عادل محمد، تجربة النمور الأسيوية في التنمية،
أتحاد جمعيات التنمية الإدارية، المجلد 27، العدد 3 بحوث منشورة.