الخطر النووي
فرع بنغازي

تدرك الدول النووية الكبرى التهديد الوجودي للبشرية كلها المتمثل في الخطر النووي، لكن في ظل الصراع الحالي واحتمالات دخول أطراف أخرى فيه يصعب التكهن بما يمكن أن يحدث. خاصة وأنه في حالة عدم احتواء أي خطأ، لن يتمكن العالم من التحكم في النتائج وربما يصبح الوقت متأخرا على التصرف بعقلانية.

وبما ان السلاح النووي، لدى الدول التي تملك ترسانة منه، هو أساسا للردع وليس للهجوم منذ حتى أيام الحرب الباردة، فمن الطبيعي أن تتشارك الدول النووية الكبرى المعلومات التي تحول دون تصعيد قد يؤدي إلى حرب نووية وكذلك لتفادي ردود الفعل الكارثية على أي خطأ محتمل. لكن الحرب في أوكرانيا وما أدت إليه من صراع واضح بين الغرب وروسيا والصين زادت من حدة الخطر النووي، وإن ظلت المخاطر حتى الآن متدنية الاحتمالات.

ولنأخذ بعض الشواهد على أن الخطر النووي لم يعد أمرا مفترضا، بل يقترب من أن يصبح تهديدا حتى لو كان ضئيل الاحتمال. فالصين تعزز ترسانتها النووية، وتعرب عن انزعاجها الشديد من صفقة الغواصات النووية الأميركية/البريطانية لأستراليا وتعتبرها تهديدا مباشرا لها، رغم أن انتاج تلك الغواصات وتسليمها لأستراليا سيتطلب وقتا.

حيث ان هنالك كثيرون في دوائر السياسة والاستراتيجية حول العالم يقللون من أهمية الخطر النووي حاليا، لكن من الصعب تجاهل أي تصعيد وإن كان في نطاق "تسخين الردع النووي" يمكن أن يجعل أبسط الشرر مفجرا لحرب نووية. ولعل بدء تخفيض مستوى الاتصالات والشفافية النووية بين القوى الكبرى من أخطر اجراءات "تسخين الردع النووي". ولعل البعض يتذكر فيلم الستينيات الشهير "دكتور تسرينجلوف"، وكيف أن تصرف قائد قاعدة جوية أميركية كاد أن يشعل حربا نووية تدمر البشرية، لولا أن الاتصالات بين واشنطن وموسكو نجحت في احتواء الأمر. كانت الاتصالات وقتها أقل تقدما مما هي الآن، لكن الثقة بين الرئيسين الأميركي والسوفييتي (وقتها) كانت الأهم.

تلك الثقة بدأت في التدهور الآن، ليس بين روسيا وأميركا فحسب بل بين عدة دول رئيسية في العالم. ثم أن هناك ما هو أخطر من مسألة اهتزاز الثقة وارتفاع منسوب الصراع بين تلك القوى الرئيسية. ذلك هو الشعور العام لدى كثيرين بأن الولايات المتحدة تشهد بعض الضعف في سطوتها حول العالم. فلطالما تصرفت أميركا منذ نهاية الحرب الباردة في الربع الخير من القرن الماضي على أنها "شرطي العالم" الذي يستخدم قوته لفرض شكل من أشكال "النظام" حتى لو لم يكن نظاما عادلا. والآن، يبدو أن واشنطن إما تنسحب من هذا الدور أو أن قدرة ذلك الشرطي على فرض سطوته تتراجع.

وربما الرهان الآن على عقلانية القيادات في القوى الأخرى الصاعدة، في الصين وروسيا وغيرها، لتفادي الخطر النووي. لكن هناك قوى نووية أخرى، كالهند وباكستان مثلا وربما غيرهما، لا يعرف إن كان الرهان على التزامها "الاستقرار الاستراتيجي" للعالم ممكنا بأي درجة. ثم إن الانتشار النووي في فترة الميوعة التي تلت نهاية الحرب الباردة ربما أفرخت قدرات نووية بدائية في أماكن أخرى من العالم.

لذا، لا يمكن تجاهل أن الخطر النووي أصبح حقيقيا، ربما ليس كما قال الزعيم الكوري الشمالي لكنه أيضا لم يعد احتمالا منعدما.

تحذير أممي من وصول الخطر النووي إلى «أعلى» نقطة منذ الحرب الباردة

حيث حذرت الأمم المتحدة من ارتفاع خطر استخدام الأسلحة النووية، وذلك خلال جلسة بمجلس الأمن الدولي شهدت سجالا بين روسيا والدول الغربية بعد إعلان موسكو اعتزامها نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا.

وخلال الجلسة التي دعت إليها أوكرانيا والولايات المتحدة وألبانيا بشأن الإعلان الروسي، حذرت الممثلة الأممية لشؤون نزع السلاح: "غياب الحوار وتآكل هيكل نزع السلاح والحد منه، إلى جانب الخطاب الخطير والتهديدات المستترة، تعد من العوامل الرئيسية لهذا الخطر الوجودي المحتمل الذي يشكله التصعيد النووي".

 وقالت ناكا ميتسو إنه يتعين على جميع الدول تجنب الإجراءات التي قد تؤدي إلى تصعيد أو ارتكاب أخطاء أو سوء تقدير.

من جانبه، قال روبرت وود نائب المندوبة الأميركية في مجلس الأمن إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصعد سلوك روسيا الخطير والمزعزع للاستقرار عبر التهديد بنشر الأسلحة النووية في بيلاروسيا، حسب تعبيره.

وأضاف وود أنه ليست هناك أسباب دفاعية تجعل روسيا تنشر أسلحة نووية في بيلاروسيا، داعيا موسكو إلى إعادة النظر في نواياها بهذا الشأن.

وتابع أن الكرملين يحاول التلاعب بشبح الصراع النووي لكسب ما وصفها "بحربه غير الشرعية" بأوكرانيا، محذرا من أن استخدام أسلحة كيميائية أو نووية في أوكرانيا سيغير طبيعة الحرب الدائرة هناك منذ أكثر من عام.

وخلال الجلسة نفسها، كرر المندوب الروسي التبرير الذي قدمته موسكو لهذه الخطوة، مشيرا إلى سياسة "التشارك النووي" التي ينتهجها حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لا سيما عبر نشر أسلحة نووية أميركية في أوروبا.

من جهته، دعا كنغ شوانغ نائب المندوب الصيني بمجلس الأمن إلى إلغاء اتفاقات التشارك النووي، وشدد على ضرورة امتناع أي دولة نووية عن نشر أسلحة نووية في الخارج، وإلى سحب الأسلحة النووية المنشورة في الخارج.

وبعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نية بلاده نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، أكد الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو استعداده لاستقبال أسلحة نووية "استراتيجية" روسية إلى جانب أسلحة "تكتيكية"، محذرا من أن حربا عالمية ثالثة تلوح في الأفق.



 

المراجع

_ احمد مصطفى،30 مارس/ 2023، الخطر النووي، موقع سكاي نيوز عربية.

_ مجيد القضماني، 1/ ابريل/ 2023، الأمم المتحدة: الخطر النووي أعلى من أي وقت مضى، موقع عرب.

 

المقالات الأخيرة