أبعاد القرار الصيني بفرض قيود على تصدير الغاليوم والجرمانيوم
فرع بنغازي

أعلنت الصين مؤخرًا عن قرارها بفرض قيود على تصدير عنصري الغاليوم والجرمانيوم، ما أثار العديد من الأسئلة حول الدوافع والتأثيرات المترتبة على هذا القرار. يأتي هذا القرار في إطار الصراعات الاقتصادية والسياسية المتزايدة، خاصة في ظل التوترات مع الولايات المتحدة ودول أخرى حول القضايا التجارية والتكنولوجية.

على الرغم من تعهد الرئيس الصيني "شي جين بينج"، بمناصرته العولمة الاقتصادية، ومعارضته الحمائية في العلاقات الاقتصادية الدولية، فرضت الصين قيوداً على صادرات معدنَي الغاليوم والجرمانيوم، ومركباتهما الكيميائية ذات الأهمية الحيوية في إنتاج أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والصناعات المتقدمة تقنياً، بدايةً من الأول من أغسطس 2023، بهدف حماية أمن الصين القومي ومصالحها. وتأتي ضوابط الصين في الوقت الذي تدرس فيه واشنطن قيوداً جديدة على شحن الرقائق الدقيقة العالية التقنية إلى الصين، بعد سلسلة من القيود الأمريكية التي تم فرضها على الصين في الأعوام الأخيرة؛ ما قد يسفر عن تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وقد يتسبب في تفاقم الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية.

طموحات "بكين"

أعلنت الحكومة الصينية في الثالث من يوليو 2023 فرض قيود على صادرات معدنَي الغاليوم والجرمانيوم، وهما مادتان أساسيتان تستخدمان في صناعة الرقائق والصناعات المتقدمة. ووفقاً للقرار الصيني ستدخل الضوابط الجديدة حيز التنفيذ اعتباراً من 1 أغسطس 2023، على ثمانية منتجات ذات صلة بالغاليوم. وستطبق الضوابط أيضاً على ستة منتجات أخرى من الجرمانيوم وتتضمن ثاني أكسيد الجرمانيوم، وركيزة النمو فوق الجرمانيوم، وسبائك الجرمانيوم، ومعدن الجرمانيوم، ورابع كلوريد الجرمانيوم، فضلاً عن فوسفيد الجرمانيوم والزنك، بالإضافة إلى أكثر من 36 نوعاً من المعادن ذات الصلة.

وطبقاً للقرار ستخضع بعض طلبات التصدير المستقبلية للمراجعة الحكومية؛ حيث سيتطلب الأمر من شركات التصدير تقديم طلب للحصول على تراخيص من وزارة التجارة الصينية لبدء أو مواصلة تصدير شحناتها، فضلاً عن الإبلاغ عن تفاصيل تتعلق بالمشترين الأجانب وطلباتهم. وتعد هذه الإجراءات متوافقة مع الممارسات الدولية ولا تستهدف دولة معينة.

وجاء ذلك القرار قبل أيام قليلة من زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، للمرة الأولى إلى الصين من 6 يوليو الجاري حتى التاسع من الشهر ذاته، بهدف تعزيز التواصل بين الولايات المتحدة والصين، وتهدئة العلاقات في ظل التوتر المتزايد بين الدولتين، كما ستسعى يلين خلال زيارتها لتعزيز التواصل بين البلدين، وتوسيع التعاون في مواضيع مرتبطة بالاقتصاد العالمي والاحترار وأزمة الديون في الدول الناشئة والنامية، فضلاً عن إعادة النظر في العلاقات التجارية والاستثمارية؛ من أجل بحث الملفات الشائكة والعمل على حلحلتها، لا سيما في سياق أشباه الموصلات والمواد الخام. وستلعب نتائج هذه المحادثات دوراً حاسماً في تشكيل الديناميكيات المستقبلية بين الولايات المتحدة والصين. وعطفاً على ما سبق، يمكن القول إن القرار الصيني يعود إلى عدة أسباب تتضمن ما يلي:

1.    الأهمية الاقتصادية للمعدنين: يعد عنصرا الغاليوم والجرمانيوم من المعادن الثانوية، التي لا توجد عادة بمفردها في الطبيعة، ويحملان اللون الأبيض الفضي من حيث المظهر الخارجي، ويتم إنتاجهما بتركيزات محدودة باعتبارهما منتجين ثانويين من مصافي التكرير التي تركز على المواد الخام الأخرى الأكثر انتشاراً مثل الزنك أو الألومينا. ويحظى المعدنان بأهمية اقتصادية كبيرة؛ حيث يتم استخدامهما في صناعة الرقائق ومعدات الاتصالات والدفاع، فيدخل الغاليوم في تصنيع الدوائر الكهربية لأشباه الموصلات المركبة، التي تضم عناصر متعددة لتحسين سرعة النقل وكفاءته، وفي صناعة الإلكترونيات والهواتف المحمولة والألواح الشمسية والرادارات. وتشمل استخدامات الجرمانيوم مجالات اتصالات الألياف الضوئية ونظارات الرؤية الليلية واستكشاف الفضاء، ويستعمل في الأدوات البصرية وعدسات المجاهر والكاميرات.

وبحسب تقرير "إندبندنت عربية" في 5 يوليو الجاري، تعتبر هيئة المسح الجيولوجي الأميركية كلاً من الغاليوم والجرمانيوم ضمن 50 نوعاً من المعادن المهمة. ويعتمد الجيش الأمريكي على نيتريد الغاليوم؛ لخصائصه المتعلقة بنقل الطاقة بكفاءة في أكثر الرادارات المتقدمة قيد التطوير، كما يُستخدم أيضاً في نظام الدفاع الصاروخي "باتريوت" الذي تصنعه شركة "RTX"، المعروفة سابقاً بـRaytheon Technologies. وبلغت مبيعات الرقائق التي تستخدم "نيتريد الغاليوم" نحو 2.47 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 19.3مليار دولار بحلول عام 2030، كما من المرجح أن تنمو مبيعات الرقائق المنتجة باستخدام "زرنيخيد الغاليوم" من 1.4 مليار دولار في 2022 إلى 3.4 مليار دولار في 2030.

2.    هيمنة الصين على إنتاج المعادن النادرة: تعد الصين منتجاً رئيسياً لعشرين مادة خاماً أساسية من معادن الأرض النادرة بالإضافة إلى معدنَي الغاليوم والجرمانيوم، وتُعد الصين أكبر مصدر لكلا المعدنين؛ إذ تشكل 94% من إمدادات الغاليوم و83%من الجرمانيوم؛ فعلى الرغم من عدم ندرتهما، فإن تكاليف معالجتهما تعد مرتفعة، كما أن الصين صدرتهما بثمن زهيد نسبياً لفترة طويلة؛ ما أدى إلى وجود مرافق قليلة لإنتاجها في مواقع أخرى؛ فبخلاف الصين، توجد دول أخرى تتمتع بقدرة إنتاجية للغاليوم من بينها روسيا وأوكرانيا، وأستراليا وفرانسا وألمانيا؛ فقد بلغ حجم إنتاج الصين من الغاليوم العالمي خلال عام 2022 نحو 450 ألف طن، مقارنة بإنتاج روسيا لنحو 5 آلاف طن واليابان وكوريا الجنوبية لنحو 3 آلاف طن وألفي طن خلال العام ذاته.

ومع زيادة الصين إنتاجها، خفضت بعض الدول؛ من بينها ألمانيا وكازاخستان، أنشطتها لاستخراج المعدنين؛ إذ يُنتج المعدن بوصفه منتجاً ثانوياً للألومينا، بالإضافة إلى كوريا الجنوبية واليابان، بوصفه منتجاً ثانوياً للزنك. وفي أمريكا الشمالية، يُستخرج الجرمانيوم برفقة الزنك والرصاص. وبلغت قيمة واردات الولايات المتحدة من معدن الغاليوم ورقائق زرنيخ الغاليوم خلال عام 2022 نحو 225 مليون دولار أمريكي، واستوردت نحو53% من حاجتها من الغاليوم خلال الفترة من 2018 و2021 من الصين، فيما يستورد الاتحاد الأوروبي من الصين 27% من واردته من الغاليوم و17% من الجرمانيوم.

3.    تزايد التنافس على أشباه الموصلات: أدى تفاقم التنافس بين الصين والولايات المتحدة إلى فرض قيود على الصادرات من أشباه الموصلات بهدف إبطاء وتيرة صناعات التكنولوجيا المتقدمة في الدولة الأخرى؛ حيث يتخذ كل طرف إجراءات حمائية ضد الآخر، وهو ما يعرف بـ"حرب الرقائق"، بحسب تقرير لموقع الشرق منشور في 5 يوليو الجاري؛ وذلك هو ما دفع الصين إلى فرض قيود على صادراتها من معدنَي الغاليوم والجرمانيوم، باعتبار ذلك رد فعل لدراسة واشنطن فرض قيود جديدة على تصدير الرقائق الدقيقة المتقدمة تقنياً إلى الصين، بعد فرضها سلسلة من القيود في السنوات القليلة الماضية؛ حيث أوقفت الولايات المتحدة في أكتوبر 2022 صادرات المعدات المستخدمة في إنتاج بعض أشباه الموصلات الأكثر تقدماً إلى الصين، واعتمدت على موردين من كوريا الجنوبية وهولندا لوقف صادراتهما أيضاً، وقد انضمت إليها اليابان في أبريل 2023، لتشمل الشركات الواقعة في الدولتين الحليفتين، مثل "إيه إس إم إل" و "نيكون كورب" و"طوكيو إلكترون"، لتصبح بذلك جميع الدول الكبرى المنتجة لمعدات تصنيع الرقائق مشاركة في الحصار المفروض على الصين. وتمثل رد فعل الصين في حظر استخدام منتجات شركة Micron، وهي أكبر منتج لرقائق الذاكرة في الولايات المتحدة، في شركات البنية التحتية المعلوماتية المهمة في الصين؛ حيث تستثمر الشركة نحو 600 مليون دولار في مصنعها بالصين.

4.    الرغبة الصينية في الهيمنة التكنولوجية: جاء قرار الصين بفرض القيود على تصدير معدنين ذوي أهمية كبيرة للدول الغربية، في إطار رغبة الصين في تحقيق الهيمنة التكنولوجية من الحوسبة الكمية إلى الذكاء الاصطناعي وتصنيع الرقائق، وكانت الولايات المتحدة قد اتخذت إجراءات صارمة على نحو متزايد لمنع هيمنة الصين في هذا المجال؛ حيث ترغب الصين في أن يصبح جيشها من الطراز العالمي بحلول عام 2049، ويتضمن جزء كبير من ذلك تطوير أسلحة مستقلة، بما في ذلك الصواريخ فرط الصوتية، واستخدام الذكاء الاصطناعي AIفي عدة مجالات، بما في ذلك الحرب الإلكترونية. وتتمحور مخاوف واشنطن في أن يتفوق جيش التحرير الشعبي الصيني على الجيش الأمريكي من خلال استخدام التكنولوجيا الأمريكية؛ حيث تعتمد الشركات الصينية والجيش على الواردات للحصول على الرقائق المتقدمة.

5.    المحاولات العالمية لتقويض طموحات الصين: تعتزم الولايات المتحدة الإعداد لأمر تنفيذي يهدف إلى قطع بعض الاستثمارات الأمريكية في قطاعات التكنولوجيا الصينية، بالإضافة إلى فرض قيود على وصول الشركات الصينية إلى معدات إنتاج الرقائق وخدمات الحوسبة السحابية الأمريكية، بما في ذلك الخدمات التي تقدمها شركة التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية العملاقة أمازون دوت كوم وإمبراطورية البرمجيات مايكروسوفت كورب. وتدرس واشنطن إلزام شركات الحوسبة السحابية بالحصول على تصريح من الحكومة قبل تقديم خدماتها للشركات الصينية التي تستخدم هذه المنصات لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن منع استخدام الجيش الصيني لتقنيتها.

ومن ثم، فإنه على الرغم من إعلان الصين أن الهدف الرئيسي من تلك القيود المفروضة على بعض المعادن يأتي حمايةً لأمنها القومي ومصالحها الاقتصادية، لا يتعدى القرار الصيني في حقيقة الأمر كونه معاملة بالمثل؛ فعادة ما تحاول بكين مطابقة التدابير التجارية الأمريكية بتدابير مضادة بنسبة مكافئة.

تداعيات محتملة

يحمل القرار الصيني عدداً من التداعيات المحتملة الممتدة على الاقتصاد العالمي، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1.    تعطل سلاسل الإمداد: قد يؤدى فرض قيود على تصدير المعادن من قبل الصين إلى تعطيل سلاسل الإمداد وتأخير الإنتاج للمنتجات التي تستخدم هذه المعادن، مثل الهواتف الذكية والحواسيب والسيارات الكهربائية والطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية؛ ما يؤدي بدوره إلى زيادة التكاليف لمصنعي الأجهزة والإلكترونيات في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة واليابان وأوروبا، الذين يعتمدون على الإمدادات الصينية.

2.    أزمة عالمية في أشباه الموصلات: قد يفضي فرض قيود على تصدير معدني الغاليوم والجرمانيوم العنصرين الأساسيين في إنتاج أشباه الموصلات والاتصالات، وصناعات السيارات الكهربائية، وأنظمة الصواريخ، إلى نقص المعروض منها في ظل ارتفاع طلب الدول الغربية عليها؛ ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها عالمياً، ومن ثم ارتفاع أسعار المنتجات المستخدمة لهذين المعدنين؛ نظراً إلى ارتفاع تكلفة إنتاجها، كما سيؤدي إلى إغلاق العديد من الشركات العالمية التي تعمل على إنتاج أشباه الموصلات من هذين المعدنين؛ بسبب النقص الذي سيطرأ على وفرتهما في الأسواق العالمية.

3.    ارتفاع أرباح المنتجين الصينيين: من المتوقع ارتفاع الطلب العالمي على الغاليوم والجرمانيوم؛ بسبب نمو صناعة أشباه الموصلات وتطوير تقنيات جديدة مثل G5، والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والطاقة المتجددة، كما ارتفعت أسعار هذين المعدنين بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب قيود العرض والتوترات الجيوسياسية، وقد ارتفع سعر الغاليوم النقي بنسبة  99.99%في الصين بنسبة  5.97%ليصل إلى 1775 يواناً (نحو 245 دولاراً) للكيلوجرام من جراء إصدار القرار الصيني بتقييد صادرات المعدنين.

كما ارتفع سعر سبيكة الجرمانيوم في الصين إلى نحو 9150 يواناً (نحو 1264 دولاراً) للكيلوجرام، وارتفعت أسهم بعض منتجي المعادن في اليوم الثاني لصدور القرار تحسباً لارتفاع أسعار المواد الخام؛ حيث قفزت شركة يونان لينكانج شينيوان لصناعة الجرمانيوم بنسبة 10% عن الحد الأقصى اليومي، بينما ارتفعت شركة يونان تشيهونج للزنك والجرمانيوم بنسبة 7%، كما ارتفعت أسهم منتجي العناصر الأرضية النادرة الأسترالية؛ حيث راهن المستثمرون على إمكانية فرض المزيد من القيود، وارتفعت الأسهم في Lynas Rare Earths أكبر منتج للأتربة النادرة في العالم خارج الصين، بنسبة 4% .

4.    تصاعد الحرب التجارية بين بكين وواشنطن: تؤثر القيود المفروضة على الغاليوم والجرمانيوم على المعادن المتخصصة التي يتم إنتاجها بشكل أساسي في الصين؛ ما يمنح بكين نفوذاً في القطاعات المتطورة، وقد تسهم تلك القيود في إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، بما ينعكس على حركة الاستيراد والتصدير بين البلدين وعلى حجم الاستثمارات؛ حيث أدى شبح فرض قواعد جديدة تحظر بعض الاستثمارات الأمريكية في الصين إلى توقف المستثمرين والشركات عن الاستثمار في الدولة؛ ما يسهم بدوره في زيادة التوترات بين الصين والولايات المتحدة وحلفائها، وتصعيد الحرب التجارية والمنافسة التكنولوجية بينهما؛ حيث إن المزيد من التدهور في العلاقات يؤدي إلى ارتفاع المخاوف الأمريكية من أن تمنع الصين الوصول إلى بضائع رئيسية مثل مكونات بطاريات السيارات الكهربائية؛ ما يؤدي إلى بطء النمو العالمي، ويهدد بدوره استقرار الاقتصادات العالمية.

5.    البحث عن إمدادات بديلة وتقليص حصة الصين: من المتوقع أن يؤدي ارتفاع الأسعار بسبب إجراءات قيود التصدير، إلى البحث عن بدائل جديدة وتنويع سلسلة التوريد، من خلال عمليات إعادة التدوير؛ حيث تشكل خردة أرضية المصانع جزءاً من الإمدادات، بينما تُنتشل أيضاً خردة الجرمانيوم من نوافذ الدبابات والمركبات العسكرية التي تخرج من الخدمة؛ فوفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، يمكن استخدام السيليكون أو الإنديوم بديلاً للغاليوم في رقائق الزرنيخ في بعض التطبيقات الإلكترونية، وبديلاً أكثر فاعليةً من حيث التكلفة للجرمانيوم؛ حيث تستخدم أنظمة تطبيق الأشعة تحت الحمراء سيلينيد الزنك وزجاج الجرمانيوم باعتبارهما بديلين لمعدن الجرمانيوم.

وذلك فضلاً عن البحث عن موردين آخرين؛ حيث تحتوي بعض مشروعات التعدين على تركيزات أعلى من المعدنين، على غرار مشروع الزنك بمنطقة كيبوشي في جمهورية الكونغو الديمقراطية الذي من المتوقع انطلاقه العام المقبل؛ فقد يؤدى ارتفاع الأسعار بدوره إلى تحفيز المنافسة الأجنبية من خلال جعل مشاريع التعدين والمعالجة خارج الصين أكثر تنافسيةً من حيث التكلفة؛ فإذا قامت الصين بتقييد الشحنات وتقليص إمداداتها، فقد يدفع ذلك دولاً مثل اليابان أو كندا أو الولايات المتحدة إلى زيادة الإنتاج، ومن ثم تقليص حصة الصين في السوق.

 

تنافس محموم

وأخيراً، قد تكون التداعيات الناجمة عن تلك الإجراءات الصينية الأخيرة محدودة في نطاقها؛ فبينما تتطلب القواعد الجديدة من المصدرين الصينيين الحصول أولاً على ترخيص، لا توجد قرارات تمنع التصدير تلقائياً إلى بلدان معينة أو مستخدمين نهائيين؛ ما يقلل حدة تأثيرها أو يجعل تأثيراتها مؤقتة، إذا لم تفاقم الحكومة الصينية الأمور وتزيد من قيودها، بحظر شامل لسلسلة من المنتجات والخامات الضرورية للصناعة الحديثة التي تنتجها بكين، بما في ذلك صناعة الأسلحة الأمريكية، ومن ثم لن يتعدى القرار الصيني بفرض قيود على صادرات بعض المعادن المهمة، كونه إجراء لتذكير الدول الغربية – بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان وهولندا – بقوة الاقتصاد الصيني ومدى هيمنة بكين على سوق صادرات المواد الخام وأشباه الموصلات، ومن ثم ردعها عن فرض مزيد من القيود على وصول الصين إلى الرقائق والأدوات المتطورة.

ولكن مع ذلك، إذا فرضت الصين حظراً شاملاً على تصدير هذه المعادن فقد يؤدي هذا إلى تعطيل إنتاج مجموعة واسعة من المنتجات الحالية، بما في ذلك الرقائق والشاشات ومعدات الألياف الضوئية والألواح الشمسية، وإعاقة تطوير تقنيات الجيل التالي، ومن ثم رجحان كفة المنافسة للاقتصاد الصيني؛ ففي ظل احتدام المنافسة بين القوى التجارية الكبرى عالمياً، وسيطرة الصين على نحو 80% من واردات الولايات المتحدة من المعادن النادرة، التي يتم استخدامها في صناعة الإلكترونيات ذات التكنولوجيا الفائقة والتسليح العسكري، لا تزال أمام الشركات الأمريكية سنوات عديدة كي تتمكن من منافسة الصين في الهيمنة على المعادن الأرضية النادرة؛ وذلك من جراء افتقارها إلى منشآت المعالجة المحلية؛ ما يضمن للصين احتكار مجال معالجة المعادن، ويمنحها ميزة كبرى في محادثات التجارة؛ حيث لا تزال مساعي بناء مصانع لمعالجة المعادن النادرة في الولايات المتحدة في مرحلة مبكرة.




 

المراجع:

هدى سعيد اليمني، 9.7.2023، أبعاد القرار الصيني بفرض قيود على تصدير الغاليوم والجرمانيوم، انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية.

ب،ن ، 4.7.20203 ، الصين تقيّد تصدير الغاليوم والجرمانيوم الأساسيين في صناعة الرقائق: كيف يؤثر ذلك على الأسواق؟ ، موقع العربي الجديد .

 

المقالات الأخيرة