يرى
بعض المراقبين أن السنوات الثلاث الأخيرة، أظهرت تراجعًا في تموقع التكتل الأوروبي
في المعادلة الدولية، رغم توافر عدة فرص لاستعادة دوره التاريخي، سواء على مستوى
التكتل أو حتى على المستوى الفردي. الأمر الذي يمكن إرجاعه _ إلى جانب عوامل أخرى
_ إلى شخصية القائد السياسي نفسه المتصدرة للمشهد الأوروبي خلال الفترة الأخيرة، وتأسيسا
على ذلك، يناقش هذا التحليل مدى تأثير شخصية القائد السياسي الأوروبي على الدور
الفعال للسياسة الخارجية لدولته وللتكتل ككل تجاه المستجدات على الساحة الدولية
والإقليمية مؤخرا.
نظريات
القيادة السياسة:
ركزت
مجموعة من النظريات على دور القائد السياسي في السياسة الخارجية، مثل نظرية صنع
القرار التي تقوم علي افتراض أن الناس صناع عقلانيون لقرار رشيد يحقق أهدافهم
والمصلحة العامة. والنظرية الشخصية، التي تؤكد أن ازدياد التواصل والتفاعل بين
زعماء الدول من شأنه أن يؤدى إلي تحسين العلاقات بين الدول. كذلك نظرية السمات،
التي تؤكد على ضرورة تمتع القائد السياسي بسمات شخصية، تميزه عن الآخرين وتمكنه من
التأثير فيهم.
وتقدم
نظرية القيادة السياسية إطارا يمكن من خلاله فهم طبيعة وكيفية ومدى تأثير القائد
السياسي على السياسة الخارجية لبلده، ومن ثم على مكانتها الدولية، وذلك بناء على
توجهاته ومعتقداته الشخصية والتغيرات التي تطرأ على السياسة الخارجية. وثمة مجموعة
من العوامل التي تستند إليها النظرية، والتي تعظم حظوظ القائد السياسي في التأثير
وإنجاح سياسة دولته الخارجية، ويمكن حصر أهمها في:
كاريزمية
القائد السياسي: وتعني قدرته على اكتساب الولاء والإخلاص من قبل الرأي العام
باعتباره مصدرا شرعيا للسلطة، كما تخلق الكاريزما انطباعا عاما لدى الرأي العام
بأن حل مشكلات الدولة لن يتحقق إلا من خلال القائد السياسي، بما يعني منح القائد
تفويضا كاملا لإدارة السياسة الخارجية، فيصبح لدى الجماهير استعداد لتقبل أفكاره
ومعتقداته، مثل ديجول في فرنسا وموسوليني في إيطاليا وعبد الناصر في مصر. وكانت
هذه السمة هي من كفلت لهم التأييد الداخلي وبالتالي الأريحية في التصرف في الشؤون
الخارجية، بما ينعكس على مكانة وهيبة القائد نفسه على الساحة السياسية.
أما
القائد السياسي الذي لا يتمتع بشخصية كاريزمية، فإن قدرته على التعامل مع ملف
السياسة الخارجية من منطلق تصوراته الذاتية تكون محدودة، مثل جيرالد فورد الرئيس
الأمريكي الأسبق وهوا كوفينج الرئيس الصيني الأسبق.
الأزمة
السياسية: تؤدي الأزمة السياسية إلى تعظيم دور القائد السياسي خلال فترة حدوثها،
فموقف الأزمة السياسية يؤدي إلى عملية تصعيد تلقائي لسلطة اتخاذ القرار إلى القائد
السياسي، ليس فقط من قبل الجماهير، وإنما من المؤسسات السياسية نفسها، ومثال على
ذلك تفويض مجلس الأمة المصري كافة سلطاته للرئيس عبد الناصر أثناء أزمة يونيو في
1967، كما كان للأزمة الأوكرانية تأثير كبير في حسم بعض القادة الأوروبيين
للانتخابات، مثل ماكرون، باعتبارها كانت بمثابة إشغال للرأي العام بالخطر الخارجي
عن الملفات الداخلية.
مرونة
القائد السياسي: وتعني حساسية القائد السياسي للبيئة الموضوعية ومدى استعداده
لتغيير سياسته طبقا للمعلومات الجديدة التي ترد من البيئة الخارجية، ويكون القائد
السياسي مرنا عندما يكون مستعدا لتغيير سياسته إذا ثبت عدم صحة المعلومات
الموجودة، وقد يكون جامدا بمعنى أنه يحاول تكييف المعلومات المتاحة لكي تتوافق مع
سياسته ومعتقداته.
خبرته
بالشؤون السياسية الخارجية: كأن يكون القائد السياسي تمرس في العمل السياسي في
مجال السياسة الخارجية قبل وصوله إلى السلطة، ففي هذه الحالة سيزداد احتمال تأثيره
على السياسة الخارجية لدولته، حيث تكون لديه آراء وعقائد واضحة حول الأسلوب الأمثل
لصياغة السياسة الخارجية لبلده، باعتباره يدرك كيف تدار السياسة الخارجية
وانعكاساتها على السياسات العامة، مثل دي مورفيل رئيس وزراء فرنسا السابق الذي كان
وزيرا للخارجية قبل وصوله إلى رئاسة الوزراء وليستربيرسون رئيس وزراء كندا السابق.
تأثير
محدود:
استنادا
إلى العوامل السابقة، يمكن القول إن القادة الأوروبيين الحالين لم يتوفر بهم أي
منها بالقدر الذي يمكنه من التأثير وإنجاح سياسته الخارجية، ويمكن توضيح ذلك على
النحو التالي:
فيما
يتعلق بعامل الكاريزما، يتضح أن أي من القادة الأوروبيين الحالين لم يكن كاريزميا،
لا على مستوى الداخل، بالنظر إلى الاحتجاجات المتكررة التي شهدتها الدول الأوروبية
في الآونة الأخيرة، احتجاجا على ممارسات أجهزة الدولة والضغوطات الاقتصادية
المستمرة على مدار أربع سنوات. ولا على المستوى الخارجي كذلك، حيث غابت خلال
السنوات الأخيرة شخصية القائد الأوروبي القادر على الحشد وتوحيد مواقف دول التكتل،
ففكرة إنشاء التكتل نفسها جاءت بمبادرة فرنسية وحيدة حينها.
أما
بالنسبة إلى عامل التمرس بالشؤون الخارجية لدولته، نجد أنه شرط لم يتوفر في
المستشار الألماني أولاف شولتس على سبيل المثال، الذي كان وزيرا للمالية في حكومة
ميركل، وليس متمرسا في الشؤون السياسية الخارجية، مما جعله غير قادر حتى الآن على
تشكيل سياسة خارجية مبررة ومستقلة خاصة به وبائتلافه الحاكم فيما يتعلق بحرب غزة،
فقد كان المحرك الرئيس له هو عقدة الهولوكوست. والأمر نفسه بالنسبة لموقفه من
الحرب الأوكرانية، حيث لم يستطع الموازنة بين دعم كييف وعلاقته بروسيا التي كانت
مميزة إلى درجة كبيرة قبل الحرب، مما كلفه تداعيات سياسية واقتصادية هائلة قد
تكلفه منصبه في انتخابات العام القادم.
حتى
عامل مرونة القائد السياسي في التعامل مع الملفات الخارجية، ورغم أن أثر القائد
السياسي الجامد على السياسة الخارجية يكون أكبر من القائد السياسي المرن، إلا أن
مدى نجاح هذا التأثير على السياسة الخارجية لدولته وقدرتها على حشد حلفاء لها شيء
آخر، لأن ذلك قد يتطلب نوعا من المرونة من القائد السياسي في التعامل مع الملفات
الخارجية وفقا للتطورات الحاصلة.
وعلى
سبيل المثال، مثلت حرب غزة الراهنة فرصة للقادة الأوروبيين لاستعادة مكانتهم
الاستراتيجية في الشرق الأوسط، إلا أن القادة الأوروبيين لم يلجؤوا إلى تغيير
موقفهم الداعم لإسرائيل في ظل عدوانها الخاشم على قطاع غزة، والذي يرقى إلى جرائم
الحرب، من أجل كسب اصطفاف الدول العربية
والإسلامية حولهم في ظل وجود رغبة من كلا الجانبين للاستقلال عن الحليف الأمريكي،
او على الأقل تنويع الشركاء، الأمر الذي سيدفع أيضا لتعزيز شعبية القائد لدى الرأي
العام الداخلي الأوروبي المتعاطف في الغالب مع الفلسطينيين.
واختصارا،
فالقادة الأوروبيون لم يتمكنوا سواء من خلال المرونة أو الجمود أن يعظموا من دور
الاتحاد ومصالحه في خضم التحديات السياسية الأخيرة، فأصبحوا مجرد نسخة مكررة عن
الموقف الأمريكي.
والأمر
نفسه بالنسبة للأزمة السياسية، حيث من المفترض أنها تسهم في صنع قادة سياسيين حال
قاموا بدور مؤثر باسم دولتهم لصالح الأزمة، وهو ما لم ينجح فيه القادة الحاليين،
رغم توالي الأزمات خلال السنوات الأخيرة بدء من جائحة كورونا، مرورا بالحرب
الأوكرانية، وصولا إلى حرب غزة.
نماذج
سابقة:
تبدو
قدرات القادة الأوروبيين الحاليين محدودة داخليا وخارجيا، إذا ما قورنوا بديجول
وموسوليني وغيرهم، بل وحتى بعض القادة الذين ابتعدوا عن المشهد السياسي مؤخرا. مثل
ميركل، التي تعد وفقا لمراقبين آخر الزعماء الكاريزميين خلال السنوات الأخيرة،
بعدما فتحت أبوابها لنحو مليون طالب لجوء، مما أكسبها احترام الجميع، كما حافظت
على القوة الاقتصادية لبلدها، واتخذت قرارا قويا بمعاقبة روسيا بعد ضم الأخيرة
للقرم رغم المصالح الاقتصادية التي تجمع البلدين، كما تمكنت من الحفاظ على قوة
اقتصادها خلال الأزمة المالية العالمية في 2008 و2009، حتى أنها أصرت على بقاء
اليونان داخل الاتحاد الأوروبي رغم معارضة كثيرين، واستطاعت فرض وجهة نظرها كقائد
للتكتل، إلى الدرجة التي دفعت الكثير لتوقع هزة قد تصيب الاتحاد الأوروبي بعد
ميركل.
حتى
أن ميركل تصدرت قائمة أكثر النساء المؤثرات على الساحة الدولية في 2013، كما سبق
ونالت لقب أقوى امرأة في العالم، ووصفت أيضا بزعيمة العالم الحر، حتى أنها كانت
على تفاهم مع بعض القادة الأوروبي مثل
توني بلير وساركوزي، لدرجة أن وسائل الإعلام أطلقت اسما يشير إلى هذا
التفاهم وهو ” ميركوزي “. ويمكن الحكم على مدى نجاحها من استمرارها لنحو 16 عاما
في منصبها في دولة مثل ألمانيا.
كان
لميركل أيضا هدف استراتيجي هام، وهو تقوية الاتحاد الأوروبي في خضم المنافسة مع الولايات المتحدة والصين، من
خلال الاقتصاد الذي اعتبرته أرضية قوية لبناء قوة سياسية، حتى أنها كانت ممثلة
الغرب في التفاوض مع شخصية مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكونها تجيد اللغة
الروسية.
كذلك
ساركوزي، الذي كان لا يفضل بقائه في وضع المتفرج، فقد كانت له مواقف قيادية في
قضايا حساسة، حيث عارض غزو العراق في 2003، وأطلق اسمه على شوارع وساحات في ليبيا
بعدما كان له الفضل الأول في تطبيق منطقة الحظر الجوي، كما انتقد صراحة نظام
الأسد، وأعلن إغلاق سفارة بلاده في دمشق احتجاجا على المجازر التي حدثت في سوريا.
فضلا عن أنه أدان توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، وكان أحد المدافعين عن
قيام الدولة الفلسطينية، فاقترح في وقت سابق وضع جدول زمني يمتد لعام لإقامة
الدولة الفلسطينية، كما انتقد الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن ضد عضوية فلسطين في
الأمم المتحدة، وصوت لصالح عضويتها في اليونسكو، بما قد يشير إلى أنه كان صاحب دور
مستقل.
بالإضافة
إلى أن ساركوزي كان يملك مهارات خطابية وشخصية كاريزمية وشجاعة في التعبير عن
قناعاته، بما قد يدفع بالفعل للالتفاف حوله، على خلاف ماكرون بسبب سياسته الغير
واضحة. وبعيدا عن مواقفه المعادية للإسلام، فإن الحظ لم يحالف ساركوزي فقط على
المستوى الداخلي لأنه قاد البلاد في فترة انكماش عالمي كبير. ولهذا كان دعمه
لماكرون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أحد العوامل التي أسهمت في حسم ماكرون
للسباق الانتخابي، في ظل منافسة شرسة من اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان.
بالإضافة
إلى ديفيدكاميرون، الذي كان يحظى بشعبيه كبيرة داخل بريطانيا، وكان يجيد التعامل
مع الملفات الخارجية ونظرائه من الدول الأخرى، وتجلى ذلك في التعاون الفرنسي
البريطاني في ليبيا، وكان مؤيدا لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، واعتبرها ”
أقوى ” وهي داخله، ولهذا استقال من منصبه عندما جاءت نتيجة الاستفتاء بالخروج من
الاتحاد في ٢٠١٦.
إلا
أن إجادته التعامل في ملف السياسة الخارجية دفعت رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك
لتعيينه وزير للخارجية في نوفمبر ٢٠٢٣، باعتباره يجيد التعامل مع الملف الفلسطيني، وبما
يتماشى مع التوازن الذي تحاول أن تنتهجه بريطانيا بين طرفي الحرب. فرغم دعم ديفيد
كاميرون لإسرائيل، إلا أنه دوما ما اعتبر غزة بمثابة ” سجن عملاق مفتوح “، كما
أدان الهجوم الإسرائيلي على سفينة ما في مرمرة التركية.
انعكاسات
هامة
استنادا
لما سبق، انعكس الدور المحدود أو الشخصيات المتواضعة التي تولت قيادة المشهد
الأوروبي مؤخرا في بعض الإخفاقات، لعل أبرزها:
-جائحة
كورونا: فعلى إثر أزمة كورونا، تأخرت الدول الأوروبية في سباق انتاج لقاح جديد أو
حتى إدارة الأزمة، كما تقاعست عن دعم بعضها البعض كأحد أهداف التكتل، وهو ما تجلى
عندما أدت الجائحة إلى تداعيات هائلة في إيطاليا وإسبانيا تحديدا من حيث الخسائر
البشرية والاقتصادية. وبالتالي، كانت جائحة كورونا بمثابة الخسارة الأولى للاتحاد
الأوروبي بعد البريكست، حينما تحرك الاتحاد وخصص أموالا هائلة لتأمين اللقاحات،
حيث تعاقد على تأمين 2.575 مليار جرعة، إلا أنه تأخر في إجراءات التطعيم ومساعدة
الدول الفقيرة كما تعهد في وقت سابق، وكانت أولوياته سعر اللقاح قبل إنتاجه، على
عكس الولايات المتحدة التي لعبت على القيام بدور استباقي لإنتاج اللقاح مهما كان
ثمنه.
-المنافسة
العالمية: فاليوم نشهد منافسة بين الصين والولايات المتحدة وروسيا حول الزعامة
العالمية، ويكاد لا يوجد دور يذكر للاتحاد الأوروبي في هذا السباق، وكأنه أصبح
إمبراطورية فقدت تاريخها أو هيبتها، وأصبحت مجرد تابع لسياسة البيت الأبيض، وهو ما
يتضح من موقف الاتحاد الأوروبي في الأزمة الأوكرانية، رغم أنه يأتي في مقدمة
الخاسرين من هذه الحرب على المستوى السياسي والاقتصادي. حتى في خضم حرب غزة لم
تستطع دول الاتحاد الأوروبي الاتفاق حول موقف موحد تجاه الأزمة الإنسانية التي
تشهدها غزة، وأصبحت كل دولة تغرد منفردة بموقف معين تجاه الحرب يتغير وفقا
للتطورات.
=الوساطة
الأوروبية: رأينا محاولات لوساطات من دول أوروبية كفرنسا وألمانيا قبل اندلاع
الحرب الأوكرانية، ورغم الثقل المفترض لهذه الدول، إلا أنها فشلت جميعها في منع
الحرب أو قيادة جهود الوساطة بين الروس والأوكران عقب اندلاعها فعليا، حتى ألمانيا
تحديدا التي اتسمت علاقتها بروسيا بالخصوصية الشديدة، الأمر الذي قد يدفع إلى
التشكيك في قدرة القائد السياسي الأوروبي على التفاوض والمناورة.
-الاستقلالية
الأوروبية: فقد سبق وفشل ماكرون في إقناع القادة الأوروبيين بتأسيس جيش دفاع مشترك
كخطوة في طريق الاستقلالية الأوروبية عن واشنطن. وعلى سبيل المثال، تشتري بعض
الدول الأوروبية مثل إيطاليا وألمانيا الأسلحة من الخارج، كذلك بولندا التي تتمسك
بالحماية الأمريكية ضد روسيا، وهذا يعني عدم وجود صناعة دفاعية مشتركة كخطوة أولى
في طريق الاستقلالية.
بريطانيا
وألمانيا أصبحت مجرد تابع للسياسة الأمريكية، وفرنسا لم تستطع بمفردها توحيد الصف
الأوروبي، أو تحقيق الاستقلالية عن واشنطن، رغم وجود رغبة فرنسية حقيقية في ذلك،
وتحديدا بعد أزمة الغواصات.
-الأولوية
الأمريكية: يتجلى خفوت الدور الأوروبي في استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس
بايدن، التي اعتبرت الصين وروسيا المهددين الرئيسيين للمصالح الأمريكية، وتجاهل
الدور الأوروبي المحتمل في التوجهات الأوروبية أو المنافسة الأوروبية نفسها
للولايات المتحدة، حتى ولو على المستوى الاقتصادي، إلا حينما اعتبرت الاستراتيجية
أن الدور الأمريكي الأقوى سيكون في المحيطين الهندي والهادي وأوروبا، بهدف ” ردع
الأعداء “، والدفاع عن المصالح الأمريكية.
-التحركات
المشتركة: حيث غابت خلال الآونة الأخيرة الزيارات المشتركة بين القادة الأوروبيين
لمناطق الأزمات، ففي خضم حرب غزة قام القادة الأوروبيون بجولات مستقلة بين دول
المنطقة، والأمر نفسه بالنسبة لأوكرانيا قبل وبعد اندلاع الحرب، بما يشتت قوى
الاتحاد الأوروبي. مقارنة بزيارات مشتركة للزعماء الأوروبيين لبؤر الأزمات، مثل
ليبيا، التي زارها ساركوزي وديفيد كاميرون معا في أول زيارة لمسؤولين غربيين
لليبيا منذ مقتل القذافي، وتم استقبالهم من الجموع الليبية بساحة التحرير في
بنغازي كالأبطال، في خطوة قد تنم عن تفاهم بين كبرى دول القارة.
كما
فشل القادة الأوروبيين في اتخاذ موقف موحد من حرب غزة، او التوصل إلى صيغة
توافقية، بعدما برز اختلاف الرؤي بشكل واضح؛ بين دول أدانت إسرائيل وأخرى دعمتها،
في حين فضل البعض الآخر الحفاظ على موقف متوازن من الحرب. كما برز الخلاف داخل
المفوضية حول الدعوة إلى هدنة إنسانية أم وقف لإطلاق النار أو غير ذلك.
=خسارة
مناطق النفوذ: ففرنسا بدأت تخسر نفوذها في أفريقيا لصالح قوى أخرى كروسيا وتركيا،
فقد سبق وأخرجت قواتها من مالي، تلتها النيجر والجابون، إلى جانب التوتر الذي أصاب
علاقتها بدول شمال أفريقيا والمغرب العربي، والجزائر تحديدا.
وحاليا،
تعتبر جورجيا ميلوني أكثر القادة الغربيين شعبية على المستوى الداخلي في الوقت
الحالي بعدما أقرت ميزانية طمأنت بها الأسواق أن إيطاليا قادرة على تسديد ديونها،
بما قد يؤهلها للعب دور خارجي أكثر أريحية ونشاطا، بعد أن وطدت علاقتها مع نظرائها
الأوروبيين بعقد لقاءات مثمرة، حصلت بعدها على المنح التي خصصها الاتحاد الأوروبي
لإيطاليا الخاصة بصناديق التعافي من فيروس كورونا. الأمر الذي يمثل مفاجأة لكثير
ممن توقعوا أن تشهد ولايتها استقطابا حادا بعد عام على توليه رئاسة الحكومة، وفقا
لبيانات شركة مورنينغ كونسلت والقناة الإخبارية الثانية في إيطاليا، إلى درجة حفزت
الشعوب الأوروبية على استقدام شخصيات يمينية، كما حدث في هولندا وسلوفاكيا والسويد
وغيرها.
وإجمالا، فقد بدت أوروبا وكأنها لا تملك أوراقا قوية لها تأثير مباشر على المستجدات الدولية، حيث فشلت أوروبا في معالجة أزمات شرق المتوسط، والتعامل مع ابتزاز أردوغان، ولا تنظيم حوار مع روسيا والصين، بما يقلص من فاعلية دور التكتل الأوروبي كفاعل مهم على مستوى حلف الناتو والمؤسسات الدولية الكبرى.
المراجع
:
وردة
عبد الرازق ، 23.1.2024 ، لماذا تراجع
دور القارة الأوروبية في المعادلة الدولية؟ ، مركز رع للدراسات الاستراتيجية .
(
ب ، ن ) ، 22.3.2021 ، تراجع الاتحاد
الأوروبي في المعادلة الدولية الجديدة ، موقع العرب .