في
الوقت الذي تخوض فيه الولايات المتحدة الأمريكية والصين صراعًا على النفوذ السياسي
والاقتصادي في افريقيا، يُشكِّل الذكاء الاصطناعي محورًا جديدًا للمنافسة بينهما، في
ظل تدافع الدول الافريقية لوضع سياسات خاصة بها في مجال الذكاء الاصطناعي من جهةٍ،
وظهور تطبيقات تكنولوجية جديدة للصين وأمريكا قادرة على الانتشار في افريقيا؛ بحيث
أصبحت تُشكِّل نقاط دخول إستراتيجية في سعيهما للهيمنة الاقتصادية العالمية من جهة
ثانية.
كما
تُشكّل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حوالي 38.6% من الناتج المحلي الإجمالي للصين
في ظل التزام بكين بوَضْع نفسها في طليعة الابتكار التكنولوجي العالمي، كما يتَّضح
من خطتها الخمسية الرابعة عشرة (2021-2025م) وخطاب الرئيس “شي جين بينغ” في مؤتمر الحزب
الشيوعي الصيني الذي أكَّد على أهمية التوسُّع التكنولوجي، والذي يُمثِّل جزءًا لا
يتجزأ من إستراتيجية الصين في أن تصبح أكبر دولة في العالم.
وقد
احتلت التقنيات الرقمية مركز الصدارة في الصراع العالمي الجديد بين الولايات المتحدة
الأمريكية والصين في افريقيا؛ حيث إن التوسع الرقمي للصين من خلال مشروع طريق الحرير
الرقمي
(DSR) يُعزِّز أجندتها الجيوسياسية
في الدول الافريقية.
وبينما
تتنافس الصين والولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز حضورهما الرقمي في افريقيا يُثار
تساؤلان رئيسيان أولهما: ما مدى قدرة القارة الافريقية على الاستفادة من هذا التنافس
في تطوير بنيتها التحتية التكنولوجية؟ والآخر: هل تستطع الدول الافريقية الحفاظ على
توازنها في علاقتها مع كلا البلدين ؟
تبرز
القارة الافريقية لاعبًا مهمًّا في المنافسة الأمريكية الصينية على الذكاء الاصطناعي،
وتعزيز النفوذ الرقمي في القارة، ويكمن ذلك في عدة أسباب من أهمها ما يلي:
1 - المعادن الافريقية المهمة المُستخدَمة في التكنولوجيات
الناشئة، مثل الكوبالت والليثيوم والجرافيت ومعادن البلاتين
2 - بحلول عام 2050م سيكون هناك 2.5 مليار مستهلك إفريقي
مما يجعل افريقيا سوقًا واعدةً للاستثمارات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات،
بالإضافة إلى ذلك؛ فإن فرصة توسيع نطاق ابتكارات البحث والتطوير المتوافقة مع احتياجات
المنطقة لها أهمية خاصة؛ نظرًا لوجود مجتمع شبابي سريع النمو
3 - افريقيا أرض اختبار للأفكار الجديدة التي لن تنجح
في الأسواق المتقدمة
4 - الحد من الوجود الإستراتيجي للقوى المُنافِسَة؛
حيث يعكس الحضور الصيني والأمريكي في افريقيا الاهتمام المُتزايد مِن قِبَل القوتين
بهذه المنطقة ذات الأهمية الجيوإستراتيجية لكليهما، وذلك بالنظر إلى ارتباطهما بمصالح
عديدة ومتشابكة بالسيطرة والنفوذ.
5- 39٪ - فقط من الأفارقة لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت،
مقارنةً بنحو 89٪ في أمريكا الشمالية وذلك في ظل اعتبار المناطق
التي لم يصلها الإنترنت من أهم مناطق النفوذ للدول التكنولوجية الكبرى لأنه يمكن التحكم
في مواطني هذه المناطق بسهولة بواسطة الذكاء الاصطناعي، والذي يُعدّ أساسًا للمستقبل.
6 - تكلفة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية أقل
من الاستثمار الرأسمالي في البنية التحتية المادية، مثل الطرق والجسور والسكك الحديدية
التي يترتب عليها الكثير من التكلفة الاجتماعية والبيئية بالنسبة للعديد من الدول الافريقية.
-مظاهر السباق في الذكاء الاصطناعي بين الصين وأمريكا
في افريقيا:
تعددت
مظاهر السباق الرقمي بين القوتين العظميين في افريقيا بحيث اتخذت مجموعة من الأشكال
تمثل أبرزها فيما يلي:
1 - زيادة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي:
قامت
الولايات المتحدة الأمريكية بالعديد من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي في افريقيا؛
حيث افتتحت شركة “جوجل” في وادي السليكون أول مختبر لها في مجال الذكاء الاصطناعي في
غانا، في حين الأمريكية كما أعلنت وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو عن شراكة لتمكين
الشركات الأمريكية من الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات في كينيا
كذلك
اهتمت الصين أيضًا بالاستثمار في الذكاء الاصطناعي في افريقيا فلأكثر من عقد من الزمان،
ظلت الصين تستثمر في البنية التحتية للإنترنت والاتصال في القارة من خلال مبادرة الحزام
والطريق، وفي أبريل 2024م، عُقد منتدى صيني-إفريقي للتنمية والتعاون في مجال الإنترنت
في مدينة شيامن الساحلية بجنوب شرقي الصين وحضره ممثلون عن حوالي 20 دولة إفريقية.
وتلعب
الشركات الأمريكية والصينية دورًا واضحًا في تطلعات دولهما للهيمنة على الاتصالات العالمية.
ورغم أن بعض هذه الشركات هي في الظاهر مؤسسات خاصة تُحرّكها قوى السوق؛ إلا أنها تظل
جميعها مسؤولة أمام الحكومة
2- إطلاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي (ChatGPT) و(Chat Xi PT):
أطلقت
الدولتان العديد من التطبيقات المتسقة مع الرؤية السياسية للنظام الأمريكي والصيني؛
حيث أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية تطبيق (ChatGPT) في نهاية عام 2022م، وهو أحد أنواع تطبيقات المحادَثة
القائمة على تكنولوجيات الذكاء الصناعي التوليدي، والذي انتشر في عدد كبير من الدول
الافريقية. وتظهر الأبحاث التي أجراها مؤشر ستانفورد للذكاء الاصطناعي لعام 2024م أن
27% من الكينيين يستخدمون
ChatGPT يوميًّا، ليحتلوا
المرتبة الثالثة بعد الهند وباكستان.
3- استخدام الدول الافريقية كمختبرات لتحسين تقنيات
المراقبة:
تسعى
كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين إلى أن يصبحا رائدين عالميين في مجال الذكاء
الاصطناعي، ويتم ذلك جزئيًّا من خلال استخدام البلدان النامية ومنها الدول الافريقية
كمختبرات لتحسين تقنيات المراقبة الخاصة بهما
-المُحدِّدات التي تُعيق استفادة الدول الافريقية
من المنافسة الصينية الأمريكية:
تظل
الاستثمارات غير الكافية في البنية التكنولوجية إحدى المحددات الرئيسية التي تحول دون
الاستفادة من مميزات الذكاء الاصطناعي فوفقًا للبنك الدولي فإن تحقيق الوصول الشامل
والجيد إلى الإنترنت في جميع أنحاء افريقيا سيتطلب استثمارات بقيمة 100 مليار دولار
أمريكي، 80% منها مطلوب للبنية التحتية الأساسية لإنشاء وصيانة شبكات النطاق العريض
وعلى
الرغم من تصدُّر الدول الأكثر تقدمًا مثل جنوب افريقيا وكينيا ومصر ونيجيريا في التحول
الرقمي. إلا أن الكثير من الدول في افريقيا بحاجة إلى تعزيز تنسيق أُطُر التحوُّل الرقمي،
ومواءمة السياسات وتنظيم القطاع لتسهيل استخدام التكنولوجيا الرقمية وتوسيع نطاق الاستثمار
في الموارد والبنية التحتية.
ويعتمد
النظام البيئي الرقمي بشكل كبير على كهرباء ثابتة وبأسعار معقولة، بدءًا من اتصالات
الإنترنت المنزلية إلى المحطات الأساسية التي تدعم الشبكات الخلوية إلى مراكز البيانات
التي تخزن محتوى الإنترنت. وهذا يعني أن معظم الدول الافريقية ذات البنية التحتية الضعيفة
للطاقة ستظل تعاني من الفجوة الرقمية والاستبعاد الرقمي، مما يؤثر على القدرة التنافسية
الرقمية للمنطقة.
وبينما
يتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكانات كبيرة لحل العديد من الأزمات التي تُواجه افريقيا؛
إلا أنه نظرًا للطبيعة الاقتصادية والسياسية لافريقيا فإنه قد يترتب عليه مجموعة من
المخاطر، ومنها أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى إدامة التحيزات، وتفاقم الظلم،
وانتهاك حقوق الإنسان، فضلًا عن آثاره السلبية على الجريمة المنظمة العابرة للحدود
الوطنية
ويتمتع
الذكاء الاصطناعي بالقدرة على التأثير على الرأي العام؛ من خلال نشر معلومات مضللة
-هل سيتحوّل الذكاء الاصطناعي لأداة للاستعمار الجديد؟
على
الرغم من النهج الحمائي الذي تتخذه الدولتان للحدّ من تأثير تقنيات الطرف الآخر، والتخوُّفات
إزاء العواقب التي قد تترتب على الأمن القومي نتيجة لاعتماد أيٍّ منهما المتبادل على
تكنولوجيات كلٍّ منهما، ففي السنوات القليلة الماضية، فرضت واشنطن عقوبات صارمة على
شركات التكنولوجيا الصينية بما في ذلك الحدّ من وصولها إلى التكنولوجيات الأمريكية
الحيوية
إلا
أنه مع ذلك تسعى الدولتان لمزيدٍ من النفوذ في السوق الافريقية من خلال وجود شركات
كبيرة متعددة الجنسيات في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي ستفرض أنظمتها في جميع أنحاء
القارة، ولا تترك مجالًا لخلق أنظمة محلية.
كما
أنه في سياق الثورة الصناعية الرابعة تسعى الدولتان إلى استخدام قوة الذكاء الاصطناعي
جنبًا إلى جنب مع التقدم في التكنولوجيا الحيوية؛ بحيث تكون افريقيا المكان الذي يتم
فيه اختبار كل هذه الحلول الجديدة بشكل غير مُعلَن، بالشكل الذي قد يصل إلى إجراء اختبارات
على البشر باستخدام الرقائق أو حتى عناصر التكنولوجيا الحيوية المتكاملة.
هل
تستطيع افريقيا الاستفادة من المنافسة الرقمية بين أكبر قوتين في العالم؟
تتعدد
احتياجات القارة الافريقية ومطالبها الذي يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في حلّها مثل
الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التعليم والصحة، والتكيف مع تغير المناخ، والمساعدة
في التنبؤ بتفشّي الأمراض والكوارث الطبيعية، وتسهيل حماية الحياة البرية من الصيد
غير المشروع، والمساعدة في جعل المراكز الحضرية المزدحمة أكثر ملاءمة للعيش.
إن
الإقبال المتزايد على أدوات الذكاء الاصطناعي والمنافسة الشديدة في افريقيا بين الصين
وأمريكا تستدعي التساؤل حول ما إذا كان ينبغي للدول الافريقية أن تمارس سيادتها وتضع
قيودًا تنظيمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، أم تترك هذه المنافسة على أراضيها لاكتساب
المعرفة حول الذكاء الاصطناعي من جهة والاستفادة من الاستثمارات في هذا الإطار من جهة
ثانية؟
وختامًا…
عكس الذكاء الاصطناعي تجدُّد التنافس بين القوتين الكبريين على النفوذ والهيمنة في
افريقيا ذات الأهمية الجيوإستراتيجية، عبر توظيف كل طرف منهما لما يمتلكه من آليات
وأدوات، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، بما يصبّ في صالح زيادة نقاط القوة لطرف على حساب
الآخر.
ومع
ذلك، فإن الواقع يُشير إلى أنه بينما تتزايد حدة التنافس بين الولايات المتحدة والصين
لتعزيز العمل الرقمي في افريقيا؛ إلا أنه تسير الدولتان في اتجاه عدم دعم العمل مع
الدول الافريقية لتعزيز ابتكارات الذكاء الاصطناعي المحلي، والحرص على استمرار اعتماد
الدول الافريقية على التكنولوجيا الرقمية الخاصة بهما، والذي بدَوْره يَحُدّ من قدرات
نمو الشركات المحلية، ويُعزّز “الاستبداد الرقمي”، و”استعمار البيانات”، في ظل تزايد
دور الشركات متعددة الجنسيات التابعة لهما، وامتلاكها أدوات وقدرات التلاعب بالسوق
الإفريقي.
المصدر : قراءات إفريقية
الكاتب :
إيمان الشعراوي
التاريخ : 8/7/2024