مر أكثر من مائة عام على ما بات
معروفاً بوعد بلفور الذي بمقتضاه قام وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور بتوجيه
رسالة إلى اللورد ليونيل آرثر روتشيلد أحد قادة التجمع اليهودي البريطاني لكي ينقلها
إلى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وآيرلندا ومحتوى الرسالة كان وعداً بإنشاء وطن
«قومي» لليهود في فلسطين وفي الحقيقة فإن هذا الوعد لم يكن الوعد الوحيد الذي أطلقته
بريطانيا العظمى أثناء الحرب العالمية الأولى فيما يخص ما كان معروفاً أيامها بالشرق
الأدنى (جاء تعبير الشرق الأوسط فيما بعد) وإنما كانت هناك وعود كثيرة شملت الوعد بمملكة
عربية موحدة في منطقة الهلال الخصيب عام 1916 فيما عرف بمراسلات «الحسين ـ مكماهون»
ووعود أخرى إلى فرنسا بتقسيم مناطق النفوذ في المنطقة ذاتها تحت عنوان ما بات معروفاً
باتفاق سايكس بيكو كانت بريطانيا العظمى توزع الوعود ذات اليمين وذات اليسار، وكان
جوهرها كلها هو وراثة الإمبراطورية العثمانية، وما كان معروفاً وقتها برجل أوروبا المريض،
فوزعت على اليهود والعرب والفرنسيين واليونانيين وغيرهم أيضاً حسب ما كان تفرضه نتائج
الحرب الجارية.
- ما الذي دعا بريطانيا إلى إصدار
وعد بلفور؟
الوعد لم يرتبط بأي بعد ديني أو
اخلاقي بل هو محاولة من بريطانيا إلى مد نفوذها إلى فلسطين بسبب موقعها المتميز، فاهتمام
بريطانيا بفلسطين يسبق أي علاقة بينها وبين الحركة الصهيونية.
لكن ومثل أي شيء يتعلق بوعد بلفور
فإن هناك خلافا كبيرا بين المؤرخين حول الأسباب التي تكمن وراء إصدار الوعد، كما يشرح
البروفيسور أفي شلايم الأستاذ بجامعة أوكسفورد بقوله إن: "وعد بلفور يمثل قضية
مثيرة للجدل بين المؤرخين فهناك وجهة نظر ترى فيه مشروعا بريطانيا مسيحيا نبيل الأهداف
لمساعدة اليهود للعودة إلى وطنهم التوراتي حظي بدعم ساسة متعاطفين مع الحركة الصهيونية،
بينما يربط فريق آخر من المؤرخين بين الوعد والسياسة الإمبريالية لبريطانيا والتي كان
من بين أهدافها الحصول على دعم يهود الغرب".
ويبدو أن الخلاف حول وعد بلفور
ليس قاصرا على المؤرخين بل أن الخلاف ولد قبل صدور الوعد نفسه، كما يقول البروفيسور
أفي شلايم الذي يرى أن "الوعد كان مثار خلاف داخل حكومة لويد جورج فعندما كان
رئيس الوزراء وعدد من المسؤولين يؤيدون اصدار الوعد كان هناك فريق يعارض الأمر ومن
بين أعضاء فريق المعارضين الوزير اليهودي الوحيد في الحكومة ادوين مونتغيو الذي كان
يرى أن إنشاء وطن قومي لليهود سيقوض من الجهود المبذولة لتحقيق المساواة بين اليهود
وغيرهم
المؤكد أن الوعود البريطانية كانت
كلها متضاربة بل ومتناقضة مع بعضها بعضا الفيصل فيما حدث في الواقع اعتمد كثيراً على
قدرة الأطراف الأخرى، فكان اليهود هم الأكثر نجاحاً فعرفوا كيف يحولون الوعد إلى تصريح
بالهجرة وعرفوا كيف يحولون «الوطن القومي» إلى «دولة قومية» وأكثر من ذلك عرفوا كيف
يحولون دولة قزم طبقاً لقرار التقسيم الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 إلى إمبراطورية استقر لها احتلال أراضي
ثلاث دول عربية بالإضافة إلى فلسطين كلها اعتباراً من صدور قرار مجلس الأمن رقم
242 في 22 نوفمبر 1967 بوقف إطلاق النار لحرب يونيو من العام ذاته العرب والأتراك واليونانيون
وغيرهم حصلوا على قطع من الإمبراطورية أقل من أحلامهم، ونجح أتاتورك في وراثة دول تركية
تخلف الإمبراطورية، وفي كل الأحوال نجم عما جرى منذ قرن كما حدث مع وعد بلفور أو
70 عاماً كما حدث مع قرار التقسيم، أو 50 عاماً كما حدث مع القرار 242 موجات من الصراع
وصناعة السلام ما زال أهل المنطقة يغالبونها حتى اليوم.
- وقائع و حقائق ما بعد بلفور
:
الدرس الأول: الذي نتعلمه كان دوماً
أن خلق الحقائق على الأرض كان أقوى من المجادلات القانونية أو الأخلاقية وهو الذي يظهر
الفارق الأساسي ما بين النخبة السياسية اليهودية والنخبة السياسية الفلسطينية الفارق
لم يكن فقط في الاستيطان اليهودي على أرض لم تكن لهم من قبل فقد كان الفلسطينيون على
الأرض بالفعل ولكن كان في القدرة على بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
في ذلك الوقت لم يكن لدى اليهود تلك المزايا العالمية التي يحصلون عليها الآن.
الدرس الثاني: أن القوة العسكرية
مهما كانت لديها من قدرات لها حدود وهي وحدها لا تستطيع تحقيق أهداف أي من أطراف الصراع
العربي ـ الإسرائيلي فشل العرب في 1948 وفي 1967 ولكن الإسرائيليين فشلوا في 1956 وفي
1973 وأكثر من ذلك فشلوا في قمع الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية وعندما توقفتا
كان ذلك نتيجة العمل الدبلوماسي والسياسي إسرائيل مهما حققت من انتصارات عسكرية ظهر
لها أنها لا تستطيع إخضاع الفلسطينيين ودفعهم إلى الخروج من فلسطين .
الدرس الثالث: أن الصراع كانت فيه مثابرة وطاقة داخلية كافية لكي
يستمر بينما العالم بأسره يتغير فقد بدأ في حرب عالمية أولى وعاش الحرب الثانية بنتائجها
على اليهود والعرب والفلسطينيين ثم بعد ذلك الحرب الباردة وتقلباتها وبعد ذلك انتهاؤها
مع انهيار الاتحاد السوفياتي والتحولات والتقلصات التي تلت انهيار مبنى التجارة العالمي
في نيويورك
أكثر من مائة عام على وعد بلفور
تحكي تراجيديا كبيرة تحتاج إلى القراءة مرة أخرى وليس البكاء على الأطلال وربما الأهم
إطلالة على المستقبل المبادرة العربية للسلام ربما تكون مفتاح النظر لترتيب أوضاع في
منطقة لم تعرف الترتيب إلا عندما قامت بها دول أخرى كما فعلت بريطانيا في وعودها الآن
ما الذي يمنعنا وقد أصبحنا مستقلين من القيام بهذه المهمة؟!
المصدر: مجلة السياسة الدولية
الكاتب : عبد المنعم سعيد
التاريخ : 22/8/2017
-----------------------------
المصدر: بي بي سي نيوز
الكاتب : محمد عبد الرؤوف
التاريخ : 1/11/2017