يعود تاريخ التنمية المستدامة في الأمم المتحدة
إلى مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية الذي عقد في ستوكهولم، فقد كان
مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية أول مؤتمر رئيسي للأمم المتحدة بشأن
قضية البيئة. واعتمد المؤتمر إعلان وخطة عمل ستوكهولم الذي حدد مبادئ الحفاظ على
البيئة البشرية وتعزيزها مع توصيات للعمل البيئي الدولي، كما أنشأ المؤتمر برنامج
الأمم المتحدة للبيئة ، وهو أول برنامج للأمم المتحدة يعمل فقط على القضايا البيئية
ويُعد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة في ستوكهولم هو أول مؤتمر عالمي يجعل البيئة
قضية رئيسية. اعتمد فيه المشاركون سلسلة من المبادئ للإدارة السليمة للبيئة بما في
ذلك إعلان وخطة عمل ستوكهولم من أجل البيئة البشرية والعديد من القرارات.
وضع إعلان ستوكهولم، الذي تضمن 26 مبدأ،
القضايا البيئية في مقدمة الاهتمامات الدولية وكان بداية الحوار بين الدول
الصناعية والدول النامية حول الصلة بين النمو الاقتصادي وتلوث الهواء والماء
والمحيطات والآبار ورفاه الناس في جميع أنحاء العالم. وبعد عشرين عامًا، في قمة الأرض التاريخية في
ريو دي جانيرو بالبرازيل سعت الأمم المتحدة إلى مساعدة الحكومات على إعادة التفكير
في التنمية الاقتصادية وإيجاد طرق لوقف تلويث الكوكب واستنفاد موارده الطبيعية حيث
تشكل البيئة المحيط الحيوي والطبيعي الذي يعيش فيه الانسان، لكن مع ارتفاع مستويات
النمو الاقتصادي العالمي وتزايد مستويات التصنيع، أصبحت تشكل هذه الأخيرة تهديد
للوسط البيئي الإنساني خاصة مع تفاقم المشاكل البيئية، الأمر الذي أدى إلى بروز
وعي دولي يدعو للاهتمام بالبيئة في إطار ما يسمى بعولمة القضايا البيئية، ويحذر من
تدهور الوضع الإيكولوجي العالمي، ولعل من أهم المحطات في هذا الشأن هو مؤتمر
ستوكهولم للبيئة سنة 1972.
مؤتمر ستوكهولم وبداية عولمة القضايا البيئية:
هو مؤتمر دولي لحماية البيئة عقد في العاصمة
السويدية "ستوكهولم"، لمناقشة مشاكل الإنسان و البيئة بدعوة من منظمة
الأمم المتحدة، وذلك في الفترة الممتدة من 5 الى 16 .6 . 1972. تحت شعار" أرض واحدة "، في إشارة الى أن البيئة هي كل واحد لا يتجزأ ، وأنه مهما تباعدت مواقع
البشر فإنهم يعيشون في عالم واحد على نفس الأرض ويعانون من نفس المشاكل. وللإشارة
فقد تم تعريف البيئة في هذا المؤتمر بأنها:
»رصيد الموارد المادية والاجتماعية المتاحة في وقت ما وفي مكان ما لإشباع
حاجات الانسان وتطلعاته.
ارتبط السياق العام لانعقاد مؤتمر ستوكهولم
ببروز العديد من المشكلات البيئية الخطيرة في مختلف بلدان العالم، والتي كان لها
أثرا كبيرا في نمو الوعي البيئي على المستوى الدولي. خاصة بعد الحرب العالمية
الثانية وظهور الأمم المتحدة من خلال ميثاقها الذي تضّمن في المادة (55) منه
إشارات إلى البيئة. وتبعه بعد ذلك سنة 1948 الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والذي
أشار هو الآخر في المادة (25) الفقرة (01) إلى البيئة. ضف إلى ذلك جهود الأمم
المتحدة سنة 1969 في إطار الإعلان حول التّقدم والإنماء في المجال الاجتماعي، من
خلال المادة (13) تحت عنوان: حماية البيئة البشرية وتحسينها.
أما الجهود الأكاديمية فقد ارتبطت بإسهامات
"راشيل كارسون" في كتابها " الربيع الصامت "، و هي عالمة
بيئية شددت على ضرورة احترام النظام الإيكولوجي، وكل تلك الجهود ترجمت الرؤية
البيئية كظاهرة عالمية والتي تجسدت بصفة رسمية في مؤتمر ستوكهولم 1972.
وبالتالي فتطور الحركة الإيكولوجية الناتجة عن
التطور المتزايد للإعلام البيئية بسبب
كثرة المشكلات البيئية ، وكذا تزايد الوعي الدولي بالأزمات البيئية والآثار التي يمكن أن
تنتج عنها، كلها عوامل دفعت المجتمع الدولي لعقد هذا المؤتمر، لكن الملاحظ أنه عقد
في فترة تميزت بالتوتر السائد في العلاقات الدولية بسبب الحرب الباردة.
تحليل مضمون إعلان ستوكهولم 1972
تضمن إعلان ستوكهولم حول البيئة ديباجة و 26
مبدأ، و فيما يلي تحليل ذلك:
- ديباجة إعلان ستوكهولم:
يبدأ الإعلان بشأن البيئة البشرية بديباجة تفيد
بأن الإنسان هو الذي يصنع ويشكل بيئته التي تعطيه القوة، وتمنحه الفرصة لتحقيق
النمو الفكري والخلقي والاجتماعي والروحي، وجاء أيضا: " في عصرنا هذا يمكن
لقدرة الانسان على تحويل المحيط الذي يعيش فيه اذا ما استخدمت بحكمة أن تعود على
جميع الشعوب بفوائد التنمية، وأن تتيح له فرصة تحسين نوعية العيش ". مما يعني
التوفيق بين البيئة والتنمية ومتطلباتها، حيث جاء في المبدأ 8 من الديباجة: "
للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية أهمية أساسية لضمان بيئة مواتية لعيش الانسان
وعمله، وإيجاد ظروف على الأرض ضرورية لتحسين نوعية العيش.
وقد أقر المؤتمرون أن أسباب تدهور البيئة في
الدول النامية تعود إلى التخلف، فما زال هناك ملايين البشر يعيشون تحت مستوى
الفقر، ومن ثمة وجب على البلدان النامية أن توجه جهودها نحو التنمية واضعة في
الاعتبار أولوياتها والحفاظ على البيئة وتحسينها، كما ينبغي على الدول الصناعية أن
تبذل جهودا للتقليل من الفجوة القائمة بينها وبين البلدان النامية .
- مبادئ اعلان ستوكهولم 1972
يحتوي إعلان ستوكهولم على 26 مبدأ، حيث ينصبّ
المبدأ 1 و2 على تأكيد حق الإنسان في الحرية والمساواة في ظروف عيش مناسبة، وفي
بيئة تسمح نوعيتها بالحياة في ظل الكرامة وتحقيق الرفاه وهو يتحمل مسؤولية رسمية
تتمثل في حماية البيئة والنهوض بها من أجل الجيل الحاضر والأجيال المستقبلية.
وتشكل المبادئ 2 إلى 7 جوهر الإعلان والتي تنادي بأن الموارد
الطبيعية للكون لا تقتصر على النفط والمعادن، بل تشمل الهواء والماء والأرض
والنبات والحيوانات، والتي لا بد من الحفاظ عليها لمصلحة الأجيال الحالية والمقبلة.
أما المبادئ 8 إلى 28، فقد ركزت على مسألة
تطوير قواعد القانون الدولي خاصة المادة 21 التي نصت صراحة على مبدأ الوقاية
للمحافظة على الموارد البيئية وتحقيق التنمية المستدامة .
وقد شكلت هذه المبادئ بداية الميلاد الحقيقي للاهتمام
بالبيئة، ولازالت تشكل الأساس والسند الذي انطلقت منه كافة البحوث والقوانين
والتدابير لحماية البيئة.
- مخرجات مؤتمر ستوكهولم: بين التوصيات و
التحديات
لقد كان لمؤتمر ستوكهولم دور في عولمة قضايا
البيئة وطرح فكرة التنمية المستدامة، وعلى هذا الأساس قامت مبادرات إقليمية ووطنية
لتنمية وعي أفضل للمشكلات البيئية، حيث قال المتابعون لقضايا البيئة بأن مؤتمر
ستوكهولم يعتبر منعطفا تاريخيا أرسى دعائم فكر بيئي جديد، يدعو إلى التعايش مع
البيئة والتوقف عن سوء استغلالها. وهو ما تبلور في إحداث برنامج الأمم المتحدة الذي يتصدر الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة
لحماية البيئة العالمية.
أما عن توصيات هذا المؤتمر، فقد أصدر خطة للعمل
الدولي تضمنت 109 توصية، تدعو الحكومات ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية
للتعاون في اتخاذ التدابير الملائمة لمواجهة المشكلات البيئية. ومن أبرز هذه التوصيات:
- استغلال الموار د الطبيعية بشكل يمنع نفادها.
- وقف إطلاق المواد السامة، وعدم إطلاق الحرارة
بكثافة تتجاوز قدرة البيئة.
- التوفيق بين حماية البيئة ومتطلبات التنمية.
- حق الدول في استغلال مواردها شريطة عدم الإضرار بالبيئة لدى الآخرين.
لكن ورغم هذه التوصيات، إلا أن المؤتمر قد
اقتصر على بعض النتائج الخجولة وذلك بسبب الخلافات الناتجة عن الانقسام الدولي.
حيث أن توتر العلاقات الدولية بسبب الحرب الباردة، وكذا الشرخ أو الهوة الموجودة
بين الدول المتقدمة والمتخلفة، إذ كانت من أولوياته إقناع دول العالم بضرورة العمل
من أجل تحقيق التوازن والتوافق بين البيئة والتنمية، لاسيما أن الدول النامية كانت
ترى من القضايا البيئية على أنها مسائل ثانوية وأنها أقل تلويثا للبيئة لضعف
القاعدة الصناعية لديها مقارنة بالدول المتقدمة.
وفي الأخير نستنتج أن مؤتمر ستوكهولم قد شكل
منعطفا تاريخيا في إيجاد اهتمام دولي مشترك بالقضايا البيئية، وقد كان نتاج لتفاقم
المشاكل البيئية على الصعيد العالمي، إذ عُدّ أول مؤتمر دولي يهتم بالمسائل
البيئية حصرا لتصبح قضايا رئيسية وهامة في أجندة العلاقات الدولية، وقد شكل حجر
الأساس لانعقاد مؤتمرات أخرى كمؤتمر ريود وجانيرو 1992 ومؤتمر جوهانسبورغ.
المراجع:
فارس قره، 2020-11-01، مؤتمر ستوكهولم للبيئة 1972،
موقع البيئة والتنمية
جودي هولى ،1.12.2022، مؤتمر ستوكهولم،
البلدان، النقاط، موقع منظمة الأمم المتحدة على شبكة الأنترنت