أزمة المياه تهدد مستقبل ليبيا
فرع القاهرة

 

رغم الانقسام السياسي والصراع العسكري الذي احتدم في ليبيا إلا أن أزمة المياه تعتبر الهاجس الأكبر الذي يشغل بال الليبيين

فتعد ليبيا إحدى أكثر دول العالم جفافاً وتواجه أزمة مياه تنذر بالخطر، حيث الطلب على المياه أكبر بكثير من إمداداتها المتجددة، في فبراير من 2021، أعلنت اليونيسف أن: "أكثر من 4 ملايين شخص، بمن في ذلك 1.5 مليون طفل، سيواجهون مشاكل مائية وشيكة إذا لم يتم إيجاد حلول فورية وتنفيذها" ووفقاً للخبراء، فإن حالة الموارد المائية والبنية التحتية في ليبيا تقترب من مستويات الانهيار.

يأتي هذا وسط تقارير من منظمات عالمية تحذر من سوء الوضع المائي في ليبيا، والتي تتوقع أن يزداد الوضع سوءاً مع تغيرات المناخ وارتفاع درجات الحرارة ومعدلات التبخر العالية وارتفاع مستوى سطح البحث وزيادة حدوث الظواهر المناخية المتطرفة وزيادة النمو السكاني.

لا سيما وأن البلاد لا تتميز بأنهار تجري فيها وتوفر مصدرًا سهلا للمياه العذبة وهو ما استعاضت عنه الدولة الليبية بمشروع النهر الصناعي الذي بدأ في أكتوبر من عام 1984، إلا أنه لم يشكل حلا جذريا لأزمة البلاد حتى الآن والتي تفاقمت مع الانقسام السياسي.

مشروع النهر الصناعي و سوء الإدارة وأثرهما على مجانية المياه

تعتمد ليبيا بشكل كبير على المياه من مشروع النهر الصناعي والذي يعد أضخم مشروع لنقل المياه في العالم عرفه الإنسان حتى الآن من الجنوب وحتى الشريط الساحلي حيث تعيش الغالبية العظمى من السكان ينقل النهر الصناعي المياه الجوفية من طبقات المياه الجوفية غير المتجددة والتي لا يمكن إعادة تغذيتها بالأمطار في جنوب البلاد عبر شبكات من الأنابيب التي يصل طولها إلى نحو 3500 كيلومتر أسس له معمّر القذافي ووجه الليبيين إلى تبنيّه في 3 أكتوبر 1983 حيث انعقدت المؤتمرات الشعبية الأساسية لمناقشته وأقرت البدء في تنفيذه لإنقاذ الناس والبلاد من كارثة عطش محققة حيث وضع العقيد معمّر القذافي حجر الأساس للبدء في تنفيذ مشروع النهر الصناعي العظيم بمنطقة السرير بمدينة جالو في 28 أغسطس 1984 يستند المشروع على نقل المياه العذبة عبر أنابيب ضخمه تدفن في الأرض لتشكل في مجموعها نهراً صناعياً بطول يتجاوز في مراحله الأولى أربعة آلاف كيلو متر، تمتد من حقول آبار واحات الكفرة والسرير في الجنوب الشرقي وحقول آبار حوض فزان وجبل الحساونة في الجنوب الغربي حتّى يصل جميع المدن التي يتجمع فيها السكان في الشمال. سيتغذّى النهر في المستقبل برافدين آخرين، الأول قادم من واحة غدامس والآخر من واحة الجغبوب وتجري دراسات حالياً لتغذية النهر من بعض أنهار القارة الأفريقية.

محطات تحلية مياه البحر

الجانب الثاني في أزمة المياه يكمن في توصيل المياه للمواطنين بالمجان ما يؤدي لسوء استعمالها، حيث يقوم المواطن باستخدام مياه النهر في ري المزارع، والمزارع يمكنها الاكتفاء بالمياه الجوفية وليس بمياه الري التي يتحصل عليها المواطن دون مقابل، وهو ما يؤدي إلى فوضى وسوء استعمال حتى في الاستخدام العادي عبر ترك الصنابير مفتوحة في أوقات كثيرة بنوع من الإهمال، وهو ما يوجب  على الدولة فرض تكلفة لاستهلاك المياه برسوم حسب الاستهلاك مثل الدول المتطورة، وهو ما يجري تطبيقه في دول الخليج الغنية حيث يدفع المواطن رسوما مقابل الخدمة لمنع الفوضى في الاستهلاك.

ويشير إلى ضرورة استخدام محطات تحلية مياه البحر مع المدن الساحلية، والاعتماد على النهر في المدن الجبلية مثل الجبل الأخضر وجبل نفوسة، حيث يصعب حفر الجبال للحصول على المياه الجوفية والتي تكون عملية مكلفة للغاية وتحتاج لحفر قرابة 350 كيلو متر في جوف الأرض للحصول على المياه، وهي عملية صعبة تحتاج إلى استغلال مياه النهر الصناعي فيها، بينما يتم حل المشكلة في المناطق الساحلية بإنشاء محطات تحلية فيها، ما يحل الأزمة في ليبيا بشكل كبير.

ولفت إلى أن مخزون المياه الجوفية في ليبيا كبير جدا يمكن بحسن استغلاله حتى تصديره إلى دول الجوار القريبة من ليبيا مثل مصر.

الصيانة عملية غير مدروسة بشكل صحيح لأن الأنبوب الفارغ للنهر الصناعي يزن قرابة عشرين طنا وهي فارغة وفي حال امتلائها بالمياه يزيد وزنها، وعندما توضع تحت الرمال في الصحراء تحدث شروخ في الأنابيب ما يجعل هناك تكاليف عالية لعملية الصيانة، هكذا يشرح الدكتور النفار أزمة صيانة مشروع النهر في ليبيا.

يضيف الدكتور النقار أن أزمة المياه تؤثر على مناحي الحياة في ليبيا كافة، مشددا على أن العلاج يكمن في استغلال مخزون المياه الجوفية الذي يعد الأكبر في الصحراء الكبرى، ما يبشر بالخير لمستقبل البلاد المائي ويحتاج لإدارة سليمة وواعية، ويضاف إليها توعية المواطن وعدم منحه الخدمة دون مقابل.

وأشار إلى أن المشكلة الأمنية تؤثر أحيانا لكنها ليست بقدر تأثير المشكلات الأخرى فأحيانا مجموعات مسلحة تغلق أنابيب النهر الصناعي عندما يتوقف وصول المياه إلى المدن، خاصة المدن المهمشة لكن الأزمة بالدرجة الأول سوء إدارة من الدولة وسوء استهلاك من المواطن.

أثر التغير المناخي على مخزون المياة الجوفية

تعتمد ليبيا بشكل أساسي على إمدادات المياه من المصادر الجوفية والتي تمثل 97% من إمدادات المياه في ليبيا، في أوائل الستينات وخلال الطفرة النفطية تم تحديد ستة أحواض لاستغلال المياه الجوفية وفقًا لخصائصها الفسيولوجية والجيولوجية والهيكلية والهيدروجيولوجية المختلفة كما تم تصنيف موارد المياه الجوفية في هذه الأحواض إلى نوعين وفقاً لمصادرها: المتجددة وغير المتجددة. توجد الأحواض المتجددة في الشمال (في سهل الجفارة والجبل الأخضر وجزء من الحمادة الحمراء) بينما توجد الأحواض الرسوبية الأخرى (مرزق و الكفرة والسرير) والتي تحتوي على مياه جوفية غير متجددة في الجنوب ويتجلى دور المياه السطحية في اقل من 3% من إمدادات المياه، أما بالنسبة للمصادر المتجددة نسبيا للمياه (تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي) فهي تمثل 1.8% من المياه التي يتم إمدادها.

تغير المناخ هو واقع اليوم ويؤثر على المجتمعات في جميع أنحاء العالم، ويمكن ملاحظة هذه التأثيرات بشدة في المجتمعات التي تعيش في ظروف هشة مثل ليبيا، حيث شهدت ليبيا عام 2021 جفاف سد (وادي كعام)، الذي يعتبر أحد أكبر السدود في البلاد، ويرجع هذا جراء تغير المناخ الذي أدى الى مستويات عالية من التبخر وزيادة عدد أيام الجفاف وانخفاض المعدل السنوي لهطول الأمطار، حيث يتراوح معدل هطول الأمطار السنوي في ليبيا بين 100 – 600 ملم سنوياً، معظمها في مناطق الشريط الساحلي، بينما تواجه معظم المناطق الجنوبية الجفاف وزيادة التصحر بسبب مناخها الجاف

وهكذا تؤثر ارتفاع درجات الحرارة وبالذات في فصل الصيف على زيادة حدة هذه المشكلة، حيث تنخفض مستويات المياه وبشكل كبير في الآبار الجوفية مفسدة المضخات ليبدأ المواطن المسكين في رحلة البحث اللامتناهية عن المياه ومصادرها وطرق توفيرها.

وهذا سيناريو محتمل لصراع بين المقيمين في المناطق المهددة أكثر بشح المياه على مياه الشرب وبين المزارعين في حالة عدم حلحلة هذه المشكلة بشكل عميق وسريع وتوفير الوصول لمصادر مياه نظيفة وآمنة للجميع.

ذكر تقرير لمؤسسة فريدرش ايبرت بعنوان: إمدادات المياه في ليبيا تقترب من مستوى الانهيار دعـوة إلى التحرك، ضرورة تحديد أدوار وصلاحيات كل المؤسسات التي تدير المياه في ليبيا وأهمية سد فجوات التنسيق بينها بغية تمكين الحكومة من تحديد ومعالجة مسائل قطاع المياه التي تنبع من إطارها المؤسسي.

وتمت الوصاية فيه للعديد من النقاط التي قد تساعد في إيجاد حل لهذه المشكلة التي تهدد ليبيا ومنها:

- شراء قطع غيار ومواد كيميائية لتشغيل محطات التحلية القائمة.

- الحد من استهلاك المياه في قطاع الزراعة.

- إصلاح شبكات المياه، وضرورة تواجد شبكات عالية الجودة.

- تأسيس مؤسسة حكومية تعمل على تطوير وإدارة محطات تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي.

 

 

المصدر: سكاي نيوز عربية

الكاتب : المعتز غنيم

التاريخ : 25/2/2021

----------------------------

المصدر: صحيفة أنير

الكاتب : جهاد أبوشهيوة

التاريخ : 10/4/2023

المقالات الأخيرة