عدم
الانحياز مفهوم سياسي تأخذ به الدول بإِرادتها الحرة وبحقها في سلوك السياسة التي
تراها مناسبة لمصلحتها القومية في علاقتها مع الدول الأخرى، وليس لعدم الانحياز
مفهوم قانوني ولا يخول الدول حقوقاً معينة أو يفرض عليها واجبات خاصة، إِلا التزام
موقف الحياد الذي تقفه الدولة المحايدة في حال نشوب الحرب.
ماهي
حركة عدم الانحياز
حركة
عدم الانحياز، هي تجمع دولي يضم 120 عضوا من الدول النامية، ظهرت إبان الحرب
الباردة، وقامت فكرتها على أساس عدم الانحياز لأي من المعسكرين الغربي، بزعامة
الولايات المتحدة الأميركية، والشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي (سابقا). وتهدف
حاليا إلى إنشاء تيار محايد وغير منحاز مع السياسة الدولية للقوى العظمى في
العالم.
الفكرة
والتأسيس
تعد
حركة عدم الانحياز إحدى نتائج الحرب العالمية الثانية. وتعود فكرتها إلى مؤتمر
باندونغ الذي انعقد في إندونيسيا في أبريل/ 1955، لتؤسس الحركةَ عام 1961 في
العاصمة اليوغسلافية بلغراد تضم 29 دولة، وكان ذلك في أوج الحرب الباردة، وآنذاك
دعا الرئيس اليوغسلافي الماريشال جوزيف تيتو الدول النامية إلى اتباع ما عرف وقتها
بالطريق الثالث بعيدا عن استقطابات معسكري الحرب الباردة.
وانضم
زعماء آخرون أبرزهم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ورئيس وزراء الهند جواهر
لال نهرو إلى رؤية تيتو، ثم انعقدت القمة الأولى للحركة في سبتمبر/ 1961 في بلغراد
بحضور ممثلي 25 دولة أسيوية وأفريقية، ثم توالى عقد قممها.
الهيكلة
اتفقت
دول حركة عدم الانحياز على عدم وضع دستور أو سكرتارية دائمة للحركة، بحجة أن
الاختلاف في أيديولوجيات ومصالح الدول يحول دون إيجاد بنية إدارية يقبلها جميع
الأعضاء. ومن ثم فالإدارة دورية وشاملة تضم جميع الدول الأعضاء.
وتنتقل
رئاسة الحركة إلى الدولة المضيفة للقمة، وتستمر في رئاستها التي تدوم ثلاث سنوات
إلى أن يعقد مؤتمر القمة التالي، حيث تتولى الرئاسة من بعدها الدولة المضيفة له.
وبذلك وضع عبء البنية الإدارية على عاتق الدولة التي تتولى الرئاسة، حيث يتحتم
عليها إنشاء قسم كامل في وزارة الخارجية لمعالجة القضايا الخاصة بالحركة.
واتفق
في مؤتمر قمة الجزائر عام 1973 على أن يكون للحركة مكتب دائم للتنسيق تضم (36
دولة) يسهر على حسن تنفيذ مقررات مؤتمرات الحركة. وبدأ المكتب أعماله منذ مارس/
1974.
وبما
أن دول عدم الانحياز تجتمع بانتظام في الأمم المتحدة، فإن سفير الدولة التي تتولى
الرئاسة في الأمم المتحدة يقوم بعمله "سفيرا لشؤون دول عدم الانحياز لدى
المنظمة الدولية".
مبادئ
حركة عدم الانحياز
ـ
يجب أن تنهج سياسة مستقلة قائمة على تعايش الدول ذات النظم السياسية والاجتماعية
المختلفة، وألا تنحاز، أو تظهر اتجاها يؤيد هذه السياسة.
ـ
يجب أن تؤيد الدولة غير المنحازة حركات الاستقلال القومي.
ـ
يجب ألا تكون الدولة عضواً في حلف عسكري جماعي تم في نطاق صراع بين الدول الكبرى.
ـ
يجب ألا تكون الدولة طرفا في اتفاقية ثنائية مع دولة كبرى.
-
يجب ألا تكون الدولة قد سمحت لدولة أجنبية بإقامة قواعد عسكرية في إقليمها بمحض
إرادتها.
التحديات
المستقبلية
مدى نجاح المنظمات لا يعتمد على رغبة أعضائها ومدى ما لديهم من أوجه قوة وإنما السياق الإقليمي والعالمي، وما يرتبه من تحديات حددها المشاركون في خمسة تحديات وهي:
- أولها: تأثير ارتباط الدول ببعض الشراكات الدولية الأخرى سواء أكانت ذات طابع سياسي أو أمني أو اقتصادي والتي فرضت على تلك الدول انتهاج سياسات خارجية تتضمن تحقيق التوازن بين المصالح والمبادئ، ومع أنه من الطبيعي أن تحدد كل دولة مصالحها فإن ذلك ينعكس على التزامات الدول في العمل الجماعي داخل حركة عدم الانحياز.
- ثانيها: زيادة عدد التهديدات الأمنية بل وتسارع وتيرتها بشكل غير مسبوق وخاصة الإرهاب والهجرة غير الشرعية واللاجئين والتغير المناخي والأمن الغذائي والتي تحتاج إلى إجراءات عاجلة وليست آجلة إلا أنه في ظل تباين أولويات الدول وقدراتها في الوقت ذاته فإن ذلك يحول دون وجود مبادرات شاملة يمكن أن تمثل إطاراً مشتركاً للعمل في مواجهة تلك التحديات ولا يعني ذلك أن الحركة وقفت مكتوفة الأيدي أمام تلك التحولات بل كانت هناك مبادرات مهمة من جانب أذربيجان خلال رئاستها للحركة.
- ثالثها: هيكل النظام العالمي الراهن بغض النظر عما يتردد بشأن وجود تحولات ومع أخذها بعين الاعتبار فإن الهيكل لا يزال هو عبارة عن مثلث في قمته دول كبرى ذات تأثير في ذلك النظام وبالمنتصف دول كبرى ولكن ليس لديها تأثير كبير في ذلك النظام ثم الأغلبية العددية من دول العالم الثالث وهو ما يتوافق عليه باحثو العلاقات الدولية، وما يعنيه ذلك من أنه من الصعوبة بمكان أن ترى دول العالم الثالث أو القارة الإفريقية مقعداً لها في مجلس الأمن في المستقبل القريب.
- رابعها: أن الحديث عن مفهوم دول العالم الثالث وأولوياتها يأتي في المرحلة الراهنة ضمن سياق عالمي مختلف عن ذلك الذي أنشأته في ظله الحركة آنذاك ومفهوم حركات التحرر الوطني والاستقلال، اليوم هناك اختلاف بين طبيعة النظم السياسية في تلك الدول واختلاف أولوياتها كذلك وارتباطاتها الإقليمية والدولية سواء من خلال شراكات أو تحالفات لكن ذلك لا يعني وجود حائط صد أمام تحقيق فكرة العمل الجماعي من خلال حركة عدم الانحياز فالدول الصغرى بإمكانها الاضطلاع بقضاياها والتأثير في منظومة العلاقات الدولية بما يحقق مفهوم الطريق الثالث في تلك المنظومة.
- خامسها: مع أهمية وجود اتفاق بين المشاركين حول دور الحركة ومبادئها فقد كان لافتاً تأكيد البعض القول: المبادئ لا يتم الدفاع عنها بالمبادئ وإنما بالقوة بما يعنيه ذلك من ضرورة وجود تفاهمات بين دول الحركة على دعم قوتها ولا يقصد بها المفهوم العسكري التقليدي بل القوة الاقتصادية والسياسية والثقافية وجميعها جوانب مهمة للقوة من خلال الاستغلال الأمثل للموارد.
المراجع
_ أشرف محمد كشك، 29/ مايو/ 2023، التحديات
المستقبلية لحركة عدم الانحياز، اخبار الخليج.
_ عبد الله العلوي، 22/ ابريل/ 2022، حركة عدم
الانحياز، BBC عربي.