التحول الرقمي والتحول الاجتماعي
فرع بنغازي

كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن "الرقمنة" والتحول الرقمي والمجتمع الرقمي حتى أصبح الأمر كأنه صيحة جديدة"، وأن وجوده شرط للحاق بالدول المتقدمة من أجزاء النظام الرأسمالي العالمي. لذلك قرأنا، وسمعنا عن استراتيجيات التحول الرقمي وسياسات التحول الرقمي ومشاريع التحول الرقمي. في الوقت الذي يتساءل فيه المواطن العادي وحتى المثقف عن ماهية هذا التحول وفائدته.

فقد شهد العالم موجة جديدة من التحول الرقمى، أطلق عليها البعض الرقمية العميقة التى تتميز بظواهر مثل: البيانات الضخمة، والتعلم الآلى، والذكاء الاصطناعى حيث  أصبحت أكثر اندماجا في مختلف مناحي الحياة اليومية للإنسان، وأدت إلى الكثير من التغيرات الاجتماعية، والثقافية فى المجتمعات، خاصة منظومة القيم الاجتماعية، وأنماط العلاقات الأسرية بصفة عامة، الأمر الذى فرض على علماء الاجتماع فهما مغايرا لتأثيراتها المجتمعية، والبحث عن معايير جديدة للعلاقة بين الرقمية والمجتمع، فهناك تحديات رقمية تفرض حضورها، في ظل اقتحام الرقمية للفضاءات العامة والخاصة، وصارت إشكالاتها حول الحرية والرقابة أكثر إلحاحا، إلا أنها تبقى نسبية وليست مطلقة. ويتوقف ذلك على عدة أمور، منها: الإمكانات والموارد المتاحة في كل مجتمع من جهة، ومدى قدرة المجتمع على التفاعل مع التحولات والاستفادة من هذه الثورة الرقمية من جهة ثانية، وما يتطلبه ذلك من إحداث تغيرات بنائية وثقافية من جهة أخرى.

كما تؤكد معطيات الواقع الراهن وجود فجوة بين المجتمعات المتقدمة صناعيا، والتي تمتلك قدرات وإمكانات عالية للاستفادة من الثورة الرقمية، والبلدان النامية التي تفتقد لذلك.

وبالنظر إلى تأثير الثورة الرقمية على الهوية الثقافية فقد أدت إلى ظهور قيم جديدة مغايرة للقيم الاجتماعية السائدة، وتغير الأدوار التقليدية للأسرة، بالإضافة إلى التغير النسبي في أنماط المعيشة بشكل عام كنتيجة لتغير القيم والاتجاهات.

وفى هذا السياق، نناقش هنا تأثيرات هذه الثورة الرقمية على أنماط الحياة الاجتماعية والأسرية، إلى جانب إلقاء الضوء على أبرز الظواهر الاجتماعية المعاصرة التى باتت تمثل تحديًا كبيرًا لعلم الاجتماع فى الوقت الراهن. هذا ولا يتعلق الأمر بتحسين الجوانب التكنولوجية للبحوث فحسب، وإنما بالنهوض باستخدام التكنولوجيا إلى الخيال السوسيولوجي، وضرورة التحديث النظرى والمنهجي لعلم الاجتماع ككل.

ما التحول الرقمي والتحول الاجتماعي؟

التحول الرقمي يعتبر واحداً من أهم المحركات الرئيسية لتسريع وتيرة هذا العقد الاجتماعي ووضعه موضع التنفيذ، ويجب أن يكون كذلك. وهذا هو الوقت المناسب لإعادة النظر في العقد الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باعتبار التحول الرقمي عامل تمكين أساسي لمكافحة الفساد وزيادة الشفافية ورفع مستوى المشاركة العامة التي من شأنها تعزيز مستوى الثقة وتحسين جودة الخدمات وأن تصبح بمثابة حجر الزاوية لعقد اجتماعي يتم تأسيسه من جديد.

حيث انه لم يعد التحول الرقمي مجرد كلمة طنانة ونحن في مستهل عام 2024، بل هو القلب النابض لتنامي الأنشطة التجارية وازدهارها. وفقًا لما تشير إليه الإحصائيات فإن 80% من الشركات التي اعتمدت التحول الرقمي حققت زيادة في الأرباح، وأفاد 85% منها عن زيادة في حصتها السوقية. ومن هذا المنطلق جاء اهتمامنا في زامن بتوفير دليل شامل للتحول الرقمي، نبدأ بتعريفه وأهميته ومميزاته، ثم نتطرق إلى استراتيجيته ومراحله ومتطلباته، ونسلط الضور على خطواته الأساسية ومجالاته وتقنياته...

 

مفهوم التحول الرقمي والتحول الاجتماعي

يشير التحول الرقمي إلى دمج التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب النشاط التجاري سواء كان شركة أو مؤسسة أو منظمة أو كيان صغير، المهم أنه يغير طريقة عملك وأسلوب تقديم خدمتك لعملائك تغييرًا جذريًا. وقد يعتري تلك العملية اختلافًا من شركة لأخري، ولكنها في العموم تتعلق بالاستفادة من الأدوات الرقمية واستغلالها للارتقاء بمستوى الكفاءة، وتعزيز جودة الخدمة التي يتلقاها العملاء، وتأجيج روح الابتكار، والتفوق على المنافسين.

وتلك العملية تتضمن طيفًا واسعًا من العمليات التكنولوجية، بدءًا من نقل تخزين بياناتك إلى السحابة الإلكترونية وحتى تنفيذ تقنيات الأتمتة أو استخدام تحليلات البيانات لاتخاذ قرارات مستنيرة مستندة إلى نتائج دقيقة. وتذكر أن التحول الرقمي لا يتعلق بالتكنولوجيا فقط، إنما يتعلق بإعادة تشكيل ملامح الشركات والمؤسسات والأنشطة التجارية بحيث تكون مرنة ومتسمة بمواكبة العصر وتقدم أفضل خدمة ممكنة للعملاء.

وتمثل التحولات الاجتماعية خاصية أساسية تتميز بها الحياة الاجتماعية؛ ويعزي ذلك إلى كونها هي سبيل بقاءها ونموها، كما أن بها يتهيأ لها التوافق مع الواقع ويتحقق التوازن والاستقرار الاجتماعي، وعن طريقها تواجه الجماعات متطلبات أفرادها وحاجاتهم المتجددة.

وتعرف التحولات الاجتماعية بأنها: “كل تحول يقع في التنظيم الاجتماعي سواء في بنائه أو وظائفه خلال فترة زمنية.. وهو كل تغيير في التركيبة السكانية للمجتمع، أو البناء الطبقي، أو النظم الاجتماعية، أو في أنماط العلاقات الاجتماعية، أو في مختلف المؤسسات الاجتماعية.

أما عن أسباب التحول الاجتماعي فهي متنوعة؛ حيث تؤدي التغيرات السياسية والاقتصادية – لاسيما الحادة منها – إلى نتائج مباشرة على البنية والتنظيم الاجتماعي؛ كونها تفرز واقعاً اجتماعياً مغايراً بما من شأنه التأثير بطريقة نوعية على البناء الاجتماعي وعناصر التماسك والاستقرار في إطاره.

ما أهمية التحول الرقمي؟

يزداد إدراك الشركات لأهمية التحول الرقمي وتأثيره على الأعمال يومًا بعد يوم، وهنا يظهر أثر التحول الرقمي على كفاءة المؤسسات، فالمؤسسات التي تبنت التحول الرقمي في عمليتها قد أسهمت بما يزيد عن نصف الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2023، وهو ما يمثل 53.3 تريليون دولار.

وفي عالمنا اليوم أكثر من نصف تعداد البشر تقل أعمارهم عن 25 عامًا، أي أنه جيل نشأ في ظلال التكنولوجيا، وليس خيارًا مطروحًا أن تتجاهل الشركات عملية التحول الرقمي إذا أرادت الأخذ بأسباب النجاح.

ولهذا قد أصبح التحول الرقمي أكثر أهمية من أي وقت مضى في عالمنا اليوم سريع الوتيرة الذي يعتمد على التكنولوجيا، وهذا هو السبب الذي يجعل مسألة التحول الرقمي الآن هو الشغل الشاغل للمديرين وغيرهم من المسئولين على المستوى التنفيذي في الشركات والمؤسسات. فبحسب ما تشير إليه الإحصائيات من المتوقع أن يصل الإنفاق العالمي على التحول الرقمي إلى 3.4 تريليون دولار أمريكي بحلول نهاية عام 2026.

أبرز مميزات التحول الرقمي

تتجلى أبرز مميزات التحول الرقمي في ضوء ما ذكرناه للتو من أهمية التحول الرقمي المتزايدة في عالمنا اليوم:

_ اكتساب ميزة تنافسية

غالبًا ما تكون الشركات التي تتبنى التحول الرقمي أكثر قدرة على المنافسة لأنها تستطيع التكيف مع المشهد المتغير بوتيرة متسارعة. يمكنهم تنفيذ التقنيات الجديدة بسرعة، وتلبية توقعات العملاء المتطورة، والتجاوب مع متغيرات السوق. فأولئك الذين يفشلون في التكيف يخاطرون بالتخلف عن الركب. ويمكّن التحول الرقمي المؤسسات من البقاء في صدارة المنافسة عن طريق الاستفادة من أحدث التقنيات والاستجابة بشكل استباقي لما يطرأ على المشهد في مجال التخصص.

_ تحسين تجربة العملاء

في العصر الرقمي، أصبحت توقعات العملاء أعلى من أي وقت مضى. يسمح التحول الرقمي للشركات بإنشاء تجارب مخصصة وسلسة للعملاء، مما يؤدي إلى زيادة الرضا والولاء. ففي عصر الرغبة الجامحة في الإشباع الفوري، يطلب العملاء تجارب سريعة وسلسة ومخصصة بما يلائم تفضيلاتهم. ويتيح التحول الرقمي للشركات الاستفادة من البيانات والتكنولوجيا لإنشاء هذه التجارب، وتعزيز رضا العملاء وولائهم.

_ تعزيز الكفاءة

أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع المؤسسات إلى اختيار التحول الرقمي هو تبسيط عملياتها وتعزيز كفاءتها بشكل عام، فعوامل مثل أتمتة المهمات الروتينية المتكررة تؤدي إلى إلى تحرير الموظفين للتركيز على المهام الإستراتيجية والإبداعية التي تضيف قيمة أكبر للشركة، كما أن عوامل مثل تكامل سير العمل الرقمي، والوصول إلى البيانات في التو واللحظة تسهم في تهيئة بيئة أعمال أكثر مرونة وتجاوبًا مع المتغيرًا، بما يفضي إلى الارتقاء الشامل بالمنظومة.

_ إذكاء روح ابتكار

التحول الرقمي يعزز ثقافة الابتكار. ومن خلال الوصول إلى التقنيات والبيانات الجديدة، يمكن للشركات إنشاء منتجات وخدمات ونماذج أعمال جديدة. فعملية التحول الرقمي تُمكِّن الشركات من التكيف بسرعة مع اتجاهات السوق، وتجربة أفكار جديدة، وتبني التغيير – وهو جانب حاسم في عصر تحدث فيه التطورات التكنولوجية بوتيرة غير مسبوقة.

_ توفير التكاليف

صحيح أن الاستثمار الأولي في التحول الرقمي قد يبدو كبيرًا، لكن الفوائد والمزايا التي تنتج عن تبني التحول الرقمي على المدى الطويل تُترجم إلى توفير في التكاليف، إذ تساهم أتمتة العمليات اليدوية، وتقليل الأخطاء، وتحسين تخصيص الموارد في تحقيق الكفاءة المالية.

_ زيادة الإنتاجية

تعمل الأدوات والتقنيات الرقمية على تمكين الموظفين من العمل بكفاءة أكبر. من منصات التعاون إلى أدوات إدارة المشاريع، تشهد المؤسسات زيادة في الإنتاجية حيث يتم تبسيط المهمات وتحسين سير العمل.

_ تعزيز الجاهزية

أكدت جائحة كورونا على أهمية الاستعداد والجاهزية على مستوى التحول الرقمي، إذ أن تبني عمليات التحول الرقمي يتيح استمرارية سير الأعمال في أوقات الاضطرابات والقلاقل. وكانت الشركات التي شرعت بالفعل في رحلات التحول الرقمي الخاصة بها مجهزة بشكل أفضل للتغلب على التحديات التي يفرضها الوباء.

مراحل التحول الرقمي

تنقسم مراحل التحول الرقمي الأساسية إلى 3 مراحل، تبدأ بمرحلة تقييم الوضع الراهن مرورًا بمرحلة تنفيذ التغييرات المستهدفة وصولًا إلى تحقيق النضج الرقمي الكامل.

 

المرحلة الأولية: تقييم الوضع الراهن

تبدأ رحلة التحول الرقمي بتقييم شامل للحالة الراهنة التي عليها المنظمة، وتحديد مكامن القوة ومواطن الضعف والمساحات التي يمكن إجراء تدابير فيها وتفضي إلى تحسينها.

المرحلة المتوسطة: تنفيذ التغييرات المستهدفة

بناءً على التقييم، تنتقل المؤسسات إلى المرحلة المتوسطة، حيث تنفذ التغييرات المستهدفة وتعتمد تقنيات محددة لمواجهة التحديات الماثلة أمامها.

المرحلة المتقدمة: تحقيق النضج الرقمي الكامل

في المرحلة المتقدمة، تصل المؤسسات إلى مرحلة النضج الرقمي الكامل، حيث يتم دمج التكنولوجيا بسلاسة في جميع جوانب الأعمال، ويصبح الابتكار المستمر متأصلًا في الثقافة التنظيمية.

متطلبات التحول الرقمي

ثمة متطلبات وركائز أساسية في التحول الرقمي يجب مراعاتها للشروع في هذه الرحلة التحويلية بنجاح، وتحتاج المؤسسات إلى فهم بعض تلك المتطلبات والالتزام بها، وأهمها تكوين الرؤية الاستراتيجية وإنشاء البنية التحتية التكنولوجية وإدارة البيانات وأمنها والنهج المتمحور حول العملاء.

_ الرؤية الإستراتيجية

الرؤية الإستراتيجية الواضحة هي حجر الأساس في أي تحول رقمي ناجح. يجب على المؤسسات تحديد أهدافها، وفهم اتجاهات السوق المتطورة، ومواءمة مبادراتها الرقمية مع أهداف العمل طويلة المدى. ومن دون خريطة طريق واضحة المعالم فإن الشركات تخاطر بالاستثمار في تقنيات قد لا تسهم في النمو المستدام.

 

_ البنية التحتية التكنولوجية

إن إنشاء بنية تحتية تكنولوجية قوية أمر ضروري. يتضمن ذلك تقييم الأنظمة الحالية وتحديد الثغرات ودمج التقنيات الجديدة بسلاسة. تعد الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات مكونات أساسية تمكن الشركات من التكيف مع ديناميكيات السوق المتغيرة.

_ إدارة البيانات وأمنها

نظرًا لأن الشركات تجمع كميات هائلة من البيانات، فإن ضمان إدارتها وأمنها أمر بالغ الأهمية. إن وضع سياسات قوية لإدارة البيانات، والامتثال للوائح، وتنفيذ أحدث تدابير الأمن السيبراني هي جوانب لا بد من الحرص عليها في التحول الرقمي.

_ النهج المتمحور حول العملاء

يجب أن يكون النهج المتمحور حول العملاء في قلب جهود التحول الرقمي. إن فهم احتياجات العملاء وتفضيلاتهم وسلوكياتهم من خلال تحليلات البيانات يمكّن المؤسسات من تصميم عروضها وتعزيز تجارب العملاء والبقاء في صدارة المنافسة.

الخطوات الأساسية للتحول الرقمي

وبوسعك اتباع الخطوات السبع أدناه لمساعدتك في تحديد استراتيجية التحول التي ستتبناها، والتي تبدأ من تحديد أهداف العمل، مرورًا بتقييم الحالة التكنولوجية الراهنة وظروف السوق، ثم تحديد الاستثمارات، وترسيخ الثقافة الرقمية، والتدرج بخطوات بسيطة، وتحديد مقاييس النجاح، وأخيرًا مراعاة التقييم المستمر.

 

 

-         تحديد أهداف العمل

من المهم أن تفهم أهداف العمل التي تسعى إلى تحقيقها من خلال التحول الرقمي، على سبيل المثال: تحسين كفاءة عمليات العمل أو أداء الموظفين، وتحسين تجربة العملاء، والتوسع في أسواق جديدة.

-         تقييم الحالة التكنولوجية الراهنة وظروف السوق

عليك بتحليل البنية التحتية التكنولوجية الحالية والتطبيقات والعمليات ومجموعة مهارات الموظفين وتقييم اتجاهات السوق باستمرار والاضطرابات التكنولوجية. سيساعدك هذا على تحديد مكامن القوة ومواطن الضعف التقنية في شركتك وسيسلط الضوء على المساحات التي يمكن إجراء تحسينات فيها.

-         تحديد الاستثمارات

بعد تحليل المشهد التكنولوجي الحالي في شركتك، حدد الاستثمارات التي تتوافق مع أهدافك التنظيمية. يمكن أن يشمل ذلك ترقية الأنظمة الحالية، والاستثمار في التقنيات الجديدة، والتحول من إدارة المشاريع التقليدية إلى استكشاف منهجيات مبتكرة والفرص الجديدة السانحة.

-         ترسيخ الثقافة الرقمية

لا يقتصر التحول الرقمي على تحديث التقنيات فحسب، بل هو مبادرة واسعة تسعى أيضًا إلى تغيير الثقافة التنظيمية وخلق سلوكيات جديدة. احرص على أن تكون تدابير التحول متوافقة مع قيم شركتك وخصائصها التي كانت تدر عليك ربحًا في المرحلة السابقة، استهدف إلى تعزيز الثقافة بطرائق جديدة للتفكير والعمل.

 

 

-          التدرج

من شأن بدء التحول الرقمي على نطاق صغير مع فريق معين أو مشروع تجريبي أن يساعدك على توسيع نطاق التحول الرقمي بمرونة وثقة عبر المؤسسة بأكملها. حدد التدابير التي تتوافق مع أهداف عملك، وتتبع عن كثب مدى ملائمتها. وفي تلك الأثناء سوف ترصد رؤى وأفكار تفيدك في تحسين رحلة التوسع التي تتبناها.

-         تحديد مقاييس النجاح

عليك بتعيين مقاييس نجاح محددة لمساعدتك على تتبع ورصد التقدم المحرز في استراتيجية التحول الرقمي التي تتبناها، من شأن هذا أن يُمَكنك من اتخاذ إجراءات سريعة عند الحاجة.

-         التقييم المستمر

إن استراتيجية التحول الرقمي الناجحة هي تلك التي تتكيف مع الاضطرابات الطارئة وتتأقلم بمرونة مع المستجدات وتسعى إلى التحسينات. احرص على تبني التقييم المستمر والنظر بين الحين والحين فيما يجب تعديله.

أهم مجالات التحول الرقمي

إن التحول الرقمي ليس قالبًا واحدًا يناسب الجميع؛ بل هي رحلة متشعبة تشمل مجالات مختلفة، ونتناول هنا المجالات الخمسة الحاسمة التي تقود التحول الرقمي.

_  تحسين جودة تجربة العملاء

مجال تحسين جودة تجربة العملاء هو المجال الأهم في التحول الرقمي، ويدور حول فهم وتعزيز التفاعلات بين الشركات وعملائها. إنها تنطوي على الاستفادة من تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات لتخصيص تفاعلات العملاء وتسهيل التواصل وتوفير تجارب سلسة وبديهية. ومن خلال اعتماد استراتيجيات رقمية تركز على رضا العملاء يمكن للشركات بناء علاقات دائمة وتعزيز الولاء.

_ العمليات

تشكل العمليات الفعالة العمود الفقري لأي عمل تجاري ناجح. في مجال العمليات يركز التحول الرقمي على تحسين العمليات الداخلية، وأتمتة المهام الروتينية، وتحسين الكفاءة العامة. والتقنيات مثل إنترنت الأشياء (IoT) والتحليلات المتقدمة لها دور محوري في اتخاذ القرارات الوجيهة المستندة إلى البيانات الدقيقة، مما يمكّن المؤسسات من تبسيط سير العمل وخفض التكاليف وتعزيز الإنتاجية.

_  المنتجات والخدمات

لقد أعادت الثورة الرقمية تشكيل توقعات المستهلكين، مما تطلب من الشركات تبني روح الابتكار في عروضها على الدوام. يتضمن هذا المجال إعادة تصور العروض التقليدية ورقمنتها. إن دمج التقنيات مثل الواقع المعزز، والواقع الافتراضي، وإنترنت الأشياء في المنتجات والخدمات لا يؤدي إلى تعزيز قدراتها فحسب، بل يفتح أيضًا آفاقًا جديدة لتحقيق الدخل.

_  الثقافة والقيادة

ولعل المجال الذي يغفله الكثيرين رغم أهميته الحاسمة هو مجال الثقافة والقيادة في التحول الرقمي، إذ يتطلب التحول الرقمي الناجح تحولًا ثقافيًا داخل المنظمة، مصحوبًا بقيادة قوية. وهذا يتضمن إذكاء الرغبة في التجربة والتعلم من حالات الفشل واحتضان التعلم المستمر. ويجب على القادة أن يدعموا تبني التقنيات الرقمية، وتعزيز التعاون، وخلق بيئة تشجع الابتكار. ومن دون ثقافة داعمة وقيادة حكيمة فلعل مجالات التحول الرقمي الأخرى لا تحقق تأثيرها المرتقب.

 

أبرز تقنيات التحول الرقمي

لقد برزت تقنيات التحول الرقمي بوصفها حجر الزاوية في هذا التكيف التكنولوجي، حيث أعادت تشكيل الطريقة التي تعمل بها الشركات، وكيفية التفاعل مع العملاء، وإدارة العمليات الداخلية. وفيما يلي أبرز تقنيات التحول الرقمي وتأثيرها على مشهد الأعمال، وهي الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والأمن السيبراني.

_ الحوسبة السحابية

أصبحت الحوسبة السحابية العمود الفقري للتحول الرقمي، وتوفر هذه التكنولوجيا قابلية التوسع والمرونة والتوفير في النفقات، مما يتيح للشركات الوصول إلى الموارد عند الحاجة.

ومن خلال الاستفادة من الحوسبة السحابية يمكن للشركات تبسيط العمليات وتعزيز التعاون وتقليل تكاليف البنية التحتية، بما يفضي إلى تعزيز الكفاءة وسرعة الحركة، وهي مكونات أساسية في مشهد الأعمال سريع التطور.

_ الذكاء الاصطناعي

يشير الذكاء الاصطناعي إلى قدرة الآلات على أداء المهمات التي تتطلب عادة الذكاء البشري، ومن التعلم الآلي إلى معالجة اللغات يتمتع الذكاء الاصطناعي بقدرات تجعل له نصيب وموضع قدم في جميع المجالات.

وفي مجال التحول الرقمي، فإن الذكاء الاصطناعي قادر على إحداث تغيير جذري. فهو يمكّن الشركات من اتخاذ قرارات مستندة إلى البيانات الدقيقة، وأتمتة المهام الروتينية، وتخصيص تجارب العملاء. فالذكاء الاصطناعي يعمل على تعزيز الكفاءة التشغيلية والابتكار، وذلك بتقنياته المذهلة، بدءًا من روبوتات الدردشة التي توفر دعمًا فوريًا للعملاء وحتى التحليلات التنبؤية التي توجه القرارات الإستراتيجية.

_ إنترنت الأشياء

يتضمن مفهوم إنترنت الأشياء ربط الأجهزة التي نستخدمها بالإنترنت، وتمكينها من إرسال البيانات واستقبالها. يؤدي هذا الترابط إلى إنشاء شبكة من الأجهزة الذكية التي يمكنها التواصل ومشاركة المعلومات.

وفي عالم التحول الرقمي، أحدث إنترنت الأشياء ثورة في مجالات مثل التصنيع والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية. تعد المراقبة المباشرة والصيانة التنبؤية وتحسين رؤية سلسلة التوريد من الأمثلة التي توضح كيفية قيام إنترنت الأشياء بتحسين العمليات وإنشاء نماذج أعمال جديدة.

_  الأمن السيبراني

مع تبني الشركات التحول الرقمي في عملياتها تبرز ضرورة الأمن السيبراني. تتطور التهديدات السيبرانية، وتحتاج الشركات إلى تدابير قوية لحماية بياناتها وأنظمتها وسمعتها.

وتأتي تقنيات التحول الرقمي مصحوبة بمخاطر الهجمات الإلكترونية. يعد تنفيذ تدابير الأمن السيبراني القوية، بما في ذلك التشفير وجدران الحماية وعمليات التدقيق المنتظمة، أمرًا ضروريًا للحماية من التهديدات المحتملة وضمان طول عمر المبادرات الرقمية.

اخيرا أثّرت الثورة الرقمية تدريجيًا في كل ميادين الحياة، ولامست معظم أبعاد العلوم الإنسانية والاجتماعية، وغيّرت، أو بالأحرى وسّعت، آفاق الرؤى الإبستيمولوجية المتعلقة بهذه العلوم. في هذه الدراسة، لا نعني بأتمتة العلوم الإنسانية والاجتماعية اختزال الرقمية إلى مجرد أدوات، بل تحديد أهميتها من خلال قدرتها على نمذجة الأنظمة المعقدة، وإقامة الروابط بين التكنولوجيا والعلوم الإنسانية بكل فروعها. لذلك، من المفترض إعادة النظر في المسارات الأكاديمية والمعرفية للعلوم الإنسانية، من خلال إدخال المعلوماتية والتقنيات في المناهج التعلّمية لطلاب العلوم الإنسانية والاجتماعية، من أجل مواكبة التغيرات، وكي تتأقلم هذه العلوم مع التغيير الرقمي، وتنتقل إلى ما نسميه "الإنسانيات الرقمية".

 

 

المراجع

_ ايمان مرعي، 25/7/2022، التحول الرقمى والظواهر الاجتماعية المعاصرة، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

_ خالد سمير، 2/2/2024، التحول الرقمي، مجموعة البنك الدولي.

 

 

 

المقالات الأخيرة