كشفت دراسة بحثية أصدرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات،
عن تغير خرائط النفوذ في الساحل وغرب إفريقيا بين روسيا و«المعسكر الغربي»، مؤكدة وجود
تحولات نفوذ بالساحل الإفريقي لصالح روسيا، وذلك إثر سلسلة من التحولات على صعيد النخب
الحاكمة، وجراء انقلابات عسكرية بشكلٍ أساسي في إقليم الساحل الإفريقي، فضلاً عن مجموعة
من الانسحابات العسكرية للقوات الفرنسية والأميركية من مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر.
وذكرت الدراسة، التي تحمل عنوان «تغير خرائط النفوذ في الساحل
وغرب إفريقيا بين روسيا والمعسكر الغربي»، وأعدها محمد جمعة الخبير في قسم الدراسات
الاستراتيجية، ونوف يعقوب السعدي الباحثة في إدارة البحوث بـ«تريندز»، أنه في الوقت
الذي تغادر فيه القوات الفرنسية والأميركية إقليم الساحل الإفريقي تحل قوات روسية من
«فيلق إفريقيا» محلها، لتقوم بمهام التأمين، ومكافحة الإرهاب وحركات التمرد هناك
وتوصلت الدراسة إلى أن الوجود العسكري الروسي المتنامي في
إفريقيا ربما يمكّن الكرملين من تهديد الغرب وإفشال سياساته، خاصة مع وجود قاعدة بحرية
روسية في ليبيا، كما أن الانتشار الروسي في قاعدة الطائرات الأميركية بدون طيار في
شمال النيجر؛ قد يخلق الفرصة لروسيا لتهديد عمليات «الناتو» في البحر الأبيض المتوسط،
فضلاً عن احتمالية استخدام روسيا بصمتها العسكرية المتزايدة على طول طرق المهاجرين
الرئيسية عبر الصحراء الكبرى، لتعزيز تدفقات المهاجرين التي تشكل خطراً على استقرار
أوروبا.
مجالات الانخراط والشراكة الروسية مع دول الساحل وغرب أفريقيا
- تمدد عسكري روسي في دول الساحل
لدى روسيا ما بين 1000 إلى 2000 جندي يعملون في جميع أنحاء
مالي، لدعم قتال المجلس العسكري في مالي ضد عناصر داعش والقاعدة والمتمردين الانفصاليين
من الطوارق.
- روسيا المورّد الرئيسي للأسلحة في أفريقيا
وقّع نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، اتفاقية
“تعاون متعدد القطاعات” مع مسؤولين نيجريين، خلال زيارته للبلاد مطلع يوينو 2024 وأعلن
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مطلع شهر يونيو 2024 أيضًا أن روسيا سترسل مزيدًا
من الإمدادات العسكرية والمدربين إلى بوركينافاسو وهو ما يبرهن على صحة ما ورد في وسائل
الإعلام التابعة للفيلق الأفريقي بأن روسيا تخطط لزيادة عدد أفراد الفيلق الأفريقي
في البلاد
- كتلة موالية لروسيا
يبدو أن روسيا تعمل على إنشاء كتلة موالية لها تعمل على تحقيق
جميع أهدافها العسكرية والاقتصادية والسياسية في أفريقيا في تحالف دول الساحل (AES)
ويتألف
تحالف دول الساحل الناطقة بالفرنسية من المجالس العسكرية الثلاثة في بوركينافاسو ومالي
والنيجر وأعلنت المجالس العسكرية الثلاث عن التحالف بعد وقت قصير من لقائها مع يفكوروف
في سبتمبر 2023 وتعد روسيا الشريك الأمني الأساسي لتحالف دول الساحل AES نظرًا لعلاقاتها العسكرية
القوية مع الدول الثلاث الأمر الذي يمنحها بصمة عسكرية كبيرة عبر أراضي الساحل.
النووي والاقتصاد والزراعة يحدون من فرص تمدُّد روسيا
تحاول روسيا تعزيز المشاركة الاقتصادية مع أفريقيا في مختلف
القطاعات للتخفيف من تأثير التوترات مع الغرب من خلال توظيف مصادر الإيرادات الجديدة
وأسواق التصدير واستكشف الوفدان الروسيان اللذان زارا شمال أفريقيا ومنطقة الساحل خلال
الفترة من 30 مايو وحتى 5 يونيو الماضي، إمكانية التعاون بشكل أكبر في البنية التحتية
واستخراج الموارد الطبيعية، بهدف زيادة حصة روسيا في مصادر الإيرادات وأسواق التصدير.
و كانت الطاقة النووية على وجه التحديد مجالًا رئيسيًّا للتركيز
عليه في منطقة الساحل. إذ ذكرت وكالة بلومبرج بعد وقت قصير من زيارة يفكوروف أن شركة
الطاقة النووية الروسية المملوكة للدولة “روساتوم” تسعى للحصول على أصول اليورانيوم
التي تمتلكها شركة “أورانو” الفرنسية في النيجر وناقش لافروف أيضًا التعاون في مجال
الطاقة النووية مع المسؤولين البوركينابيين والتشاديين.
من المرجح أن تسعى روسيا إلى تعزيز صادراتها الزراعية إلى
أفريقيا لزيادة الإيرادات وفي هذا السياق حاولت روسيا الحصول على حصة أكبر من سوق القمح
في أفريقيا منذ أواخر عام 2010، واستخدمت الحرب في أوكرانيا لدعم هذه الجهود من خلال
استهداف إنتاج الحبوب الأوكرانية وعرقلة تصديرها وقد حاول الكرملين في وقت لاحق التبرع
ببعض الحبوب للدول الأفريقية التي تكافح انعدام الأمن الغذائي الناجم عن ذلك وناقش
لافروف على وجه التحديد التعاون الزراعي مع تشاد.
وعلى الرغم من الجهود المستمرة التي تبذلها روسيا لبناء علاقات
تجارية واقتصادية أقوى مع القارة الأفريقية ومنطقة الساحل، فإن ارتباطات الكرملين الاقتصادية
في أفريقيا اليوم متواضعة مقارنة مع تلك التي كانت للاتحاد السوفييتي، فضلًا عن ارتباطات
الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ففي حين تبلغ عائدات التجارة بين روسيا والدول الأفريقية
نحو 17.7 مليار دولار بحسب بيانات العام 2022، فإن قيمة التجارة الأفريقية مع الاتحاد
الأوروبي والصين والولايات المتحدة تبلغ حاليًا 295 مليار دولار، و254 مليار دولار،
و65 مليار دولار، على التوالي.
تراجع النفوذ الغربي في الساحل
في 24 إبريل أعلنت الخارجية الأمريكية القرار النهائي بسحب
القوات الأمريكية من النيجر ووفقًا لإعلان مشترك صدر في 19 مايو عن وزارتي الدفاع الأمريكية
والنيجرية، ستكمل القوات الأمريكية انسحابها بحلول 15 سبتمبر وستسلم هذه القوات، التي
يبلغ عددها أقل قليلًا من 650 جنديًّا، المنشآت الرئيسية، بما في ذلك قاعدة باهظة الثمن
للطائرات بدون طيار في مدينة أغاديز الشمالية ويأتي ذلك عقِب إلغاء المجلس العسكري
النيجري من جانب واحد اتفاقية وضع القوات لعام 2013 التي كانت هي الأساس القانوني للأنشطة
العسكرية الأمريكية في البلاد
كما يكشف السياق السياسي الإقليمي والنيجري عن الأساس الهش
للسياسة الأمنية الغربية في منطقة الساحل بشكل عام وفي النيجر بشكل خاص ففي حين ينظر
صناع القرار في الولايات المتحدة إلى المنطقة من خلال عدسة مكافحة جماعات السلفية الجهادية
والمنافسة الجيوسياسية مع روسيا، فإن العديد من السكان المحليين ينظرون إلى الوجود
الغربي حتى وقت قريب كان معظمهم من الفرنسيين على أنه دفاع عن أنظمة سياسية غير خاضعة
للمساءلة.
كما يبدو أن صناع السياسة الأمريكيين كانوا يأملون في أن
يساعدهم الوجود العسكري الأقل وضوحًا لواشنطن وافتقارها إلى الماضي الاستعماري في المنطقة
على تجنُّب مصير فرنسا في النيجر
مستقبل النفوذ الروسي في الساحل
ما يزال النفوذ الروسي في إقليم الساحل مهددًا بديناميكيات
مشابهة لتلك التي أفضت إلى إخراج فرنسا والولايات المتحدة من هناك. إذ ما تزال المساعدة
الأمنية الروسية موجهة في المقام الأول نحو أمن النظم ولا تعالج انعدام الأمن الأوسع
الذي يواجهه العديد من الشركاء الأفارقة وستعمل هذه الإخفاقات على تعريض روسيا لانتقادات
مماثلة لتلك التي وجهتها الدول الشريكة إلى الغرب بسبب فشله في حل مشكلة انعدام الأمن.
كما تفتقر روسيا إلى القدرة على زيادة التنمية أو الاستثمار
العسكري بشكل كبير في أفريقيا بسبب القيود الاقتصادية المفروضة عليها، والتي أدت حربها
مع أوكرانيا إلى تفاقمها ومن المرجح أن تحد هذه القيود من جاذبية روسيا في الإقليم.
الأكثر من ذلك أن الدوائر العسكرية والأمنية الغربية تشير إلى أن الوجود العسكري الروسي المتنامي في أفريقيا ربما يمكّن الكرملين من تهديد الغرب وإفشال سياساته وفي هذا السياق تشير هذه الدوائر إلى وجود قاعدة بحرية روسية في ليبيا وهو الأمر الذي تم الاتفاق عليه خلال زيارة لافروف الأخيرة إلى ليبيا من شأنه أن يهدد أوروبا والجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي من خلال المساعدة في دعم النشاط الروسي في البحر الأبيض المتوسط، وربما تمركز قوة روسية دائمة قادرة على تهديد البنية التحتية الحيوية لحلف شمال الأطلسي بضربات صاروخية بعيدة المدى من البحر.
المصدر: CNN الاقتصادية
التاريخ : 13/8/2024
----------------------------
المصدر: تريندز للبحوث
والاستشارات
الكاتب : محمد جمعة /
نوف يعقوب السعدي
التاريخ : 7/7/2024