أصبحت
الهجرة تحدياً ملحاً أمام التنمية العالمية، حيث يؤدي تباين الاتجاهات
الديموغرافية المتباينة والأثر المتزايد لتغير المناخ إلى تفاقم الاتجاهات الناشئة
عن فجوات الرفاهة والصراع والعنف. ومع استمرار الحكومات في الجهود الرامية إلى تحقيق
نمو مستدامٍ وشاملٍ للجميع في خضم أزمات متعددة، فإن الهجرة، إذا أُحسنت إدارتُها،
يمكن أن تكون قوة إيجابية للتنمية، مما يحقق منافع للمهاجرين وكذلك لبلدان المنشأ
وبلدان المقصد.
حيث
إن تصاعد وتيرة الهجرة غير الشرعية كظاهرة يعود إلى الظروف السياسية والأمنية
والاقتصادية المتدهورة والخطيرة التي عرفتها مناطق كبرى من دول العالم الثالث،
وتعد منطقة الشرق الأوسط باستثناء دول الخليج العربي مرتعاً مهماً لاستفحال هذه
الظاهرة، خصوصاً لما ظهر من نتائجها السلبية في ميدان التنمية، فإشكالية الهجرة
والتنمية هي من أولويات السياسات التنموية، خصوصاً أن هناك تبايناً واضحاً في
وتيرة التنمية بين الدول، وهي الوضعية التي تقف وراءها مجموعة من السياسات
ومشروعات التعاون من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية تكفل الحّد من أسباب الهجرة غير
الشرعية في المنطقة.
إن
تنامي الهجرة غير الشرعية يرجع إلى مجموعة من الأسباب والعوامل الدافعة إلى هجرة
الوطن، وترتبط أساسا بمشكلة التنمية والتهميش والهدر الذي يعيشه، فالدراسات
والتقارير الدولية، التي تشير إلى تراجع لنسب النمو والتنمية نحو الدول الصناعية
إذ إن هناك تبايناً واضحاً في وتيرة التنمية بين دول شمال وجنوب البحر المتوسط .
وأصبحت
العلاقة بين الهجرة والتنمية قضية مركزية في إشكالية الهجرة، وتتسم العلاقة بين
الهجرة الدولية والتنمية بالتعقيد، نظراً لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية
وقانونية من جهة، وتمس من جهة أخرى أطرافاً أخرى بمؤثرات عديدة داخل البلدان الأصلية
للمغتربين وبلدان العبور وبلدان المهجر، على حد سواء. وتشكل التحويلات المالية
للمهاجرين ونقل التكنولوجيا من الجسور القوية التي تربط الهجرة والتنمية، حيث
تساهم هذه التحويلات في عملية التنمية والتعجيل إذا ما تأتت بعض الظروف المواتية
على صعيد البلدان الأصلية وبلدان المهجر، وينجم عن العلاقة بين الهجرة والتنمية،
آراء سلبية على مناطق النزوح على نحو يزيد من حدة عدم التوازن بين المناطق.
شغلت
قضية الهجرة الدول خلال الفترات الماضية بشكل كبير، سواء كانت هذه الهجرة قسرية أم
بناء على رغبة المهاجرين، خاصة في ضوء أعباء هذه الهجرة ومردودها على مشاريع
التنمية في الدول المضيفة.
ففي
فترات معينة -حيث شكلت الهجرة من الجنوب إلى الشمال ومن الدول الفقيرة إلى الدول
الغنية ملمحًا مهمًا- تم استدعاء قضية هجرة العقول من الدول الفقيرة، ورسخ ذلك
لبقاء هذه الدول في حضن التخلف.
وزاد
حضور قضية الهجرة مؤخرًا على الصعيد العالمي، بعد عمليات الهجرة القسرية، بسبب
النزاعات المسلحة -خاصة في منطقة الشرق الأوسط- أو بسبب الهاجس الديمغرافي بالدول
المتقدمة، التي قلت فيها معدلات الإنجاب، وزيادة المساحة التي شغلها كبار السن
بالهرم السكاني.
وأولى
تقرير البنك الدولي لعام 2023، قضية الهجرة اهتماما خاصا، وأتى التقرير تحت عنوان
"تقرير عن التنمية في العالم: المهاجرون واللاجئون والمجتمعات" مبينًا
حجم الظاهرة كالتالي:
- يوجد نحو 184
مليون فرد في عداد المهاجرين على مستوى العالم، من بينهم 37 مليون لاجئ، وهؤلاء المهاجرون
يمثلون نسبة 2.3% من إجمالي سكان العالم.
- 40% من إجمالي
المهاجرين على مستوى العالم تستوعبهم البلدان المرتفعة الدخل، منهم 64 مليون مهاجر
لأسباب اقتصادية، ونحو 10 ملايين لاجئ.
- عن وضع منطقة
الخليج وطبيعة المهاجرين إليها، أوضح التقرير أنها تستوعب نسبة 17% من إجمالي
المهاجرين على مستوى العالم، حيث تضم 31 مليون مهاجر، في حين ترجع الهجرة إلى
منطقة الخليج لأسباب اقتصادية.
-
أما الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل فقد كان
نصيبهما معًا 43% من إجمالي المهاجرين على مستوى العالم.
هاجس التغير الديمغرافي في الغرب
يعد
المورد البشري العنصر الأهم من بين مكونات الموارد الاقتصادية، وباتت الدول
الأوروبية تعيش مشكلة كبيرة على هذا المستوى، بسبب ارتفاع نسبة عدد سكانها من كبار
السن في العقود الأخيرة، مما دفعها بقوة إلى الاعتماد على المهاجرين في تسيير
نشاطها الاقتصادي.
وتبين
قاعدة بيانات البنك الدولي حجم المشكلة من خلال مؤشرين مهمين: الأول معدل الخصوبة،
والثاني عدد السكان في سن 65 وما فوقها، وتظهر الأرقام أن الاتحاد الأوروبي لديه
أقل معدل خصوبة مقارنة بباقي دول العالم.
في
عام 2021 كان معدل الخصوبة بالاتحاد الأوروبي 1.5%، ويقل بشكل ملحوظ عن المتوسط
العالمي الذي كان عند معدل 2.3%.
وصل
هذا المعدل في الدول الفقيرة المثقلة بالديون إلى 4.6%، وفي الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا بلغ معدل الخصوبة 2.6%، أما في العالم العربي فكان عند 3.1%,
أما
عدد السكان في سن 65 عاما فما فوقها فتبين أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي أن:
- الاتحاد الأوربي
يتقدم باقي مناطق العالم وفق هذا المؤشر بنسبة تصل إلى 21%
-
المتوسط بالعالم يصل 10%
- هذا المعدل يبلغ
5% في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
-
هذا المعدل يبلغ 3% في البلدان الفقيرة المثقلة
بالديون.
ولأسباب
اقتصادية تمارس الدول المرتفعة الدخل -الدول الأوروبية ودول الخليج- ما يسمى
بالهجرة الانتقائية، كونها تضم 64 مليون مهاجرا، مقابل 10 ملايين لاجئ فقط، وهي
سياسة تتوافق مع احتياجاتها من جهة، ومن جهة أخرى حسب الإمكانيات والكفاءات التي
يتمتع بها المهاجرون من الدول الفقيرة، أو تلك التي تعاني من نزاعات مسلحة.
ومن
خلال مقارنة نصيب كل من الدول المرتفعة الدخل بالدول المنخفضة والمتوسطة الدخل من
حيث استيعاب اللاجئين، يظهر لنا وجود فجوة كبيرة بين الفريقين، حيث تحتضن الدول
المرتفعة الدخل 10 ملايين لاجئ فقط، بينما تستوعب الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل
27 مليون لاجئ، مما يشكل عبئا اقتصاديا عليها.
ومن
هنا يجب أن ينظر إلى ظاهرة الهجرة من خلال ما تقدمه من إيجابيات للدول المضيفة،
وما تفرضه من أعباء، خاصة في حالة وجود اللاجئين.
تحديات توجه التوظيف التنموي للهجرة
تجربة
المهاجرين لأسباب اقتصادية -وهي الغالبة على هيكل المهاجرين على مستوى العالم-
تشير إلى أن الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل لم تستفد بشكل أفضل من عوائد عامليها
في الخارج، وغالبًا ما تفتقد هذه الدول لاستراتيجية تتعلق بإدارة الهجرة بمحاورها
المختلفة.
فلا
توجد خطة استثمارية مثلًا تستوعب مدخرات العاملين بالخارج، ولا برامج تأمينية
تراعي ظروف من طالت بهم الهجرة، كما أن حكومات الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل،
التي تُعد دول تصدير المهاجرين، لا تشارك في عقود عمل المهاجرين، ولا في السعي
لاتفاقيات للحفاظ على حقوقهم، من حيث العمل اللائق والأجر الكريم في دول
الاستقبال.
وعلى
الجانب الآخر، لوحظ خلال الفترة الماضية تزايد ظاهرة العنصرية ضد المهاجرين في
الدول الأوروبية، خاصة القادمين من منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعرقل جهود
الاستفادة من الكفاءات.
كما
ترصد تجربة علاقة الدول الغنية بالدول الفقيرة، أن الدول الغنية عادة ما تستثأر
بكل ثمار أي صورة من صور التعاون.
فلا
هي تسمح بنقل التكنولوجيا للدول الفقيرة كتعويض عن الاستفادة من جهود أبنائها
المهاجرين، ولا هي تضخ استثمارات أجنبية يمكن من خلالها تحسين الأوضاع التنموية في
الدول المصدرة للمهاجرين.
وفي
الوطن العربي وجدنا أن ظاهرة الهجرة أخذت أبعادا عديدة، حيث أدت هجرة السوريين إلى
تركيا إلى إحياء بعض محافظات الجنوب التركي، حيث حولتها إلى مدن تصدير، بسبب ضخ
الاستثمارات السورية، أو اليد العاملة الماهرة والرخيصة.
وفي
مصر ضخ المهاجرون السوريون واليمنيون استثمارات واضحة في قطاع الصناعة والخدمات
والسياحة والعقارات، كما تميزت الجالية السورية في مصر بالاندماج السريع في سوق
العمل.
وعلى
كل ستظل قضية الهجرة وعلاقاتها بالتنمية واحدة من الإشكاليات المثارة بشكل دائم في
إطار العلاقة بين الشمال والجنوب، أو بين الدول الغنية والدول الفقيرة.
تعزيز
الروابط بين الهجرة والتنمية
الروابط
بين الهجرة والتنمية معقدة ومتعددة الأوجه. تعمل وحدة المكتب الإقليمي لهجرة اليد
العاملة والإدماج الاجتماعي التابعة للمنظمة الدولية للهجرة مع الحكومات وأصحاب
المصلحة الآخرين على المستويين الوطني والمحلي من أجل التوعية بهذه الروابط وبناء
قدرات الحكومات لتسخير الهجرة بشكل أفضل لتعزيز التنمية المستدامة. هذا يشمل:
-
إشراك مجتمعات الشتات في التنمية الاجتماعية
والاقتصادية.
-
تسخير التحويلات المالية لدعم التنمية المحلية
المستدامة والاستثمار.
- دعم تنمية المجتمع
المحلي ومبادرات عمالة الشباب للحد من الدوافع السلبية للهجرة غير النظامية وغير
الآمنة.
-
دعم ادماج السكان النازحين والمجتمعات المضيفة
لهم.
في
الختام، فإن ظاهرة الهجرة الشرعية تعود إلى مجموعة من الأسباب الاقتصادية
والسياسية والاجتماعية ودوافع أخرى، لكن تنامي هذه الظاهرة وزيادة وتيرا يرجع إلى
العوامل ذات الطابع الاقتصادي لأساس، خصوصاً ارتباط الظاهرة شكالية التنمية
الاقتصادية، التي تتضح جلياً في التباين الصارخ في المستوى الاقتصادي بين دول
المنطقة والدول الأوروبية المستقبلة، وقلة فرص العمل وانخفاض الأجور، وعليه يجب
ألا نتوهم أنه من الممكن معالجة إشكالية الهجرة للجوء إلى الوسائل الأمنية فقط، بل
إن الأمر يتطلب الربط بين الهجرة والتنمية على المستوى الوطني بين جنوب وشمال
البحر الأبيض المتوسط، وهكذا تبقى الظاهرة مستمرة طالما هناك تباين كبير بين الدول
المتقدمة والدول النامية، خصوصاً الفقيرة منها، إذ لا توجد نية حقيقية لدى الدول
المتقدمة، للسعي من أجل العمل على مساعدة تلك الدول على إحداث تنمية حقيقية لرفع
المستوى المعيشي.
المراجع
_
ثامر العاني، 5/4/2023، الهجرة والتنمية الاقتصادية، موقع العربية.
_
عبد الحافظ الصاوي، 29/12/2023، الهجرة والتنمية في 2023، موقع الجزيرة.