شهد
المجتمع الدولي في الفترة الحالية حروباً ضارية إلا أننا نجد أن أشدها قسوة وانتهاكاً
للقانون الدولي الإنساني هو الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، فقد
استخدم في هذا النزاع خلاصة ما جاء به عبقرية الإنسان من وسائل الهدم والإيذاء
والدمار.
ومن
هنا كان لا بد من تدخل القانون الدولي الإنساني لتوفير الحماية الضرورية لضحايا
تلك الحرب والنزاعات المسلحة من القتلى والجرحى والمرضى والأسرى والمدنيين
والأعيان المدنية فالقانون الدولي الإنساني يجمع بين فكرتين مختلفتين في طبيعتهما
إحداهما قانونية والثانية أخلاقية.
فالقانون
الدولي الإنساني يشمل القواعد التي تنظم استخدام القوة أو أساليب القتال لحماية
الإنسان كإنسان، فهو قانون يقيد السلوك الإنساني في أثناء النزاع المسلح سواء كان
دولياً أم داخلياً مستهدفاً الحد من نزعة الإنسان إلى التخريب والتدمير والقتل
والاعتداء استهدافًا لحماية الجنس الإنساني وتراثه وحضارته وهو ما يعرف بأنسنة
الحرب.
القانون الدولي الإنساني حماية للمدنيين أثناء
النزاع المسلح
وقد
أوجد القانون الدولي الإنساني حماية خاصة للمدنيين في أثناء النزاع المسلح للأطراف
المعنية إنشاء مناطق آمنة لحماية الجرحى والمرضى والأطفال والحوامل، كذلك يمكن
إنشاء مناطق محايدة لحماية الجرحى والمرضى من المقاتلين والمدنيين الذين لا
يشتركون في العمليات العسكرية، كذلك لا يجوز مهاجمة المناطق منزوعة السلاح.
ولا
يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية إلا إذا استخدمت في القيام بأعمال تضر
العدو، على أنه لا يعد ضراراً بالعدو مجرد وجود عسكريين يتم معالجتهم في هذه
المستشفيات، وتحظر الهجمات العشوائية والتي لا توجه إلى هدف عسكري أو من شأنها أن
تصيب أهدافًا عسكرية ومدنية ولا بد من
اتخاذ الاحتياطات اللازمة عند الهجوم سواء عند التخطيط له أو في أثناء تنفيذه بحيث
يتم تجنيب السكان المدنيين والأعيان المدنية آثاره.
وأكدت
اتفاقية جنيف البعد الإنساني بتخصيص الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات عام 1949
والملحقين الاضافيين لحماية المدنيين، وترتيبًا على ذلك يتمتع السكان والأشخاص
المدنيون بحماية عامة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية.
كذلك
ذهبت اتفاقية لاهاي أن تلتزم القوات المتحاربة في حالات الحصار أو القصف اتخاذ
كافة التدابير اللازمة لتفادي الهجوم على المستشفيات والمباني المخصصة للعبادة
والمواقع التي يتم فيها جمع المرضى والجرحى، وتندرج المستشفيات المدنية فضلًا عن
وسائل النقل الطبي ضمن الأماكن التي يحظر على أطراف النزاع ضربها.
وهو
ما اخترقته دولة الاحتلال الإسرائيلي بقصف الجيش الإسرائيلي مراراً للمستشفيات في
قطاع غزة منذ بدء الحرب هناك، إلا أن القوات الإسرائيلية التي لا تزال تمعن في هذا
القصف تحت مزاعم واهية، في ظل حقيقة أن الجانب الأكبر من المستشفيات في القطاع دمر
أو خرج عن الخدمة، وقد حذرت منظمات دولية من الوضع الكارثي للمستشفيات التي تئن
تحت استمرار القصف الإسرائيلي.
كذلك
حظر القانون الدولي الإنساني تجويع المدنيين كسلاح في الحرب حيث يُشكل الحصار
المحكم ومنع كل سبل الحياة عن قطاع غزة من مياه ومواد غذائية ووقود وأدوية -جريمة
حرب وجرائم ضد إنسانية، إذ إن القانون الدولي الإنساني يحظر أي شكل من أشكال
العقوبات الجماعية ضد السكان، وذلك استناداً لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي
تؤكد وجوب حماية المدنيين، كما أن تجويع شعب بأكمله ومنع الغذاء والدواء عنه ومنع
الوقود عن المستشفيات، يشكل جريمة إبادة جماعية، وهي بذلك تنتهك على نحو واضح
اتفاقية جنيف الرابعة، التي تتضمن أن على دولة الاحتلال أن تعمل بأقصى ما تسمح به
وسائلها على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية.
ولجأ
سكان قطاع غزة إلى الاحتماء بالمدارس التي اعتبروها محمية بموج القانون الدولي
الإنساني، لكن الاحتلال الإسرائيلي قصفها كما قصف المستشفيات وباقي الأماكن
المدنية، حتى المواقع التي أعلنها “مناطق آمنة” ودعا السكان إلى النزوح إليها تم
قصفها.
اليوم
العالمي للعمل الإنساني الموافق 19 أغسطس من كل عام
ناشدت
413 منظمة إنسانية حول العالم بما فيها الأونروا ووكالات الأمم المتحدة الأخرى
واللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال
الأحمر والمنظمات غير الحكومية جميع الدول وأطراف النزاع المسلح والمجتمع الدولي
الأوسع نطاقًا إلى:
إنهاء
الهجمات على المدنيين واتخاذ خطوات فعالة لحمايتهم وحماية البنية التحتية المدنية
الحيوية التي يعتمدون عليها.
حماية
جميع العاملين في مجال الإغاثة، بما في ذلك الجهات الفاعلة المحلية والوطنية،
ومبانيهم وأصولهم وتسهيل عملهم، كما دعا إلى ذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم
(2730) الذي يحث جميع أطراف النزاع المسلح على السماح وتسهيل وصول المساعدات
الإنسانية بشكل كامل وآمن وسريع ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين وهو ما
تخترقه أيضًا دولة الاحتلال الإسرائيلي منتهكة بذلك أبسط قواعد القانون الدولي
الإنساني.
النزاعات
المسلحة :لا تزال النزاعات المسلحة والحروب تسبب الموت
والنزوح والمعاناة للشعوب على نطاق واسع وتدور حالياً نزاعات مسلحة عديدة في جميع
أنحاء العالم، بما في ذلك النزاعات التي تنخرط فيها أطراف متحاربة داخل دولة واحدة
(نزاعات مسلحة غير دولية)، وتلك التي تنخرط فيها قوات مسلحة من دولتين أو أكثر
(نزاعات مسلحة دولية) لقد ألحقت هذه النزاعات الضرر بملايين البشر بطرق لا حصر
لها، بما في ذلك قتل المدنيين، وترك الناجين مصابين أو مشوهين، أو عرضتهم للتعذيب،
أو الاغتصاب، أو التهجير القسري، أو الإساءة على نحو خطير وبحلول نهاية 2019، كان
79,5 مليون شخص قد نزحوا قسرياً في مختلف أنحاء العالم بسبب الصراع المسلح، وهو
أكبر عدد تم تسجيله على الإطلاق.
وتقوم
منظمة العفو الدولية بتوثيق انتهاكات القانون الدولي، أثناء النزاعات المسلحة،
وتناضل ضد هذه الانتهاكات؛ بصرف النظر عمن يرتكبها أو مكان وقوعها.
وتدعم
منظمة العفو الدولية مطالب الضحايا من أجل تحقيق العدالة والمساءلة من قبل السلطات
الوطنية وصولاً إلى المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية
وتعتبر الانتهاكات الجسيمة للقانون بمثابة جرائم حرب والأهداف الأساسية للقانون
الإنساني الدولي هي التقليل إلى أدنى حد من المعاناة البشرية، وتوفير الحماية
للسكان المدنيين والمقاتلين السابقين الذين لم يعودوا يشاركون مباشرة في الأعمال
العدائية، مثل أسرى الحرب.
دعوة
من منظمة العفو الدولية
-
وضع حد للإفلات من العقاب على ما يُرتكب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية
-
إدراك قوات الدولة والجماعات المسلحة أنه لا يمكن تبرير استهداف المدنيين أبداً
-
وضع حد لتجنيد الأطفال واستخدامهم جنوداً، وتسريح المجندين منهم وتأهيلهم وإعادة
دمجهم في المجتمع
-
تفعيل معاهدة تجارة الأسلحة بوصفها معاهدة دولية من خلال إدراج أحكامها في القوانين
والممارسات الوطنية
الحماية
القانونية الدولية لحقوق الإنسان في النزاع المسلح
على
الرغم من أنّ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي يختلفان من
حيث النطاق لكنهما يوفّران مجموعة من التدابير الحمائية للأشخاص في النزاع
المسلّح، سواء أكانوا من المدنيين، أو أشخاصاً لم يعودوا مشاركين بالفعل في النزاع
ويتضمّن هذا التقرير تحليلاً قانونياً دقيقاً لإرشاد السلطات الحكومية والجهات
الفاعلة في مجال حقوق الإنسان والعمل الإنساني والجهات الأخرى بشأن تطبيق القانون
الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي لغرض حماية الأشخاص في النزاع
المسلح وهو يتناول بوجه خاص التطبيق المتكامل لهاتين المجموعتين من القوانين.
ختاماً
فإن الواقع الفعلي على الساحة الدولية يحتم على كل الأطراف السعي لعدم تفاقم
الأوضاع، فاعتياد الصراع لا يمنع تصاعده وانفجاره
فكلما
زادت جهود الوسطاء لمحاولة التوصل إلى صيغة لوقف لإطلاق النار في القطاع مع تعمد
دولة الاحتلال الإسرائيلي استمرار ارتكاب تلك الجرائم واسعة النطاق، وتعمد إسقاط
تلك الأعداد الهائلة من المدنيين العُزّل،
هو
دليل قاطع على غياب الإرادة السياسية لدى الجانب الإسرائيلي لإنهاء تلك الحرب،
وإمعان في استمرار المعاناة الإنسانية للفلسطينيين تحت وطأة كارثة إنسانية دولية
يقف العالم عاجزاً عن وضع حد لها.
المصدر: المركز المصري للفكر و الدراسات
الاستراتيجية
الكاتب : د. محمد حربي
التاريخ : 28/8/2024
-------------------------------------------
المصدر: منظمة العفو الدولية
تاريخ التأسيس : 28/5/1961
-------------------------------------------
المصدر: منظمة الأمم المتحدة
التاريخ : 1/7/2012