في
أعقاب تفشي جائحة كوفيد-19، أضحى تطوير صناعة الأدوية مسألة حتمية لا
غنى عنها، إذ كان هناك تصور في ذلك الوقت بأنه بدون علاجات جديدة وبخاصة اللقاحات،
سيظل العالم عالقاً في حلقة مفرغة من الإغلاقات والأزمات المتتالية. وعليه، أصبحت
شركات الأدوية محط أنظار الحكومات والجمهور العادي في توقيت شديد الحساسية، وهو ما
زاد من حجم الضغوط على شركات الأدوية الكبرى لتقديم نتائج سريعة.
ومنذ
ذلك الوقت وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، نما الزخم حول الصناعات الدوائية
عالمياً، مصحوباً برغبة العديد من الحكومات في توطين صناعاتهم في ذلك القطاع
الحيوي، لتفادي أي هزات يمكن أن تنجم عن تفشي الأوبئة أو الفيروسات في المستقبل،
وكذلك لتعزيز الصحة العامة وتجنب أي أزمات صحية كبرى من شأنها أن تضغط على النظم
الصحية بالدول. حتى بات يطلق على الفترة التي نعايشها بـ"العصر الذهبي
للطب"، في ظل صعود علاجات جديدة وتذليل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في
ابتكار أدوية جديدة.
هيمنة
أمريكية
السوق
الأمريكية تهيمن على نصف مبيعات السوق العالمية من الأدوية بحصة 51% من سوق الأدوية العالمي، وبإجمالي مبيعات بنحو 678 مليار دولار، فيما استحوذت الأسواق الناشئة على 23% من حجم مبيعات السوق، والتي تشمل دولاً مثل الصين وروسيا
والبرازيل والهند، بينما بلغت مبيعات أوروبا نحو 19% من سوق الأدوية العالمية.
سوق
ضخم
ويشهد
سوق الأدوية العالمي نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة، حيث قُدِّر إجمالي السوق
الأدوية في العالم العام 2023 بنحو 1.6تريليون دولار، ما يمثل زيادة تتجاوز الـ 100 مليار دولار مقارنة بـ 2022 ، وقُدر إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في الصناعة بنحو 244 مليار دولار عالمياً.
وعلى
مدار السنوات الـ 5 الماضية، نما الإنفاق العالمي على الأدوية
بنسبة 35%، ومن المتوقع أن يزيد بنسبة 38% حتى عام 2028، كما من المحتمل أن تساهم العلامات التجارية
الجديدة في ذلك النمو بمبلغ 193 مليار دولار.
دوافع
إن
اهتمام الحكومات بصناعة الدواء وحرصها الواسع على تعزيز قدراتها وإمكانياتها في
هذه الصناعة يرجع إلى عدد من الدوافع أبرزها: توطين الصناعة وتقليل الاعتماد على
الخارج وتحسين النظام الصحي والوقاية من الأمراض وضمان الاستجابة السريعة والفعالة
مع الأوبئة وأداة لتعزيز الدبلوماسية الصحية عبر تقديم المساعدات الطبية والتبرع
بالأدوية واللقاحات للدول الأخرى إلى جانب العوائد الضخمة لصناعة الدواء عالمياً
كما تلعب الصناعة دوراً بارزاً في تعزيز البحث والتطوير.
مؤشرات
رئيسية لصناعة الدواء عالميا
ثمة
دلائل رئيسية تشير إلى الاتجاه التصاعدي لصناعة الدواء عالمياً، ويمكن الوقوف على
أبرز هذه الدلائل على النحو التالي:
-
سيطرة شركة فايزر الأمريكية على العائدات
الأكبر في سوق الأدوية العالمية: يهيمن على سوق الأدوية العالمي بصفة عامة عدد من
الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، ومن بينها شركة "فايزر" الأمريكية،
التي بلغ حجم عوائدها في عام 2023 نحو 58.5 مليار دولار، فيما قُدر حجم عوائد شركة AbbVie’s الأمريكية، والتي يتمثل المنتج الرئيسي لها في دواء Humira لعلاج الالتهابات، في العام 2023، حوالي 54.3مليار دولار، تليهما شركة Novartis السويسرية، التي بلغت عوائدها في العام ذاته نحو 45.5 مليار دولار.
-
إنفاق عالمي متزايد على البحث والتطوير: في
عام 2022، قُدر إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير في
صناعة الأدوية بحوالي 244 مليار دولار أمريكي على مستوى العالم. وهي
زيادة بمقدار الضعف تقريباً مقارنة بحجم الإنفاق على البحث والتطوير في تلك
الصناعة في عام 2012، والذي بلغ نحو 137 مليار دولار.
-
إنتاج وتطوير أدوية حيوية جديدة: اعتباراً
من عام 2023، تم تطوير العديد من الأدوية الجديدة، حتى
أضحى هناك حوالي 4500 منتج جديد مضاد للسرطان مناعي قيد التطوير
في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى أكثر من 3600 دواء مضاد للسرطان آخر في مراحل البحث والتطوير. هذا وقد تمت
الموافقة خلال ذلك العام على 55 دواء جديداً من قبل مركز تقييم وأبحاث
الدواء (CDER)، ليمثل بذلك ثاني أكبر عدد من الموافقات
على الأدوية، بعد عام 2018، والذي تمت الموافقة فيه على نحو 60 دواءً جديداً.
-
استحواذ منتجات علاج الأورام على مبيعات
الأدوية العالمية: على عكس العامين التاليين لتفشي جائحة كوفيد-19، لم تعد اللقاحات المضادة للفيروس تحتفظ بمكانتها كأفضل منتج
صيدلاني عالمياً بناءً على الإيرادات، بل استحوذت أدوية علاج الأورام والسرطانات
على مبيعات الأدوية على مستوى العالم في عام 2023، حيث مثل عقار السرطان Keytruda من
Merck الدواء الأكثر مبيعاً في جميع أنحاء العالم، بحوالي 25 مليار دولار أمريكي من الإيرادات في عام 2023. ومن المتوقع أن يشهد ذلك النوع من العلاج أكبر نمو على مدار
السنوات القادمة، يليه الإنفاق على أدوية علاج أمراض المناعة الذاتية والسكري.
-
ألمانيا أكبر مصدر للمنتجات الطبية في
الاتحاد الأوروبي: من بين دول الاتحاد الأوروبي؛ فإنه قد حققت ألمانيا في عام 2023 أعلى صادرات خارج الاتحاد الأوروبي بقيمة (62 مليار يورو)، تليها بلجيكا (43 مليار يورو)، وأيرلندا (37 مليار يورو)، لتكون بذلك ألمانيا هي أكبر مصدر للمنتجات الطبية
خارج الاتحاد الأوروبي، كما يشير ذلك بنحوه إلى الاهتمام الأوروبي بلعب دور صاعد
في هذه السوق الحيوية عالمياً.
-
توقعات بنمو الاستخدام العالمي للأدوية: نما
الاستخدام العالمي للأدوية بنسبة 14% على مدى السنوات الخمس الماضية، ومن
المتوقع حدوث زيادة أخرى بنسبة 12% حتى عام 2028، ليصل الاستخدام السنوي إلى 3.8 تريليون جرعة يومية محددة. هذا ومن المحتمل أن ينمو استخدام
الأدوية في أمريكا اللاتينية وآسيا بشكل أسرع من المناطق الأخرى على مدى السنوات
الخمس المقبلة.
-
احتمالات بارتفاع الإنفاق العالمي على الأدوية: على مدار السنوات الخمس الماضية،
نما الإنفاق العالمي على الأدوية بنسبة 35%، ومن المتوقع أن يزيد بنسبة 38% حتى عام 2028، كما من المحتمل أن تساهم العلامات التجارية
الجديدة في ذلك النمو بمبلغ 193 مليار دولار، بزيادة قدرها 40 مليار دولار عن السنوات الخمس الماضية.
استراتيجية
التطوير
تعد
دولة الإمارات العربية المتحدة من أبرز الدول المهتمة بتعزيز صناعتها الدوائية
المحلية وذلك في ضوء تزايد الإنفاق على الرعاية الصحية. وفي هذا الصدد يمكن الوقوف
على أبعاد اهتمام الدولة بصناعة الدواء، وذلك على النحو التالي:
_
دور بارز لصناعة الأدوية في إمارة أبوظبي:
أصبحت صناعة الأدوية في أبوظبي مساهماً كبيراً في إنتاج الأدوية في دولة الإمارات
العربية المتحدة؛ حيث بلغت مساهمتها نحو 27% في عام 2021. هذا وبلغت قيمة الإنتاج في قطاع الأدوية في
أبوظبي في ذلك العام نحو 284 مليون دولار. وفي ضوء اهتمام الدولة الصاعد
بتلك الصناعة، فمن المتوقع أن تصل حصة الأدوية المسجلة في سوق الأدوية التي سيتم
وصفها في دولة الإمارات العربية المتحدة بحلول عام 2030 لنحو 77%.
_
تبني إمارة أبوظبي استراتيجية صناعية لدعم
تنافسية القطاع: تم تطوير استراتيجية صناعية لأبوظبي لدعم نمو وتنافسية قطاع
الأدوية. وتتضمن الاستراتيجية استثمار 10 مليارات درهم من قبل حكومة أبوظبي لمضاعفة
حجم القطاع التصنيعي ليصل إلى 172 مليار درهم، وزيادة الصادرات غير النفطية
بنسبة 148% إلى 178.8 مليار درهم، وإيجاد 13600 وظيفة بحلول عام 2031. هذا وترمي الاستراتيجية إلى جعل إمارة أبوظبي مركزاً إقليمياً
للابتكار والتصنيع في صناعة الأدوية، بما في ذلك تصنيع المنتجات الصيدلانية
الأساسية والمستحضرات الصيدلانية، كما يشمل تصنيع المنتجات الكيميائية الطبية
والنباتية الطبية.
_
استحواذ مبادلة على شركة "كيليكس بايو" المتخصِصة في مجال الأدوية: في
مارس 2024، أبرمت شركة مبادلة للاستثمار اتفاقية
نهائية للاستحواذ على شركة "كيليكس بايو" المتخصِّصة في مجال توفير
الأدوية العامة المتطورة في الأسواق الناشئة، لتعزيز منظومة صناعة الأدوية في دولة
الإمارات العربية المتحدة.
ويذكر
في هذا الاتجاه، أن شركة "كيليكس بايو" قد استحوذت، منذ تأسيسها في
نوفمبر 2020، على شركات تصنيع في الهند ومصر ومالطا
والمغرب، ونجحت في تسويق مجموعة واسعة من التركيبات الدوائية لعلاج أمراض السكري
والأورام وأمراض القلب والجهاز العصبي المركزي وغيره.
_
استثمارات إماراتية في إنشاء مراكز بحثية
ومصانع للأدوية: تعتبر الصناعات الدوائية محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي والتنويع
الصناعي في الإمارات، وعليه تستثمر الدولة بشكل مكثف في إنشاء مراكز بحثية ومصانع
حديثة للأدوية، وتقديم حوافز للمستثمرين الأجانب والمحليين في هذا المجال، بما
يدفع نحو تعزيز مكانة الدولة كمركز إقليمي لصناعة الأدوية، وجذب الاستثمارات
الأجنبية المباشرة في هذا المجال.
_
جهود الإمارات لتطوير صناعات دوائية صديقة
للبيئة: تحرص دولة الإمارات على تطوير صناعات دوائية صديقة للبيئة ومستدامة، وذلك
من خلال تبني أحدث التقنيات والابتكارات في هذا المجال، بما يتماشى مع رؤية
الإمارات 2021 و2030، التي تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة توازن بين التقدم الاقتصادي
وحماية البيئة.
_
تركيز متزايد على البحث والتطوير للأدوية
الجديدة: ساهمت تفضيلات العملاء في سوق الأدوية في دولة الإمارات للأدوية عالية
الجودة والمبتكرة والفعالة في علاج الأمراض المختلفة، وفي الوقت نفسه ذات أسعار
معقولة، لتركيز شركات الأدوية في الدولة بكثافة على الاستثمار في البحث والتطوير،
لتطوير أدوية مبتكرة يمكنها علاج أمراض مختلفة بشكل فعال.
_
رقابة مكثفة على صناعة الأدوية في الدولة:
تخضع سوق الأدوية في الإمارات العربية المتحدة لتنظيمات وضوابط شديدة، وتلعب
الحكومة دوراً بارزاً في تنظيم صناعة الأدوية في الدولة. وقد نفذت الحكومة في هذا
الصدد مبادرات مختلفة لتعزيز تطوير صناعة الأدوية، وتحسين خدمات الرعاية الصحية في
الدولة.
دوافع
الاهتمام
يرجع
اهتمام الحكومات بصناعة الدواء، وحرصها الواسع على تعزيز قدراتها وإمكانياتها في
هذه الصناعة، إلى عدد من الدوافع، يمكن استعراض بعضٍ منها على النحو التالي:
1- توطين الصناعة وتقليل الاعتماد على الخارج:
تُولي كثير من دول العالم اهتماماً كبيراً بالصناعات الدوائية لأسباب استراتيجية
تتعلق بالحاجة الملحة نحو تقليل الاعتماد على الخارج في العلاجات الحيوية، ويتجلى
هذا الاهتمام من خلال بث الحكومات استثمارات كبيرة في البنية التحتية الطبية،
وتقديم سياسات حكومية داعمة، وعقد شراكات عالمية مع شركات الأدوية الرائدة.
2- تحسين النظام الصحي والوقاية من الأمراض: تدرك
الدول أن تطوير قطاع الصناعات الدوائية محلياً يسهم بشكل كبير في تحسين النظام
الصحي والوقاية من الأمراض، ومن هذا ترمي الحكومات إلى ضمان توافر الأدوية
الأساسية والمبتكرة لكافة المواطنين والمقيمين على أرضها، وبناء قدرات محلية في
تصنيع الأدوية.
3- ضمان الاستجابة السريعة والفعالة مع
الأوبئة: تدفع جهود الحكومات نحو تعزيز صناعتها الدوائية، إلى تسريع استجابة تلك
الدول للأوبئة والطوارئ الصحية على نحو فعال، ومن ثم زيادة قدرة الدول على حماية
صحة سكانها في الظروف الحرجة.
4- أداة لتعزيز الدبلوماسية الصحية: كشفت
جائحة كوفيد-19 عن دور الصناعة الدوائية القوية في بعض
الدول، وتأهب كثير من البلدان لحالات الطوارئ، في تعزيز دبلوماسيتها الصحية. ومن
ذلك الحين، تستخدم الدول الصناعات الدوائية كأداة لتعزيز نفوذها الدولي من خلال
الدبلوماسية الصحية، وذلك عبر تقديم المساعدات الطبية والتبرع بالأدوية واللقاحات
للدول الأخرى. إذ من شأن ذلك أن يُظهر التزام الدول بالصحة العالمية، ويدعم الصورة
الدولية للدول بما يسهم في بناء تحالفات وشراكات استراتيجية قوية.
5- مساهمة الصناعات الدوائية في الاقتصاد
العالمي: إلى جانب العوائد الضخمة لصناعة الدواء عالمياً، فإن تلك الصناعة الحيوية
تسهم بشكل كبير في توفير ملايين فرص العمل سنوياً، وكذلك فإن استثمارات بعض الدول
في هذه الصناعات غالباً ما تسهم في تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ في بعض البلدان
الرائدة في تلك الصناعة، بفضل عائدات الصادرات المرتفعة للأدوية.
6- دور الصناعات الدوائية كمحرك أساسي للبحث
العلمي: تلعب الصناعة دوراً بارزاً في تعزيز البحث والتطوير، بما يعزز الابتكار
العالمي بالشكل الذي ينعكس إيجابياً على الاقتصاد العالمي، حيث تستثمر شركات
الأدوية مبالغ طائلة في تطوير أدوية جديدة وتحسين الأدوية الحالية، بما يسهم بدوره
في التوصل إلى اكتشافات علمية تسهم في فهم أفضل للأمراض وتطوير علاجات فعالة.
7- تطوير صناعات دوائية صديقة للبيئة
ومستدامة: في إطار الهدف العالمي الرامي لبلوغ صافي صفر انبعاثات كربونية، تتجه
الحكومات وشركات الأدوية على السواء نحو إنتاج وتطوير صناعات دوائية صديقة للبيئة
ومستدامة، من خلال تبني أحدث التقنيات والابتكارات في هذا المجال، بما في ذلك
استخدام تقنيات التصنيع النظيفة، وإدارة النفايات بشكل فعال، وضمان استخدام
الموارد بشكل مستدام.
8- انخفاض تكاليف إنتاج الدواء: على مدى
السنوات القليلة الماضية، بدأت التطورات الرئيسية في البحث والتطوير الدوائي في
تغيير مشهد البحث والتطوير، حيث أضحى هناك عدد متزايد من مصنعي الأدوية حريصين على
تطوير قدراتهم في البحث والتطوير، والاستعانة بمنظمات الأبحاث السريرية، وكذلك
منظمات الأبحاث التعاقدية، مما ساهم بشكل كبير في خفض تكاليف إنتاج الدواء.
9- تحفيز التحولات الديموغرافية على زيادة
الإنفاق على الصحة: تواجه كثير من الدول تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة ناجمة عن
مزيج من الشيخوخة السريعة للسكان وانخفاض معدلات الولادة. فعلى سبيل المثال،
يُتوقع أن يرتفع الإنفاق على الصحة العامة في سويسرا بنسبة 30٪ بحلول عام 2050، بسبب التكاليف المرتفعة للرعاية طويلة الأجل.
أما كوريا الجنوبية والصين، إلى جانب دول أخرى، فهي تواجه بالفعل التأثيرات الاقتصادية
المترتبة على انخفاض عدد البالغين في سن العمل الذين يساهمون في الضرائب اللازمة
لتمويل خدمات الرعاية الصحية للمسنين. ولعل تلك التغيرات تُظهر الحاجة الماسة إلى
الاستثمار في الوقاية و"رعاية الأصحاء"، من خلال تكثيف الاستثمار في
صناعة الأدوية، للحد من التكاليف المستقبلية لرعاية المرضى.
تحديات
عالقة
تواجه
شركات صناعات الأدوية جملة من التحديات المعقدة التي تؤثر على مختلف جوانب الإنتاج
والتوزيع والابتكار، منها الوقت الطويل الذي تستغرقه عملية البحث والتطوير، والذي
قد يمتد إلى عقود لاكتشاف دواء جديد، أضف إلى ذلك حاجة شركات الأدوية إلى
استثمارات ضخمة في الأبحاث والتجارب السريرية كي تؤتي ثمارها. ومن ناحية أخرى،
تشكل التكلفة العالية لتطوير وإنتاج الأدوية معضلة رئيسية، مما يخلق ضغطاً على
شركات الأدوية لتوفير الأدوية بأسعار معقولة، خاصة في البلدان النامية.
كذلك،
فقد نجم عن الاهتمام العالمي بالصناعات الدوائية منافسة شديدة بين شركات صناعة
الأدوية، خاصة تلك التي تنتج الأدوية "الجنسية" التي تقدم بدائل رخيصة
للأدوية ذات العلامات التجارية، ما يفرض بدوره ضغوطاً مالية وتجارية على شركات
الأدوية، كما يؤثر بشكل كبير على هوامش ربح الشركات التي تنتج الأدوية ذات
العلامات التجارية الأصلية.
أضف
إلى ذلك، معضلة انتشار الأدوية المزورة، والتي تشكل تهديداً كبيراً على صحة المرضى
وعلى سمعة الشركات المصنعة، مما يفرض على الحكومات ضرورة إخضاع كافة الأدوية إلى
رقابة مشددة للتأكد من سلامتها، حيث من شأن انتشار تلك الأدوية أن يفقد الثقة في
الأنظمة الصحية في البلدان التي تنتشر بها. وأخيراً، تواجه الصناعة ضغوطاً للحد من
تأثيرها البيئي، بما في ذلك إدارة النفايات الكيميائية الناتجة عن عمليات الإنتاج،
مما يجبر الشركات والحكومات على السواء على السعي نحو تبني صناعات دوائية مستدامة
بيئياً.
إجمالاً،
ساهمت جملة من العوامل في تحفيز كثير من دول العالم على تعزيز صناعاتها الدوائية،
وتكثيف الإنفاق على البحث والتطوير في هذا المجال الحيوي، والعمل على الوصول إلى
منتجات دوائية مستدامة بيئياً، والاستفادة من التقنيات الحديثة في اكتشاف عقاقير
وأدوية جديدة لعلاج الأمراض المستعصية. ومن المتوقع أن تشهد الصناعة خلال الأعوام
الخمس المقبلة مزيداً من الجهود من قبل الحكومات والشركات، بما سينعكس إيجاباً على
حجم إيرادات سوق الأدوية العالمية، ومساهمتها في الاقتصاد العالمي.
غير أن ذلك النمو يفرض ضرورة التعامل مع تحديات الصناعة على نحو إيجابي، عبر تبني استراتيجيات مرنة وابتكارية من قبل الشركات العاملة في هذا المجال، بالإضافة إلى التعاون الوثيق مع الحكومات والمؤسسات الصحية من أجل الاستجابة المثلى لمتطلبات الأنظمة الصحية في مختلف البلدان.
المراجع
_ سهير الشربيني، 14/8/2024، الدبلوماسية
الصحية:كيف نما الاهتمام العالمي بالصناعات الدوائية؟، انترريجونال للتحليلات
الاستراتيجية.
_ بيانات صحفية، 24/8/2024، الاستثمارات
في الصناعات الدوائية، lseg.