قرر
مجلس حلف شمال الأطلسي، في يوم 26 يونيو 2024، تعيين رئيس الوزراء الهولندي مارك روته –المنتهية ولايته– كأمين
عام جديد اعتباراً من بداية أكتوبر 2024، خلفاً لينس ستولتنبرغ بعد عشر سنوات على
رأس الحلف، مما يجعله مسؤولاً عن أكبر منظمة أمنية في العالم، في وقت حرج للأمن
الأوروبي مع احتدام الحرب في أوكرانيا، إلى جانب الغموض الذي يخيم على موقف
الولايات المتحدة المستقبلي تجاه الحلف عقب الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويعد
روته رابع أمين عام للحلف من الجنسية الهولندية، وذلك بعدما انسحب منافسه الروماني
الوحيد من السباق، على خلفية إعلان مجلس الدفاع الروماني أن الرئيس الروماني كلاوس
يوهانيس لم يعد مرشحاً لتولي هذا المنصب.
وجهات
رئيسية
إن
إدارة روته للتحالفات السياسية من أجل تشكيل حكوماته السابقة، بل وأيضاً على
المستوى الدولي؛ حيث كان في طليعة المفاوضات الدولية بشأن قضايا مثل تعزيز الدعم
لأوكرانيا، تعد من ضمن أهم الإمكانات التي يتمتع بها الزعيم الهولندي لإدارة حلف
الناتو، لا سيما أنها ستلعب دوراً رئيسياً في تشكيل توجهاته أثناء توليه منصبه
الجديد، وهو ما يمكن إيجازه على النحو التالي:
1-
استغلال خبرته السياسية في مهمته الجديدة بالحلف: يعتبر روته رجل دولة ذا خبرة
سياسية واسعة، خاصة بعدما قاد العديد من الحكومات الائتلافية الهولندية منذ عام 2010، والتي مكنته من اكتساب ثروة من الخبرة والمهارات الدبلوماسية
والاتصالات ليس في أوروبا فحسب، بل وفي جميع أنحاء العالم. فعلى مدار أكثر من اثني
عشر عاماً على رأس السياسة الهولندية، تمكن مارك روته من إيجاد توافق في الآراء
بين شركاء التحالف المنقسمين، من خلال تركيز مهمته على توجيه التحالفات المتباينة
نحو الإجماع على القرارات الحكومية، مما قد ينعكس على قدرته على الإدارة الجادة
للانقسامات داخل حلف الناتو، ولذلك حظي روته بدعم العديد من أعضاء الناتو لقيادة
التحالف، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه يُنظر إليه على أنه مرشح قادر على السيطرة على
توجهات دونالد ترامب الانعزالية عن الحلف، حال وصوله للبيت الأبيض بنهاية هذا
العام.
وعلى
الصعيد الدولي، ساهمت السنوات التي قضاها روته في منصبه كرئيس للوزراء، في صقل
مهاراته الدولية، وذلك أثناء عمله في الاتحاد الأوروبي، الذي استطاع من خلاله
تطوير علاقات بلاده مع زعماء أقوياء مثل المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا
ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولا سيما تعزيز علاقاته عبر الأطلسي، من
خلال التودد إلى الزعيمين الأمريكيين جو بايدن ودونالد ترامب.
2-
استقطاب زعماء الحلف المعارضين: بعد إعلان اهتمامه بالمنصب العام الماضي (2023)، حصل روته على دعم مبكر من الأعضاء الرئيسيين في التحالف، بما في
ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بينما تحفظت العديد من الدول
الأخرى، خاصة دول أوروبا الشرقية التي جادلت بأن المنصب يجب أن يذهب إلى شخص من
منطقتها لأول مرة. وبناء على ذلك، تطلب حصول الزعيم الهولندي على منصب رئيس حلف
شمال الأطلسي كل مهاراته الدبلوماسية التي يتمتع بها، من أجل إقناع المتشككين، بما
في ذلك رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، لدعم ترشيحه.
وبالفعل،
نجح روته في التوصل إلى اتفاق مع الزعيم المجري بقبول طلب الأخير بعدم إلزام بلاده
بتوفير الأفراد أو الأموال لخطط الدعم الجديدة التي وضعها حلف شمال الأطلسي
لأوكرانيا. ويأتي الاتفاق مع أوربان، الذي نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"
بعد أشهر رفض فيها رئيس الوزراء المجري تأييد روته، مما أثار غضب الولايات المتحدة
وحلفاء بارزين آخرين في الحلف. واللافت للنظر هنا أن هذا الاتفاق يأتي استكمالاً
لاتفاق الأمين العام الحالي ينس ستولتنبرغ مع أوربان، والذي نص على حرية المجر في
الانسحاب من أنشطة الناتو لدعم أوكرانيا، مثل خطة التحالف لتكثيف الإمدادات
العسكرية إلى كييف وتدريب القوات الأوكرانية، فضلاً عن الدعم المالي طويل الأجل.
3-
الاتساق الشديد مع مبادئ وأهداف الحلف: على عكس التيارات اليمينية المتشددة في
أوروبا والولايات المتحدة، يعتبر روته مناصراً للحلف عبر الأطلسي، أكثر من كونه
أوروبياً، وهو ما يتماشى مع المعيار السائد في دول شمال أوروبا الصغيرة، وربما ذلك
يفسر السبب وراء تعيين أمناء عامين لحلف الناتو في معظم تاريخه من الهولنديين أو
البلجيكيين أو الإسكندنافيين. وخير شاهد على ذلك هو تعليق ستولتنبرغ على اختيار
روته أميناً عاماً للحلف؛ حيث كتب على موقع X،
أن "مارك مناصر حقيقي لعبر الأطلسي، وقائد قوي، وصانع للتوافق. أعلم أنني
سأترك الناتو في أيدٍ أمينة". ومن جانبها، صرحت أوانا لونجيسكو، المتحدثة
الرسمية السابقة باسم الناتو: "يُنظر إلى روته على أنه يداً آمنة لقيادة
الناتو في الأوقات المضطربة، تماماً كما فعل ستولتنبرغ خلال العقد الماضي".
4-
الدعم العسكري المكثف لأوكرانيا: يُعد روته من أشد المنتقدين الحاليين للهجوم
الروسي على أوكرانيا منذ فبراير 2022، ومن ثم فهو من أشد المؤيدين لدعم كييف في
حربها، كما كان من أهم المؤيدين لتزويد أوكرانيا بالأسلحة المختلفة بما في ذلك
دبابات ليوبارد وطائرات مقاتلة من طراز إف-16 ومدافع الهاوتزر الهولندية، وذلك بالرغم من معاناة الجيش الهولندي
نفسه من نقص في التمويل، وبالتالي فمن المتوقع أن يستمر نهجه في الضغط على جميع
الدول الأعضاء لتقديم المساعدات العسكرية اللازمة لأوكرانيا، دون الدخول في مواجهة
مباشرة بين الحلف وروسيا، ولذلك أوضح روته أن الحرب على الجناح الشرقي لأوروبا
كانت أحد أسباب سعيه لشغل منصب قائد حلف شمال الأطلسي.
وبناء
على ذلك، أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن سعادته بتولي روته لهذا
المنصب الهام، ووجه له التهنئة عبر منصة X،
كاتباً: "أعرف مارك روته كزعيم قوي، لقد أظهر حسمه ورؤيته في مناسبات عديدة
خلال السنوات الماضية"، مضيفاً: "نتوقع أن يستمر عملنا المشترك لضمان
حماية الأشخاص، والحرية في جميع أنحاء مجتمعنا الأوروبي الأطلسي بأكمله بشكل
جيد".
5-
معارض صريح لسياسات بوتين: عندما تولى منصبه كرئيس لوزراء هولندا، كان روته معجباً
ببوتين ونهجه؛ إذ كان من أشد المرحبين بافتتاح خط أنابيب الغاز نورد ستريم 1 الروسي في عام 2011، وهو ما دفعه إلى تبني سياسات تقشف تعمل على
خفض الإنفاق العسكري الهولندي. ولكن سرعان ما تغيرت هذه النظرة في عام 2014، بعد أن أسقط الانفصاليون الروس في شبه جزيرة القرم طائرة الركاب
"MH17" وعلى متنها حوالي 196 مواطناً هولندياً.
ومنذ
ذلك الحين، توالت تصريحات روته المعارضة بشدة لبوتين؛ فعلى سبيل المثال، ذكر روته
في نقاش مع البرلمان في أبريل 2024، "لا تبالغوا في تقدير بوتين عقلياً.
لقد تحدثت مع الرجل كثيراً. إنه ليس رجلاً قوياً". بل ودائماً ما يحاول
استفزاز موسكو عبر تكثيف المساعدات العسكرية الهولندية لكييف، إلى جانب توقيعه
أيضاً اتفاقاً أمنياً مدته10 سنوات مع أوكرانيا، يضمن دعم هولندا على الرغم
من انتقادات الزعيم اليميني المتطرف والفائز في الانتخابات الأخيرة خيرت فيلدرز.
ملفات
عالقة
يأتي
تعيين زعيم الناتو الجديد في لحظةٍ حاسمة في العام الخامس والسبعين للحلف؛ فمع
استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، سيتعين عليه مواصلة حشد دعم الحلفاء لأوكرانيا
في الدفاع عن نفسها، مع منع أي تصعيد بين موسكو والحلف العسكري، فضلاً عن الاستعداد
لتوجه المواطنين الأمريكيين إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر المقبل، وسط توقعات
محتملة بعودة ترامب للرئاسة الأمريكية، مع تعهده بإعادة تقييم الدور الأمريكي في
الناتو، وتهديده بقطع المساعدات عن أوكرانيا. تلك التطورات تشير إلى العديد من
الملفات العالقة التي تنتظر روته أثناء توليه منصبه الجديد، ويمكن تناولها كما
يلي:
1-
التعاطي مع العودة المحتملة لدونالد ترامب: بعد أسابيع قليلة من بدء روته منصبه
الجديد في أكتوبر المقبل، سيتوجه الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع، حيث يمكنهم
إعادة انتخاب دونالد ترامب، أحد المتشككين في حلف شمال الأطلسي، وهو أمر مرجح عقب
نجاحه في المناظرة الأخيرة التي جمعته مع منافسه الرئيس الحالي جو بايدن، مما يزيد
الشكوك حول مدى التزام الولايات المتحدة مستقبلاً تجاه حلف الناتو، أي إن مهمة
روته في حشد دعم التحالف لكييف قد تصبح أكثر صعوبة، خاصة وأن علاقة ترامب مع
نظرائه في حلف شمال الأطلسي كانت متوترة خلال فترة ولايته الأولى، حيث ضغط مراراً
وتكراراً على الحلفاء الأوروبيين لزيادة ميزانياتهم الدفاعية، حتى لا تقع أغلب
الأعباء المالية على واشنطن.
يُضاف
لما سبق، فقد هدد ترامب خلال حملته الانتخابية بقطع المساعدات الأمريكية عن
أوكرانيا، مما قد يوجه ضربة قوية لمصداقية حلفاء الناتو في مساعدة أوكرانيا في
الدفاع عن نفسها ضد روسيا، في ظل قيادة روته للحلف، نظراً لأن الولايات المتحدة
كانت إلى حد كبير أكبر مانح للمساعدات العسكرية لكييف. بيد أن روته قد يتمتع بالقدرات
والمهارات اللازمة لإقناع ترامب باستمرار وفاء بلاده بالتزاماتها الأمنية تجاه
الحلف، خاصة في ضوء التهديدات المتصاعدة التي تواجه الحلف مؤخراً، سواء على الجبهة
الشرقية لأوروبا، أو التوجه نحو الشرق لمواجهة الصعود العسكري الصيني المتنامي في
شرق آسيا، وذلك بفضل نجاح روته في تطوير علاقة عمل جيدة ليس فقط مع جو بايدن، ولكن
أيضاً مع دونالد ترامب، وهو ما أكدته أوانا لونجيسكو، المتحدثة الرسمية السابقة
باسم الناتو، قائلة: "يمكن أن يكون تعيين روته رصيداً رئيسياً لحلف شمال
الأطلسي بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر".
2-
التجاوب مع طول أمد الحرب الأوكرانية: مع احتدام الحرب في أوكرانيا وتحقيق روسيا
مكاسب على أرض المعركة، فإن أولوياته المباشرة ستكون الحفاظ على أي زخم قد ينتج عن
قمة الحلف المقبلة في واشنطن، ولا سيما فيما يتعلق بدعم الناتو المتزايد لكييف، مع
حماية الحلف من المواجهة المباشرة مع موسكو، ناهيك عن دراسة التحالف أيضاً تقديم
تعهد مالي طويل الأجل بما لا يقل عن 40 مليار يورو سنوياً لكييف، في محاولة لإضفاء
الطابع المؤسسي على الدعم طويل الأجل.
وتجدر
الإشارة في هذا الصدد إلى أنّه بمجرد تولي روته لمنصبه، فمن المتوقع أن يتواصل معه
المسؤولون الأوكرانيون بشكل عاجل، طلباً للمساعدة مع اقتراب فصل الشتاء، خاصة وأن
روسيا عادة ما تكثف ضرباتها ضد محطات الطاقة الحرارية والسدود في أوكرانيا خلال
هذه الفترة، مثلما حدث على مدار العامين الماضيين، بهدف الضغط على أوكرانيا.
3-
تحدي انضمام أوكرانيا لحلف الناتو: يكاد يكون من المؤكد أن إعادة انتخاب ترامب من
شأنها أن تعرقل خطة حلف شمال الأطلسي لإعداد أوكرانيا لعضويتها في المستقبل، بما
في ذلك الجهود الرامية إلى تحويل النمط السوفيتي للجيش الأوكراني نحو النمط الغربي
الذي يعتمد عليه الحلف، وذلك بعدما سبق وأن وعدت دول الناتو العام الماضي بأنها
ستكون في وضع يسمح لها بتوجيه دعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى الحلف، عندما يوافق
الحلفاء واستيفاء الشروط.
ولكن
انطلاقاً من انتقاد ترامب لتصرفات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإن هذا
الالتزام يبدو غير واقعي؛ إذ صرح في إحدى فعاليات حملته الانتخابية بأن زيلينسكي
"قد يكون أعظم مندوب مبيعات لأي سياسي على الإطلاق، حيث غادر للتو ومعه 60 مليار دولار (بعد توقيع اتفاقية أمنية مدتها 10 سنوات مع الرئيس جو بايدن) وعاد إلى المنزل وأعلن أنه يحتاج إلى 60 مليار دولار أخرى. لا تنتهي طلباته أبداً". وتكشف هذه
التصريحات عن الرفض القاطع للرئيس المحتمل دونالد ترامب لتقديم أي مساعدات أو
ضمانات أمنية لكييف، بما في ذلك انضمام الأخيرة للحلف. وبناء على ذلك، فمن غير
الواضح ما إذا كانت فترة ولاية روته ستشهد في النهاية انضمام أوكرانيا إلى
التحالف، نظراً للعوائق العملية والسياسية العديدة.
4-
ضمان تحقيق مستويات الإنفاق الدفاعي للحلف: بالرغم من احتفال حلف الناتو بتسجيل
عدد قياسي من الحلفاء الذين وصلوا إلى هدف 2% من الناتج المحلي الإجمالي فيما يتعلق بالإنفاق الدفاعي خلال عام 2024؛ إذ تشير تقديرات الناتو إلى أن هولندا سوف تنفق 2.05% من ناتجها المحلي الإجمالي، ارتفاعاً من حوالي 1.2%قبل عقد من الزمن، عندما تعهد الحلفاء بزيادة
ميزانياتهم العسكرية بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
من
ناحية أخرى، لا يزال نحو ثلث أعضاء الحلف غير قادرين على تحقيق هذا الهدف، على
الرغم من التعهد الذي قطعوه قبل 10 سنوات، وعلى رأسهم دول جنوب أوروبا، حيث
تشير التقديرات الإيطالية لعام 2024
إلى أنّ الإنفاق الدفاعي سوف يشهد انخفاضاً
طفيفاً عن النسبة المنخفضة بالفعل البالغة 1.5% في العام الماضي (2023)، كما سوف يظل الإنفاق العسكري الإسباني دون
مستوى 1.3% عام 2024، في حين من المتوقع أن تصل جارتها البرتغالية إلى نسبة 1.55%.
5-
التصدي للتحركات الصينية في شرق آسيا: من المرجح أيضاً أن يتبنى روته نهج
ستولتنبرغ القوي تجاه الصين، حيث يتخذ التحالف موقفاً عالمياً متزايداً بشأن
القضايا الأمنية، ولا سيما الأمن في منطقة شرق آسيا. ففي عهد ستولتنبرغ، أصبح
الناتو ينتقد بكين بشكل متزايد، وغالباً ما يردد الاتهامات الأمريكية، بما في ذلك
ما يتعلق بتزويد الصين لموسكو بالمواد ذات الاستخدام المزدوج، والتي يدعي الغرب
أنها تدعم القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية.
هذا
ويدرك روته أن التضامن مع الولايات المتحدة بشأن الصين سيكون مهماً للحفاظ على دعم
واشنطن لحلف شمال الأطلسي، ولكن في الوقت ذاته قد يكون الزعيم الهولندي حريصاً على
عدم المبالغة في الوعود تجاه الدول الآسيوية المناهضة لبكين، أو الإشارة إلى أن
الناتو يمكن أن يلعب دوراً عسكرياً مهماً في منطقة الهندوباسيفيك.
وباعتباره
رئيساً لتحالف عسكري يدعي أن أمن أوروبا ومنطقة الهندوباسيفيك "لا
ينفصلان"، فمن المتوقع أن يُواصل روته تعميق مشاركة الناتو مع شركائه
الإقليميين الأربعة (اليابان)، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا) وربما
التواصل مع دول أخرى في المنطقة، إلى جانب إمكانية إحياء الجهود الرامية إلى إنشاء
مكتب اتصال لحلف شمال الأطلسي في طوكيو أو في أي مكان آخر في آسيا، خاصة بعدما
تعثرت هذه الخطط وسط تقارير تفيد بأن فرنسا تعارض الفكرة، نتيجة المخاوف من أنها
قد تضعف تركيز الحلف على التحديات العديدة التي تواجه المنطقة الأوروبية الأطلسية.
6-
التأكيد على تعزيز دور الردع للحلف: لا شك أن استعادة موقف الردع والدفاع في
أوروبا الذي تخلى عنه حلف شمال الأطلسي بعد الحرب الباردة سوف يتصدر جدول أعمال
الأمين العام الجديد، وذلك من خلال تصدير مسألة التهديد بالصراع مع موسكو، فضلاً
عن الضغوط من جانب واشنطن على الحلفاء الأوروبيين لبذل المزيد من الجهود من أجل
الدفاع عن أنفسهم.
كما
سيتعيّن على روته الإشراف على التحديث الجذري لقدرات الناتو الدفاعية والأمنية،
وخاصة تشجيع الأعضاء على إنفاق المزيد من الأموال على الدفاع، والتعاون بشكل أوثق
في شراء الأسلحة وخطط نشر القوات، فضلاً عن التأكد من تنفيذ المبادرات الأمنية
المتفق عليها سابقاً، بما في ذلك تلك التي تهدف إلى تعزيز الابتكار في مجال
التكنولوجيا الدفاعية، وتعميق العلاقات مع دول الهندوباسيفيك؛ حيث تظل هذه القضايا
بالغة الأهمية في ظل مواجهة التحالف مجموعة سريعة التغير من التحديات الاستراتيجية
العالمية، على رأسها دوره المحتمل في التنافس الصيني - الأمريكي المتنامي.
7-
معضلة انتشار الأحزاب اليمينية المتطرفة والمؤيدة لروسيا: لن يكون ترامب وحده هو
الذي سيتعين على روته إقناعه بأهمية حلف الناتو والحفاظ على قدراته؛ حيث يواجه
تحدياً كبيراً متعلقاً بصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية المتشككة في حلف
شمال الأطلسي. على سبيل المثال، تجري فرنسا انتخابات برلمانية قد تشهد مكاسب كبيرة
للتجمع الوطني اليميني المتطرف، مما أجبر ستولتنبرغ على تقديم نداء نادر إلى باريس
"للحفاظ على قوة حلف شمال الأطلسي"، في مقابلة مع صحيفة بوليتيكو. وحتى
في هولندا نفسها؛ حيث نجح حزب اليمين المتطرف من أجل الحرية بقيادة خيرت فيلدرز،
في حصد أكبر عدد من المقاعد البرلمانية عام 2023، وعندما سُئل الأخير عن وجهة نظره في الزعيم الروسي فلاديمير
بوتين، قال لقناة RT الروسية: "أحييه كما أشيد بالسيد ترامب
لكونه زعيماً يقف هناك نيابة عن الشعبين الروسي والأمريكي"، وبالتالي ستضع
هذه الأحزاب تحت ضغط كبير من أجل توحيد كلمتها ضد التهديدات الخارجية للحلف.
ختاماً،
يواجه روته تحديات رئيسية جديدة في مهمته بحلف الناتو، فمهمته الرئيسية تتلخص في
إيجاد التوازن بين المصالح المتضاربة لأعضاء حلف الناتو حتى يتمكن من التحدث بصوت
واحد موحد، خلفاً لسلفه، ستولتنبرغ، الذي كان قادراً على تحقيق هذا التوازن، خاصة
أنه سيرث حلفاً يتسابق على تعزيز أمنه، بينما يدعم أيضاً الدفاع الأوكراني ضد
الهجمات الروسية، ومن ثم يسير الناتو على حبل مشدود لإعادة التسلح وزيادة الإنفاق
العسكري، مع تجنب استفزاز موسكو وتصعيد الحرب الأكثر دموية على الأراضي الأوروبية
منذ عقود.
المراجع:
عبد
الله جمال، 3.7.2024، مستقبل حلف
الناتو خلال ولاية الأمين العام الجديد، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية.
ب،
ن،26.6.2026، حلف الناتو يختار رئيس وزراء هولندا أمينا عاما جديدا، الجزيرة نت .