المـمـر الإنـســانـــي
فرع بنغازي

بعد الأهوال التي شهدها العالم في ظل الحرب العالمية الثانية، ظهرت أصوات منادية بضرورة وضع قواعد لحماية المدنيين خلال الحروب والنزاعات المسلحة، وأبرمت العديد من الاتفاقيات لهذا الغرض، وكان أشهرها اتفاقيات جنيف.

كما تمت صياغة ما بات يعرف لاحقا بـ" القانون الدولي الإنساني "، ومن ضمن الجهود التي بذلت في هذا المجال ابتكرت "الممرات الإنسانية" التي أصبحت مصطلحا شائعا بعد الحرب الباردة، وتم تطبيقها بالفعل في العديد من النزاعات.

تعريف الممر الإنساني

الممر الإنساني هو منطقة يتم إنشاؤها في خضم النزاعات المسلحة، وتتميز بأنها آمنة ومنزوعة السلاح وقد يطبق حظر الطيران فيها كذلك.

والهدف من الممر الإنساني ضمان خروج المدنيين من منطقة النزاع إلى مكان آمن، أو إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين المتأثرين بالنزاع، أو إجلاء المرضى والقتلى والجرحى من المناطق المحاصرة.

وتنشأ هذه الممرات من خلال اتفاقية بين طرفي النزاع المسلح، تتم في الغالب بضمان طرف ثالث مثل الأمم المتحدة أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

مبادئ الممر الإنساني

يقوم الممر الإنساني على عدد من المبادئ الأساسية تستند إلى مبادئ الصليب الأحمر والهلال الأحمر تأسيسا على مبادئ القانون الدولي، لذا يجب أن يقوم على:

·       حماية حياة المدنيين وضمان احترام الإنسان.

·       إتاحة الممر الإنساني لكل الأعمار والأجناس والأعراق.

·       البعد عن أي تمييز عنصري.

·       تخفيف المعاناة الإنسانية.

·     عدم خضوع المساعدات لتعزيز أي وضع سياسي أو ديني، وألا يخضع المدنيون عند استخدامها لأي سلطة أو قوة قهرية.

·       التزام المنظمات التي تقدم الدعم بالحياد والتجرد وعدم التحيز لأي طرف.

تراعي المنظمات الإنسانية الحصول على موافقة الأشخاص المعنيين والحفاظ على وحدة الأسرة، وتوفير وجهة آمنة يحتمي فيها اللاجئون تشتمل على المأوى الملائم والغذاء ومرافق الرعاية الصحية.

ولا يمكن إجبار المدنيين على مغادرة مناطقهم بشكل دائم عبر الممرات الإنسانية أو غيرها حتى لو كانت عمليات الإجلاء المؤقتة ضرورية للحفاظ على أرواحهم.

عيوب الممر الإنساني

رغم أن الممرات الإنسانية ضرورية خلال النزاعات المسلحة لحماية المدنيين ومساعدتهم، فإنها لا تمثل حلا مثاليا لأنها محدودة النطاق، وتمتد على مساحة جغرافية ضيقة، كما يتم تطبيقها لفترات معينة يحددها طرفا النزاع، وغالبا ما تكون هذه الفترات قصيرة للغاية.

كذلك من السلبيات التي تتعرض لها الممرات الإنسانية عادة عدم التزام أحد أو كلا الطرفين بالاتفاقيات المبرمة.

الممر الإنساني في القانون الدولي

ولا يعد "الممر الإنساني" مصطلحا حاضرا في القانون الدولي الإنساني، إلا أن القواعد الأساسية في هذا القانون يمكن أن تؤطر فكر الممر الإنساني، إذ يضمن القانون الدولي الإنساني للمدنيين حق الحماية من الأعمال العدائية وآثارها.

وفي حال لم يرغب المدنيون بمغادرة مناطقهم خلال النزاعات المسلحة، يضمن لهم القانون الدولي الإنساني حق وصول المساعدات الإنسانية إليهم، كما ورد في اتفاقية جنيف الأولى والرابعة عام 1949 تحت فكرة "إنشاء مناطق استشفاء وأمان".

كما أن البروتوكول الأول الإضافي التابع لاتفاقيات جنيف سنة 1977 يوضح أن تقديم المساعدة لا يعد تدخلا بالنزاع، ونص البروتوكول الثاني للعام ذاته على أن أعمال النجدة لصالح المدنيين يجب أن تكون ذات طابع إنساني وحيادي وبموافقة الدول المعنية.

تاريخ تطبيق الممر الإنساني

ولدت فكرة الممرات الإنسانية بعد الحرب الباردة، مع ذلك قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتأمين إجلاء آمن للمدنيين خلال الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936، إذ حصلت اللجنة على تصريح يسمح لها بإجلاء النساء والأطفال والمسنين إلى فالنسيا، وتمكنت بالفعل من نقل 2500 شخص إلى ملاجئ آمنة.

وقد أشرفت الأمم المتحدة أيضا على إنشاء عدد من الممرات الإنسانية بموجب قرارات من مجلس الأمن، كان أحدها الممر الإنساني الذي تم إنشاؤه عام 1993 خلال حرب البوسنة والهرسك.

أما في الصراعات الحديثة، فقد استخدمت الممرات الآمنة عدة مرات خلال الحرب في سوريا، ففي عام 2016 على سبيل المثال سهّلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتعاون مع الهلال الأحمر السوري إجلاء أكثر من 25 ألف شخص من شرق حلب إلى المناطق الريفية في حلب وإدلب.

كذلك تم إجلاء نحو 750 شخصا من قريتي الفوعة وكفريا في محافظة إدلب شمال غربي سوريا عبر ممرات إنسانية اتفقت عليها أطراف النزاع، وتم نقل الجرحى إلى مراكز الرعاية الصحية.

وكانت الممرات الإنسانية حاضرة أيضا في الحرب الروسية الأوكرانية، فمنذ عام 2022 ساعدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تسهيل المرور الآمن لآلاف المدنيين من سومي وماريوبول إلى مواقع أخرى في أوكرانيا.

وبالاتفاق بين اللجنة الدولية والأمم المتحدة وأطراف النزاع جرى نقل أكثر من 600 مدني إلى زاباروجيا في أوكرانيا.

ووفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد أسهمت الممرات الإنسانية على مدار العقود القليلة الماضية في إنقاذ حياة مئات الآلاف من المدنيين.

الممرات الإنسانية والتهجير القسري

في بعض حالات النزاع استغلت الممرات الإنسانية لتكون وسيلة للتهجير القسري، وهو أمر مخالف للقانون الدولي الإنساني، وللمبادئ الأساسية التي يقوم عليها مفهوم الممر الإنساني، إذ لا يحق لأي طرف في النزاع المسلح ترحيل السكان أو نقلهم من مكان إلى آخر بشكل قسري، إذ إن عمليات إجلاء المدنيين يجب أن تكون بموافقتهم.

ومن الناحية المثالية يتوجب الحصول على ضمانات من الحكومة أو أطراف النزاع فيما يتعلق بحماية ممتلكات المهجرين وضمان عودتهم اللاحقة عند توقف النزاع .

الممر الإنساني في الحرب على غزة

أثناء العدوان الصهيوني على قطاع غزة في أكتوبر 2023 طرح مسؤولون أميركيون فكرة الممر الإنساني بهدف إجلاء المدنيين من القطاع إلى شمال سيناء، وتمت مناقشة هذه الفكرة بشكل رئيسي مع كل من الكيان الصهيوني ومصر.

وظهرت في الوقت ذاته تخوفات من أن يكون الهدف الأساسي هو تفريغ قطاع غزة من سكانه، مما يتيح للكيان الصهيوني مواصلة حربه مع حماس وتدمير القطاع بشكل كامل ثم الاستحواذ عليه لبناء مستوطنات جديدة.

وحذر كثيرون من سيناريو إعادة نكبة 1948، خاصة أن مشروع الممر الإنساني المقترح ركز بشكل أساسي على عمليات الإجلاء بعد رفض الصهاينة إدخال المساعدات إلى القطاع في بداية النزاع.





المراجع:

(ب ، ن ) ، 20.10.2023 ، الممر الإنساني.. تاريخه وتطبيقاته ومرجعيته القانونية  ، الجزيرة .

ايمن سلامة ، 25.11.2020 ، الممرات الإنسانية: المفهوم والأسس والمبادئ ، سكاي نيوز العربية .

 

 

المقالات الأخيرة