أثرت
حرب أوكرانيا بشكل كبير على الاقتصاد في بعض الأقاليم الروسية، مما أدى إلى تغيير
جذري في نماذج التنمية الاقتصادية فقد زاد الصراع من الطلب على الموارد الطبيعية
مثل الغاز والنفط، مما نتج عنه نمو اقتصادي ملحوظ في المناطق الغنية بهذه الموارد،
وتعد هذه الزيادة في الطلب فرصة للأقاليم لتعزيز مواردها وتقديم المزيد من الخدمات
للسكان المحليين.
في
أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير 2022، لم تتعرض روسيا لأزمة اقتصادية
كبيرة، كما كان متوقعاً؛ فحتى نهاية عام 2022، وبالتحديد قبل تطبيق العقوبات
الغربية ضد روسيا بشكل كامل، ظلت موسكو مستفيدة من عائدات النفط والغاز الروسية
المتنامية، والتي تزايدت خلال ذلك العام بنسبة 28% مقارنة بعام 2021، وبالتالي كان
لدى الحكومة الروسية والنظام المصرفي الموجود في الدولة ما يكفي من السيولة لإقراض
الشركات الخاصة، التي لولا ذلك لعانت من انقطاعها عن الغرب. وعلى الناحية الأخرى،
لعبت الأقاليم الروسية التي تضم مصانع عسكرية دوراً خاصاً منذ بداية الحرب، حيث ساهمت
في تعزيز الإنتاج الحربي في الدولة، فيما انتعشت بعض الصناعات الأخرى في عددٍ من
الأقاليم الروسية بفعل الحرب، وهو ما دفع بعض المحللين للحديث عن المناطق الروسية
المستفيدة من الحرب، والتحديات المقترنة بذلك في حال استمرار الحرب أو انتهائها.
مؤشرات
رئيسية
أدت
الحرب الروسية الأوكرانية منذ بدايتها في فبراير 2022، إلى خلق عوائد اقتصادية
مهمة بالنسبة لعدد من الأقاليم الروسية، وذلك في إطار الاهتمام الروسي بتعزيز
المنتجات المحلية كبديل للمنتجات الأجنبية، وهو ما يمكن استعراض مؤشراته على النحو
التالي:
1-
زيادة حادة في المساهمات الإقليمية بميزانية الدولة: وفق تقرير صادر عن دائرة
الضرائب الفيدرالية الروسية لعام 2023، فإن المساهمات الإقليمية في الميزانية
الموحدة لروسيا في عام 2023، شهدت زيادة حادة مقارنة بعام 2021؛ حيث قُدرت تلك
المساهمات -وبالتالي الإيرادات الإقليمية– مجتمعة بزيادة بنسبة قياسية بلغت 36%،
ولعل أكثر المناطق التي أظهرت أكبر معدل نمو من بين كافة الأقاليم الروسية في ذلك
العام هي منطقة أمور بنمو قدره 176%، ومنطقة تولا بزيادة بنحو 103%، وسانت بطرسبرغ
بنسبة 87%.
2-
امتلاك أقاليم روسية أصولاً كبيرة في صناعة الآلات: تشير البيانات الواردة على
خدمة الإحصاء الحكومية الروسية ، إلى أنه خلال عامين من الحرب الروسية على
أوكرانيا، كان المستفيد الرئيسي هي تلك المناطق الواقعة في وسط روسيا، ومنطقة
الفولجا، وجبال الأورال وسيبيريا الغربية، وكذلك بعض مناطق الشرق الأقصى التي كانت
ذات يوم أفقر الأقاليم، والتي انتعشت بشكل واضح بفضل حصولها على تدفقات هائلة من
أموال الميزانية، في إطار التعبئة الاقتصادية للحرب. حيث تمتلك هذه الأقاليم
أصولاً كبيرة في صناعة بناء الآلات ، للدرجة التي تُمكّنها من إمداد جميع الصناعات
الأخرى بالمعدات والآلات. وجدير بالذكر أن حصة صناعة بناء الآلات في الاقتصاد
الروسي تقدر بنحو 30%، وتتمتع هذه الصناعة ببنية معقدة للغاية، حيث تضم أكثر من 70
فرعاً، على رأسها صناعة الإلكترونيات، وأجهزة الكمبيوتر، والروبوتات، وبناء
الآلات، وبناء الآلات الزراعية والنقل، وتصنيع عربات السكك الحديدية، وبناء
الطائرات، وبناء السفن، وما إلى ذلك.
3-
تضاعف إيرادات صناعة الأحذية والمنسوجات في بعض الأقاليم الروسية: تشير بعض
التقارير الرسمية إلى أن إيرادات صناعة الأحذية وإنتاج المنسوجات والأغذية قد
تضاعفت خلال عامين من الحرب، في حين زادت إيرادات صناعة الملابس بأكثر من ثلاثة
أضعاف. ولا ترجع تلك الزيادة الضخمة فحسب إلى طلبات الصناعات الدفاعية المتزايدة،
بل أيضاً إلى استبدال الواردات الغربية، والذي أصبح حقيقة واقعة بعد رحيل المصنعين
الأجانب وانخفاض الصادرات الغربية إلى روسيا.
4-
استفادة مناطق روسية منكوبة من ازدهار قطاع الدفاع: شهدت المناطق النائية التي تقع
فيها العديد من الصناعات الحيوية طفرة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022؛
حيث عززت الحرب في أوكرانيا الإنتاجية في عددٍ من المناطق الروسية المنكوبة، وسط
ازدهار قطاع الدفاع، ومع تخطيط الكرملين لزيادة الإنفاق على الدفاع بنحو 70% في
عام 2024 مقارنة بعام 2023، فضلاً عن أمر بوتين في الأول من ديسمبر 2023 الجيشَ
الروسي بزيادة عدد القوات بنحو 170 ألف جندي ليصل إجماليها إلى 1.32 مليون. ولذا
يُتوقع أن تستفيد شركات تصنيع المواد الغذائية والبناء والأدوية المملوكة للدولة
والخاصة، والتي تتلقى جميعها عقوداً من القطاع العسكري، على نحو كبير.
5-
تأثير المكاسب المالية للمجندين وأسرهم: من بين المصادر الأخرى للعائدات في زمن
الحرب، تلك التعويضات المالية التي تقدمها الحكومة لإغراء الرجال بالتسجيل للقتال.
يذكر في هذا الصدد، أن عائلات الرجال الذين تم التعاقد معهم أو تجنيدهم في الجيش
في عام 2023، حصلت على حوالي 200 ألف روبل شهرياً، وهو ما يعادل أربعة أضعاف متوسط
الراتب في المدن الصغيرة وضعفين إلى ثلاثة أضعاف متوسط الراتب في المدن الكبيرة.
هذا
وتمثل عائلات الجنود أكثر الفئات المستفيدة من استمرار الحرب الروسية على
أوكرانيا، نظراً لكون التعويضات المدفوعة لأسر الجنود المتوفين، غالباً ما تتجاوز
إجمالي الدخل المتوقع للرجل المتوفى على مدى حياته. فيما يستفيد العمال المؤهلون
الذين وجدوا فرص عمل في مجال البناء بالمناطق الأوكرانية الخاضعة لسيطرة القوت
الروسية، أو المناطق الحدودية لروسيا، على نحو كبير.
جدير
بالذكر أن المجندين الروس عادة ما يأتون بشكل رئيسي من مناطق مثل بورياتيا أو تيفا
أو نوفجورود، وهي مناطق لم تشهد كثيراً من الازدهار في العقدين الماضيين.
6-
حدوث طفرة في قطاعات البناء والسياحة الداخلية: نظراً لعدم وجود رحلات جوية مباشرة
إلى العديد من البلدان الأوروبية من روسيا، في ظل الصعوبة التي يواجهها الروس في
تأمين تأشيرات الدخول إلى تلك البلدان؛ فإن صناعة الضيافة في روسيا تدخل ضمن
القطاعات المستفيدة من الحرب، حيث تضاعفت إيراداتها في العامين الماضيين بفعل نمو
السياحة الداخلية في الدولة. هذا وقد ساهمت الطفرة الناجمة عن الإنفاق الحكومي في
قطاع الدفاع، في زيادة الإنفاق على قطاع البناء والسياحة الداخلية والمطاعم
والفنادق، مما دفع نحو مزيدٍ من ازدهار السياحة الداخلية.
7-
انخفاض معدلات البطالة: وفق البيانات الواردة على موقع البيانات Statista، فإن معدل البطالة في روسيا بحلول يناير من العام 2024، قُدر بنحو
2.9%، متراجعاً بذلك عن معدل البطالة في سبتمبر من العام 2020، الذي وصل إلى 6.3%،
ومتراجعاً كذلك عن معدله عند بداية الحرب والذي بلغ 4.1%.
ويمكن
إرجاع ذلك التراجع في معدلات البطالة في روسيا إلى زيادة التعبئة وارتفاع الطلب
على العمالة في صناعة الدفاع، أضف إلى ذلك الرواتب الكبيرة للرجال المعبأين
والجنود المتعاقدين، مما مثل دفعة اقتصادية لبعض المناطق الروسية، وساهم بالتبعية
في رفع مستويات المعيشة بتلك المناطق. ويذكر في هذا الصدد، أن البرامج الاجتماعية
الأخرى، بما في ذلك زيادة المنح المقدمة للأسر ذات الدخل المنخفض، قد ساهمت كذلك
في توجيه المزيد من الأموال لصالح الأسر الفقيرة، وهو الاتجاه الذي دفع بعض
التحليلات للقول بأن معدلات الفقر في روسيا في طريقها نحو الانخفاض.
8-
توقّعات روسية رسمية بنمو إجمالي الإيرادات الروسية: يتوقع المسؤولون الروس أن
ينمو إجمالي الإيرادات الروسية بنسبة 22% في عام 2024، بناءً على تصور إيجابي
ومتفائل يتعلق بنمو مصادر الإيرادات الروسية، بما في ذلك صادرات الطاقة. ويفترض
ذلك السيناريو الحكومي حدوث ارتفاع في أسعار النفط، جنباً إلى جنب مع انخفاض
التكاليف المرتبطة بالعقوبات المفروضة على بيع النفط والغاز.
9-
مكاسب كبيرة لصالح شركات التسلح الروسية: على خلفية ارتفاع إجمالي الإنفاق الدفاعي
إلى ما يقدر بنحو 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، تمت إعادة تصميم سلاسل
التوريد الدفاعية الروسية لتأمين العديد من المدخلات الرئيسية للصناعة، وعليه عملت
مصانع الأسلحة الروسية التي تنتج الذخيرة والمركبات والمعدات على مدار الساعة، من
أجل ضمان استمرار الحرب الروسية في المستقبل المنظور. وعليه، يروج الرئيس الروسي
لأن الحرب قد خلقت بدورها نحو 520 ألف فرصة عمل جديدة في المجمع الصناعي العسكري،
وهو ما يقدر بنحو 3.5 ملايين روسي، أو 2.5% من السكان.
ونتيجة
لذلك، بلغ إجمالي مبيعات شركة إنتاج الأسلحة "روستيخ" الحكومية في عام
2022 نحو 30.292 مليون دولار، منها 16.810 مليون دولار قيمة مبيعات الأسلحة. وفي
ضوء الأهمية المتزايدة لهذه الشركة، فإنه في أوائل عام 2023، نقلت الحكومة الروسية
أكثر من عشرة مصانع، بما في ذلك العديد من مصانع البارود، إلى شركة روستيخ ، من
أجل تحديث إنتاج قذائف المدفعية والمركبات العسكرية. فيما استقبل مصنع كازان
للبارود، وهو أحد أكبر المصانع الروسية، أكثر من 500 عامل في موجة توظيف في ديسمبر
من العام 2023، مما دفع نحو زيادة في متوسط الرواتب الشهرية في المصنع بأكثر من
ثلاثة أضعاف، من 25 ألف روبل إلى 90 ألف روبل.
رؤية
تقييمية
على
الرغم من وجود عدد من المؤشرات الإيجابية -بحسب الرواية الرسمية- إلى استفادة بعض
القطاعات والمناطق الروسية بفعل اقتصاد الحرب؛ فإن ثمة جوانب أخرى يجب أخذها بعين
الاعتبار عند تقييم مدى الاستفادة الحقيقية التي جنتها بعض الأقاليم الروسية من
جراء الحرب:
1-
تغييرات طفيفة في الواقع الاجتماعي والاقتصادي: تذهب بعض التحليلات للإشارة إلى أن
الحرب لم تغير إلا القليل في الواقع الاجتماعي والاقتصادي اليومي للمدن الصغيرة
والمتوسطة الحجم، بل إن الأثر الأكبر للحرب يتجلى فحسب في تعزيز النموذج الاقتصادي
القائم على قطاعي الطاقة والدفاع، فيما تضررت صناعات أخرى لم تحظَ بالاهتمام
الكافي، مما ألقى بتبعاته السلبية على بعض الأقاليم الروسية الأخرى الرائدة في تلك
الصناعات، ومن ثم تردي مستوى معيشة غير العاملين في القطاعات الحيوية المرتبطة
بالحرب. ومن بين تلك الصناعات، صناعة المعادن، وعلى وجه التحديد إنتاج الحديد
الزهر، والصلب، والفولاذ المدلفن، والتي تأثرت سلباً بالقدر الذي ترتب عليه انخفاض
في قيمة الضرائب التي تدفعها المناطق الروسية المنتجة لتلك الصناعات، وهو الانخفاض
الذي يرتبط بشكل كبير بانخفاض فرص التصدير، نظراً لعدم حاجة الاستهلاك المحلي إلى
الكثير من المعادن، حتى مع أخذ الطلبيات الدفاعية في الاعتبار.
أضف
إلى ذلك، صناعة معالجة الأخشاب، حيث تعرضت المناطق التي تلعب دوراً رئيسياً في هذه
الصناعة، مثل منطقتي كاريليا وكومي، لخسائر جمة، فضلاً عن الانخفاض بنحو 25% في
إنتاج الأدوية والسلع الطبية، والتراجع بنسبة 30% تقريباً في الخدمات الطبية.
2-
عدم التوازن بين العرض والطلب في الاقتصاد الروسي: رغم المؤشرات على نمو المساهمات
الإقليمية لبعض الأقاليم في الميزانية الروسية، والإشادة في سياقات كثيرة رسمية
بانخفاض معدلات البطالة؛ إلا أن ثمة معضلة رئيسية تتمثل في انخفاض القوة العاملة
اللازمة للوفاء بالاحتياجات والمتطلبات المحلية، مما يعني ضعف القدرة الإنتاجية
على تلبية الطلب المتزايد على السلع، وبالتالي عدم التوازن بين العرض المنخفض
والطلب المتزايد، خاصة في ظل تنافس الجيش وشركات الدفاع وأصحاب الأعمال الآخرين
على مجموعة ضئيلة من الأشخاص في سن العمل وفي سن القتال أيضاً، وهو ما يؤثر سلباً
على الإنتاجية المستهدفة لملاقاة الطلب المتزايد.
3-
خلق مسؤوليات إضافية على عاتق السلطات الإقليمية والبلدية: أدت التغييرات الطارئة
على المجتمع الروسي نتيجة للتعبئة الحربية إلى خلق مسؤوليات إضافية على عاتق
السلطات الإقليمية والبلدية. وإن كانت الحكومة الروسية، بفضل الهبات السخية في عام
2022، تمكنت من كسب أولئك الذين يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية في بعض المناطق
الروسية؛ إلا أن ثمة إشكالية رئيسية يمكن إثارتها في هذا الصدد، تدور حول مدى قدرة
النظام على السيطرة على كافة تطلعات الأقاليم نحو العدالة الاجتماعية، وإلى متى
يمكن أن تستمر على هذا النهج.
4-
تقلص الموارد الاقتصادية الهامة: قبل العملية الروسية في أوكرانيا، كانت روسيا
تحظى باحتياطات كبيرة من العملات الأجنبية، ومخزونات كبيرة من المعدات العسكرية،
وقاعدة صناعية حديثة إلى حد ما، غير أن الحرب الروسية والعقوبات قد استنزفت هذه
الموارد تدريجياً، خاصة مع خروج العديد من الشركات الأجنبية بما في ذلك المُصنعة
للسيارات والأجهزة المنزلية والإلكترونية من السوق الروسية، مما يثير الجدل حول
الاستفادة التي حققتها روسيا فعلياً من جراء الحرب في ظل تراجع مواردها.
5-
انخفاض المساهمات الضريبية لبعض الأقاليم: رغم نمو المساهمات الضريبية لبعض
الأقاليم الروسية بفعل الحرب، فإن ثمة أقاليم أخرى شهدت انخفاضاً في مساهماتها
الضريبية وبالتالي إيراداتها خلال عامين من الحرب. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى
ثلاث مناطق مشهورة بالصناعات المعدنية القوية؛ وهي ليبيتسك، وكورسك، وبيلجورود،
حيث شهدت تلك المناطق انخفاضاً في دخولها في بداية الحرب، فضلاً عن أقاليم
تشوكوتكا، وألتاي، وكالينينجراد، والتي تأثرت إيراداتها بشكل كبير بنهاية عام
2023.
6-
عجز في الموازنة الروسية: وسط الإنفاق الروسي الموسع على الحرب، جاءت موازنة 2023
بعجز قُدر بنحو 30 مليار دولار، أي حوالي 10% من الموازنة أو 2% من الناتج المحلي
الإجمالي الروسي، وعليه انكمش صندوق الثروة الوطنية بمقدار 2.1 تريليون روبل، بعد
انتعاش حقيقي خلال العام 2022، بفعل التحويلات الكبيرة التي شهدها في فترات ارتفاع
أسعار الطاقة؛ إذ لم تكن مثل هذه التحويلات في عام 2023، متاحة خاصةً في ظل ارتفاع
الإنفاق الحكومي. ومع اشتمال خطة ميزانية روسيا لعام 2024 على زيادة بنسبة 16% في
الإنفاق الحكومي، وهو ما يعني في الأغلب زيادة في الإنفاق العسكري، الذي من
المتوقع أن يقفز بنسبة 70% لتعويض الخسائر والحفاظ على مخزونات الجيش العسكرية،
حيث استهلكت القوات المسلحة الروسية كثيراً من أسلحتها خلال فترة الحرب، بما في
ذلك الكثير من أسلحة الحقبة السوفيتية في عامي 2022 و2023، ومن المتوقع أن تشهد
روسيا عجزاً متزايداً في الموازنة الروسية.
7-
توقعات متشائمة حول تزايد بنود الإنفاق الحكومي: ثمة تحليلات متشائمة تشير إلى أنه
في ظل استمرار الحرب، من المتوقع أن تتزايد بنود الإنفاق الحكومي، بما في ذلك
تكلفة إعادة إعمار المدن الأوكرانية المدمرة، والتي تطالب روسيا بضمها. ووفق ذلك
السيناريو فإنه من الممكن أن يضغط الإنفاق الحكومي المتنامي مع تعدد بنود صرفه
بقوة على الميزانية الروسية، مما يجعلها غير قادرة على تقديم الإنفاق الحربي
بالمستوى الذي تطمح إليه، مما يؤثر بالتبعية على الدعم الذي تتلقاه بعض الأقاليم
الروسية.
8-
جدل حول مدى قدرة الاقتصاد الروسي على الصمود: تشكل معضلة انعزالية الاقتصاد
الروسي أحد أبرز التحديات أمام الحكومة الروسية، حيث يدفع عزلة الاقتصاد الروسي في
ظل تزايد عدد الحواجز والعراقيل الناجمة عن العقوبات الغربية، إلى الحيلولة دون
التدفق الحر لرأس المال داخل الدولة وخارجها، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة
الحكومة على زيادة مواردها المالية، وإن كان ذلك يُرد عليه في سياقات أخرى بجهود
روسيا الواسعة خلال العامين الماضيين لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول
"الصديقة" كالصين، للخروج من دائرة العزلة الغربية والتحرر من تبعاتها
الاقتصادية، سواء من خلال تيسير شروط الاستثمار الأجنبي للدول الحليفة داخل روسيا،
أو التبادل مع الحلفاء بعملاتهم المحلية بعيداً عن الدولار، أو حتى جهود روسيا
والدول الحليفة في توسيع مجموعة بريكس، لتشكيل تحالف قوي أمام هيمنة الغرب على
النظام العالمي.
9-
عوائق ثقيلة على قطاع الطاقة الروسي: رغم الاستفادة التي جناها قطاع الطاقة الروسي
من الحرب خلال الفترة من عام 2022 إلى الأشهر الأولى من عام 2023، إلا أن ذلك لم
يستمر خلال بقية العام 2023، بل انخفضت عائدات النفط والغاز الروسية بنسبة 24%
بنهاية 2023. وبحلول عام 2024، أُثير جدل كبير حول مخاطر انخفاض أسعار الطاقة
الروسية بشكل كبير، في ظل عدم تمكن روسيا من العثور إلا على أسواق أخرى صغيرة
للغاز، وذلك بسبب الافتقار إلى البنية التحتية الكافية للنقل، مما يدفع نحو حدوث
فائض في العرض، وبالتالي مزيد من الانخفاض في أسعار الطاقة الروسية، وبالتبعية
خسائر كبرى لشركات الطاقة الروسية. ومع استمرار العقوبات على قطاع الطاقة الروسي،
فإنّ هناك تشككاً في مدى قدرة روسيا على تحمل الخسائر الاقتصادية في ذلك القطاع
الحيوي.
وأخيراً، فإنه حتى مع تخيل سيناريو انتهاء الحرب، فإن ثمة تحدياً ستكون روسيا بصدده حينها، يتمثل في حرمان الأقاليم الروسية المنتعشة بعد سنوات من الركود، من موارد مالية كبيرة جنتها بفعل الحرب، وهو ما من شأنه أن يفرض على الحكومة الروسية معضلة خلق مصادر دخل جديدة لتلك الأقاليم، تجنباً لخسارة الدعم السياسي المتأتي منها.
المراجع:
سهير الشربيني، 23 ،5،2024، كيف استفادت بعض الأقاليم الروسية من حرب أوكرانيا،
انترريجونال.
ممدوح الولي، 5/7/2023، تأثير الحرب
على الاقتصاد الروسي، الجزيرة نت.