يمر
النظام الدولي بفترة مفصلية في تاريخ العلاقات الدولية برزت معالمها عقب اندلاع
الحرب الروسية الأوكرانية، وخاصة مع تكرار كل من بكين وموسكو الرغبة في ظهور نظام
عالمي متعدد الأقطاب، وخاصة مع ترسيخ الانقسام بين الغرب من جانب وروسيا والصين
على الجانب الآخر.
وقد
أعرب جوزيب بوريل منسق السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي عن ذلك بقوله “لقد
تحولنا إلى عالم غير منظم متعدد الأقطاب كل شيء فيه سلاح: الطاقة والبيانات
والبنية التحتية والهجرة … الجغرافيا السياسية هي المصطلح الأساسي، كل شيء جيو
سياسي”
وقد
تحولت أفريقيا إلى ساحات للمعركة على النفوذ بين القوى الدولية الصاعدة مثل الصين
وروسيا وحلفائهما والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى سواء من خلال
مشروعات تمويل مشروعات البنية التحتية أو إبرام صفقات تجارية أو التعاون العسكري
والدبلوماسي.
ويبحث
تقدير الموقف في مؤشرات التغير في النظام العالمي وأثره على النظام الدولي، وبيان
أهمية أفريقيا في النظام الدولي وكيفية تعاملها مع النظام الدولي متعدد الأقطاب
ومدى استفادتها منه من عدمه
أولًا:
مؤشرات التغيير في النظام الدولي
1.
الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بين التخلي عن تعهداتهما الخارجية
والضعف الداخلي.
مع
انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، نصبت الولايات المتحدة الأمريكية
نفسها قطبًا منفردًا لقيادة العالم، وأصبحت دول العالم خاضعة للهيمنة الأمريكية،
وبدأت في توزيع المهام على حلفائها مثل الاتحاد الأوروبي وغيره من دول المنطقة،
إلا أنه مع بداية القرن الجديد وما شهده العالم من أزمات متلاحقة على المستوى
السياسي والاقتصادي مثل الأزمة المالية العالمية في عام 2008 وما لحق بالاقتصاد
العالمي من حالة تردٍّ وركودٍ تام، وضعف اقتصاديات العديد من الدول الأوروبية
الكبرى مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان، فضلًا عن تراجع النزعة الوحدوية بين دول
الاتحاد الأوروبي وهو الأمر الذي نتج عنه خروج بريطانيا من الاتحاد وما خلفة ذلك
من ضغوطًا كبيرة على كل من ألمانيا وفرنسا، بالتزامن مع صعود القوى اليمينية للحكم
والتي تجلت عقب تولي دونالد ترامب الإدارة الأمريكية، وسرعان ما انتشرت في العديد
من دول العالم مثل إيطاليا وبريطانيا في أوروبا، والبرازيل في أمريكا الجنوبية.
ومع
تفشي جائحة كورونا في العالم عملت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي
على اكتشاف لقاح لهذا الوباء من أجل السيطرة على أعداد الوفيات الكبيرة مستأثرة
بالحصة الكبرى من تلك الأمصال متناسية دول العالم الثالث وهو ما شكل أزمة أخلاقية
كبيرة نتيجة لتخلي الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عن حلفائها في مواجهة هذا
الوباء، وهو ما أدى إلى إعادة التفكير من جانب العديد من الدول النامية في أفريقيا
وأسيا والبحث عن تحالفات جديدة أكثر جدوى من تلك التحالفات التي لا تبحث سوى عن
تحقيق أهدافها بغض النظر عن مصالح وأهداف باقي الدول.
وعلى
صعيد آخر فقد أظهرت أزمة كورونا تأثيرًا واضحًا على مفهوم العولمة والترويج لها
وهي إحدى أدوات الهيمنة الأمريكية؛ فبعدما كانت الدول محكومة بديناميكية العولمة
وتتعامل مع تهدديات معقدة وعابرة للحدود والقوميات تستعين على ذلك بزيادة التسلح
لمواجهة العدو الخارجي إلا أن الأزمة فرضت عزلة داخلية وخارجية على حركة الأفراد
والدول حتى وإن كانت لفترة وجيزة إلا أنها قد تضع حدًّا لسطوة العولمة ولم تعد
بعدها لما كانت عليه سابقًا.
ومن
ناحية أخرى تعد أزمة الدين الأمريكي قنبلة موقوتة قد تنفجر مسببة أضرارًا ليس في
الولايات المتحدة فحسب بل تمتد لتشمل العالم أيضًا، ولكن في كل مرة يتم تأجيلها عن
طريق رفع سقف الدين الحكومي، ويعد أهم أسباب تفاقم الأزمة هو أن أمريكا تتحكم بما
يصل إلى 40% من حجم التجارة العالمية ويعد الدولار هو عملة التعاملات التجارية
العالمية الرسمية ويتم تثمين وتسعير معظم الصفقات من خلاله، ولذلك فقد أفقدت أزمة
سقف الدين الأمريكي على ثقة الدول في الدولار والاقتصاد الأمريكي ككل خاصة مع
تزايد الشكوك في قدرة الحكومة الأمريكية على تغطية مدفوعاتها الخاصة وديونها،
الأمر الذي أدى إلى قيام العديد من دول العالم لاتخاذ العديد من الإجراءات
وتحسباتها احتياطيًّا بتحويل الاحتياطي النقدي لديها إلى الذهب بدلًا من الدولار،
وكذلك التعامل في التجارة البينية فيما بينها بالعملات المحلية وتسعير السلع
بالعملات المحلية وهي مرحلة خطرة تنذر بضعف أمريكي وشيك وانهيار اقتصادي.
2.
توسع منظمة “شنجهاي” وتحالف “بريكس”
تسعى
منظمة شنجهاي للتعاون منذ نشأتها في يونيو 2001 إلى دعم نظام دولي متعدد الأقطاب؛
لذا فينظر إليها الغرب على أنها حلف دولي جديد في مواجهة حلف شمال الأطلسي، وشكلت
الصين وروسيا مع أربع دول في آسيا الوسطى كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق منظمة
شنجهاي وركزت جهودها على قضايا الأمن القومي ومكافحة الإرهاب والحركات الانفصالية،
وباتت من أولوياتها التعاون الاقتصادي والتنمية الإقليمية.
كما تسعى المنظمة لخلق دور فاعل لها في العالم
بعد انضمام قرابة نص دول العالم إليها وهو ما يعكس الرغبة الروسية – الصينية في
توسع أشكال التحالفات السياسية أملًا في تشكيل فاعلين دوليين جدد، خاصة مع انضمام
دول جديدة لها أعطت إمكانيات اقتصادية كبيرة للمنظمة مثل السعودية وإيران والهند.
وفي
ذات السياق، تحمل الصين راية توسيع “تحالف البريكس” وتعزيز دورة كتحالف اقتصادي
يتمتع بمجموعة من المزايا التي تؤهله لمنافسة مجموعة الدول السبع وبما يتفق مع
الأهداف الرئيسة التي أُنشئ هذا التحالف من أجلها ككيان يسعى لخلق حالة من التوازن
بالاقتصاد العالمي .
ومنذ
نشأة التحالف في عام 2006 بتكتل يضم روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا،
ويهدف إلى زيادة العلاقات الاقتصادية فيما بينها بالعملات المحلية وتقليل الاعتماد
على الدولار، ونظرًا للحالة المتردية للاقتصاد الأمريكي وفقدان ثقة الكثير من دول
العالم فيه تسعى تسعة عشر دولة للانضمام إلى التحالف منها السعودية وإيران ومصر
والجزائر، الأمر الذي يعني التوسع في عضوية
بريكس ما يساعد على تأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد لا تكون قيادته حكرًا على الغرب
ولا يكون الدولار فيه هو أساس للتسعير والتقييم.
ولعل
من عوامل تشجيع المزيد من الدول الأفريقية الكبرى للتحالف بعد تراجع الدول
الأمريكي في أفريقيا ووجود دولتين تتمتعان بمقعدين دائمين في مجلس الأمن الدولي
الأمر الذي يتيح مساحة أكبر للمناورة
الاقتصادية والسياسية، والتعامل بانفتاح أكبر مع التغيرات في النظام الدولي الجديد
3.
الصعود الصيني السلس على الصعيد الدولي
بدأت
الصين تأخذ مكانتها باعتبارها إحدى القوى الاقتصادية الكبرى الصاعدة للهيمنة
الاقتصادية على العالم فتحتل الصين المرتبة الأولى عالميًا من حيث معدلات نمو
الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتراوح هذا المعدل منذ سنة 2004 حتى 2018 ما بين
6.11% إلى 11 % سنويًّا وهو أعلى معدل للنمو بين القوى الكبرى في العالم في حين لم
يشهد معدل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 3.8% منذ عام
2004.
وفى
عام 2019 ورغم تأثر الاقتصاد العالمي بجائحة كورونا وقيام أغلب دول العالم بإغلاق
تام لحدودها السياسية وهو ما أدى إلى حالة
من الركود والانكماش الاقتصادي في العالم بأسره إلا أن الصين حافظت على معدل نمو
بلغ 5.9% فيما بلغ معدل النمو في ذات العام بالولايات المتحدة الأمريكية 2.2% فقط
.
وكذلك
تمتلك الصين أكبر احتياطي نقد أجنبي في العالم يصل إلى 3.25 تريليون دولار أمريكي
في ديسمبر 2021، وهو أعلى مستوى منذ عام 2015 وقد قدر قيمة احتياطي الذهب لديها بــ
113 مليار دولار وهي الأكبر في العالم، وفي المقابل بلع حجم الاحتياطي النقدي
الأمريكي 2.51 تريليون دولار أمريكي في ديسمبر 2021.
أما
من الناحية العسكرية فعلى الرغم من تحفظ
الصين من الناحية العسكرية، ولكن مع تضخم قدراتها الاقتصادية وضعتها في مصاف القوى
العظمى فلابد أن تواكب القوة العسكرية الصينية الوضع الاقتصادي والسياسي للبلاد،
ومع زيادة الإنفاق العسكري الصيني منذ عام 2017 ليصل إلى 8.1% من الناتج القومي
الإجمالي للصين في عام 2018 فأصبح الجيش الصيني يحتل المرتبة الثالثة عالميًا من
بين 140 دولة وفقًا لآخر تقييم في يناير الماضي بعد كل من روسيا والولايات المتحدة
الأمريكية التي تحتل صدارة التصنيف العالمي كأقوى الجيوش في العالم، وتسعى الصين
لاحتلال المرتبة الثانية خلال الفترة القليلة المقبلة بدلًا من روسيا حيث تمتلك
الصين المقومات الاقتصادية والاحتياطي النقدي اللازم من أجل تطوير قدراتها لعسكرية
وخاصة القدرات البحرية والجوية والبرية، وهو ما سيجعلها المنافس العسكري الأقوى
للولايات المتحدة الأمريكية.
فمن
الجدير بالذكر أن الصين نجحت في زيادة حجم إنفاقها العسكري بنحو 800% منذ عام 1992
فقد بلغ حجم إنفاقها العسكري في عام 2020 حوالي 245 مليار دولار بنسبة 1.7% من
الناتج المحلي الإجمالي وبزيادة تقدر ب3.7 مرة ضعف الإنفاق الروسي الذي بلغ 67
مليار دولار بنسبة 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وعلى الرغم من ذلك فلا تزال
القوتان بعيدتين بشكل كبير عن حجم الإنفاق الأمريكي الذي بلغ 767 مليار دولار
بنسبة 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2020.
4.
الحرب الروسية الأوكرانية والاستقطاب الدولي
عقب
اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية تزايدت حدة القلق من تحولها إلى حرب عالمية
ثالثة، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي دعمهم
لأوكرانيا في حربها ضد روسيا باعتبارها إحدى الدول التي تسعى إلى الانضمام لحلف
الناتو منذ عام 2008 ، إلا أن الولايات المتحدة أعلنت موقفها بشأن عدم إرسال قوات
لمساعدة أوكرانيا لأنها ليست عضوًا في الحلف.
وقد
بينت تلك الحرب أن روسيا تسعى لتحقيق العديد من الأهداف منها تغيير نظام الأمن
الإقليمي في أوروبا جذريًا والسعي إلى انتزاع اعتراف بنفوذها في الدول التي كانت
جزءًا من الاتحاد السوفيتي السابق أو تحالفت معه في إطار حلف وارسو، وهو من شأنه
أن يحدث تغيرات في نظام الأمن الأوروبي وأن يحدث تحولًا كبيرًا في هيكل النظام
العالمي الذي تتطلع روسيا لأن يصبح عالمًا متعدد الأقطاب .
ومن
ناحية أخرى فقد حصلت الصين على العديد من المنافع من جراء تلك الحرب منها تغيير
الاهتمام الأمريكي بعض الشيء عن جنوب شرق آسيا خاصة في تايوان وقد أعلنت الصين أن
تايوان لا ينبغي مقارنتها بالوضع في أوكرانيا حيث إن تايوان جزء من الصين ويعترف
بها العالم على هذا النحو بالعكس من أوكرانيا كدولة مستقلة ذات سيادة، كذلك استفادت
الصين من زيادة اعتماد روسيا عليها مع العزلة التي فرضتها أمريكا والغرب عليها،
ومن ناحية أخرى وفى إطار التنافس الكامن بين روسيا والصين فإن خروج روسيا من الحرب
سيجعلها أكثر ضعفًا في تنافسها مع الصين على الوجود الدولي
ثانيًا:
أهمية أفريقيا في النظام الدولي
الأهمية
السياسية لأفريقيا
تضم
القارة الأفريقية 55 دولة كلها أعضاء في الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن القارة
الأفريقية تمتلك قوة تصويتية كبيرة في المنظمات الدولية، وقد أثارت نتائج التصويت
بالجمعية العامة للأمم المتحدة في الرابع من مارس 2022 على قرار إدانة العملية
العسكرية على أوكرانيا الانتباه إلى موقف أفريقي لافت تجاه روسيا، والتي باتت
تعتبر أفريقيا ذات أهمية أكبر كونها مخرجًا مهمًا من العزلة الدولية التي يفرضها
الغرب عليها فقد امتنعت 17 دولة أفريقية عن التصويت على القرار فيما اعترضت دولة
واحدة هي إريتريا وتغيبت 8 دول عن حضور الجلسة.
هذه
الحصيلة تعني أن نصف دول القارة الأفريقية لم تساند القرار، وهو ما يعيد بالذاكرة
لتصويت الدول الأفريقية على قرار عدم الاعتراف بالوضع المستجد في شبه جزيرة القرم
عقب السيطرة الروسية عليها عام 2014؛ حيث امتنعت 27 دولة أفريقية عن التصويت
وتغيبت 6 دول عن الحضور واعترضت دولتان هما السودان وزيمباوبوي، وهو ما يعنى أن
القرار حينها لم يجد سندًا من 35 دولة أفريقية.
فضلًا
عن إشراف القارة الأفريقية على العديد من المضائق والممرات المائية الحيوية
بالنسبة للتجارة الدولية، فتكتسب منطقة القرن الأفريقي أهمية استراتيجية كونها تطل
على المحيط الهندي من ناحية وتتحكم في المدخل الجنوبي لمضيق باب المندب الذي يشرف
على ثلث التجارة الدولية وخاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج متجهة إلى
أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها تعد ممرًا مهمًا لأي تحركات عسكرية
قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة إلى منطقة الخليج أو جنوب شرق أسيا.
2.
الأهمية الاقتصادية لأفريقيا
تعد
القارة الأفريقية هي المخزن الاستراتيجي بالغ الأهمية للطاقة بالنسبة لكافة القوى
الدولية بالإضافة إلى كونها سوق استهلاكية واعدة ومحفزة للسوق العالمي فأفريقيا
تحتوي على أكثر من 124 مليار برميل من احتياطي النفط، وهو ما يمثل حوالي 12% من
إجمالي الاحتياطي العالمي للنفط بالإضافة إلى ما يزيد عن 100 مليار برميل على
سواحل القارة في حاجة لاكتشافها واستخراجها، كما يقدر احتياطي الغاز الطبيعي في
القارة حوالي 500 تريليون متر مكعب، فضلاً
عن توفر كميات كبيرة من اليورانيوم والذي يقدر بحوالي 18 % من الاحتياطي العالمي
وغيرها من الذهب والألماس وهو ما جعل القارة محط اهتمام والتنافس الدولي بين القوى
الكبرى من أجل السيطرة على ثروات أفريقيا.
ثالثًا:
الخيارات الأفريقية في ظل المتغيرات الدولية
يوجد
العديد من الخيارات التي يمكن لقادة الدول الأفريقية انتهاجها خلال تلك الفترة من
أجل الحصول على أقصى فائدة يمكن تحقيقها في إطار هذا التنافس بين القوى الدولية في
إطار تشكيل نظام دولي جديد منها؛ عقد شراكات استرايتيجة مع كافة القوى الصاعدة
داخل القارة الأفريقية مثل الصين وروسيا حيث يوجد تقارب كبير بين النظام الروسي
(شمولي – غير ديمقراطي) مع العديد من الأنظمة الحاكمة في الدول الأفريقية ولعل
تزايد موجة الانقلابات العسكرية في الآونة الأخيرة في القارة الأفريقية تعكس هذا
التقارب من ناحية، كما أن لشخصية الرئيس الروسي جاذبية على النطاق الشعبي الأفريقي
خاصة بعد استطاعته استعادة القوة الروسية والوقوف في وجه الغطرسة الأوروبية
والأمريكية ويعود بروسيا مرة أخرى لتشكيل نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب.
وكذا
تنامى الوجود الروسي في العديد من المناطق الأفريقية المؤثرة سواء بتزايد مبيعات
السلاح الروسي للدول الأفريقية، وهو ما جعل العديد من الأنظمة الحاكمة في أفريقيا
تزيد من اعتمادها على السلاح الروسي، حيث لا تعتمد روسيا في المقابل على مفاهيم
الديمقراطية والحكم الرشيد، فقد مثلت حجم صادرات روسيا من السلاح لأفريقيا خلال
الفترة من 2016 – 2020 حوالي 18 % من إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة وفقًا
لتقارير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، كذلك تعاظم دور التدريب الروسي للعديد من
قوات الجيش في العديد من الدول الأفريقية وفي ذات السياق تنتهج الصين سياسة أخرى
مغايرة للسياسة الغربية في القارة الأفريقية وهى تقديم الدعم دون التدخل في الشؤون
الداخلية، وللتدليل على ذلك فقد قدمت الصين قرضًا لأنجولا بقيمة 2 مليار دولار
بفائدة بسيطة 1.5% لمدة 17 عامًا بعد الضغوط التي تعرضت لها الحكومة الأنجولية
وفشلها في الحصول على القرض من صندوق النقد الدولي، وفي مقابل ذلك نجحت الصين في
توقيع عقد للحصول على عشرة آلاف برميل نفط يوميًّا من أنجولا كما استحوذت على 70 %
من عقود مشروعات البناء والخدمات بها.
كذلك
أنقذ تعليق سداد الديون لمدة ثلاث سنوات كل من أنجولا وتشاد والكونغو وموريتانيا،
والتي تعرضت لضغوط مالية شديدة بسبب انهيار أسعار السلع الأساسية نتيجة أزمة كوفيد
19، وبالتالي فقد وجدت تلك الدول بديلًا اقتصاديًا عن السياسة الغربية التي تزيد
من الضغوط عليها.
ومن
ناحية أخرى فهناك خيار آخر أمام الدول الأفريقية هي محاولة الحفاظ على العلاقات
الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا قدر الإمكان مع محاولة تحقيق
شراكة تكتيكية مع القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا بشكل يضمن تنوع في طرق وأساليب
تسليح جيوشها بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية والغربية، ومن ناحية أخرى ضمان تواصل
الاتصالات بينها وبين القوى الصاعدة وتعميقها وفقًا لطبيعة الوضع الدولي في
المستقبل.
ختامًا،
يشهد الواقع الدولي الحالي صراعات متعددة من أجل صياغة مستقبل النظام الدولي حيث
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على هيمنتها على المجتمع الدولي وقوتها في حين أن هناك قوى
موزاية أخرى تسعى لإعادة تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، وقد أسهم في ذلك تنامي
الدور الروسي والذي بدأ في التكشف بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك الصعود الاقتصادي السلس والمتنامي للصين
ومحاولتها التغلغل في مفاصل المؤسسات والهيئات الدولية ومحاولة كل منها بناء
كيانات وتحالفات موازية للتحالفات الأمريكية الغربية وهو ما يجعل، بالتوازي مع
الأزمات المتلاحقة التي تلاحق الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الاقتصادي
والسياسي خاصة بعد فقدان الثقة بينها وبين حلفائها نتيجة لتخليها عنهم في العديد
من المواقف والأزمات التي يواجهها هؤلاء الحلفاء الاستراتيجيين.
لذا فمن الواضح أن الأنسب للقارة الأفريقية وسط هذه الحالة من التجاذبات والاستقطاب الكبيرة التي تسعى لتحقيقها كافة القوى المتنافسة أن تسعى لعقد شراكات تكتيكية محدودة مع القوى الدولية الصاعدة مع المحافظة على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والغرب من أجل خلق حالة من التوزان تضمن نجاح تلك العلاقات مع القوى المتنافسة، مع العمل على بناء قدراتها الاقتصادية والتنموية لتصبح أكثر قدرة على بناء تحالفات تقوم على الشراكة لا التبيعة مع كافة القوى الدولية.
المراجع:
د. محمد فؤاد رشوان، 22.6.2023، أفريقيا
والنظام الدولي بين الأحادية القطبية والقوى الدولية المتنافسة، مركز بحثي مختص
بالشؤون الافريقية.
(ب، ن ) ، 23.4.2023
، أفريقيا
والنظام الدولي.. التهميش يفجر بركان "القهر التاريخي"، العين الإخبارية.