دور منظمات المجتمع المدني في مكافحة التغير المناخي
فرع بنغازي

في خضم الاهتمام العالمي بتدابير مكافحة التغير المناخي، برزت منظمات المجتمع المدني والمدافعون عن البيئة باعتبارهم من أبرز الفاعلين في محاربة التغير المناخي؛ حيث أضحوا يساهمون بشكل مباشر في تطوير وإصلاح السياسات البيئية الوطنية والإقليمية والعالمية، كما باتوا جزءاً من جهود الإصلاح التي تستهدف التصدي لتحديات تغير المناخ وانعدام الأمن البيئي، بما في ذلك الجهود المبذولة لمكافحة الفساد والتعافي بعد الصراع، والانتقال العادل والمنصف نحو اقتصاد نظيف.

وقد اتضح الدور الحيوي لمنظمات المجتمع المدني جلياً في نجاح قمة الأرض، التي انعقدت في ريو دي جانيرو في عام 1992، ولا تزال منذ ذلك الوقت تمثل أطرافاً فاعلةً رئيسيةً في تحقيق الاستدامة البيئية، بما في ذلك وضع وتنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية، والمساهمة في نتائج ومخرجات مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في عام 2002.

ولعل من أبرز آليات منظمات المجتمع المدني الصاعدة في ذلك المضمار، السعي نحو ضمان وصول الجمهور إلى معلومات شفافة وذات مصداقية حول قضايا المناخ، بما في ذلك دعم التقارير الإعلامية المسؤولة، ودور وسائل الإعلام المستقلة في تغطية تطورات التغير المناخي، ونشر الوعي والتثقيف المجتمعي بالتدهور البيئي وتبعات التغير المناخي.

أدوار محورية

تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً لا يمكن الاستغناء عنه في تشكيل السياسة والنتائج البيئية، وهي ذات أهمية بالغة بالنسبة إلى الجهود العالمية للتصدي لتغير المناخ، والتلوث الكيميائي، وفقدان التنوع البيولوجي. ويتنوع دور المجتمع المدني في هذا الشأن، كما يبدو من خلال الآتي:

1– التحفيز على المشاركة المجتمعية وتعزيز الوعي: يحمل المجتمع المدني دوراً حيوياً في مكافحة التغير المناخي وتحقيق التنمية المستدامة؛ وذلك عن طريق دوره في التحفيز على المشاركة المجتمعية وتعزيز الوعي والتثقيف بقضايا التغير المناخي، والحث على تبني سلوكيات مستدامة، كما يساهم المجتمع المدني في تعزيز الوعي حول التحديات المتعلقة بالتغير المناخي وتبعاتها على الكوكب والحياة البشرية، فضلاً عن دور المبادرات المجتمعية في تعزيز الفهم الصحيح للعلم والأدلة المتعلقة بالمناخ، وتوفير معلومات وموارد للأفراد والجماعات لاتخاذ إجراءات فعالة في هذا الصدد.

كذلك فإنبإمكان المجتمع الدولي تعزيز الاستفادة من الشبكات المحلية من الباحثين والمفكرين ممن يتمتعون بالمهارات اللغوية التي تؤهلهم لخلق التوعية المناسبة للمجتمعات الهشة، وبخاصة تلك التي تعاني من نشاط الجماعات المسلحة بها، بخطورة الانضمام إلى تلك الجماعات، وهو ما يحتاج – على الجانب الآخر – إلى توليد سبل جديدة لمعيشة الأفراد لا ترتبط بشكل كبير بالمناخ، كالزراعة والرعي؛ كإطلاق مشروعات في تلك البلدان، وتدريب السكان على العمل فيها، بما يساعدهم على تنمية مصادر بديلة للدخل دون الاضطرار للانضمام إلى الجماعات المسلحة بحثاً عن مصادر للرزق.

2– الاضطلاع بدور رقابي هام: يمكن للمجتمع المدني لعب دور رقابي على القطاعات الحكومية والخاصة للتأكد من التزامها بتطبيق سياسات مكافحة التغير المناخي وتحقيق الالتزامات الدولية؛ وذلك عبر تقديم تقارير وتقييمات حول أداء الجهات المختصة في هذا الصدد. كذلك فإن للمجتمع المدني دوراً لا غنى عنه في المطالبة بالمساءلة عن العمل المناخي، والتحذير من عواقب التقاعس عن العمل المناخي.

3– المساهمة في صنع القرار وإحراز النتائج البيئية: يسعى المجتمع المدني، في كثير من البلدان، إلى المساهمة في صنع القرار من خلال التأثير على السياسات المتعلقة بالتغير المناخي، والتوجيه نحو اتخاذ قرارات أكثر استدامةً، والعمل على تنفيذها بشكل فعال، كما بإمكان المجتمع المدني العمل على دعم المشاريع والمبادرات التنموية المستدامة التي تهدف إلى الحد من الانبعاثات الضارة وتعزيز الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، كما أن للمجتمع المدني دوراً بالغ الأهمية في عمليات السياسات ذاتها، التي تهدف إلى معالجة تغير المناخ وحماية المجتمعات الأكثر فقراً وضعفاً من آثاره.

4– الدفع نحو إصدار تشريعات لمكافحة التغير المناخي: يلعب المجتمع المدني أدواراً رئيسية في الضغط من أجل إصدار قوانين أو برامج أو استراتيجيات جديدة بشأن تغير المناخ، وفي مساءلة الحكومات عن التزاماتها، وفي تحديد إذا ما كان هناك استجابات حكومية مشتركة لتغير المناخ، وضمان عدم تجاهل صنع السياسة الوطنية للفقراء والضعفاء والمهمشين والأكثر عرضةً لتبعات التغير المناخي. كذلك فإن باستطاعة منظمات المجتمع المدني أن تلعب دوراً هاماً مع تمكين البلدان من الحد من تدهور الأراضي؛ نظراً إلى كونها تعمل على الأرض، ولديها القدرة على حشد المزارعين والمتخصصين في العمل الزراعي، بما يدفع نحو إيجاد الحلول اللازمة للحد من تدهور الأراضي.

5– تعزيز التعاون بين القطاعات المختلفة: من الممكن الاستفادة من قدرة المجتمع المدني على تعزيز التعاون والشراكات بين القطاعات المختلفة؛ بما يشمل ذلك الحكومات، والشركات، والجمعيات الأهلية، والمواطنين؛ إذ من شأن ذلك التعاون أن يسهم في تنسيق الجهود وتعزيز فاعلية الإجراءات المتخذة لمكافحة التغير المناخي.

6– تمثيل المصالح المجتمعية: يسعى المجتمع المدني إلى تمثيل مصالح مجتمعه وضمان مشاركته في صنع القرار المتعلق بالتغير المناخي، بما يضمن اعتبار آرائه واحتياجاته عند وضع السياسات والبرامج المستدامة. ومن ثم، يستطيع المجتمع المدني أن يكون فاعلاً مهماً على طاولة المفاوضات، وأن يدفع نحو تنفيذ توصيات واستراتيجيات معينة، يمكن لها أن تصب بصورة رئيسية في صالح مكافحة التغير المناخي، مع وضع المصالح المجتمعية في الاعتبار.

7– تحفيز التمويل الجماعي البيئي: بعيداً عن جميع الإجراءات على مستوى السياسات، فإن المنظمات غير الحكومية تكثف جهودها لإحداث التغيير الملموس على أرض الواقع؛ وذلك من خلال الانخراط والتعاون مع الأشخاص الأكثر فاعليةً في المجتمع، عبر ما يسمى التمويل الجماعي البيئي؛ فخلال السنوات الأخيرة، ازدادت شعبية التمويل الجماعي للمنظمات غير الربحية التي تعمل من أجل البيئة؛ حيث يتبنَّى الأفراد والمنظمات غير الحكومية وغيرها بشكل متزايد هذا الخيار الفعَّال لجمع الأموال من أجل التخفيف من تبعات التغير المناخي على المهمشين والأكثر فقراً وتضرراً من تلك الظاهرة.

فبينما تقوم الوكالات الحكومية في هذا الصدد، بصياغة السياسة العامة فيما يتعلق بتغير المناخ وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتلوث والمياه النظيفة، فإنه من خلال الاستفادة من قوة التمويل الجماعي، يكون بإمكان المنظمات غير الربحية أن تساهم في علاج قضايا الحفاظ على التربة وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، والتصدي لتداعيات التغير المناخي، ودعم الزراعة المستدامة وتشجيع الحفاظ على البيئة. وهو ما يتم من خلال أنشطة مختلفة كالزراعة المجتمعية وتجميع مياه الأمطار وغير ذلك.

8– المشاركة في الاستجابة للنزاعات والأزمات المناخية: يلعب المجتمع المدني دوراً حيوياً في حالات النزاع والتعرض للأزمات البيئية، وهو ما يظهر من خلال دوره في الدفع نحو توفير الخدمات الأساسية ومساعدة الضحايا والمتضررين من تلك الأزمات والكوارث البيئية كالفيضانات والزلازل.

اتجاهات رئيسية

يتجلى الدور الواضح لمنظمات المجتمع المدني في مكافحة التغير المناخي، في عدد من البلدان. وفيما يأتي يمكن استعراض بعض النماذج:

1– تعزيز النقاشات العامة مع المجتمع المدني في نيجيريا: كحال العديد من منظمات المجتمع المدني في كثير من الدول، تضع نيجيريا نصب أعينها تطوير استراتيجيات منخفضة الانبعاثات لمكافحة تغير المناخ، وإدراكاً لأهمية ذلك المسعى، تحرص منظمات المجتمع المدني في نيجيريا على الاجتماع معاً ومناقشة الانبعاثات الحرارية والحفاظ على الغابات والبيئة، وتولي مسؤولية تنمية الوعي حول الحاجة الملحة لتقليل انبعاثات الكربون الصافية الصفرية في نيجيريا.

2– إطلاق مشروعات بيئية في أفريقيا جنوب الصحراء: أطلق مشروع "RestorationX10000 في أفريقيا جنوب الصحراء، من قِبل منظمة العمل المجتمعي ضد النفايات البلاستيكية (CAPWs)، وهو المشروع الذي يهدف إلى تمكين عشرة آلاف شاب لقيادة جهود المجتمع للحد من النفايات البلاستيكية، مع خلق دخل حقيقي للشباب داخل مجتمعهم بحلول عام 2025، وتمكين الشباب في جميع أنحاء العالم من تطوير الاستراتيجيات، ومهارات القيادة والتعاون، وبناء مجتمع مرن قادر على الوصول إلى صافي صفر انبعاثات، والمساعدة على نشر أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وتعمل تلك المنظمة حالياً في أكثر من 15 دولة أفريقية بقيادة ما يزيد عن 500 من القادة الشباب، الذين يتولون مهمة تنظيم أنشطة وبرامج لتحقيق التوعية المجتمعية للمساعدة في مكافحة خطر التلوث البلاستيكي.

وتعتمد المنظمة، من أجل تجنيد المزيد من المشاركين معها، على المنصات الرقمية؛ حيث تستفيد منها في نشر الوعي وفتح فرص على التدريب على إعداد التقارير واستكشاف طاقات الطلاب للعمل بشكل مباشر مع قادة المجتمع المحلي.

3– توسع دور المجتمع المدني الهندي في نشر الوعي البيئي: هناك ما يقرب من 22 ألف منظمة مسجلة تعمل في مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية في الهند. وعلى الرغم من أن عملها قد لا يقع مباشرةً في نطاق العمل المناخي في الهند، فإن هناك إمكانية لتطبق أجندة تغير المناخ على برامجها الحالية؛ إذ ثمة شبكة ضخمة من منظمات المجتمع المدني تعمل في القطاعات المتاخمة للمناخ في الهند، كالتنافسية الصناعية والمياه والأراضي والغابات والزراعة؛ فمثلاً تركز المنظمات العاملة في الزراعة إلى حد كبير على قضايا الأمن الغذائي، وتحسين الإنتاجية الزراعية، والأمن المائي، والتكيف مع المناخ.

وفي سياق الهدف الرامي نحو زيادة مشاركة المواطنين في صنع السياسات البيئية والمناخية في الهند، أطلقت منظمة Civis – وهي منظمة غير ربحية وتدعم مختلف أصحاب المصلحة من منظمات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية والشركات الناشئة وصناع السياسات، في الفضاء المناخي، لا سيما في مجالات أنظمة الغذاء والمزارع والترميم والحفظ والبيئة الحضرية والطاقة والنقل – أول دليل من نوعه بعنوان "أصوات المناخ"، وهو الدليل الذي يؤكد بدوره أهمية التشاور العام في المشاركة في وضع القوانين البيئية في الهند، ويهدف إلى تمكين المواطنين من فهم عملية سن القوانين والمشاركة فيها بنشاط.

هذا وقد سبق أن شهدت الهند حالات ملحوظة أدت فيها المشاورات العامة إلى قوانين وسياسات بيئية أفضل، كقانون القبائل المُجَدولة وسكان الغابات التقليديين الآخرين (الاعتراف بحقوق الغابات) في 2006، المعروف باسم قانون حقوق الغابات، وهو تشريع أقره البرلمان الهندي اعترافاً بحقوق المجتمعات التي تعيش في الغابات، والتي أقامت على أراضيها منذ أجيال.

4– انتصار المجتمع المدني في محاكم البرازيل وأستراليا: لطالما لجأ المجتمع المدني إلى المحاكم بغرض محاسبة الحكومات وشركات الوقود الأحفوري على عدم احترام المعايير والالتزامات الدولية؛ ففي عام 2022، قبل الانتخابات المحورية في البرازيل، استطاع المجتمع المدني تحقيق فوز تاريخي في المحكمة العليا؛ حيث حصل على اعتراف باتفاق باريس بشأن المناخ، كمعاهدة لحقوق الإنسان.

فيما تم تعليق الموافقة على مشروع التنقيب عن الغاز في بحر تيمور قبالة أستراليا، بعدما قضت محكمة بأن شركة سانتوس المسؤولة عن المشروع، لم تستشر مجتمعات السكان الأصليين، وهو الحكم الذي جاء رداً على طعن قانوني قدَّمه سكان الجزر ضد هذه الشركة.

5– الدفاع عن الاستدامة عبر العمل المحلي في الولايات المتحدة: تسعى العديد من منظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة إلى الدفاع عن الاستدامة من خلال العمل المحلي، وهو ما يظهر من خلال الدعوات التي تطلقها تلك المنظمات بين الوقت والآخر؛ ففي مدينة نورووك كونيتيكت الأمريكية، على سبيل المثال، قامت منظمة الاستدامة غير الحكومية (INC) بالدعوة إلى تجديد مصنع الفحم البائد في جزيرة مانريسا، وتحويله إلى محطة للطاقة الشمسية، وقد تبنَّوا في هذا الصدد استراتيجية للوصول إلى ممثلي المجالس المحلية ومديري الممتلكات في المصنع، فضلاً عن دعم التواصل مع الجامعات، وطرح القضية من خلال الطلاب.

إجمالاً، فإنه إن كانت مسألة إدارة تغير المناخ تأخذ وقتاً طويلاً؛ إذ أنها ترتبط بالتفاعل بين الجهات العامة والخاصة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، في إيجاد الحلول الفعالة نحو مكافحة التغير المناخي، إلا أن ذلك قد يحدث بوتيرة أسرع في تلك المجتمعات المؤمنة بخطورة ظاهرة التغير المناخي، في ظل وجود حكومات قادرة وراغبة في اتخاذ تدابير داعمة لمكافحة التغير المناخي، ومُرحِّبة بإشراك كافة الفاعلين، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني؛ من أجل المساهمة في تحقيق الأهداف المناخية العالمية.







المراجع:

 سهير الشربيني، 1.8.2024، دور منظمات المجتمع المدني في مكافحة التغير المناخي، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية.

إسلام سعد عبد الله ،21.10.2020، دور مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في تشكيل معارف واتجاهات وسلوكيات الجمهور حول مواجهة مخاطر التغيرات المناخية، المجلة العلمية لبحوث العلاقات العامة والأعلان.

 

المقالات الأخيرة