هناك
بعض التداعيات المأساوية التي تؤثر في حياة الملايين من أبناء القرن الإفريقي جراء
موجة الجفاف الحادة، في حين تستشرف التبعات التي تتجاوز في تأثيراتها حدود المنطقة
سواء إلى دول الجوار أو بقاع أخرى أبعد.
مثل
تراجيديا إغريقية تتكرر مآسيها كل بضع سنوات يدق الجفاف من جديد أجراس الإنذار في
القرن الإفريقي الكبير شرق القارة، مهددًا حياة الملايين بالموت البطيء نتيجة
انعدام الأمن الغذائي الحاد، ومؤديًا إلى نفوق ملايين رؤوس الماشية.
وتكشف
المعلومات الواردة من المنطقة عن أوضاع كارثية يعيشها سكان القرن الإفريقي الذي
يعد من أكثر المناطق تأثرًا بالتغيرات المناخية التي تتجلى في موجة الجفاف
الحالية؛ حيث تزداد الخطورة بالنظر إلى احتواء القرن على العديد من المناطق
القاحلة وشبه القاحلة.
1-
الجفاف كأحد مظاهر التغير المناخي في القرن الإفريقي
تدفع
هذه المنطقة الفقيرة من العالم ثمنًا باهظًا لجريمة الاحتباس الحراري التي لم
تشارك في صنعها؛ حيث تربط ورقة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون
الإنسانية (OCHA) موجات الجفاف الحالية بظاهرة النينيا التي
تتفاقم آثارها نتيجة التغير المناخي الناتج عن الأنشطة البشرية وفقًا للمنظمة
العالمية للأرصاد الجوية.
وتزداد
صورة كارثة الجفاف وضوحًا بالنظر إلى اعتماد كثير من سكان المناطق المتضررة في
القرن الإفريقي في حياتهم على أنماط حياة هشة كالرعي والزراعة البعلية.
ورغم
أن المنطقة تمتلك تاريخًا من المعاناة مع التقلبات المناخية فإنه نتيجة تأثر
المنطقة بالتغيرات المناخية أصبحت حالات الجفاف أكثر تواترًا وشدة، ومنذ عام 2008
سجلت المنطقة حالة جفاف كل عام تقريبًا. وفي إشارة إلى خطورتها، وصف مفوض الاتحاد
الأوروبي لإدارة الأزمات، يانيز لينارتشيتش، هذه الموجة من الجفاف بـ “التاريخية.
في
هذا السياق تبرز التغيرات التي أصابت مواسم الأمطار عاملًا حاسمًا في صناعة مشهد
الجفاف الكارثي؛ حيث أكد المتحدث باسم المفوضية العليا للاجئين أن القرن الإفريقي
يدخل موسم الأمطار السادس السيء مع عدم وجود نهاية فورية تلوح في الأفق لواحدة من
أطول فترات الجفاف وأكثرها شدة على الإطلاق. ووفقًا لتقديرات أممية العام الماضي
فإن الجفاف يهدد المحاصيل الزراعية إذ يُتوقع أن يكون محصول الحبوب في بعض المناطق
أقل بـ 70% عن المعدل السنوي المعتاد.
تناقص
معدلات الهطولات المطرية تسبب بدوره في انخفاض كبير في مناسيب المسطحات المائية
مؤديًا إلى نفوق ملايين رؤوس الماشية التي يعتمد عليها الرعاة في معيشتهم، وهو ما
يتركهم بالتالي دون أي سلاح في مواجهة الجفاف الحاد.
وفي
انعكاس كارثي آخر للتغيرات المناخية يأتي هذا الجفاف والمنطقة لا تزال تعاني من
آثار موجات من الجراد الصحراوي التي هاجمتها في العامين الماضيين، حيث ربط تقرير
أممي بين تفشي ظاهرة الجراد الصحراوي والأعاصير في المحيط الهندي الناتجة عن
تغيرات المناخ، ويمكن لسرب من هذا الجراد الشره أن يلتهم طعامًا في يوم واحد يساوي
ما يأكله 35 ألف شخص، بالإضافة إلى آثاره الكارثية على الزراعة.
2-
عوامل بشرية تزيد من وطأة الأزمة
بجانب
التأثيرات الطبيعية للتغير المناخي ثمة عوامل لا يمكن إغفالها تسهم بشكل كبير في
الآثار الكارثية لأزمة الجفاف، نكتفي منها بذكر ما هو مرتبط بأنماط الحياة
التقليدية في القرن الإفريقي، وأساليب إدارة الدولة، والصراعات المستمرة التي تشكل
سمة رئيسية للمنطقة.
أ-
انتشار الاقتصادات القائمة على الزراعة البعلية والرعي
تعد
الزراعة والرعي قطاعين رئيسين في اقتصاد القرن الإفريقي، ويقدر البنك الدولي عدد
الرعاة بما بين 12 إلى 22 مليون شخص، يشكلون الكتلة الرئيسية في المناطق القاحلة
وشبه القاحلة التي تغطي قرابة 60% من مساحة القرن الإفريقي.
وتقدر
إحدى الدراسات أن الرعاة في المنطقة يحتاجون إلى ما بين خمس إلى ثماني سنوات
للتعافي التام من تبعات الجفاف الدوري، لكن موجات الجفاف الآن تتكرر في دورات من
سنتين إلى ثلاث سنوات، وهو ما يدفع الرعاة إلى اتباع إستراتيجيات تحمل في طياتها
العديد من المخاطر كالهجرة إلى مناطق أخرى ما يؤدي إلى الصراع مع المجتمعات
المحلية، أو اللجوء إلى بيع الماشية ما يخلق وفرة في المعروض ويؤدي إلى هبوط
الأسعار بشكل حاد بجانب فقدان الرعاة أحد أهم مصادر معيشتهم.
كذلك
يتسم القطاع الزراعي في المنطقة بالتخلف والافتقاد إلى المرونة؛ حيث لا يتمكن كثير
من المزارعين من اعتماد الأساليب والتقنيات الحديثة التي تسهم في التكيف مع تغيرات
المناخ، وتدرأ بعض المخاطر الناجمة عنها؛ حيث يتناقص بعض من المحاصيل الحيوية في
حياة سكان المنطقة كالذرة والذرة الرفيعة والدخن والطاف؛ ما يشكِّل مهددًا خطيرًا
للأمن الغذائي للقرن الإفريقي.
ب- الإدارة غير الرشيدة للدول
وفقًا
لمؤشر الدول الهشة الصادر عن مؤسسة صندوق السلام عام 2023، يضم القرن الإفريقي
بعضًا من أشد البلدان هشاشة في العالم كالصومال، وإثيوبيا، وإريتريا، والسودان،
وجنوب السودان.
تعاني
هذه الدول من مزيج من المشكلات التي تتنوع بين الوصول المحدود أو غير المتكافئ إلى
الموارد الطبيعية، والتوترات المجتمعية على أسس دينية أو عرقية أو غير ذلك، والفقر
وعدم المساواة الاقتصادية، في حين أدى ضعف قدرة مؤسسات الدولة على توفير الأمن
بمعناه الواسع للمواطنين، إلى جانب الفساد السياسي والإداري، إلى حكم غير فعال،
وممارسات غير ديمقراطية، وثقة محدودة، وانعدام الثقة في سلطة الدولة وشرعيتها،
وحركات التمرد.
كل
ما سبق أدى إلى عجز الدولة عن وضع الخطط والإستراتيجيات الملائمة للتكيف مع
التغيرات المناخية وتوفير الأدوات الأساسية للمواطنين للتغلب على تداعياتها.
ج-
النزاعات المستمرة
يعد
القرن الإفريقي من المناطق التي شهدت قدرًا كبيرًا من الصراعات في العقود الأخيرة،
وما حملته من نتائج كارثية على العديد من النواحي المرتبطة بالاستقرار السياسي
والاجتماعي والتنمية الاقتصادية.
فالصومال
يعاني من تبعات انهيار السلطة المركزية عام 1991، حيث شكلت الصراعات الداخلية
الملمح الأبرز للبلاد في حين يستمر تمرد جماعة الشباب الإرهابية في النمو وتهديد
السلطة المركزية الهشة في مقديشو.
الحرب
الإثيوبية-الإريترية 1998-2000 ظلت تداعياتها مستمرة لعقدين من الزمان وأدت إلى
تحول إريتريا إلى سلطة ديكتاتورية منغلقة باقتصاد هش، وكذلك جنوب السودان شهدت
حربًا أهلية عنيفة 2013-2020 لا تزال تهدد بالانفجار من جديد.
ورغم
أن إثيوبيا شهدت استقرارًا كبيرًا تحت حكم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي فإن
الصراعات العرقية ما لبثت أن انفجرت في عهد رئيس الوزراء، آبي أحمد، في حين شهدت
البلاد حربًا ضارية مع التيغراي 2020-2022 أطاحت بالكثير من المنجزات التنموية في
العقدين السابقين لها.
3-
تداعيات أزمة الجفاف:
رغم أهمية البعد الإنساني لهذه الأزمة فإن
تأثيراتها المتوقعة تمتد إلى عواقب مرتبطة بالجوانب الاجتماعية الاقتصادية
والأمنية والسياسية، ولاسيما عند النظر في عاملين مهمين: الأول: أن هذا الجفاف
الحاد مظهر لتغيرات مناخية قد تشكل نمطًا جديدًا يشهد موجات جفاف متتابعة ما يشير
إلى استمراريتها في المستقبل، والثاني: أن أكثر دول هذه المنطقة يعاني من هشاشة
شديدة تؤثر سلبًا على قدرتها على التعاطي الفعال مع هذه التغيرات.
عمومًا،
عند التطرق إلى آثار هذه الموجة يمكننا الحديث عن تداعيات تشهدها المنطقة سواء
كانت حالية أو متوقعة، وتداعيات تمتد إلى خارج حدود القرن الإفريقي.
أ-
تداعيات حالية
أولًا:
تضرر الأمن الغذائي وزيادة نسب النزوح:
تذهب
تقديرات أممية إلى أن أكثر من 43 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة في جميع أنحاء
إثيوبيا وكينيا والصومال في عام 2023، بما في ذلك أكثر من 32 مليون شخص يواجهون
مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأكثر من 8 ملايين طفل وامرأة حامل
ومرضع يواجهون سوء التغذية الحاد، في حين تسبب الجفاف في نفوق أكثر من 13 مليون
رأس من الماشية.
كما
أن تناقص معدلات الهطولات المطرية تسبب بدوره في انخفاض كبير في مناسيب المسطحات
المائية مؤديًا إلى نفوق ملايين رؤوس الماشية التي يعتمد عليها الرعاة في معيشتهم،
وهو ما يتركهم بالتالي دون أي سلاح في مواجهة الجفاف الحاد.
ثانيًا:
موجات النزوح
تدفع
مجموعة من الأزمات المتداخلة ومنها المتعلقة بآثار التغير المناخي أعدادًا كبيرة
من السكان في عدد من دول المنطقة إلى التحرك مشكِّلين موجات نزوح كبيرة؛ حيث يضطر
الملايين إلى مغادرة مواطنهم سعيًا إلى الوصول إلى الموارد والخدمات الأساسية في
مناطق أخرى.
وتقدر
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عدد النازحين داخليًّا حتى أواخر يونيو/
2022 في كل من إثيوبيا والصومال بنحو 4.5 و3 ملايين نازح على التوالي، وقد أدى عدم
الوصول إلى المياه النظيفة إلى تفاقم المشكلات المرتبطة بالنظافة والصرف الصحي،
وإلى زيادة حالات الإسهال وانتشار أمراض مثل الكوليرا والتهاب الكبد الوبائي
والتيفود وشلل الأطفال.
ب-
تداعيات متوقعة
أولًا:
اضطرابات اجتماعية:
مع
نزوح الملايين عن مناطقهم هربًا من شبح المجاعة، يبدو التوجه إلى الانتقال إلى
المدن أحد الخيارات المتاحة، ما يرفع نسب البطالة ويضغط على الخدمات ويوسع أحزمة
الفقر التي تتحول إلى بيئة خصبة للجريمة، كما ينذر بحدوث اضطرابات اجتماعية
اقتصادية في دول تعاني من تصدعات مختلفة.
بجانب
هذا فمن المحتمل أن يؤدي تعاطي الحكومات الوطنية بشكل غير رشيد مع الأزمات الناتجة
عن التغير المناخي إلى اندلاع تحركات شعبية عنيفة تهز استقرار الدول الهشة أصلًا،
وتزيد خطورة هذا الاحتمال المخزون العميق من نقمة السكان على سجل طويل من فشل
الحكومات في إنجاز مهمات التنمية والاستقرار السياسي للبلاد، والقابلة للتحول إلى
انفجارات شعبية إن أثَّرت المعالجة الفاشلة لتداعيات التغير المناخي على احتياجات
الحياة الأساسية للمواطنين؛ حيث أدى رفع أسعار الخبز في السودان إلى قيام ثورة
شعبية في ديسمبر/ 2018؛ إذ يمكن اعتبار هذه الزيادة صاعقًا لتفجير يكثف نقمة شعبية
على مجمل سياسات نظام الإنقاذ.
ثانيًا:
الصراعات على الموارد:
تؤكد
المؤشرات حدوث تغييرات حادة تصيب أنماط الحياة الرعوية وتضطر السكان من الرعاة إلى
الزحف نحو المناطق الزراعية، وهو ما يؤدي إلى اندلاع النزاعات حول المصادر
الطبيعية الشحيحة أصلًا.
ستؤثر
سنوات الجفاف الممتد نتيجة تناقص الأمطار على مناسيب الأنهار، وستزيد من معدلات
النقص المائي؛ ما قد يسهم بشكل مباشر في تصعيد الصراع على المياه. وفي هذا السياق،
يمثل سد النهضة نموذجًا لصراع محتمل نتيجة التغيرات المناخية؛ حيث يدور الخلاف بين
أطراف النزاع على السد على كيفية إدارة هذه المنشأة في سنوات الجفاف والجفاف
الممتد، الذي يبدو أنه قد يتحول إلى نمط ثابت أو متكرر بشكل كبير مستقبلًا.
وقد
ظهرت بوادر هذا النوع من الصراعات في العديد من النزاعات على مصادر المياه التي تم
رصدها منذ عام 2020، وهو ما قد يؤدي في حال تفاقمها إلى اتخاذها أشكالًا أكثر حدة
وعنفًا، وفي حالة مشابهة كان النزاع بين الرعاة المتضررين من التصحر والمجتمعات
الزراعية في منطقة دارفور، أحد الأسباب المؤدية لصراع أودى بحياة مئات الآلاف
والذي لا نزال نشهد أحداثه المأساوية بعد قرابة عقدين على اندلاعه.
ثالثًا:
زيادة خطر المجموعات المسلحة
إحدى
أخطر الآثار المتوقعة لهذه الآفات هو تشكيلها مناخًا مثاليًّا لتجنيد المقاتلين
ضمن المجموعات المسلحة؛ حيث أكدت دراسة صادرة عن مبادرة "دبلوماسية
المناخ" الألمانية أن الآثار الكارثية للجفاف المستمر لبحيرة تشاد في غرب
إفريقيا أدت إلى ازدهار نشاطات الفاعلين المسلحين من غير الدول كبوكو حرام.
وبالنظر
إلى القرن الإفريقي فثمة العديد من الجماعات المسلحة ذات خلفيات إثنية أو قبلية أو
دينية في الصومال وجنوب السودان وإثيوبيا، في حين شهد الصومال في السنوات الماضية
توسعًا كبيرًا لنشاطات حركة الشباب الإرهابية بحيث تحولت إلى مصدر تهديد لدول
الإقليم عمومًا.
رابعًا:
الانكشاف أمام القوى الخارجية
من
جانب آخر، قد تؤدي هذه الموجات من الجفاف إلى انكشاف دول المنطقة أمام الضغوط
الخارجية، ولاسيما عند النظر إلى أنها تعتمد بشكل كبير على استيراد القمح من
الخارج؛ ما يوفر لدول مثل روسيا ورقة ضغط مؤثرة على إثيوبيا التي تمثل موسكو
مصدرًا لـ 44% من استيرادها من القمح وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي.
وفي
ظل الصراع الدولي على القرن الإفريقي تفتح هذه الأزمات الباب للدول المعنية لزيادة
نفوذها في المنطقة للاستثمار في "دبلوماسية الأزمات الإنسانية"؛ حيث
كانت المساعدات التركية الإنسانية واسعة النطاق أثناء المجاعة التي ضربت الصومال
2011 بداية توسع نفوذ أنقرة في هذا البلد الذي تحول إلى العمود الفقري للحضور
التركي في القرن الإفريقي.
ج-
تداعيات ممتدة إلى خارج المنطقة
أولًا:
موجات من الهجرة
تدفع
الأوضاع الكارثية النازحين إلى العبور إلى دول الجوار ولاسيما مع الحدود الواسعة
وغير المراقبة ما سيشكِّل ضغطًا جديدًا على الدول المنهكة أصلًا، ويؤدي إلى نشوب
نزاعات بين السكان المحليين والمجموعات النازحة.
ثانيًا:
تصاعد التيارات العنصرية:
أدت
موجات جفاف سابقة إلى ازدهار نشاطات الهجرة غير النظامية من المناطق المتضررة إلى
الشرق الأوسط أو إلى ما وراءه، وهو ما يُتوقع تكراره الآن بالنظر إلى المزيج الخطر
الذي تعيشه المنطقة من الجفاف والحروب التي تهدد بانهيار دول كبرى في المنطقة
كالسودان وإثيوبيا، بجانب اتساع حجم شريحة الشباب في المنطقة وهم الأكثر تطلعًا
إلى التغيير وقدرة على خوض الرحلات الخطرة المرتبطة بهذا النوع من الهجرة.
وهو
ما يتوقع أن يؤدي إلى توسع نشاط التيارات القومية والعنصرية الرافضة للمهاجرين في
أوروبا ومناطق أخرى، والتي برزت في السنوات الأخيرة مترافقة مع موجات الهجرة غير
النظامية الكبيرة ولاسيما تلك الناتجة عن الأزمة السورية.
ثالثًا:
تزايد التنافس الخارجي على المنطقة:
يمثل
القرن الإفريقي نتيجة العديد من العوامل منطقة صراع جيوستراتيجي على النفوذ بين
قوى دولية وإقليمية مختلفة، وانكشاف دول المنطقة أمام القوى الخارجية، كما أسلفنا،
سيؤدي إلى زيادة حرارة التنافس بين هذه القوى على تعزيز مواقعها في المنطقة.
وقد
أشار اللفتنانت جنرال كيرك سميث، نائب قائد القوات الأميركية في إفريقيا
(أفريكوم)، إلى هذا الاحتمال بوضوح قائلًا: "نحن نعلم بوضوح أن التغيير
البيئي هو محرك لعدم الاستقرار، ونحن ندرك أن الكيانات الأخرى، سواء كنا نسميها
منافسين أو خصومًا، ستستفيد من ذلك.
الحرب
في أوكرانيا وارتفاع أسعار الغذاء:
أثرت
الحرب في أوكرانيا على إمدادات القمح والأسمدة إلى القرن الأفريقي، مما أدى إلى
ارتفاع أسعار الحبوب وأسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم نتيجة لارتفاع
تكاليف الوقود والأسمدة والشحن، وفي الوقت نفسه، كان للجفاف تأثير مدمر على
الزراعة، حيث تسبب في نفوق الملايين من الماشية وانخفاض كبير في إنتاج الغذاء بسبب
فشل المحاصيل، وفي ظل نقص المعروض من السلع، سواء بسبب عدم توافر المحاصيل محليًا
أو عدم القدرة على استيرادها من الخارج، مع زيادة الطلب عليها، ارتفعت أسعار السلع
الغذائية بشكل كبير خلال الشهور القليلة الماضية، حيث ارتفع متوسط تكلفة سلة الغذاء بنسبة 66٪ في إثيوبيا، وبنسبة 36٪ في الصومال، مما جعل الكثير من الناس غير قادرين على تحمل تكلفة المواد الأساسية،
ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار أكثر في النصف الثاني من عام 2022، مع تداعيات كبيرة
على الوصول الشامل للغذاء في المنطقة.
بالإضافة
لذلك، أثرت الحرب في أوكرانيا على المساعدات المقدمة لدول القرن الافريقي، فقبل
الحرب، كانت مخزونات القمح الروسية والأوكرانية تمثل نسبة هائلة من مشتريات
المساعدات الغذائية الإنسانية للمنطقة، ومع اشتعال الأزمة، توقفت هذه الإمدادات،
وعلى الرغم من ظهور بوادر انفراجه في الأيام الأخيرة بعد إبحار أول سفينة محملة
بالمساعدات الغذائية الإنسانية المتجهة إلى إفريقيا من أوكرانيا في منتصف أغسطس
الجاري، إلا أن الفجوة لا تزال كبيرة بين الاحتياجات الفعلية للمنطقة وما يمكن أن
تفي به الجهات الدولية في ظل ظروف عدم التأكد العالمية.
خلاصة:
تمثل موجة الجفاف الحاد التي يمر بها القرن الإفريقي أحد التداعيات الكارثية
لظاهرة التغير المناخية التي نشهد مظاهرها في العديد من مناطق العالم، والتي تزداد
آثارها كارثية مع الاختلالات العميقة التي تعانيها دول القرن والتي تعوق قدرتها
على الاستجابة للتحديات التي تفرضها التغيرات المناخية الحادة.
وقد
رصدت هذه الورقة بعض التداعيات المأساوية التي تؤثر في حياة الملايين من أبناء
القرن الإفريقي، في حين تستشرف التبعات التي تتجاوز في تأثيراتها حدود المنطقة سواء
إلى دول الجوار أو بقاع أخرى أبعد.
وبالنظر
إلى الخطورة التي تشكلها هذه الظاهرة تبدو دول القرن في حاجة إلى دعم متعدد الأوجه
لا لتلبية الاحتياجات الحالية فقط ولكن أيضًا لبناء القدرات على صياغة وتنفيذ استراتيجيات
تكيف مستقبلية مستدامة، وبناء جهود دعم السلام وتخفيف حدة محفزات الصراع سواء على
المستوى المحلي أو الإقليمي.
يجانب ذلك من المهم دعم أنظمة الإنذار المبكر وتبادل المعلومات ودعم المؤسسات الإقليمية وشبه الإقليمية كالهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، ودعم قوى المجتمع المدني والعلماء والنشطاء وقادة المجتمع الأفارقة للعمل على الأبحاث ومقترحات السياسة والمبادرات التي يقودها المواطنون لمعالجة أزمة المناخ التي تؤثر على سبل العيش والاستقرار في مجتمعاتهم، فهذه المنظمات والهيئات هي الأقدر على ابتكار الحلول المناسبة لمشكلات مجتمعاتها.
المراجع
عبد
القادر محمد علي، 1 أكتوبر 2023، التغير المناخي وتداعياته:
موجة الجفاف في القرن الإفريقي نموذجًا، مركز الجزيرة للدراسات.
هايدي
الشافعي، 23أغسطس, 2022، مجاعة وشيكة: الجفاف يهدد حياة 22 مليون شخص في القرن
الأفريقي، المرصد المصري.