الجريمة الانتخابية
فرع بنغازي

تُعد العملية الانتخابية واحدة من أهم صور المشاركة السياسية في الدول الديمقراطية، ولا جرم أن الانتخابات الحرّة والنزيهة تُعد إحدى الدعائم الأساسية للديمقراطية التي يتم من خلالها التداول السلمي للسلطة، ولكن للأسف قد يلجأ بعض المرشحين والناخبين أحيانًا لاستخدام وسائل أو ممارسات غير مشروعة في المنافسة الانتخابية من أجل التأثير على سير العملية الانتخابية ونتائجها، ما تعتبر جرائم انتخابية يعاقب عليها القانون. وتعرّف الجريمة الانتخابية بأنها جريمة وقتية ذات طبيعة خاصة ترتكب بصدد العملية الانتخابية بكافة مراحلها بدءًا من القيد في الجداول والترشيح والدعاية حتى إعلان النتيجة. وتتخذ الجرائم الانتخابية أشكال عدة سنتناولها في مقالات قادمة، ومن أهم صور الجرائم الانتخابية هي الجرائم الماسّة بجداول الناخبين، وتتخذ هذه الجريمة عدة صور تتمثل في جريمة التزوير، وجريمة الإدلاء ببيانات كاذبة، وجريمة سرقة الجداول الانتخابية، وجريمة إتلاف أو إخفاء هذه الجداول.

ومن هذا المنطلق اتجهت أغلب التشريعات المختلفة نحو تنظيم العملية الانتخابية وحمايتها من صور الاعتداء المختلفة سواء في مرحلة الإعداد لهذه العملية أو التحضير لها أو في مرحلة الممارسة وأثناء سيرها، وحتى إعلان النتائج الانتخابية.

هذا وتعد فكرة النص على تجريم المساس بصحة العملية الانتخابية والعقاب عليها من أهم صور تلك الحماية، بل هي من الأولويات المهمة قبل خوض أية عملية انتخابية يراد لها النجاح بكفاءة وشرعية وشفافية، وقد ترد هذه النصوص العقابية في القوانين الانتخابية أو في قانون العقوبات.

ومهما يكن من أمر، فإن مختلف صور الانتهاكات والخروقات التي تمس نزاهة وحرية الانتخابات تؤدي إلى الإضرار بالعملية الانتخابية برمتها من خلال مراحلها المختلفة التمهيدية المعاصرة، واللاحقة) وذلك إما بعرقلة سيرها أو بتغيير نتائجها كي تعطي نتيجة مخالفة للإرادة الحقيقية للناخبين.

تعريف الجريمة الإنتخابية:

عرفت الجريمة الانتخابية بأنها كل سلوك مادي خارجي إيجابيا كان أم سلبيا جرمه القانون الانتخابي، وقرر له عقابا متى كان من شأنه التأثير على حسن سير ونزاهة العملية الانتخابية.

إلا أن ما يؤخذ على هذا التعريف أنه يقيم تفرقة واضحة بين الجرائم التي تسري عليها التشريعات الانتخابية والتي قصد المشرع صراحة النص على تجريمها، وبين تلك التي لم يقصد المشرع تجريمها أو تعمد عدم النص عليها بالتشريعات الانتخابية تاركا أمرها لأحكام قانون العقوبات، وفي نفس السياق عرفها البعض الآخر بأنها (المخالفات التي تقع أثناء أدوار العملية الانتخابية وترمي إلى الإخلال بصدق عملية الانتخاب أو بحرية الناخب وسلامة من وجوه الضغط أو الإكراه وأسباب التغرير والرشوة).

يتضح من هذا التعريف الأخير أنه قصر الجرائم على المخالفات دون غيرها من الجرائم الأخرى الجنح والجنايات على الرغم من أن المخالفات هي أخف تأثير وأقل جسامة على العملية الانتخابية من الجنح والجنايات، فكان من الأفضل اعتماد لفظ أكثر شمولية.

بناء على ما تقدم، نؤيد التعريفات التي تبدو مناسبة في ضبط مدلول الجريمة الانتخابية، كالتعريف القائل بأنها كل عمل أو امتناع يترتب عليه اعتداء على العمليات الانتخابية ويقرر القانون على ارتكابه (عقابا).

أو هي كل فعل إيجابي أو سلبي يعاقب عليه القانون ويرمي إلى الاعتداء على حق سياسي الانتخاب) من خلال استهداف المساس بحسن سير العملية الانتخابية ونزاهتها، وذلك ابتداء من فتح التسجيل بالقوائم الانتخابية مرورا بالترشيح وحتى إعلان نتائج الانتخابات.

إعلان معايير الانتخابات الحرة والنزيهة الصادرة عن الاتحاد البرلماني الدولي:

اعتمد بالإجماع من قبل مجلس الاتحاد البرلماني الدولي في دورته 154 في 26 مارس 1994 بباريس، والذي أكد من جديد أهمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في أن سلطة الحكومة يجب أن تستند إلى إرادة الشعب، وهذه الإرادة يعبر عنها في انتخابات دورية وعادلة، ويؤدي تطبيق الإعلان إلى إتباع المبادئ والمعايير التي ستذكر أهم بنودها وهي:

 1 - الانتخابات الحرة والنزيهة

2 - حقوق التصويت والانتخابات.

3 - الحقوق والمسؤوليات المتعلقة بالترشيح والحزب والحملة الانتخابية من خلال اتخاذ التدابير اللازمة لضمان انتخابات حقيقية حرة ونزيهة.

ومنه يمكن حصر الجرائم التي تمس العمليات الإنتخابية في مرحلتين هامتين يمر بها الانتخاب.

- المرحلة الأولى: مرحلة التحضير للعملية الإنتخابية.

- المرحلة الثانية: مرحلة سير العملية الإنتخابية.

وفي ليبيا فقد حملت المادة 39 من الفصل الحادي عشر من اللائحة اسم «جرائم الانتخابات»، وتنص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر كل من:

 1 - أدلى بصوته منتحلًا اسم غيره.

2 - أدلى بصوته أكثر من مرة.

3 - أدلى بصوته في الانتخابات وهو على علم بعدم أحقيته في ذلك.

-  يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تزيد عن خمسة آلاف دينار، كل من:

1 - استعمل الإكراه أو التهديد لمنع ناخب من الإدلاء بصوته، أو للتأثير على الناخبين.

2 - أعطى شخص آخر، أو عرض عليه عطاءا، أو التزم بأن يعطيه فائدة لنفسه أو لغيره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

 لكي يحمله على الامتناع عن التصويت، أو أن يحمله على التصويت بشكل معين.

3 - قبل من غيره، أو طلب فائدة له أو لغيره، مقابل التصويت.

4 - نشر أو أذاع أقوالا أو أخبارا كاذبة، أو غير ذلك من طرق التدليس، في موضوع الانتخابات، أو عن سلوك أحد المترشحين، أو عن أخلاقه، بقصد التأثير على نتيجة الانتخابات.

5 - قام بأي فعل من أعمال الطباعة أو تداول بطاقات الاقتراع المستخدمة في العملية الانتخابية، دون إذن رسمي من المفوضية

6 - غش أو تحايل في فرز الأصوات أو احتساب أوراق الاقتراع.

7 - اعتدى على سرية التصويت، أو عرقل أي عمل من أعمال الاقتراع.

8 - تخلف دون عذر مشروع عن الالتحاق بمركز الاقتراع المكلف بالعمل فيه يوم الانتخاب.

9 - أخذ أو اختلس أو أتلف أي مستند يتعلق بالعملية الانتخابية، بقصد التأثير على النتيجة.

10 - كل من قام بقيد المترشح المستفيد من الجرائم الواردة في هذه المادة، في مركز اقتراع، إذا توفر ما يثبت كونه شريك  فيها.

مادة 36

يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، من أهان ولو بالإشارة رئيس أو أحد أعضاء المفوضية، أو أحد القائمين على العملية الانتخابية، أثناء تأديته الوظيفة أو بسببها، أو حمل سلاح ظاهر أو مخبأ في مراكز الاقتراع، أو في المكاتب التابعة للمفوضية، أو في لجان أو مراكز الاقتراع، ويقتصر حمل السلاح على المكلفين بالحراسة في محيط المركز الانتخابي.

-  يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تزيد عن عشرة آلاف دينار، كل من:

1 - منع أو أعاق العملية الانتخابية.

2 - استعمل القوة أو التهديد ضد أي من القائمين على العملية الانتخابية.

3 - أتلف مبنى أو منشأة أو وسائل نقل أو معدات مخصصة للانتخابات، بقصد عرقلة العملية الانتخابية.

4 - قطع الطريق على اللجان أو الوسيلة الناقلة لصناديق الاقتراع، بغرض الاستيلاء أو المساومة عليها، أو لإعاقة نتائج الفرز، ويضاعف قرار العقوبة ذاتها بما لا يتجاوز الثلث، إذا كان الفاعل من الأشخاص المكلفين بحراسة صناديق الاقتراع.

5 - أعدم أو أخفي أو غير في سجلات الناخبين، أو في أوراق الاقتراع، أو في المنظومات الالكترونية الخاصة بها.

-  يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تزيد عن ضعف الأموال المتحصلة، وبالحرمان من حق الترشح للانتخابات لمدة لا تزيد عن عشر سنوات من تاريخ صدور الحكم، كل مترشح تلقى إعانات من جهة أجنبية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة.

- ويعاقب بالعقوبة ذاتها مع زيادتها بمقدار لا يتجاوز الثلث كل موظف خالف ذات الأحكام، لصالح أحد المترشحين، أو اشترك معه في ذلك.

- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، أو بغرامة لا تتجاوز خمسة آلاف دينار ليبي، وبالحرمان من الترشح لمدة خمس سنوات كل مترشح ارتكب المخالفات التالية:

1 - استعمل عبارات تشكل تحريضا على الجرائم، أو إخلالا بالأمن العام، أو تثير الكراهية أو التمييز، أو تعبر عن العصبية الجهوية أو القبلية، أو تسيء للآداب العامة، أو تمس أعراض المترشحين أو الناخبين.

 2 - تجاوز سقف الصرف المحدد من قبل المفوضية للأنفاق على حملته الانتخابية.

3 - قام بأي عمل من شأنه عرقلة الحملة الانتخابية لمترشح آخر.

4 - قام بالدعاية عبر وسائل الإعلام الأجنبية، باستثناء المواقع الالكترونية.

5 - قام بنشاط من قبيل الدعاية الانتخابية في يوم الاقتراع، أو قبله بأربع وعشرين ساعة.

6 - استخدم المساجد أو المقار العامة، أو المؤسسات التعليمية والتربوية، للدعاية الانتخابية.

7 - أدلى ببيانات كاذبة بهدف الفوز في الانتخابات.

-  يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرين ألف دينار ليبي وبالحرمان من الترشح لمدة لا تقل عن خمس سنوات، كل من يمتنع عن الامتثال لأحكام هذا القانون..

- لا تخل العقوبات الواردة في هذا القانون، بأية عقوبة أشد منها، منصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون نافذ آخر.

ختاماً: أصبحت الديمقراطية إحدى السمات المميزة للدول المتقدمة حتى أصبح تقدم الــدول وتحضرها مرتبطا ارتباطا وثيقا بمدى حرصها على مبادئ الديمقراطية في بناء مجتمعها.

الأكثر من ذلك أصبحت الديمقراطية سلاحا تستخدمه الدول التي تتمتع بها قبل الدول التي تفتقدها من أجل استمالة الرأي العام العالمي لجانبها وكسب تعاطفه لقضيتها. ومما لا شك فيه أن اختيار الشعب لممثليه اللذين يقومون على مصالحة بواسطة النظم الإنتخابية المختلفـــــــة، والتي تضمن لأفراد هذا الشعب التعبير الحقيقي عن إرادتهم بمثل إحدى المقومات الأساسية لما يجب أن تكون عليه الديمقراطية، وبالتالي فإن أي مساس بصحة أو سلامة العملية الانتخابية على نحو يؤدي إلى إهدار الإرادة الحقيقية للناخبين يمثل إخلالا جسميا بالديمقراطية.

ومع ذلك لم تسلم العديد من الدول من ظاهرة الغش الانتخابي، ولكن الكثير منها استطاعت أن تواجه تلك الظاهرة الخطيرة، وأصبحت الآن في مصاف الدول الديمقراطية التي تتمتع باحترام المجتمع الدولي. ولم يكن القضاء على تلك الظاهرة وليدة اللحظة، بل استغرق فترات زمنية متعاقبة تخللتها تطورات أساسية لحقت بالأفراد والنظم السياسية ومست جوانب الحياة المختلفة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وبالنظر لتحقيق أغلب الجرائم الإنتخابية بناء على غش انتخابي، فإن توفير السبل المختلفة لمواجهة هذا الغش يعد مطلبا أساسيا لمنع ارتكاب تلك الجرائم






المراجع:

د. علي البحار، 15 سبتمبر 2022، ما هي الجرائم الماسّة بالجداول الانتخابية؟، مؤسسة الأيام الإخبارية.

ب . ن ، 19 أغسطس, 2022، قانون رقم 00 لسنة 2022 م بشأن انتخاب مجلس النواب، المجمع القانوني الليبي

د. عبد الجليل مفتاح، الجريمة الانتخابية -  دراسة تأصيلية مقارنة، مجلة العلوم الإنسانية جامعة بسكرة.

المقالات الأخيرة