لماذا قام داعش خراسان وليس القوقاز بتنفيذ هجوم موسكو؟
فرع القاهرة

 

بعد ساعات من وقوع العملية الإرهابية داخل قاعة "كروكوس سيتي" بالقرب من موسكو، في 22 مارس الجاري (2024)، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 150 من المدنيين وإصابة المئات حتى الآن في واحدة من أسوأ الهجمات التي تشهدها روسيا منذ سنوات، أعلن تنظيم داعش الإرهابي عبر تطبيق تلغرام مسئوليته عن الهجوم الإرهابي، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب قيام فرع خراسان تحديداً بتنفيذ العملية وليس فرع القوقاز، التي تدخل روسيا ضمن نطاق عملياته جغرافياً، والأهداف التي يسعى داعش إلى تحقيقها عبر ذلك.

تنظيم الدولة الإسلامية ولاية خراسان؟

بعد وقت قصير من إعلان تنظيم الدولة الإسلامية "الخلافة" في العراق وسوريا في العام 2014، أعلن أعضاء سابقون في حركة طالبان باكستان، ولاءهم لزعيم الجماعة أبو بكر البغدادي

 وانضم إليهم لاحقا أفغان محبطون ومنشقون من حركة طالبان وفي أوائل العام 2015، اعترف تنظيم الدولة الاسلامية بإنشاء ولاية له في خراسان.

وخراسان هو الاسم القديم الذي يطلق على منطقة تضم أجزاء من أفغانستان الحالية وباكستان وإيران وآسيا الوسطى                                                                                                                           

تمركز التنظيم ولاية خراسان عام 2015 في منطقة اشين الجبلية، في مقاطعة ننغارهار في شرق أفغانستان، وهو الوحيد الذي تمكن من إقامة وجود ثابت وكذلك في منطقة كونار المجاورة.

في مقطع فيديو عام 2015، تعهد زعيم الجماعة في ذلك الوقت، حافظ سعيد خان، وقادة كبار آخرون بالولاء لأبو بكر البغدادي، وأعلنوا أنفسهم حكام منطقة جديدة لداعش في أفغانستان.

قُتل خان في عام 2016 خلال هجوم بطائرة مسيرة أمريكية. وقتل البغدادي في 2019 بعد أن فجر سترة ناسفة خلال غارة للقوات الأمريكية.

بحلول عام 2018، أصبح التنظيم واحد من أكبر أربع منظمات إرهابية دموية في العالم، وفقا لمؤشر الإرهاب العالمي التابع لمعهد الاقتصاد والسلام.

لكن بعد أن تكبد التنظيم أمام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وشركاؤه الأفغان خسائر كبيرة، بلغت ذروتها مع تسليم أكثر من 1400 من مقاتليها وعائلاتهم للحكومة الأفغانية في أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020، أعلن البعض هزيمة التنظيم.

منذ يونيو 2020، يقود التنظيم شهاب المهاجر الملقب بسناء الله وفقاً للأمم المتحدة التي تحدثت في تقرير صادر عن فريق المتابعة ورصد العقوبات في يونيو عن تقييمات متباينة لمدى إمكانية وجود روابط بين التنظيم وزعيمه المهاجر وشبكة حقاني التي تعد من أكثر فصائل حركة طالبان تشدداً.

قبل أن يصبح المهاجر زعيماً لهذا الفرع من التنظيم، كان المخطط الرئيسي للهجمات البارزة في كابول والمناطق الحضرية الأخرى. حاليا، تفيد أحدث التقديرات بأن أعداد مقاتلي التنظيم تتراوح بين 500 وبضعة

آلاف بحسب تقرير لمجلس الأمن الدولي صدر في يوليو                                                                                  يعتمد تنظيم الدولة الإسلامية أيضًا على تدفق المقاتلين من سوريا والعراق ومناطق الصراع الأخرى في تقرير الأمم المتحدة الصادر في يونيو، قدرت المنظمة الدولية أن هناك ما بين 8000 و 10000 مقاتل أجنبي في أفغانستان حاليًا.

هيكلة قديمة:-

دخل تنظيم داعش في إعادة هيكلة تنظيمية منذ مقتل أبي الحسن الهاشمي القرشي في أكتوبر 2022، وهو الزعيم الثالث للتنظيم. ومع تولي أبي سارة العراقي مسئولية الولايات البعيدة في عهد زعيم التنظيم الرابع أبي الحسن الحسيني القرشي، قام بإعادة هيكلة ما يسمى بالولايات البعيدة، وهي الولايات التي تقع خارج نطاق الأفرع المركزية (سوريا والعراق)، بالإضافة إلى تشكيل مستوى أعلى يسمى المكاتب الإدارية التي تشرف على أفرع التنظيم، حيث أقر أبو سارة العراقي 9 مكاتب إدارية تشرف على 16 فرع للتنظيم، ولكل مكتب أمير يكون حلقة الوصل -من الجانب الإداري - بين مركز التنظيم وفروعه، على أن يتم التواصل بين المركز وأمراء المكاتب مرتين في الشهر.

وفي هذا السياق، تم دمج أفرع وفصل أخرى كما حدث بفصل فرع التنظيم في موزمبيق عن فرع التنظيم في وسط آسيا، ودمج فرع القوقاز مع فرع خراسان تحت إشراف مكتب واحد، حيث تم دمج مكتب الصديق المسئول عن ولاية خراسان (أفغانستان) والدول الحدودية وكذلك ولاية شرق آسيا (الفلبين وإندونيسيا والهند وباكستان) مع مكتب الفاروق المسئول جغرافياً عن تركيا والدول الحدودية معها والقريبة منها والقوقاز وروسيا، وتكليف شهاب المهاجر - المعروف أيضاً باسم ثناء الله غفاري - بتولي مسئولية المكتب بمنصب أمير، بالإضافة لكونه مسئول تنظيم خراسان.

ومع تصاعد حدة العمليات الإرهابية للتنظيم في أفغانستان وباكستان وإيران، كلف شهاب المهاجر بمسئولية مكتب الصديق ليتسع نطاق عمليات التنظيم الجغرافية لتشمل أفغانستان والفلبين وإندونيسيا والهند وباكستان وتركيا والدول الحدودية معها ودول القوقاز وروسيا، وهو ما يفسر أسباب قيام تنظيم خراسان بتنفيذ العملية الإرهابية في روسيا، وليس فرع التنظيم في القوقاز.

كيف يبدو التوزع الجغرافي للتنظيم على خريطة البلاد؟

تقول الأمم المتحدة أن الخسائر الإقليمية للتنظيم أثرت على قدرة المجموعة على التجنيد وتوليد تمويل جديد، إلا أن التقييمات تشير إلى أن التنظيم يحتفظ بمجموعة أساسية من حوالي 1500 إلى 2200 مقاتل في مناطق صغيرة من مقاطعتي كونار وننغرهار.

تتكون المجموعة الأساسية في كونار بشكل أساسي من مواطنين أفغان وباكستانيين، في حين أن المجموعات الأصغر الموجودة في بدخشان وكوندوز وسار إي بول تتكون في الغالب من الطاجيك والأوزبك المحليين.

أشارت التقارير الأخيرة الصادرة عن وكالات الأمن الأفغانية إلى تعطيل خلية قوامها 450 فردًا من تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان حول مزار الشريف في مقاطعة بلخ، مما يشير إلى أن المجموعة قد تكون أقوى في شمال أفغانستان مما تم تقييمه سابقًا.

ما حجم تهديد التنظيم في أفغانستان؟

اعتبارًا من عام 2017 ، قدر الجيش الأمريكي أنه قتل 75٪ من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، بما في ذلك بعض كبار قادته.

أحصى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ما يقرب من 100 هجوم نفذتها الجماعة في أفغانستان وباكستان بحلول عام 2018، ومئات الاشتباكات مع القوات الأمريكية أو الأفغانية أو الباكستانية.

في إفادة للبنتاغون في أعقاب الهجمات يوم الخميس، قال الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، إن "التهديد من داعش حقيقي للغاية" وأن هناك تهديدات نشطة أخرى ضد المطار في كابول

مغزى التوقيت:-

تطرح العملية الإرهابية الأخيرة في موسكو دلالات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

عملية انتقامية: تأتي العملية الإرهابية بعد نجاح القوات الروسية، بالتعاون مع حكومة مالي، في القضاء على أكثر مناطق التنظيم نفوذاً، بالإضافة إلى تعاون القوات الروسية مع دول منطقة الساحل الأفريقي في محاربة التنظيم، حيث كان لهذا التعاون الروسي مع دول الساحل وخصوصاً مالي وبوركينافاسو والنيجر دور أساسي في تحجيم نشاط التنظيم، على نحو يمكن القول معه إن العملية الأخيرة في موسكو، مثلت، في جانب منها، رداً على نجاح الدور الروسي في مكافحة التنظيم بمنطقة الساحل الأفريقي.

رسالة سياسية: جاءت العملية بعد أيام من انتهاء الانتخابات الرئاسية الروسية وإعلان فوز الرئيس بوتين حيث يسعى التنظيم لتوجيه رسالة مباشرة تفيد بأنه باتت لديه القدرة على تنفيذ عملية كبرى في قلب العاصمة الروسية وقبل بدء الولاية الجديدة للرئيس الروسي.

إظهار النفوذ والسيطرة: يسعى التنظيم عبر العملية الأخيرة في موسكو إلى إثبات النفوذ بعد سنتين من التراجع الحاد في نشاطه داخل دول الارتكاز المختلفة، مع توقف هذا النشاط خارج نطاق أفرع التنظيم في أفريقيا وآسيا، حيث يحاول التنظيم عبر ذلك تأكيد قدرته على الوصول إلى أوروبا.

إثبات القيادة: يبذل شهاب المهاجر جهوداً حثيثة من أجل إثبات قدرته على تولي مسئولية مكتب داعش وهو هدف يكتسب أهمية خاصة بالنسبة له، لا سيما أنه أحد المرشحين لتولي مسئولية إدارة الولايات البعيدة، بل إنه أحد المرشحين الثلاثة الأقوى في التنظيم لتولي الخلافة، نظراً لكونه عربياً عراقياً مولوداً في أفغانستان، وهو ما يجعله يجمع بين العديد من العوامل الموضوعية للترقي في بنية التنظيم في ظل رحيل الرعيل الأول المؤسس أو ما يطلق عليهم (الزرقاويين)، حيث يعتبر شهاب المهاجر واحداً من العناصر القديمة في التنظيم، ووصفة التنظيم في بيان رسمي بكونه قائداً عسكرياً متمرساً وواحداً من "الأسود الحضرية" لداعش في كابول والذي شارك في عمليات حرب العصابات والتخطيط لهجمات انتحارية معقدة وهو ما يشير إلى أن العملية، في قسم منها، كان لها طابع شخصي يحقق مصالح ذاتية لقائد داعش خراسان

خــــتــامـــاً، يمكن القول إن العملية الإرهابية التي وقعت في موسكو سوف تكون إحدى العمليات التي ستدفع التنظيم ومسار مكافحة الإرهاب بشكلٍ عام نحو مسار مختلف عما يجري في المرحلة الحالية.

 

 

 

 

المصادر : مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

الكاتب : احمد كامل البحيري

التاريخ : 23/03/2024 

-------------------------------

 المصدر:  euro news

التاريخ : 28/8/2024

 

 

المقالات الأخيرة