نسق مواجهة الفقر فى زمن الاضطرابات والجوائح
فرع القاهرة

 

يواجه ملف الفقر تحديات أهمها هى الزيادة السكانية المطردة والتى تمثل عبئا مستداما أمام السياسات الاقتصادية للدولة، الأمر الذى أدى إلى وضع خطة الطوارئ الخاصة بمواجهة الفقر أثناء كورونا موضع تنفيذ مستمر ما بعد الجائحة، خاصة فى ظل وجود مستجدات على صعيد الأحداث العالمية والتى أدت بدورها إلى زيادة العبء على السياسات المحلية فى مواجهة تلك الأزمات المتجددة، حيث خلفت الجائحة وضع ملف الفقر فى أولويات خطة التنمية المستدامة لما لهذا الملف من أهمية قصوى فى تحقيق الأمن الاجتماعى ومن ثم الاستقرار الاقتصادى والسياسي.

بتاريخ 31 ديسمبر عام 2019 استيقظت دول العالم والبشرية على فيروس كورونا فى صورة سلالة جديدة لم تُكشف إصابة البشر بها سابقًا، وتم التعرف على هذا الفيروس من قبل منظمة الصحة العالمية ، وقد أشارت التقديرات الأولية لصندوق النقد الدولى لحالة الركود الاقتصادى والذى أدى إلى انخفاض الناتج المحلى الإجمالى العالمى بمتوسط نسبة قدرت بـ 3%.

 وقد تم فقد ما يعادل 255 مليون وظيفة بدوام كامل، بالإضافة إلى زيادة فجوة الجوع بين البشر والتى كانت تتسع بالفعل قبل انتشار الوباء ولكنها زادت بمقدار 83-132 مليون، وقد انخفض حجم تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر بنسبة 40% فى عام 2020 مقارنة بعام 2019.

وقد اضطرت تلك المؤسسات إلى اللجوء لإجراءات الإغلاق العامة، مما عرض تلك الكيانات وخاصة الصغيرة ومتناهية الصغر منها فى دول العالم النامى لضغوط شديدة، وفى حقيقة الأمر فقد أثرت أزمة كوفيد-19 سلبيًا على قطاع المبيعات حول العالم، حيث شوهد انخفاض شديد لحق بهذا القطاع عبر الشركات حيث أبلغت 84% من المؤسسات والشركات عن انخفاض نسبة المبيعات بنحو 49% مقارنة بالفترة نفسها من العام الذى سبق الجائحة ، فضلا عن تأثر دول العالم بتراجع تلك التحويلات المالية مع انحسار أعداد المهاجرين والمغتربين إضافة إلى انخفاض الاستثمار الأجنبى المباشر بنسبة 35% فى عام 2020 ليصل إلى تريليون دولار بعد أن بلغ 1.5 تريليون دولار فى العام الذى سبقه.

الدول الافريقية الأعلى في ارتفاع حجم الدين العام

تحتل الدول الافريقية المرتبة الأعلى بين الدول حيث ارتفع حجم الدين العام إلى أكثر من الضعف حيث أصبح 8.8 تريليون دولار أمريكى فى عام 2018 بدلاً من 3.5 تريليون دولار أمريكى فى عام 2008 أو من 22% من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى 29% فى أواخر عام 2019 ، حيث تم تصنيف 33 دولة من أصل 69 تحت الدول عالية المخاطر ، حيث أدت الجائحة إلى مزيد من استنزاف الموارد العامة نتيجة تزايد الأزمة الحالية خاصة فى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، و زيادة النفور من مخاطر الأسواق المالية بطرق عدة، مما أدى إلى انخفاض أسواق الأسهم بما يزيد على 30% بالإضافة إلى ارتفاع التقلبات الضمنية فى الأسهم والنفط إلى مستويات الأزمة، كما اتسعت هوامش الائتمان على الديون غير الاستثمارية بشكل حاد لتجنب المستثمرين للمخاطر.

 

وقد أدت تلك الآثار السيئة إلى زيادة معدلات الفقر بشكل غير مسبوق لم يشهده العالم خلال الثلاث عقود الماضية منذ الأزمة المالية الآسيوية والتى زادت معها أعداد الفقراء بمقدار 18 مليون شخص بعام 1997، وبعدد 47 مليون شخص بعام 1998 ، وقد شهدت تلك المعدلات انخفاضا ملحوظا فى جميع أنحاء العالم بأكثر من مليار شخص، إلا أنه وبسبب تلك الجائحة أدت إلى زيادة مطردة فى أعداد الفقراء مرة أخرى، حيث يقدر إجمالى عدد الفقراء الناجم عن تلك الجائحة بنحو (124:119) مليون شخص بزيادة وللمرة الأولى منذ 20 عاما تقدر بنحو 88 مليون شخص.

وقد انخفض الإنتاج بالاتحاد الأوروبى نتيجة تأثر السوق الأوروبية الموحدة بالتدابير الخاصة لمكافحة الوباء وخاصة تلك المتعلقة بالحريات الأربع لحركة كل من السلع والخدمات والأفراد ورأس المال، وقد تم تسجيل هذا الانخفاض فى الربع الثانى من عام 2020، وقد عاد الاقتصاد الأوروبى ككل إلى مستويات ما قبل الوباء وذلك فى الربع الثالث من عام 2021، وقد زاد هذا التأثر أيضًا نتيجة تلك التدابير تعطل الشركات الدولية حيث تشكل هذه النوعية من الشركات فى أوروبا بين 65% إلى 80% من جميع أنواع الشركات.

إلا أن المنطقة العربية قد شهدت تزايدًا فى معدلات الفقر نتيجة ما خلفته الجائحة من ارتفاع متواتر لكلفة المعيشة، حيث يلاحظ تزايد الفقر فى المنطقة خلال عام 2022 مقارنة بسنوات ما قبل الجائحة، ليعيش نتيجة لذلك أكثر من ثلث سكان المنطقة بنسب تتراوح بـ 35.3% تحت خط الفقر، ومن المتوقع تزايد تلك النسبة لتصل إلى نحو 35.8% بعام 2023 وبنسبة 36% بعام 2024، وعلى غرار ذلك فقد أثرت الجائحة وبشكل ملحوظ على اقتصادات المنطقة العربية خاصة وأنها كانت تعانى أصلًا من عدة نقاط ضعف وهشاشة قبل تفشى جائحة كورونا، لتكشف الجائحة عن عدم استعداد وجاهزية بعض الدول العربية لمواجهة التحديات الناشئة عن تلك المواجهة مع ظاهرة صحية عنيفة كـ كوفيد-19.

تدابير وإجراءات المنطقة العربية

تعددت التدابير والإجراءات على المنطقة العربية، حيث تلخصت فى قرارات الإغلاق الشامل ووقف الأعمال وكذلك القيود المفروضة على النقل، وحرم الانكماش الاقتصادى الكثيرين من مصدر دخلهم فى وقت تراجعت فيه الموارد العامة المخصصة لشبكات الرعاية الصحية والسلامة.

تراجع اقتصاد المنطقة عقب الانكماش الحاد خلال عام 2020 بنحو 4.5% ’ بينما شهدت الدول ذات الاقتصادات الهشة والمتأثرة بالنزاعات معدل تراجع أكبر حيث بلغ تراجعًا بنحو 15%.

تفاقم العجز المالى بالمنطقة مع تراجع الإيرادات وارتفاع الحاجات التمويلية، حيث زاد متوسط العجز الإجمالى بـ 7 نقاط مئوية ليصل إلى 9.2% من إجمالى الناتج المحلي، وقد زاد العجز المالى بالمنطقة العربية لعام 2021 إلى نحو 2.3%.

زيادة حجم الديون الحكومية خلال عام 2020 إلى نحو 60% من إجمالى الناتج المحلى بزيادة بنحو 13 نقطة مئوية عن عام 2019.

 

وقد كان لملف الحماية الاجتماعية الاهتمام الأكبر وإحدى أهم الأدوات الرئيسية للحكومات فى استجابتها للصدمة التى تسببت بها الجائحة للأسر والشركات، فوفق تقديرات أداة تعقب الاستجابة العالمية لكورونا من منظور النوع الاجتماعى التابعة للأمم المتحدة الإنمائى وصل عدد التدابير للحماية الاجتماعية فى الدول العربية إلى 200 إجراء خلال عام 2020 من ضمنها عدد 2 فى ليبيا، و3 فى اليمن، و4 فى السودان وصولاً إلى عدد18 إجراء فى تونس، ودولة فلسطين، و26 تدبيرا بدولة الأردن.

وقدرت أداة تعقب حزمة التحفيز لمواجهة أزمة كورونا الخاصة بالإسكوا أن عدد تدابير الحماية الاجتماعية بالدول العربية بلغ 174 وتدرج استخدامهما بين إجراء واحد فى الصومال، و2 فى قطر، واليمن وصولاً إلى 17 فى البحرين، و19 فى لبنان، وعدد 23 فى مصر، وارتفعت نسبة الأشخاص الذين شملهم برنامج الحماية الاجتماعية واحد على الأقل فى البحرين، ولبنان، وفلسطين خلال تفشى الجائحة ولكن لا تزال تغطية الحماية الاجتماعية منخفضة فى البلدان العربية حيث تحظى نسبة 40% فقط من السكان بميزة حماية اجتماعية واحدة على الأقل، و4% فى الإمارات، و82% بالسعودية.

وقد ارتفعت نتيجة ذلك معدلات الفقر ببعض الدول العربية بزيادة قدرها 3.4% عما قبل الجائحة وتكاد تختفى نسب هذا الفقر ببعضها الآخر، حيث يعيش نحو 56% من فقراء المنطقة فى بلدان ذات أنظمة اقتصادية ضعيفة ومتأثرة بالنزاعات، ويعيش نحو 42% منهم فى دول متوسطة الدخل والمستوردة للنفط، ويضم العراق، والسودان، واليمن نحو 40% من الأشخاص المصنفين بأنهم فقراء وفق خطوط الفقر الوطنية والتى قدرت نسبة الفقر فى الدول العربية عام 2019 بنحو 29% من عدد سكان المنطقة.

فقر متعدد الأبعاد

أما فيما يتعلق بالفقر متعدد الأبعاد فيقدر بنحو 14.5% من سكان المنطقة العربية بدول منخفضة ومتوسطة الدخل هم فقراء وفقا لمعطيات الفقر المتعدد، فعلى سبيل المثال تقدر النسبة بالأردن بـ 0.4% بينما ترتفع النسبة كثيرا فى السودان لتبلغ نحو 52.3%.

وقد اتخذت مصر العديد من الإجراءات والتدابير الاحترازية فى اتجاه الحفاظ على الحياة ورعاية المرضى والتخفيف من حدة أثر هذه الإجراءات، وفى سبيل تحقيق ذلك فقد صدرت عدة قرارات تنظيمية، ونتيجة لذلك فلم تتعرض مصر وفقا للبيانات والأرقام لأية أزمة فيما يتعلق بمسألة الأمن الغذائى أثناء فترة الجائحة وتوفير السلع الضرورية بل واستدامة تقديم الدعم السلعى، وذلك بالرغممن تعرض معظم الأسواق العالمية لتأثيرات سلبية سببتها لها الجائحة.

وقد كان للمؤسسات المصرفية دور كبير فى التقليل من تداعيات الأزمة العالمية محليًا مما انعكس بشكل

أو بآخر على الفقر وتداعياته، وذلك فى ضوء إجراءات وتدابير البنك المركزى المصرى بهدف الحد قدر الإمكان من الآثار السلبية لجائحة كورونا.

فتشير بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى تقريره الأخير عن الدخل والإنفاق والاستهلاك والصادر بديسمبر 2020، والذى يفيد بتراجع معدلات ومستويات الفقر خلال العام المالى 2019/2020 بنسبة انخفاض تقدر بـ 2.8% مقارنة بالعام المالى 2017/2018، حيث أصبحت نسبة الفقر وفقًا لمقياس الفقر القومى والذى يعنى تكلفة الحصول على السلع والخدمات الأساسية سواء للفرد أو المجتمع بـ 29.7% بدلا من 32.5% من العام السابق.

 وتشير دراسة الجهاز المركزى للتعبئة، والإحصاء عن الدخل والإنفاق والاستهلاك أيضًا إلى تراجع معدلات ما يعرف بالفقر المدقع Food Poverty Lineأو ما حد كلفة البقاء على قيد الحياة بنسبة 1.7%، وكما هو موضح بالمخطط التالى حيث أصبحت نسبته بعام 2019/2020 م 4.5% مقارنة بنسبة 6.2% عن عام 2017/2018.

لنرى أن الاقتصاد المصرى قد شهد فى مقابل ذلك صمودًا وأداءً قويا أثناء الجائحة حيث زاد الإنفاق الاستهلاكى للأسر خلال عام 2021 بنسبة 15% عن سنوات ما قبل الجائحة خلال عام 2019.

ويمثل أداء القطاع الاستهلاكى فى مصر انعكاسا لما تم اتخاذه من سياسات حكومية خصيصًا تلك التى وجهت لدعم الفئات المتضررة من جائحة كورونا، فضلا عن التحكم النسبى فى التضخم والسياسات النقدية التوسعية بما يدعم القوة الشرائية للأسر.

لتكون مصر فى هذه الحالة الطارئة قد وضعت نسقا ومنهاج عمل للتصدى لتلك الجائحة الصحية فيما يتعلق بمواجهة الفقر ونسبته على صعيد الاقتصاد القومى، وإن لم يكن لها تأثير فى خفض نسبة هذا الفقر بين المواطنين إلا أنها قد حالت دون وقوع المزيد من الأفراد تحت وطأته وذلك فيما يخص الفترة البينية للجائحة، بل ويمكن الاستناد إلى هذا البرنامج فى حالة التكرار والعودة مرة أخرى لفيروس آخر لمواجهة تداعياته وخاصة تلك المتعلقة بأبعاد الفقر.

الخلاصة إننا ندرك أن العمل هو أفضل سبيل للخروج من وهدة الفقر بيد أنه ليس بوسعنا أن نسنَّ قانونا يجلب العمالة ويطرد الفقر فإنها عملية طويلة معقدة تتطلب من جميع عناصر المجتمع أن تعمل يدا واحدة وللحكومات وأصحاب العمل والعمال دور فريد وحاسم في وضع صيغة إيجابية تحظى بإجماع الرأي..

 

 

المصدر: مجلة السياسة الدولية

الكاتب : د. عمرو يوسف

التاريخ : 7/10/2024

------------------------------------------------

المصدر: وزارة التضامن الاجتماعي المصرية

التاريخ 5/2019

المقالات الأخيرة