الحماية الاجتماعية في ليبيا
فرع بنغازي

تمثل الرعاية الاجتماعية مجموعة الجهود التي تبذلها الحكومة والهيئات والمؤسسات الخاصة، لكي يتمكن الفرد من التكيف الإيجابي مع البيئة التي يعيش فيها، تكيفاً يهيئ له قسطاً من الراحة النفسية، والقوة الجسمية، بحيث ينعم بالصحة الجيدة والغذاء الكامل، والثقافة والترفيه، وهي بذلك نشاط منظم يهتم مباشرة بحماية وتحسين الموارد الإنسانية، ويشمل المساعدات الاجتماعية والتأمين الاجتماعي، ورعاية الطفولة ومؤسسات الصحة النفسية والتعليم والترويح والخدمات الاجتماعية وتحقيق فرص متساوية بين المواطنين بقدر ما تسمح به طاقاتهم.

حيث ان الحماية الاجتماعية هي التي يستفيد منها المحتاجين لها دون اشتراط قيامهم بالمساهمة في تغطية تكاليفها، أو ما يعرف بالحماية غير المساهمة اي التي تتحمل تكاليفها الدولة، مثل هذا النوع من الحماية يضمن وصول الحماية والدعم لمستحقيه، واستقرار الاوضاع الاجتماعية، والحد من الفقر والعوز، وتحقيق وفر في مصروفات الدعم والرعاية الاجتماعية المتبعة حاليا والرفع من كفاءتها، فضلاً عن تحقيق العدالة الاجتماعية.

ومن المعروف أن هناك العديد من المؤسسات الاجتماعية العامة التي تتولى تقديم نوع او آخر من الدعم والرعاية والخدمات لمختلف الفئات بالمجتمع في ليبيا مثل صندوق الضمان الاجتماعي، وصندوق التقاعد، ودور الرعاية، ووزارة العمل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، و وزارة الصحة ، وغيرها من المؤسسات الأخرى، هذه المؤسسات تقدم الدعم والحماية والمساعدة كل حسب أهدافها واختصاصاتها وقوانين إنشاءها، غير أن هذه المؤسسات تمارس مهامها بمعزل عن بعضها ولا تجمعها استراتيجية موحدة لتقديم الحماية لمختلف الفئات التي تحتاجها، الأمر الذي يستوجب ضرورة تطوير استراتيجية وطنية متكاملة للحماية الاجتماعية منظوراً إليها كحق من الحقوق التي يكفلها الدستور للمواطنين، و لتحقيق العدالة الاجتماعية.

تطوير وبناء استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية في ليبيا

 رغم قبول فكرة مشروع الحماية الاجتماعية من قبل الجهات المختصة مثل وزارة التخطيط، وتأييده من قبل بعض المؤسسات الدولية التي عرض عليها، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبرنامج الامم المتحدة للتنمية، إلا أنه لم يُنفذ، رغم الحاجة الماسة له، نظرا لما يحتاج إليه هذا المشروع من امكانيات بشرية ومادية، ونتيجة للظروف الأمنية التي مرت بها البلاد، حيت يتطلب تنفيذ المشروع إجراء مسوحات اجتماعية موسعة لتحديد الفئات التي يجب حمايتها في مختلف أرجاء البلاد و حصر من هم عند حد الفقر والمستهدفين بالحماية، وتكوين قاعدة بيانات متكاملة وتطوير منظومة الكترونية لتوثيق ومتابعة المشمولين، كما يتطلب وضع الاستراتيجية والبرامج والسياسات المنفذة لها، إجراء تقييم للأوضاع المالية لمختلف المؤسسات التي تقوم بتقديم نوع او اخر من الحماية والرعاية الاجتماعية، سواء كانت تحويلات نقدية أو خدمات نوعية، والوقوف على مدى توفر الاستدامة المالية بهذه المؤسسات ونجاعتها، وأن تنظر الحكومة للحماية الاجتماعية كأحد أدوات تنفيذ التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق أهدافها وكوسيلة لتوفير الأمان الاجتماعي.

كما يتطلب تطوير الاستراتيجية الوطنية دعم مجتمعي لفكرة الحماية الاجتماعية وتبنيها من قبل منظمات المجتمع المدني والدعوة لها والتعريف بأهميتها، واجراء حوارات مجتمعية حولها، وتبنيها من قبل الحكومة، علاوة على تشكيل فريق من الخبراء والمختصين لتنفيذ الدراسة ووضع الاستراتيجية وعرضها والتعريف بها، وقد يتطلب الأمر الاستعانة بالمساعدة الفنية التي تقدمها المؤسسات الدولية المختصة التي ساهمت في تطوير استراتيجيات مماثلة لدى الدول الأُخرى.

ليس هذا فحسب بل أن هناك مسؤولية أخلاقية واجتماعية تقع على الحكومة بحكم العقد الاجتماعي الذي يربطها برعاياها، يلزمها بتوفير الحماية الاجتماعية لمختلف الفئات التي تحتاجها، وضمان الأمان الاجتماعي للمواطنين، ويندرج ضمن الفئات التي تحتاج للحماية، ذوي الدخل المحدود من بين الذين يتقاضون الحد الادنى للأجور ، والمصنفين عند مستوى خط الفقر ، وأصحاب المعاشات الاساسية المشمولين تحت مظلة التضامن الاجتماعي، والمتقاعدون ممن تحددت معاشاتهم التقاعدية في ظل القانون رقم ( 15) لسنة 1981، والعجزة الذين تعولهم الدولة والعاطلين موقتاً عن العمل ( بطالة موسمية أو بطالة احتكاكية ) من القادرين على العمل والباحثين عنه، والأرامل والمطلقات الذين لا عائل لهم، والمواطنين الغير قادرين على تحمل اعباء التأمين الصحي كاملة وكل من يتبين، بناءً على مسوحات اجتماعية أنه في حاجة للدعم والحماية إمّا نتيجةً للتهجير أو النزوح أو فقدان العائل الوحيد أو العجز عن العمل أو المرض أو البطالة، وعوضاً عن قيام الحكومة بمعالجة أوضاع بعض الفئات ودعمها بطريقة انتقائية، والتخبط والعشوائية في معالجة المرتبات ومعاشات المتقاعدين وأصحاب المعاشات الاساسية، وتوفير التأمين الصحي لبعض الفئات دون غيرها، واستحداث صناديق نوعية لدعم بعض الفئات من وقت لآخر، أو دعم جميع السكان، بغض النظر عن مستويات دخلهم وعن مدى حاجتهم للدعم من عدمه، كما هو الحال في دعم الوقود ودعم السلع التموينية، أو التوزيعات النقدية والمنح لجميع المواطنين.

وما يترتب عليه من هدر للموارد وفساد وعدم كفاءة في المصروفات، تتبع الدول المختلفة سياسات للحماية الاجتماعية تضمن عدم تعرض مواطنيها للعوز أو النزول تحت خط الفقر بسبب العجز والمرض والبطالة، وتأتي هذه السياسات ضمن استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية تتبناها الحكومة، تأسيساً على نص دستوري وتُطبق بقانون يصدر عن السلطة التشريعية بناءً على عرض من الحكومة.

ومن الاعتبارات الحاكمة لوجوب توفير الحماية الاجتماعية للمواطنين، والتي تضمنتها المواثيق الدولية والإعلان الدستوري الليبي مايلي:

_ مبادرة الامم المتحدة لأرضيات الحماية الاجتماعية.

_ الإعلان العالمي لحقوق الانسان (1948) وغيره من الصكوك القانونية.

_ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية: اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 ودخل حيز التنفيذ عام 1976.

_ الاعلان الدستوري الليبي الصادر عام 2011 وتعديلاته، الاحكام الواردة بالمواد 5 , 7 , 8 من الاعلان الدستوري. وتتضمن الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية أهداف محددة وبرامج تنفيذية وسياسات واضحة ضمن السياسات العامة للدولة، وترصد لها ميزانية محددة ضمن الميزانية العامة للدولة، وتعتبر أحد الوسائل التي تعتمدها الدولة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير الأمان الاجتماعي.

ومن المهم في سبيل تنفيذ الحماية الاجتماعية الهادفة والشاملة لكل مستحقيها، وضع منظومة الكترونية توثق كل من هم في حاجة للحماية ونوع الحماية، وأماكن تواجد المستهدفين، وتطور اوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والمخصّص لكل منهم، بحيث يمنح لكل منهم بطاقة تخوله الحصول على الدعم أو الحماية النوعية التي يستحقها، ويتم تحديت هذه المنظومة من وقت لآخر لضمان الوصول لكل من يحتاج لهذه الحماية.

ملخص الحماية الاجتماعية الشاملة

لدى البنك الدولي رؤية بشأن توفير الحماية الاجتماعية الشاملة تهدف إلى ضمان حصول جميع الأفراد على المساندة التي يحتاجون إليها، وتغطية جميع الأفراد أو الفئات وعدم إهمال أي منها. وهذه الرؤية هي حجر الزاوية في السياسات الاجتماعية الشاملة.

بالإضافة إلى برامج الحماية الاجتماعية الشاملة، تقوم الإجراءات التداخلية الموجهة بدور قيم في المساعدة على تحقيق الحماية الشاملة. ويقدم تقرير جديد بعنوان "إعادة النظر في توجيه المساعدات الاجتماعية: نظرة جديدة على المعضلات القديمة" تحليلاً شاملاً للمنافع المتأتية من خدمات الحماية الاجتماعية الموجهة والتكاليف ذات الصلة، فضلاً عن مزايا وعيوب مختلف أساليب التوجيه بناءً على التجارب العالمية في أكثر من 130 بلداً.

وعلى الرغم من تحقيق إنجازات تتمثل في تصميم برامج للمساعدة الاجتماعية وأنظمة إيصالها والتشجيع على تبنيها، فإن الاستثمار بكثافة في المبادرات الرامية إلى تحسين فرص العمل والدخول، وتوسيع نطاق برامج الضمان الاجتماعي، لا يقل عن ذلك أهمية.




المراجع

_ محمد ابوسنينة، 10/10/2021، الحاجة إلى استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية، موقع صدى.

_ ب.ن، 3/4/2023، الحماية الاجتماعية، البنك الدولي.

المقالات الأخيرة