حرب الشائعات و التداعيات الاقتصادية دخان كثيف يخنق السودانيين
فرع القاهرة


 

عندما تجدد القتال العنيف بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم صباح الخميس، لم تكن أصوات ونيران المدافع والطائرات هي مصدر القلق الوحيد، فقد أحدث دخان الشائعات الكثيف وسيل المعلومات المتضاربة إرباكا كبيرا للسودانيين. فما هي دوافع وتأثيرات تلك الشائعات؟ 

وتندرج الحرب الإعلامية الحالية ضمن تكتيك استراتيجي استخدمه الطرفان منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023، في ظل تقديرات تشير إلى أن مجموعات منظمة تتبع للطرفين تدير أكثر من 3 آلاف حساب على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر المصدر الرئيسي للمعلومات لملايين السودانيين. لكن مع تطاول أمد القتال وتزايد حدة الاستقطاب والانقسام المجتمعي خلال الفترة الأخيرة، تفاقمت الحرب الدعائية بشكل لافت.

حرب شرسة بالرسائل الدعائية المضللة

بالتوازي مع احتدام القتال، اشتعلت في وسائط التواصل الاجتماعي حربا إعلامية لا تقل شراسة وتتبع الحسابات المضللة 3 طرق وأساليب لتنفيذ استراتيجيتها، تتمثل الطريقة الأولى في رسالة مضللة أو معلومة غير صحيحة تكون مدسوسة من الطرف الآخر بغرض تكذيبها لاحقا للتشكيك في مصداقيته.

وتتلخص الطريقة الثانية في بث مقاطع وصور دعائية لتضخيم قدرات الطرف الذي تؤيده المنصة التي تدير الحساب.

أما أخطر الأساليب التضليلية فهو أسلوب دبلجة الصور والفيديوهات والتلاعب في محتواها بغرض تجريم الطرف الآخر وتوريطه في جرائم أو أفعال لم يرتكبها.

ويؤكد محمد المختار محمد، الصحفي ومدقق المعلومات المتخصص في مكافحة التضليل، وجود عمليات تضليل واسعة خلال المعارك الأخيرة، مشيرا إلى نشر عدد من الصور والفيديوهات القديمة بغرض التضليل.

ويضيف: "أربك الكم الهائل من الأخبار المضللة التي تم ضخها في وسائل التواصل الاجتماعي الرأي العام.. جزء كبير من المعركة كان يدور في وسائل التواصل الاجتماعي".

لا تنحصر تداعيات التدفق المستمر للرسائل الدعائية المضللة على السكان العالقين في مناطق القتال فقط بل تشمل الأطراف المتحاربة أيضا.

وبعد الهدوء النسبي في حدة المعارك التي استمرت أكثر من 7 ساعات في الخرطوم والخرطوم بحري، وتراجع الجيش إلى مواقعه في أمدرمان، ألقت منصات موالية للجيش باللوم على الرسائل الدعائية التي بثها مغردون موالون أيضا، مشيرين إلى أنها ساعدت الطرف الآخر على رصد تحركات القوات المكلفة بالهجوم.

وقال أحد المغردين في صفحته على فيسبوك: "لسان حال الجيش مع المغردين الداعمين له يقول: اللهم قني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم".

في الجانب الآخر، أبدت أطراف تابعة للدعم السريع انزعاجها من رسائل دعائية وترويجية يبثها مغردون موالون لهم، مشيرين إلى أنها تساعد الطرف الآخر في تحركاته

التداعيات الاقتصادية للتوترات في السودان

تُعتبر الحروب والنزاعات المسلحة من أكثر الأحداث المدمرة والمؤثرة على الاقتصادات الوطنية. ومن بين هذه النزاعات، تبرز الحرب السودانية كواحدة من أكثر النزاعات التي تسببت في تداعيات اقتصادية واسعة النطاق على السودان، حيث تعرض القطاع الاقتصادي لتوقف وتدهور، كما شهد الاقتصاد السوداني تباطؤًا كبيرًا في معدلات النمو، وتأثرت الصناعات والزراعة والتجارة والاستثمارات بشكل كبير. بالإضافة إلى تعرض البنية التحتية الاقتصادية في السودان لأضرار جسيمة خلال فترة الحرب، كما تسبب النزاع في انهيار قطاعات العمل، وتأثر الأمن الغذائي بشكل كبير في المناطق المتضررة، مما أدى لارتفاع أسعار الغذاء، وتراجع الوصول إلى الموارد الغذائية الأساسية.

أولًا: الاقتصاد السوداني قبل الحرب

في أواخر التسعينيات، ووسط الحرب الأهلية المدمرة في السودان، أعلن نظام الرئيس عمر البشير العسكري الإسلامي أن الطاقة ستساعد في بناء اقتصاد جديد. وأقام النظام شراكات مع شركات النفط الوطنية والأجنبية. ومع انفصال جنوب السودان في عام 2011، تراجع الاقتصاد بنسبة 10٪ وتفاقمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، نظرًا لوجود أغلب النفط المنتج في جنوب السودان.

تعززت الضغوط التضخمية في السودان مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، حتى وصل التضخم 154.9% عام 2022 وظهرت السوق السوداء المزدهرة التي يتم فيها التجارة غير المشروعة عبر الحدود. كما نمت الانقسامات في المؤسسة السياسية، وتعليق القروض والمساعدات بمليارات الدولارات بعد الانقلاب العسكري في عام 2021. كما تأثر الاقتصاد السوداني أيضًا بتداعيات جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء والأسمدة.

يعاني الاقتصاد السوداني من مشكلات هيكلية منذ سنوات، مثل: ضعف الإنتاج، وجرائم التهرب الجمركي والضريبي، والتلاعب في الأسعار. كما تُقدر الخسائر السنوية للاقتصاد السوداني بحوالي 5.4 مليارات دولار، وتجاوزت خسائر العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان من الولايات المتحدة 40 مليار دولار وفقًا للجنة الوطنية لحقوق الإنسان بالسودان، كما بلغ معدل النمو الاقتصادي -1.0 ٪ في نهاية عام 2022، وفقًا لبيانات البنك الدولي.

ثانيًا: انعكاسات الحرب على الاقتصاد السوداني

على الرغم من هشاشة الاقتصاد السوداني فهو يواجه حاليًا تحديات كبيرة بسبب التوترات السياسية والأمنية في المنطقة:

تكلفة الحرب الاقتصادية: قدر الخبراء الاقتصاديون التكاليف الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة في الاقتصاد السوداني بأكثر من 100 مليار دولار، إذ توقف 70% من النشاط الاقتصادي في السودان. وتُقدر تكلفة المعارك بنحو نصف مليار دولار يوميًا؛ اعتماداً على حجم الخسائر ومعوقات النمو الاقتصادي وتعطيل الخدمات والمرافق الحيوية بالبلاد.

انخفاض معدل النمو الاقتصادي: انخفض معدل النمو الاقتصادي إلى -18.3% وفقًا لتوقعات البنك الدولي لعام 2023. كما بلغت خسارة الناتج المحلي الإجمالي السوداني بنسبة 151.1٪، ومن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى 43.91 مليار دولار في عام 2023. ووفقًا لـ”فيتش سوليوشنز”، من المتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.1٪ في العام نفسه، بدلًا من توقعاتها السابقة بنمو بنسبة 2.5٪. وتشير “فيتش” إلى أن ارتفاع مستوى عدم الاستقرار في المدن الرئيسية سيؤدي إلى تعطيل النشاط الاستهلاكي وإغلاق الشركات. من جهة أخرى، توقع صندوق النقد الدولي انكماش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 18٪ في عام 2023، مما يدعم فكرة حدوث ركود كبير في السودان

انهيار الجنيه السوداني أمام الدولار: تتعرض العملة السودانية لضغط كبير في السوق السوداء، حيث ترتفع قيمة الدولار والعملات الأخرى بشكل مستمر أمامها، بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية الصعبة التي تمر بها البلاد ونتج عن الحرب في السودان خسارة الجنيه السوداني أكثر من 50% من قيمته منذ أبريل الماضي، حيث يتم تداول الدولار بأكثر من 1000 جنيه سوداني بعد الحرب، بالمُقارنة بـ600 جنيه قبل الحرب.

ارتفاع معدل البطالة: تأثرت معدلات البطالة بشكل كبير، حيث ارتفع معدل البطالة في السودان من 32.14% في عام 2022 إلى 47.2% عام 2024، وفقًا لإحصاءات صندوق النقد الدولي وبحسب دراسة لمعهد سياسات الأغذية الأمريكي، توقعت خسارة 5 ملايين وظيفة في السودان بسبب الحرب، مما يعني أن نصف القوة العاملة في البلاد تقريبًا فقدت وظائفها في مجالات عدة، ويرجع هذا الأمر إلى الحالات المتعددة من إغلاق الشركات والمصانع؛ بسبب تعرضها للنهب والتدمير.

ارتفاع معدلات التضخم: سجلت معدلات التضخم في السودان أعلى مستوياتها، إذ إنها تخطت حاجز الثلاثمائة في المائة عام 2021، حيث سجلت 359.09% ولكن بدأ المعدل في الانخفاض خلال عام 2022 إذ بلغ 138.81%، ومع اندلاع الحرب في السودان، ارتفع معدل التضخم مجددًا بحسب بيانات صندوق النقد الدولي إلى 256.17%، وهو ما يعني ارتفاعها بنسبة 117.4%، وإلى الآن لم تتمكن الحكومة من الإعلان عن مستوى التضخم، مع توقعات بأن يسجل ارتفاعًا كبيرًا في ظل الزيادة الكبيرة في الأسعار

 

انخفاض الصادرات: “تراجعت حركة الصادرات بنحو 60 بالمائة بفعل إغلاق المطار الرئيسي بالبلاد وتوقف العمل بمعظم الموانئ الجافة، بالإضافة إلى اضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن الحرب مما أدى إلى تراجع عائدات الصادرات من العملات الصعبة، وتراجع إنتاج السودان من الذهب من 18 طنًا إلى طنين فقط خلال أشهر الحرب، وأفقد الخزينة السودانية عائدات صادرات الذهب التي تعادل 50 % من الصادرات بقيمة ملياري دولار، ويشكل الذهب أهم موارد السودان من العملة الصعبة بعد خروج 75% من موارد النفط بعد انفصال جنوب السودان عن السودان الأم، وهو الأمر الذي جعل مؤسسة “فيتش سوليوشنز” تتوقع انخفاضًا في الصادرات بنسبة 4.4% في عام 2023 وانخفاضًا في الواردات بنسبة 4.2%

شلل القطاع الزراعي: يُعتبر القطاع الزراعي أهم القطاعات الاقتصادية في السودان، ويعتمد عليه نحو 80 في المئة من السودانيين، إذ يُمثل 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد نتج عن الحرب تدهور القطاع الزراعي بشكل كبير، حيث انخفضت المساحة المزروعة في البلاد بنسبة 60% عن السنوات السابقة بسبب عدم قدرة البنك الزراعي على تمويل المزارعين، بسبب أزمة عدم توافر السيولة الكافية التي تُعاني منها البنوك المختلفة، بالإضافة إلى انخفاض اليوريا في البلاد عن الكمية التي يطلبها المزارعون.

انهيار القطاع المصرفي: تعرض 100 فرع من أفرع البنوك السودانية إلى النهب والسرقة والتدمير نتيجة الحرب في السودان، وبلغت نسبة الأموال المنهوبة أكثر من 38% في مصارف الخرطوم وحدها. ولم يسلم البنك المركزي السوداني من هذه العمليات التخريبية، وهو ما جعله يُعاني من نقص شديد في السيولة، فكثير من البنوك بدأت تُعاني من مشكلة إدارة ديونها، بعدما تعرضت الشركات الكبرى التي اقترضت منها مبالغ كبيرة للتدمير والنهب، وهو ما جعل البنوك السودانية تواجه مشكلة في تحصيل هذه الديون، الأمر الذي يتسبب في وقوف القطاع المصرفي السوداني على حافة الانهيار.

يمكن القول إن الوضع الراهن في السودان أصبح أكثر تعقيدًا، وقد يطول أمد الحرب في ظل فشل الأطراف الإقليمية والدولية في وقف القتال وإنهاء الأزمة، نتيجة عدم تقديم أي تنازلات على طاولة المفاوضات، وازدياد عدد النازحين الذي وصل إلى 10 ملايين و700 ألف شخص منذ اندلاع الحرب كأكبر حالة نزوح في العالم. وبشكل عام، تمثل الحرب السودانية عبئًا هائلًا على الاقتصاد السوداني، حيث تسببت في تدهور البنية التحتية الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الأمن الغذائي، ويتطلب استعادة النمو الاقتصادي واستقرار السودان جهودًا كبيرة لإعادة إعمار البنية التحتية، وتعزيز الاستثمارات، ودعم القطاعات الزراعية والصناعية.

 

 

 

 

المصدر: سكاي نيوز عربية

التاريخ : 27/9/2024

------------------------------

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

الكاتب : آية حمدي

التاريخ : 17/2/2024

 

المقالات الأخيرة