الصهاينة
يعيشون في حالة الرعب وقد أعلنوا الاستنفار وأوقفوا هجومهم المرتقب على رفح لأنهم
لا يعرفون ماذا تريد إيران أن تفعله ومتى وكيف سيكون ردها، ولذلك فإن الخوف يلف
الكيان الصهيوني وحماته".
حيث
إن "هذه الحرب النفسية والسياسية والإعلامية هي أشد رعبا للصهاينة من الحرب
نفسها وقد أجبرت قسما منهم على الهروب وقسما آخر على النزول إلى الملاجئ في كل
ليلة لأنهم يخافون من الهجوم الإيراني".
وإن
“احتجاجات المستوطنين كانت من أجل تحرير الأسرى، لكنهم الآن ينادون برحيل نتنياهو،
وأن المظاهرات ضد الكيان الصهيوني جرت في 90 دولة، ومن جهة أخرى نشاهد اشتداد هجمات محور المقاومة، فالمقاومة
الإسلامية في العراق قصفت حيفا مرتين مؤخرا، وان اليمنيين أيضا استهدفوا السفن
الصهيونية والأميركية والبريطانية".
حيث
يعيش الكيان الصهيوني وإيران ومعهما نحو 40 ألف جندي أمريكي في منطقة الشرق الأوسط، حالة من الترقب والقلق
انتظاراً لرد طهران وحلفائها على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة
حماس، بالعاصمة طهران، في 31 يوليو الماضي، وقبلها بيوم واحد اغتيال
القائد الميداني في حزب الله اللبناني، فؤاد شكر.
ولُوحظ
تبرير إيران ووكلائها تأخر ردهم على الكيان الصهيوني بالتأكيد أن ذلك يأتي في إطار
"الحرب النفسية"، مع الحرص على الترويج لهذه السردية بشكل مكثف؛ إذ طغى
الحديث عن "الحرب النفسية" على خُطب الجمعة في مدن إيرانية مختلفة، وبما
يعكس مواقف المرشد علي خامنئي. كما ذكرت صحيفة "كيهان"، المُقربة من
خامنئي، أن "إيران تدير حرباً نفسية موازية لحرب قاسية بهدف تغيير حسابات
الخصم، وإحداث فجوة في الرأي العام وجعله غير مستقر".
وفي
نفس الاتجاه، اعتبر زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، يوم 6 أغسطس 2024، أن التأخير في الرد على سياسة الاغتيالات
الصهيونية هو "جزء من العقاب"، مشدداً على أن "الرد قادم سواء
لوحدنا أو مع الحلفاء". كما صرح نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله
اللبناني، على دعموش، يوم 12 أغسطس الجاري، بأن جزءاً من الرد على اغتيال
شكر نُفذ من خلال "الحرب النفسية" التي جعلت الكيان الصهيوني “في حالة
استنزاف وشلل وخوف وهلع ورعب". وفي المقابل يرى الكيان الصهيوني أن تهديداتها
هي التي جعلت طهران لم ترد عليها حتى الآن.
ضغوط
متبادلة:
ترسم
التصريحات المتبادلة بين إيران وحلفائها من جانب، والكيان والولايات المتحدة من
جانب آخر، ملامح وأبعاد "حرب نفسية" يجري توظيفها لتحقيق الأهداف
العسكرية والسياسية لكل فريق. فطهران، وعلى لسان خامنئي، ألزمت نفسها بالرد على
اغتيال هنية. والكيان الصهيوني، من جانبه، يعيش حالة من "القلق العميق"،
ليس فقط على المستويات الأمنية والعسكرية، بل على مستوى الموطنين العاديين الذين
ينتظرون في أي وقت إطلاق صفارات الإنذار للاختباء في الملاجئ. ووفق تقرير كتبه
يوسي يهوشع، محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية،
فإن "إيران حققت هدفها في الحرب النفسية عبر نشر أجواء الذعر في الكيان
الصهيوني بعد أن أصبح الهاجس لدى المواطن الصهيوني هو شراء الغذاء والتزود
بالوقود، وتزاحم المستوطنون على شراء المولدات خوفاً من انقطاع التيار الكهربائي
لفترات طويلة إذا ما ردت إيران وتوسعت الحرب".
وعلى
الرغم من كل الأقمار الاصطناعية والدعم المعلوماتي واللوجستي للكيان الصهيوني؛
فإنه لا يعرف طبيعة الرد الإيراني أو حجمه أو مكانه حتى الآن، وهل سيكون على غرار
هجوم 13 إبريل الماضي وبشكل مباشر على الأراضي الفلسطينية
المحتلة وهل تفكر طهران في استهداف أهداف صهيونية خارج البلاد مثل السفارات
والمراكز الاستخباراتية الصهيونية القريبة من إيران؟ وإلى أي مدى يمكن أن تترك
طهران الرد لحلفائها في لبنان واليمن؟ وتشكل تفاصيل كل هذا المشهد استنزافاً
نفسياً هائلاً للمجتمع والجيش الصهيونيين.
ويزيد
من حالة "الحرب النفسية" التي تشنها إيران على الكيان الصهيوني ما يتعلق
بالتزامن في رد ما يُسمى بـ “محور المقاومة"؛ بمعنى هل سيهاجم كل طرف من
أطراف هذا المحور الإيراني بمفرده، أم يتعرض الكيان لأول مرة في تاريخها لهجوم
"ثلاثي الاتجاهات" من إيران من الحدود الشرقية أو الشمالية الشرقية،
وحزب الله من الشمال، وعلى جنوب فلسطين المحتلة من الحوثيين.
ولا
يعاني الكيان وحده من "الحرب النفسية"، بل تظل إيران وكل أجنحتها في
المنطقة واقعة تحت هذه الحرب غير المسبوقة، بعد تشكيك الكثيرين، في إيران وخارجها،
في قدرة ونجاح أي رد إيراني حتى لو كان أكبر من هجوم 13 إبريل الماضي؛ إذ يؤكد هؤلاء المشككون أن تأخير الرد الإيراني
أسهم في تعزيز الاستعداد النوعي من جانب الكيان والولايات المتحدة لأي رد قادم.
كما يوظف الكيان تأخير الرد الإيراني بتأكيد أنه تردد وخوف إيراني، وأن تل أبيب
قادرة على مواجهة هذا الرد، وهي "حرب نفسية قاسية" بتوقيع الكيان وداعميها
الغربيين خاصةً الولايات المتحدة.
لكن
أكثر ما يشكل ضغطاً نفسياً على القيادة الإيرانية يأتي من حلفائها أنفسهم الذين
يقولون إن هنية تم اغتياله على الأراضي الإيرانية، ومن واجب طهران أن تنتقم
لمقتله، كما قال حسن نصر الله في 1 أغسطس الجاري، والذي وصف اغتيال هنية في
طهران بأنه "مس بشرف إيران" وليس سيادتها فقط. وهذا ما يضاعف من الضغوط
النفسية على صانع القرار الإيراني لكي يقوم برد لا يعرف مدى تأثيره في طهران
والمنطقة. فهل ترد طهران على الكيان الصهيوني وهل يقود ذلك إلى حرب إقليمية واسعة؟
أم تتجنب طهران الرد وتخسر دعم الحلفاء في الخارج، وتشجع الأقليات في الداخل على
مزيد من المعارضة للحكومة؟
حسابات
معقدة:
تنتشر
داخل إيران وبين حلفائها مقولة إن "الإيرانيين يذبحون بالقطنة"؛ وهو
تعبير عن قدرة الإيرانيين على ممارسة "الحرب النفسية" ضد الآخرين،
وتأكيد استراتيجية طهران القائمة على طول الانتظار والصبر حتى تحقيق الهدف. فبعد
مرور ما يزيد على ثلاثة أسابيع على اغتيال كل من هنية في طهران، وفؤاد شكر في
الضاحية الجنوبية لبيروت، لم ترد إيران أو حزب الله أو الحوثيين على الكيان
الصهيوني؛ وهو ما تعتبره إيران وحلفاؤها في المنطقة "عذاباً نفسياً" وذبحا
بالقطنة “للكيان. ويمكن قراءة ملامح وحسابات "الحرب النفسية" في المنطقة
عبر المؤشرات التالية:
1- غموض الرد الإيراني: يُعد الغموض هو
العنوان الرئيسي لموقف إيران وحزب الله اللبناني حول الرد على اغتيال هنية وشكر؛
إذ تركت طهران خصمها الصهيوني تحت نيران "الحرب النفسية" في ظل عدم
اليقين حول ما إذا كانت سترد أم لا. وعلى الرغم من تأكيد أطراف إيرانية مثل
خامنئي، والحرس الثوري، ضرورة الرد القوي على اغتيال هنية؛ فإن التأخير من وجهة
نظرها ربما زاد من قوة "الحرب النفسية" التي يعاني منها الكيان على
المستويين المدني والعسكري. فعلى المستوى العسكري، تعيش كل وحدات الجيش الصهيوني
حالة من الاستعدادات القصوى على مدار الساعة؛ وهو أمر يصعب تحمله لفترات طويلة.
كما أن القطاعات المدنية الصهيونية باتت تعاني من هذه الحالة، ومنها توقف الكثير
من شركات الطيران عن تسيير خطوطها الجوية باتجاه فلسطين المحتلة، فضلاً عن
الاستعداد الدائم من جانب الصهاينة للتوجه إلى حياة الملاجئ، وهو ما يفرض نمطاً
قاسياً من الحياة، تترتب عليه تكاليف اقتصادية ونفسية باهظة.
2- سلاح ذو وجهين: لا تقتصر تداعيات
"الحرب النفسية" على الكيان فقط، بل تتعرض إيران أيضاً حالياً لحرب
نفسية قاسية، تتجسد في مسارات كثيرة، أبرزها الآتي:
- إثبات المصداقية: تحتاج
إيران وحزب الله اللبناني لإثبات مصداقيتهما أمام جمهور ما يُسمى "محور
المقاومة"، في الرد على اغتيال هنية وشكر؛ إذ إن عدم الرد سوف يفتح الباب
لنشر مزيد من الرواية المعارضة لطهران، والتي تقول إنها تنظر إلى وكلائها
باعتبارهم أدوات فقط يجري توظيفها من أجل المشروع الإيراني.
- استعادة الردع: إن
اغتيال هنية وشكر دون رد سوف يزيد من "الحرب النفسية" على طهران وحزب
الله، وتسعى طهران مع حزب الله للعودة إلى محددات الردع السابقة؛ لأن قتل شكر في
الضاحية الجنوبية، وقتل هنية داخل ثكنات الحرس الثوري الإيراني شمال طهران، يُعد
بمثابة انتهك لحدود الردع السابقة. ولهذا يقع على طهران وحزب الله عبء استعادة
الحدود التي كانت قائمة من جديد، ولن يتحقق هذا من دون رد كبير ومباشر على لكيان الصهيوني.
- مستوى الرد: على
الرغم من أن هجوم إيران على الكيان الصهيوني في 13 إبريل الماضي تم بأكثر من 300 صاروخ بالستي وصواريخ كروز وطائرات مُسيَّرة، وكان أول هجوم
إيراني مباشر على الأراضي الإسرائيلية؛ فإن عدم وقوع ضحايا دفع البعض إلى وصف الرد
الإيراني وقتها بأنه نوع من "المسرحية" المتفق عليها مع تل أبيب. وهذا
يضع عبئاً أكبر على إيران وحلفائها في المنطقة للقيام برد موجع يكون له صدى كبير
في المنطقة وخارجها، من وجهة نظرهم.
- تهديدات الكيان
الصهيوني: أكد رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، أن بلاده سوف ترد على أي
ضربة إيرانية بضربتين، وأن ذراع الكيان طويلة؛ وهو ما يشكل أحد أضلاع "الحرب
النفسية" التي يشنها الكيان الصهيوني، بدعم من واشنطن، ضد طهران. ولعل إرسال
الولايات المتحدة حاملة طائرات ثانية وهي "يو إس إس أبراهام لينكولن"
والمدمرات المرافقة لها إلى الشرق الأوسط مساء يوم 21 أغسطس الجاري، فضلاً عن تأكيد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن،
أن إيران هي من ستعاني حال ردها على الكيان؛ يمثل "حرباً نفسية" يصعب
تحملها منذ 31 يوليو الماضي.
وكل المؤشرات تقول إن إيران تعمل ليل نهار ليس
فقط للرد على مقتل هنية، بل للاستعداد للرد الصهيوني على نظيره الإيراني، وهذا
يشكل ضغوطاً غير مسبوقة لتجهيز الدفاع الجوي، وحماية المنشآت النووية، وإجراءات
التدريبات استعداداً للرد الصهيوني المتوقع. وخير مؤشر على مثل هذه الضغوط
و"الحروب النفسية"، هو إجراء الحرس الثوري، يوم 11 أغسطس الجاري، تدريبات عسكرية غرب إيران قرب الحدود العراقية، على
اعتبار أن أي هجوم إسرائيلي محتمل سواء بالصواريخ أم الطائرات قد يأتي من الحدود
الغربية لإيران.
-
توسع الحرب: وقعت غالبية الحروب الكبيرة في
تاريخ البشرية نتيجة حسابات خاطئة، ولم يخطط أطرافها للدخول في حرب طويلة وعنيفة.
وتفرض البيئة السياسية والعسكرية في المنطقة ضغوطاً غير مسبوقة على إيران حتى لا
يتحول تصعيدها المتبادل مع إسرائيل إلى حرب إقليمية واسعة. ولهذا أعلنت طهران
وحلفاؤها أكثر من مرة عدم رغبتهم في تمدد وتوسع الحرب، وأنهم لا يرغبون في حرب إقليمية
شاملة وواسعة. فالرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في أيامه الأولى بمنصبه،
والتهديدات بالانزلاق لحرب إقليمية واسعة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، تشكل
نوعاً من "الحرب النفسية" التي تتحسب لها طهران وأذرعها في المنطقة.
3- حرب نفسية على واشنطن: ينتشر نحو 40 ألف جندي أمريكي في الشرق الأوسط، وربما يعيش هؤلاء في ظل
"حرب نفسية" حقيقية منذ إعلان القيادة الإيرانية نيتها الرد على اغتيال
هنية، وهم معرضون للهجوم من حلفاء إيران خاصةً في سوريا والعراق. ولعل الهجوم على
قاعدة عين الأسد في 8 يناير 2020 عقب اغتيال واشنطن آنذاك للجنرال قاسم سليماني، وتكرار الهجوم على
القوات الأمريكية في قاعدة التنف على الحدود العراقية الأردنية السورية؛ قد يكون
خير شاهد على ما ينتظر القوات الأمريكية حال دخول المنطقة حرباً إقليمية تعهدت
واشنطن أن تدافع فيها عن إسرائيل؛ مما يجعل كل هذه القوات والقواعد الأمريكية في
مرمى الاستهداف من جانب إيران ووكلائها.
ختاماً، وبعد ما يزيد على شهر من اغتيال كل من هنية وشكر، تدّعي كل من حكومة الكيان وإيران أنهما حققتا نصراً دون حرب من خلال شن "حرب نفسية" على الطرف الآخر. فإسرائيل تعتقد أن تهديداتها ورسائلها هي التي تجعل طهران وحلفاءها يترددون ويتخوفون حتى اليوم من الرد. وفي نفس الوقت، ترى إيران أنها انتصرت في "المرحلة الأولى" من الرد عبر "الحرب النفسية" التي أدارتها ضد إسرائيل منذ أواخر يوليو الماضي. كما يروج مسؤولوها في الأيام الماضية إلى سردية مفادها أن إرجاء الرد على الكيان الصهيوني سببه إعطاء الفرصة للمفاوضات الجارية من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
المراجع
_ ايمن
سمير، 23/8/2024، التوظيفات
المتبادلة للحرب النفسية بين إيران وإسرائيل، المستقبل للابحاث والدراسات
المتقدمة.
_ يحيى
رحيم، 13/4/2024، مستشار خامنئي
يتحدث عن نجاح "الحرب النفسية" على إسرائيل، سكاي نيوز عربية.