ملف الهجرة في سباق الرئاسة الأمريكية
فرع القاهرة

 

   تعد الهجرة غير الشرعية قضية رئيسية في الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري "دونالد ترامب" وقد تعهد حال عودته للبيت الأبيض بتنفيذ ما أطلق عليه "أكبر عملية ترحيل في التاريخ الأمريكي"، مؤكدا أنه سيستدعي سلطات الطوارئ في زمن الحرب وينشط الاحتياطيين العسكريين ويعتمد على دعم حكام جمهوريين من ذوي التفكير المماثل له لتنفيذ أكبر عملية ترحيل جماعي للمهاجرين غير المسجلين في تاريخ الولايات المتحدة ويعلق مراقبون على تصريحات ترامب بأنها عاطفية وحماسية لجذب الناخبين المتشددين وأولئك الذين مازالوا مترددين ولم يحسموا أصواتهم بعد ويشيرون إلى أن تنفيذ تلك السياسات التي يعد بها أمر معقد للغاية بسبب التكاليف اللازمة والعقبات اللوجستية والقانونية والبيروقراطية التي سيواجهها

   ترامب تعهد أيضا خلال حملته الانتخابية بإنهاء حق الحصول على الجنسية بالولادة حال فوزه في الانتخابات الرئاسية، قائلاً إنه سيوقع على أمر تنفيذي في اليوم الأول من رئاسته من شأنه ضمان عدم اعتبار الأطفال المولودين لآباء ليس لديهم وضع قانوني في الولايات المتحدة مواطنين أمريكيين وهذا الموقف ليس جديدا على ترامب، حيث تعهد خلال حملته الانتخابية الأولى في 2015، بترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي؛ ثم قلص العدد إلى ما يتراوح بين 2-3 مليون شخص بمجرد انتخابه في العام التالي وخلال 4 سنوات في فترة حكم ترامب تم ترحيل 15 مليون شخص والمفاجأة أن هذا العدد أقل من نصف العددالاجمالي للذين تم ترحيلهم خلال فترتي حكم الرئيسين الديمقراطيين أوباما وبايدن والبالغ 41 مليون شخص وهذا ما دعا بعض المرقبين للتقليل من أهمية تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية باعتبارها توظيفا لملف الهجرة للحصول على أصوات المتشددين لصالحه

تغيير الخطاب لكسب الأصوات

   يلاحظ أن المناقشة الدائرة حول الهجرة في أميركا اتخذت منحى مضادا لحركة الهجرة مع اشتعال المنافسة في انتخابات الرئاسة بين المرشحين ترامب وهاريس قبل ثماني سنوات، أعلن دونالد ترامب أنه "عندما ترسل المكسيك شعبها، فإنها لا ترسل أفضل ما لديها"، ووعد ساخرا ببناء "جدار كبير وجميل" على الحدود الجنوبية وهذا الخطاب، الذي كان متطرفا في ذلك الوقت، يبدو معتدلا الآن وهو يتوجه للناخبين واليوم، يتم تصوير المهاجرين على أنهم قتلة مختلين عقليا مسؤولين عن "تسميم دماء بلادنا"، ويدعي أنه سينفذ "أكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة"

   الديمقراطيون بدورهم غيروا خطابهم خلال حملة الانتخابات الرئاسية مقارنة بالانتخابات الماضية، وكأن التنافس الآن بين الحزبين حول من يكون أكثر تشددا في سياسات الهجرة كان جو بايدن قد وعد في عام 2020 باتباع سياسات مضادة لما يروج له منافسه ترامب، من خلال توسيع الهجرة القانونية وقال خلال خطاب قبول ترشيح الحزب الديمقراطي له: "إذا انتخبت رئيسا، فسننهي على الفور اعتداء ترامب على كرامة مجتمعات المهاجرين" أضاف: "سنستعيد مكانتنا الأخلاقية في العالم ودورنا التاريخي كملاذ آمن للاجئين وطالبي اللجوء"

   وفقا للمراقبين، هذا التغيير في الخطاب لم يأت من العدم، وهو رد فعل من بعض السياسيين وفئات من الرأي العام الأمريكي تجاه الزيادة الضخمة في أعداد المهاجرين هذا أدى إلى ارتفاع نسبة الأمريكيين الرافضين للهجرة إلى الضعف خلال أربع سنوات في عام 2020، قال 28% من الأمريكيين لمؤسسة غالوب إن الهجرة يجب أن تنخفض وبعد أربع سنوات فقط، ارتفع هذا الرقم إلى 55%، وهو أعلى مستوى منذ عام 2001

الرأي العام و"الانفعال العكسي"

  لاحظ علماء السياسة منذ فترة طويلة أن الرأي العام يميل إلى التحرك في الاتجاه المعاكس لخطاب الرئيس وأولوياته وسياساته، وهي ظاهرة تعرف باسم "الرأي العام الحراري" أو بمعنى آخر "الانفعال العكسي" لم يقم أي رئيس بتشغيل "منظم الحرارة" تمامًا مثلما فعل ترامب خلال فترة ولايته! وكان "يسخن" الرأي العام عندما يريد ذلك فيكون رد الفعل حينئذ على خطابه التحريضي المناهض للمهاجرين وسياساته القاسية تجاه اللاجئين يتجه في المقابل إلى تأييد المهاجرين وتدليلا على ذلك قال 30% فقط من الديمقراطيين عام 2016 لمؤسسة غالوب إنهم يريدون زيادة الهجرة؛ وبحلول عام 2020، ارتفع هذا العدد إلى 50 % وفي غضون أربع سنوات فقط في عهد ترامب، تحسنت المواقف الديمقراطية تجاه مستويات الهجرة أكثر مما كانت عليه في السنوات الـ 15 السابقة

   بدأت مواقف الديمقراطيين بشأن الهجرة تزحف ببعض التدابير إلى مستويات ما قبل عام 2016 أيضا ويرى ألكسندر كوستوف، أستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث كارولينا، في تدوينة له على حسابه على منصة لنكدين، "أن المفارقة تتمثل في شخصية ترامب نفسه فهو الذي ألهم تحولاً إيجابياً غير مسبوق في المواقف تجاه الهجرة دون أن يقصد"، لكن كان الموقف الإيجابي تجاه الهجرة هشا دائما، بحسب تعبيره، لأنه كان رد فعل على ترامب نفسه، وليس موقفا موضوعيا من ظاهرة الهجرة

   لكن ترامب لا يمثل القصة بأكملها استمر الرأي العام في الانجراف نحو اليمين بعد فترة طويلة من تولي بايدن منصبه فخلال عام، من يونيو 2023 إلى يونيو 2024، قفزت نسبة الديمقراطيين الذين يفضلون خفض الهجرة بمقدار 10 نقاط، ونسبة الجمهوريين بمقدار 15 نقطة، وفقا لنفس المصدر السابق يعد هذا أكبر تحول على أساس سنوي في المواقف العامة المتعلقة بالهجرة منذ أن بدأت مؤسسة غالوب في طرح هذا السؤال عام 1965

تحدي هاريس لتُقدم اعتذاراً

   بدأت مقابلة نائبة الرئيس بموضوع الهجرة، بعد أن عرض عليها بريت باير مقطعاً مؤثراً يُظهر والدة جوسلين نونغاراي، وهي فتاة تبلغ من العمر 12 عاماً قتلت على يد مهاجر عبر الحدود إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، وأُطلق سراحه من الاحتجاز.

   وعندما سُئلت عما إذا كان ينبغي لها الاعتذار لأسر الأمريكيين الذين قُتلوا على يد مهاجرين غير شرعيين، ردت هاريس: "أنا آسفة جداً لخسارتها" وأضافت: "هذه حالات مأساوية، لا شك في ذلك".

كما سألها باير عن موقفها في عام 2019 بشأن إلغاء تجريم عبور الحدود، وهي إحدى القضايا التي اتُهمت فيها نائبة الرئيس بتغيير موقفها أجابت هاريس: "لا أؤمن بإلغاء تجريم عبور الحدود، ولم أفعل ذلك كنائبة للرئيس، ولن أفعل ذلك كرئيسة".

   وألقت هاريس باللوم على ترامب لإقناع الجمهوريين في الكونغرس بالتصويت ضد صفقة حدودية في وقت سابق من هذا العام، بقولها "فضّل (ترامب) أن يستغل المشكلة في حملته الانتخابية بدلاً من حلها".

رقم قياسي في عدد المهاجرين غير الشرعيين

   غير أن عددا من المحللين يقولون إن مواقف بعض الناخبين تستجيب تلقائيا للارتفاع الحاد في المواجهات الحدودية، وما تشهده من قبض على المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون البلاد من المكسيك وقد وصل عددهم إلى رقم قياسي بلغ 300 ألف في ديسمبر2023، ارتفاعًا من 160 ألفًا في ينايرمن نفس العام، ومن 74 ألفًا فقط في ديسمبر2020، وفقا لمركز بيو للأبحاث

   ويطلق خبراء العلوم السياسية على هذه الظاهرة اسم "نظرية مركز السيطرة"، أو "نظرية الفوضى" في المشاعر المتعلقة بالهجرة والفكرة الأساسية تتمثل في أنه عادة عندما يُنظر إلى عملية الهجرة على أنها عادلة ومنظمة فمن المرجح أن يتسامح معها الناخبون بينما عندما يُنظر إليها على أنها خارجة عن السيطرة بسبب الأعداد الضخمة فإن عامة الناس سرعان ما ينقلبون ضدها ولعل أفضل دليل على هذه النظرية هو أنه حتى مع تبني الأميركيين لقيود أكثر صرامة على الهجرة، فإن إجاباتهم على أسئلة استطلاعات الرأي (جلوب) حول المهاجرين مازالت أكثر تأييدا لهم مما كانت في 2016 وتعلق على هذا التناقض الظاهري ناتاليا بانوليسكو بوجدان، نائبة مدير معهد سياسات الهجرة، قائلة: "لا أعتقد أن هذه الآراء متناقضة ويمكن للناس أن يتعاطفوا مع المهاجرين وفي الوقت نفسه يشعرون أيضًا بالقلق والانزعاج بشأن عملية القدوم إلى البلاد"

 

 

 

المصدر: مجلة السياسة الدولية

الكاتب : ألفة السلامي

التاريخ : 17/10/2024

---------------------------------

المصدر: بي بي سي نيوز

التاريخ : 17/10/2024

المقالات الأخيرة