ظهر رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو،
مذعورا بعد أن تم استهداف منزله في مدينة قيساريا المحتلة، قائلا: "سنواصل حتى
النهاية ولا شيء سيردعنا"، وفق فيديو نشرته وسائل إعلام إسرائيلية في الوقت الذى
تدور معارك ضارية بين المقاومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي، على أكثر من جبهة في غزة
ولبنان، استهدفت طائرات مسيرة، صباح السبت 19 أكتوبر 2024 منزل رئيس وزراء الاحتلال
الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مدينة قيساريا المحتلة.
ورغم التأهب الجوي الذي تنفذه إسرائيل، بدعم عسكري
كبير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، تمكنت مسيرة من اختراق أجواء الكيان، ووصلت
إلى منزل نتنياهو، وأحدثت دوي انفجار كبير، الأمر الذى أدى إلى إعلان حالة الاستنفار
القصوى، وهرعت الشرطة والطائرات والمروحيات في محيط المكان.
وقد وجهت إيران ضربة صاروخية لإسرائيل في أول أكتوبر
2024، ويمر الأسبوع الثاني دون حدوث رد اسرائيلي توعد به قادة الصف الأول للحكومة الاسرائيلية،
حيث صدرت العديد من التصريحات التي حملت التهديد والوعيد لطهران بشأن الضربة الاسرائيلية
المرتقبة ورغم كون هذا التأخير لا يعني بالتبعية الإلغاء نظرًا للحتمية التي أكدها
المستوى السياسي الاسرائيلي بالرد، والتي يفرضها السياق الحالي إلا أن هذا التأخير
يستدعي فهم الأسباب والعوامل التي لم تعّجل بالرد على غرار الرد السابق على الضربة
الإيرانية الأولى في أبريل الماضي، والذي جاء بعد أسبوع من الهجوم، وهو ما يطرح التساؤل
حول ما إذا كان هذا التأخير هذه المرة مرتبطًا بعوامل السياق الحالي، والتي قد تشكل
عائقًا في الإسراع بسيناريو الرد أم يرتبط من ناحية كون الرد سيختلف في طبيعة حدته
والأهداف التي سيستهدفها ارتباطًا برسالة الردع المُراد إيصالها، وهو ما يجعله يحتاج
لمزيد من الوقت للإعداد والتخطيط أم الاثنين معًا؟.
معطيات
السياق للرد المرتقب
في الوقت الراهن الذي نشهد حالة من الترقب الاسرائيلي،
والذي يكتنفه تدفق تحليلي واسع للتكهنات بشأن التوقيت وطبيعة الرد المحتمل، والتي تُبنى
في غالبها على وارد المعلومات المتداولة في الداخل الاسرائيلي وكذلك في أروقة المؤسسات
بواشنطن، إلى جانب قراءات تفاعلات المشهد الحالي الذي جرت فيه مياه كثيرة منذ توجيه
الضربة الإيرانية. فعلى مستوى الداخل الاسرائيلي، أشارت بعض التقارير إلى أن اجتماع
مجلس الوزراء الأمني المصغر الذي عُقد في 1 أكتوبر 2024، تزامنًا مع
الهجوم، انتهى إلى أنه سيكون هناك رد عسكري ولكن دون قرار واضح بشأن طبيعة هذا الرد
وفي السياق ذاته، تداولت بعض التقارير الحديث بشأن اجتماع مجلس الوزراء الأمني المصغر
الذي عُقد في 10 أكتوبر 2024، حيث كان من المرجح – بحسب هذه التقارير – أن يتم التصويت
على قرار الرد على الهجوم الصاروخي الإيراني الأخيرإلا أن الاجتماع قد انتهى دون التصويت
على القرار، بحسب تقرير للقناة 12 الاسرائيلية، كما لم يُطلب من أعضاء مجلس الوزراء
تفويض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت لاتخاذ قرار بشأن الرد،
الذي من الممكن أن يتم عبر الهاتف إذا لزم الأمر.
أيضًا
على المستوى الإقليمي لوحظ وجود حركة مكثفة لإيران منذ توجيه الضربة، والتي شملت زيارات
لعدد من عواصم الدول العربية، وكان أبرزها زيارة الرئيس الإيراني لقطر في اليوم التالي
للهجوم، والتي أكد خلالها بالرد "بشكل أقوى وأشد إذا قامت إسرائيل بالرد"،
وتلى ذلك زيارات متتالية لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لعدد من دول المنطقة
كانت بدايتها في لبنان، تلاها زيارة لكل من سوريا وقطر والسعودية خلال اليومين الماضيين،
التقى خلالها بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث بحثا مستجدات الأوضاع الإقليمية
والجهود المبذولة للتعامل معها وتعكس هذه الزيارات بحسب المراقبين، محاولة لتأكيد الموقف
الإيراني بعدم الرغبة في التصعيد نحو مواجهة واسعة مع اسرائيل، والبحث عن قنوات وساطة
خليجية لخفض التصعيد خاصة في ضوء الرد الاسرائيلي المرتقب، الذي تتعالى الأصوات الاسرائيلية
بشأنه في الوقت الحالي، وتنادي بتوجيه ضربة قوية للبرنامج النووي الإيراني هذا فضلاً
عن تداول بعض التقارير بأن يكون البديل لهذا الهدف منشآت النفط الإيرانية.
أسباب
تأخر الرد
أثيرت خلال الفترة الماضية العديد من التساؤلات
بشأن تأخر الرد الاسرائيلي، على نحو فتح الباب أمام سيل من التكهنات سواء تلك المتعلقة
بتوقيت الرد أو طبيعته وكذلك الأهداف التي سيشملها الهجوم، ووفقًا لمعطيات السياق الراهن،
فإنه يمكن تعديد بعض العوامل التي من الممكن أن تكون قد لعبت دورًا في عدم التعجيل
بقرار الرد، ومن أبرزها:
-
المحاذير الأمريكية والتنسيق العملياتي المسبق: دفعت بعض التقارير بأن تأخير عملية
الرد الاسرائيلي جاء اتساقًا مع المحاذير الأمريكية التي عبر عنها الرئيس الأمريكي
جو بايدن الذي أوضح خلال تصريحاته حول الهجوم الإيراني في 2 أكتوبر 2024، معارضته قيام
إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية رداً على الهجوم، مضيفًا أن تل أبيب لها الحق
في الرد، ولكن يجب أن تفعل ذلك "بشكل متناسب" بحيث يكون الرد دون عتبة الحرب
الشاملة.
وبالتالي،
يرى بعض المراقبين أن هذه الاعتبارات والمحاذير الأمريكية أثرّت بشكل أو بآخر على تأخر
قرار الرد نظرًا للحاجة الاسرائيلية إلى تنسيق عملياتها مع واشنطن بحيث لا يقف هذا
التنسيق عند حدود الرد الاسرائيلي المرتقب، وإنما يشمل أيضًا الرد الإيراني المحتمل
وفقًا لخطوطه الحمراء التي أشار إليها المسئولون الإيرانيون الذين أكدوا أن تجاوزها
سيستوجب الرد من جانبهم.
-
اعتبارات الداخل الاسرائيلي: يعكس عدم التصويت على قرار الرد الاسرائيلي في اجتماع
مجلس الوزراء الأمني المصغر الذي عُقد في 10 أكتوبر 2024، رغم الحديث عن تضييق الفجوة
بين الرؤية الاسرائيلية والأمريكية بشأن الرد، احتمالية أن يكون لهذا التنسيق تأثيره
على تباينات الموقف بين مكونات الائتلاف الحكومي الذي قد يميل الجناح المتطرف داخله
إلى سيناريوهات التصعيد الواسع، والتي عبر عنها مسئولوه خلال الفترة الماضية، بيد أن
الإجراء الذي كان قد اتخذه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم زعيم حزب
"أمل جديد" جدعون ساعر إلى الحكومة (بدون حقيبة وزارية)، وهو أيضًا عضو بالمجلس
الوزاري الأمني المصغر، يهدف إلى تعزيز مرونة حركة الأول في مواجهة أية ضغوط قد يتعرض
لها من قادة الأحزاب الحريدية إذا ما قرر أن يعتمد السيناريو الأقل تصعيدًا وفقًا لمقتضيات
بيئة الصراع الراهن والتي تراعي المحاذير الأمريكية، خاصة وأنه قد يذهب إلى توظيف هذه
المرونة في التجاوب مع الاعتبارات الأمريكية، في مقابل تخفيف أي ضغوط محتملة في الجبهة
الشمالية وقطاع غزة سواء من الولايات المتحدة أو من شركاءها الأوروبيين، وهو ما يضمن
له استمرار حالة الحرب التي تمكنه من تحقيق مكاسب سياسية تنعكس إيجابًا على شعبيته
في الداخل.
-
تصاعد وتيرة الهجمات العسكرية على الجبهات المتعددة: شهدت الجبهة الشمالية للبنان والجبهة
الجنوبية لقطاع غزة تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة الهجمات العسكرية التي تقوم بها اسرائيل،
والتي تأتي على ما يبدو في إطار التحرك الوقائي قبل الرد لفرض مزيد من الضعف تجاه القدرات
العسكرية للجبهات وتحييدها في أي رد محتمل على الهجوم الاسرائيلي المرتقب ضد إيران
وفي الجهة المقابلة، برز تصعيد مضاد من جانب جبهات الإسناد في اليمن والعراق، هذا فضلاً
عن استمرار حزب الله في عمليات القصف الصاروخي لحيفا والمستوطنات بكريات شمونة.
-
تهيئة الموقف الدولي: يشهد موقف الدعم الدولي الذي حظيت به تل أبيب طيلة الفترة الماضية،
تراجعًا نسبيًا ارتبط بفتح الجبهة الشمالية واستمرار تصعيدها العسكري، والقصف المتواصل
الذي تقوم به في الوقت الحالي بلبنان وقطاع غزة، خاصة في ظل توسيعها لنطاق استهدافاتها
في لبنان، والتي ينتج عنها وقوع خسائر في صفوف المدنيين. وانعكس ذلك التراجع في تصريحات
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 5 أكتوبر 2024، التي دعا فيها لأول مرة إلى وقف
تسليم الأسلحة التي تستعملها إسرائيل في غزة مؤكدًا أن فرنسا لا "تسلّم حاليًا
أي أسلحة لإسرائيل"، مضيفًا: "لا ينبغي أن يصبح لبنان غزة جديدة" وكانت
قد سبقته في هذا الإجراء الحكومة البريطانية التي أصدرت قرارًا في 2 سبتمبر بالتعليق
الفوري لنحو 30 ترخيصًا لعتاد مستخدم في الصراع الحالي في غزة، وذلك من أصل نحو
350 ترخيصًا لإسرائيل في أعقاب مراجعة مدى امتثالها للقانون الدولي الإنساني.
-
فرض الضغط وحالة الاستنفار على الجانب الإيراني: تدفع بعض المؤشرات إلى احتمالية أن
يكون هذا التأخر في الرد متعمدًا من جانب تل أبيب في إطار استراتيجية فرض الضغط، واستغلال
حالة الاستنفار الداخلي التي تبدو عليها طهران في الوقت الحالي، والتي تعتمد على مدى
طول أمد ما يُعرف بـ"الفترة الميتة" (الفترة ما بين الهجوم الإيراني والرد
الاسرائيلي) في التصعيد بين الجانبين، والتي ستتحدد وفقًا للرد الاسرائيلي المرتقب،
والذي قد يأتي لتثبيت قواعد الردع المتبادل، ومن ثم، العودة لقواعد الاشتباك الأساسية،
أو ربما تنزع تل أبيب نحو رد تصعيدي يستوجب الرد الإيراني، على نحو قد يدفع الأمور
إلى منزلق خطر من التصعيد وبالتالي، يُنظر إلى أن طول أمد هذه الفترة يسمح لتل أبيب
بفرض مزيد من الضغط والتصعيد ضد جبهات الإسناد وإضعافها، في تحييد لأي دور داعم من
جانب طهران التي تتأهب للرد الاسرائيلي.
العناصر
الحاكمة لمستقبل الصراع الإيرانى الإسرائيلى
-
ديناميات تطور الصراع الإيرانى-الإسرائيلى: لقد أخذ الصراع الإيرانى الإسرائيلى مؤخرًا مسارًا أكثر مباشرة من أى وقت
مضى تاريخيًا، كانت التفاعلات بين إسرائيل وإيران تتميز بالتصادمات غير المباشرة، حيث
لم يشارك أى من الجانبين فى هجمات عسكرية مباشرة من قبل ومن الأمثلة البارزة على هذا
التحول هو العملية الناجحة التى قامت بها إسرائيل لتدمير مقر القنصلية الإيرانية فى
سوريا.
من
المهم أيضًا أن نأخذ فى الاعتبار دور غزة فى هذا الصراع. بينما تمتلك القضية الإسرائيلية
الفلسطينية جذورًا تاريخية عميقة، قد يتركز الصراع الحالى فى المقام الأول حول إيران
وإسرائيل. ترى إسرائيل تهديدًا كبيرًا من الاعتراف المزعوم لإيران بامتلاك أسلحة دمار
شامل، حيث إن إيران هى الدولة الإسلامية الوحيدة التى تعترف رسميًا بمثل هذه القدرات
و تسعى إسرائيل بنشاط إلى إيجاد فرص لإبطال هذا التهديد.
-
التصعيد الإيرانى الإسرائيلى حرب المسيرات والصواريخ وأنظمة الدفاع: الواقع الجيوسياسى الحالى بين إسرائيل وإيران ملىء بالتوتر، خاصة فيما يتعلق
بقدراتهما العسكرية، بما فى ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة وأنظمة الدفاع تثير هذه
المنافسة مخاوف بشأن احتمال اندلاع الحروب، بما فى ذلك احتمال الحرب النفسية النووية.
كلا البلدين قد طورا أنظمة أسلحة متقدمة، وسرية المعلومات حول أى القدرات سيُفصح عنها
تُعتبر استراتيجية مهمة دون منازع، إن شبح النزاع النووى يلوح فى الأفق، مما يذكرنا
بالدمار الذى شهدتاه هيروشيما وناجازاكى.
-
تداعيات التصعيد الإيرانى الإسرائيلى على الأزمات العربية: يمثل الصراع المستمر بين إيران وإسرائيل قضية ذات أهمية كبيرة، ليس فقط
للدولتين المعنيتين، بل أيضا للصراعات العربية الأوسع فى المنطقة. تتطلب هذه الوضعية
المعقدة توسيع النظرة، حيث إن الديناميات بين إيران وإسرائيل تؤثر على التحالفات الجيوسياسية
المختلفة والصراعات فى الشرق الأوسط.
-
موقف روسيا والصين من المواجهات الإيرانية الإسرائيلية: يعكس المشهد الجيوسياسى الحالى الطبيعة الحساسة للتحالفات الدولية والتحولات
السريعة فى الأولويات الدبلوماسية إن وضع الصين الاستراتيجى، حيث تظل شريكًا تجاريًا
لإسرائيل بينما تدعم القضية الفلسطينية، يسلط الضوء على مرونتها الدبلوماسية.
-
التداعيات الاقتصادية للصراع الإيرانى الإسرائيلى على منطقة الشرق الأوسط: إن اقتصاد البلاد يعد أحد الأصول المهمة التى يجب أخذها فى الاعتبار، فهو
ما يضع الدول فى قمة أو قاع سُلم التنافسية. فى أوقات الحرب، قد تكون الحالة الاقتصادية
لدولة ما كارثية، مما يجعل من الصعب عليها استعادة قوتها وكسب الاحترام من الدول الأخرى
على مستوى العالم إن التوترات الحالية التى نشهدها تعكس ذلك، وقد تؤدى إلى أزمة اقتصادية
كبيرة أخرى قد تسحب العالم بأسره إلى داخلها.
ختامًا
- يُمكن القول: إن حالة الضبابية والتكهنات التي تكتنف مشهد الرد الاسرائيلي المرتقب
ضد الهجوم الإيراني الأخير، من ناحية التوقيت وطبيعة درجة التصعيد، تعود في جانب منها
إلى طبيعة المعادلات الجديدة التي فرضتها جولات التصعيد بين الجانبين خلال الفترة الماضية،
وهو ما استلزم معه مستوى جديدًا من التقييم والتخطيط الدقيق لتحديد شكل الاستجابة للتهديد
نظرًا لحساسيات إجراءات التصعيد التي يُمكن أن يقود خطأ تقديرها إلى حرب إقليمية واسعة
تهدد كامل استقرار المنطقة.
المصدر: مركز
الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
الكاتب : مهاب
عادل حسن
التاريخ :
12/10/2024
-----------------------------------
المصدر:
صحيفة اليوم السابع
الكاتب : عبد
الوهاب الجندى
التاريخ:
19/10/2024
----------------------------------
المصدر:
مجلة السياسة الدولية
الكاتب : داليا
باسم
التاريخ :
16/10/2024