تتصاعد
التحذيرات بشأن ارتفاع الدين الحكومي الأمريكي لمستويات كبيرة خلال الفترة الأخيرة،
مع صعود مدفوعات الفوائد لأكثر من تريليون دولار سنوياً.
وفي
الوقت الذي يحذر فيه بعض الاقتصاديين من ضرورة اتخاذ تدابير للسيطرة على الاقتراض الحاد
للحكومة الأمريكية، يراهن آخرون على أن الأمر لا يشكل قلقاً كبيرًا بالنظر إلى أن الولايات
المتحدة تقترض بالدولار وتستخدم هذه الأموال لتعزيز الإنتاجية والنمو.
ارتفاع
قياسي متواصل
أصبح الدين الحكومي الأمريكي تحت الأنظار بشكل أكبر
خلال الأشهر الماضية، مع ارتفاع مدفوعات الدين بشكل حاد بفعل رفع معدلات الفائدة.
-
رفع الفيدرالي الأمريكي معدلات الفائدة من نطاق صفر و 0.25%في مارس 2022 إلى 5.25% و5.5% حالياً، في مسعى لكبح التضخم
المتسارع.
حالياً،
يبلغ الدين القومي الأمريكي أكثر من 34 تريليون دولار، وهو مستوى غير
مسبوق، ليصل الدين الفيدرالي العام لما يعادل 99% من الناتج المحلي الإجمالي
-
تصاعد الدين الأمريكي بشكل قوي خلال السنوات الأخيرة، مع زيادة الإنفاق الحكومي، حيث
بلغ العجز المالي 1.7 تريليون دولار في العام المالي
2023 مقابل 1.38 تريليون دولار في 2022 وحوالي 2.8 تريليون دولار في 2021.
أدى ارتفاع الدين العام وصعود معدلات الفائدة إلى
زيادة كبيرة في مدفوعات فوائد الديون من جانب الحكومة الأمريكية خلال الأشهر الأخيرة،
لتتجه لتجاوز ما يتم إنفاقه على الدفاع في العام الجاري.
في العام المالي 2023 والمنتهي في الثلاثين من سبتمبر الماضي، ارتفعت تكاليف فوائد الديون للحكومة
الأمريكية إلى 659 مليار دولار، ما يمثل نحو ضعف
المستوى المسجل في العام المالي 2020، بحسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية مع الارتفاع السريع للدين الأمريكي،
ارتفع الإنفاق الحكومي السنوي على مدفوات الفوائد لأكثر من تريليون دولار مؤخرًا.
-
عند الأخذ في الاعتبار معدلات الفائدة الحالية، نجد أن الدين القومي الأمريكي يرتفع
بنحو تريليون دولار كل 100 يوم تقريبًا، ما يعادل 3.6 تريليون دولار سنوياً، بحسب تقديرات "بنك أوف أمريكا".
تشير التوقعات إلى استمرار الارتفاع المطرد للدين
الأمريكي على مدى السنوات المقبلة، مع توقعات بتجاوزه في عام 2029 الذروة المسجلة في الحرب العالمية الثانية نسبة للناتج المحلي الإجمالي.
توقع مكتب الميزانية في الكونجرس الأمريكي وصول الدين
العام إلى 166% من الناتج المحلي الإجمالي
بحلول عام 2054، ما يعادل 141.1 تريليون دولار.
ارتفعت مدفوعات الدين الأمريكية إلى 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، في حين يتوقع مكتب الميزانية
مزيدًا من الصعود إلى 3.9% بحلول عام 2024.
تداعيات
عالمية أوسع
لا يقتصر القلق بشأن تداعيات ارتفاع الدين الأمريكي
على أكبر اقتصاد في العالم فحسب، لكنه يتسع ليشمل دول العالم.
حذر صندوق النقد الدولي مؤخرًا من أن ارتفاع الدين
الحكومي الأمريكي يرفع تكاليف الاقتراض حول العالم، ويضر بالاستقرار المالي العالمي.
قال صندوق النقد إن زيادة الإنفاق الحكومي وارتفاع
الدين العام وصعود معدلات الفائدة في الولايات المتحدة ساهمت في ارتفاع وتقلبات عوائد
سندات الخزانة، ما يزيد خطر صعود معدلات الفائدة في مناطق أخرى.
-
ترى المؤسسة التي يقع مقرها في واشنطن أن استمرار التضخم المرتفع في الولايات المتحدة
قد يُنهي آمال خفض معدلات الفائدة، ما قد يتسبب في موجة بيعية للأصول المالية العالمية.
يتفق "ليس روبن" خبير الأسواق مع أن فقدان
المستثمرين الثقة في ديون الولايات المتحدة كملاذ آمن من شأنه أن يثير اضطرابات في
الأسواق المالية، بفعل الكم الهائل من السندات الأمريكية التي تحتفظ بها المؤسسات حول
العالم.
يرى "روبين" أنه في أسوأ السيناريوهات
المحتملة، فإن الأسواق المالية قد تشهد حالة من الانهيار إذا ارتفعت مستويات الديون
الأمريكية أكثر من اللازم، وحال اعتقاد المستثمرين أن الولايات المتحدة قد تواجه صعوبة
في السداد مبالغة في القلق؟
لكن على الجانب الآخر، لا يشعر الجميع بالخطر حيال
ارتفاع الدين الحكومي الأمريكي، حيث يعتقد بعض الاقتصاديين أن الإنفاق الحكومي يدعم
ارتفاع الإنتاجية وبالتالي يزيد الناتج المحلي الإجمالي.
قال "بريت هاوس" الأستاذ المتخصص في الاقتصاد
الكلي والتمويل الدولي في جامعة كولومبيا إن الارتفاع الأخير في الديون بسبب وباء
"كورونا" يشكل مثالاً على الكيفية التي يمكن أن يؤدي بها التحفيز المالي
إلى زيادة الإنتاجية.
-
بحسب مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، شهد الربع الثاني والثالث والرابع من 2023 زيادة في الإنتاجية بأكثر من 3% مقارنة بالربع السابق.
كما تجاوز نمو الاقتصاد الأمريكي منذ وباء
"كورونا" جميع دول مجموعة السبع الكبرى الأخرى.
نما الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 7.4%في الربع الأخير من العام الماضي مقارنة بمستويات
الربع الرابع من 2019، في حين نمت اقتصادات مجموعة السبع بمتوسط 4.7% في نفس الفترة، ومقابل 3.4%في الاتحاد الأوروبي.
أشار "هاوس" إلى أن الدين العام يكون مبررًا
إذا تم استثماره في تدابير تعزز الإنتاجية، ما يضمن أن يحقق الاقتصاد النمو المطلوب
لتمويل هذا الدين.
رغم اعتراف أستاذ التمويل في جامعة كولومبيا بأن
وصول الدين إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي يشكل خطرًا على معظم الدول، فإنه شدد
على أن الوضع في الولايات المتحدة مختلف، بالنظر إلى أنها تصدر جميع ديونها بالدولار
الأمريكي، مع اعتبار سنداتها بمثابة مخزن آمن للقيمة.
كما يرى "كريس ميتشنر" أستاذ الاقتصاد
في كلية ليفي للأعمال بجامعة "سانتا كلارا" أن للديون العديد من الأغراض
المفيدة، حيث يتم استخدامها في حالات الطوارئ، بالإضافة إلى أن التمويل عن طريق الاقتراض
أسهل من إثقال كاهل الجيل الحالي بالضرائب.
من جانبها، تعتقد "لوري إسبوزيتو" رئيسة
لجنة التنمية الاقتصادية في مجلس المؤتمر أن الدين يساعد الاقتصاد، لأنه يمكن القيام
بمبادرات كبيرة مثل البنية التحتية، ومواجهة أزمات مثل الوباء.
لكن "لوري" شددت على ضرورة مراقبة نسبة
الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، لأن هذا يعتبر مؤشر الاستقرار والذي يوضح ما إذا
كان بإمكان الدولة خدمة هذا الدين.
من حيث
الهيكل، واستنادا إلى بيانات عام 2020، فإن 37% من الديون لها آجال استحقاق تصل إلى عام واحد، و35% ما بين عام إلى 5أعوام،
بقية الديون لا تهم في هذه الحالة.
وبمعرفة
المعدل التقريبي لنمو الدين الحكومي، وحجم القروض الجديدة التي يجب أن تستدينها الولايات
المتحدة لتحل محل القروض المسددة، يمكن الافتراض أن على الولايات المتحدة الأمريكية
أن تحصل على قروض جديدة ما بين 13- 14 تريليون دولار. تذكروا هذا الرقم.
في الوقت
نفسه، فإن التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية يستمر في التسارع بشدة، حيث بلغ التضخم
السنوي لشهر فبراير الماضي 7.9%، بينما يتوقع بنك "يو بي إس" UBS أن يرتفع الضخم إلى 8.5% في شهر مارس.
يعني ذلك
أن الولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت بالفعل في كارثة اقتصادية لا يمكن السيطرة عليها،
والتضخم المفرط أصبح مرئيا في الأفق، وعندما يتجاوز التضخم 10%، سيبدأ هروب رأس المال من الأصول الدولارية إلى
الذهب وغيره من الأصول الأخرى الملموسة، ما سيؤدي إلى مزيد من التضخم المتسارع.
يتعين
علينا هنا إضافة المكنسة الكهربائية الذهبية، التي كتبت عنها في هذا المقال السابق.
في الوقت
نفسه، ستبدأ حكومات الدول الأخرى، التي تحتفظ الآن باحتياطياتها في ديون الولايات المتحدة
الأمريكية، في الانسحاب من الأصول الدولارية.
أي أنه
وفي ظرف شهرين، سيتحول التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية إلى كرة ثلج تتسارع ذاتيا،
حيث يؤدي التدهور إلى هروب رأس المال إلى الخارج، ما يؤدي إلى مزيد من التدهور وهكذا
دواليك نحو الدوامة. سيزداد معدل التضخم عدة مرات، من 0.6%شهريا إلى 1 - 2- 5- 10% شهريا، وسيتدهور الوضع بمرور الوقت.
سيجبر
ذلك الاحتياطي الفدرالي على رفع سعر الفائدة من أجل خفض التضخم. أو بمعنى أصح، فإن
خفض التضخم حقا، يتطلب رفع معدل سعر الفائدة إلى قيمة تتجاوز التضخم، أي إلى حوالي
10%.
يعني ذلك
الموت الفوري للاقتصاد الأمريكي في غضون أسبوعين. لهذا، يتظاهر الاحتياطي الفدرالي
بمحاربة التضخم، ويعتزم في مايو رفع المعدل بنسبة 0.5% ، ثم رفع ذلك المعدل عدة مرات خلال العام. بينما كان عليه أن يرفعه فعليا
إلى 10% ليس في مايو بل يوم أمس.
لكن، دعنا
نتظاهر بأن 3% ستكون كافية. لنفترض جدلا أن الاحتياطي الفدرالي قد رفع المعدل إلى 3% في السنة. الآن، لنضرب 14 تريليون، قيمة القرض الجديد،
في نسبة 3% لنحصل على 420 مليار دولار، هو مقدار زيادة الإنفاق على الفوائد في العام المقبل.
لقد بلغ
عجز الموازنة الأمريكية العام الماضي 2.8 تريليون دولار، يضاف إلى ذلك 0.42 تريليون دولار خاصة بمدفوعات
الفائدة وحدها، ويضاف إلى ذلك الزيادة الإجمالية في الإنفاق بسبب التضخم، ويضاف إلى
ذلك ما يبدو عليه حال الاقتصاد الأمريكي من ركود، ويضاف إلى ذلك العقوبات ضد روسيا،
والتي تقلل من دخل الشركات الأمريكية، وتؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الخام.
اسمحوا
لي بتذكيركم أن إيرادات الموازنة الأمريكية خلال العام الماضي قد بلغت 4.05 تريليون دولار، وأعتقد أن عجز الموازنة خلال عام سيكون مساويا لإجمالي الدخل.
علاوة
على ذلك، لا ننسى أن المستثمرين سيبدأون في الهروب من الأصول الدولارية، وسيكون من
الصعب على وزارة الخزانة الأمريكية العثور على مقرضين على استعداد لإقراض الولايات
المتحدة الأمريكية أموالا بنسبة 3%، بينما يعانون من خسارة 7% من مبلغ القرض بسبب التضخم
الذي تبلغ نسبته 10%.
سيتعين
على الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى أن تبدأ في طباعة النقود الورقية غير المغطاة
لتمويل مدفوعات الفائدة وعجز الموازنة، إلا أن ذلك سيزيد التضخم أكثر.
في الوقت
نفسه، سيقوم الاحتياطي الفدرالي، شهر مايو المقبل، بسحب بعض الأموال المطبوعة سابقا
من التداول، بمعنى أنه عندما لا يكون لديه مصدر للحصول على أموال لدفع الفوائد، يستمر
في تقليل مبلغ المال الموجود في جيبه؟ أمر مستحيل.
باختصار،
فقدت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل السيطرة على التضخم، ومن المستحيل وقف تدهور
الوضع إلى تضخم مفرط. هناك كارثة محققة تنضج في جميع القطاعات المالية بالولايات المتحدة
الأمريكية. وأي إجراء يتخذ للنجاة من أي التهديدات بالموت يعجل الموت بتهديد آخر. فالتضخم
يتسارع، وعجز الموازنة يتزايد، ومن المستحيل تمويله، ومن الضروري رفع سعر الفائدة،
لكن ذلك سيؤدي إلى إفلاس جماعي للمدينين. قائمة طويلة من العوامل يمكن الاستمرار بسردها.
وليس هناك
سوى خلاص واحد فقط: رفض الولايات المتحدة الأمريكية لسداد ديونها. أخشى أن يحدث ذلك
خلال هذا العام، في الخريف، أو ربما حتى في الصيف. أي أن أوروبا واليابان ودول الخليج
الغنية ستفقد احتياطياتها.
تتصاعد التحذيرات بشأن ارتفاع الدين الحكومي الأمريكي
لمستويات كبيرة خلال الفترة الأخيرة، مع صعود مدفوعات الفوائد لأكثر من تريليون دولار
سنوياً.
وفي الوقت
الذي يحذر فيه بعض الاقتصاديين من ضرورة اتخاذ تدابير للسيطرة على الاقتراض الحاد للحكومة
الأمريكية، يراهن آخرون على أن الأمر لا يشكل قلقاً كبيرًا بالنظر إلى أن الولايات
المتحدة تقترض بالدولار وتستخدم هذه الأموال لتعزيز الإنتاجية والنمو.
ارتفاع
قياسي متواصل
أصبح الدين
الحكومي الأمريكي تحت الأنظار بشكل أكبر خلال الأشهر الماضية، مع ارتفاع مدفوعات الدين
بشكل حاد بفعل رفع معدلات الفائدة.
مخاطر
وتهديدات متصاعدة
تعتبر
الديون المتزايدة بمثابة أرض خصبة للمشاكل الاقتصادية، ما يشمل ارتفاع معدلات التضخم
وانخفاض جودة حياة المواطنين، وربما زعزعة الاستقرار المالي.
تداعيات
عالمية أوسع
لا يقتصر
القلق بشأن تداعيات ارتفاع الدين الأمريكي على أكبر اقتصاد في العالم فحسب، لكنه يتسع
ليشمل دول العالم.
- حذر
صندوق النقد الدولي مؤخرًا من أن ارتفاع الدين الحكومي الأمريكي يرفع تكاليف الاقتراض
حول العالم، ويضر بالاستقرار المالي العالمي.
ترى المؤسسة التي يقع مقرها في واشنطن أن استمرار
التضخم المرتفع في الولايات المتحدة قد يُنهي آمال خفض معدلات الفائدة، ما قد يتسبب
في موجة بيعية للأصول المالية العالمية.
- يتفق
"ليس روبن" خبير الأسواق مع أن فقدان المستثمرين الثقة في ديون الولايات
المتحدة كملاذ آمن من شأنه أن يثير اضطرابات في الأسواق المالية، بفعل الكم الهائل
من السندات الأمريكية التي تحتفظ بها المؤسسات حول العالم.
- بحسب
مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، شهد الربع الثاني والثالث والرابع من 2023 زيادة في الإنتاجية بأكثر من3% مقارنة بالربع السابق.
- كما
تجاوز نمو الاقتصاد الأمريكي منذ وباء "كورونا" جميع دول مجموعة السبع الكبرى
الأخرى.
- نما
الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 7.4% في الربع الأخير من العام الماضي مقارنة بمستويات الربع الرابع من 2019، في
حين نمت اقتصادات مجموعة السبع بمتوسط 4.7%في نفس الفترة، ومقابل 3.4%في الاتحاد الأوروبي.
- أشار "هاوس" إلى أن الدين العام يكون مبررًا إذا تم استثماره في تدابير تعزز الإنتاجية، ما يضمن أن يحقق الاقتصاد النمو المطلوب لتمويل هذا الدين.
المراجع:
(ب، ن) ، 30.4.2024
، هل
تقترب الولايات المتحدة من دفع ثمن الاقتراض المفرط والديون القياسية؟ ، موقع
ارقام .
ب،ن، 22.6.2024 ، وول ستريت:
استمرار ارتفاع الديون الأميركية يهدد بزوال إمبراطوريتها، الجزيرة نت .