تواجه
فرنسا مشاعر معادية لها واحتجاجات عنيفة ضد وجودها في مناطقة إفريقية، بينما يتهم
ماكرون روسيا ودولا أخرى بتغذية تلك المشاعر المتنامية ضد بلاده..
تجددت
التوترات بين فرنسا وإيطاليا خلال الأسابيع الأخيرة، في قضية سابقة أعيدت إلى
الأضواء تبرز موقفا مستمرا لعدد من السياسيين الإيطاليين بتحميل باريس مسؤولية
موجات الهجرة الإفريقية إلى أوروبا.
وفي
مقطع من عام 2019 أعيد نشره مجددا، تظهر رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني في
خطاب تتهم فرنسا باستغلال إفريقيا والتسبب بالهجرة غير النظامية لأبناء القارة
السمراء.
وجدد
مقطع ميلوني الأزمة القائمة بين روما وباريس بشأن قضايا الهجرة، كما ذكّر بالماضي
الاستعماري لإفريقيا، ومسألة انسحاب فرنسا العسكري من منطقة الساحل وأنشطتها
الاقتصادية في القارة.
واتهمت
ميلوني في المقطع الذي سجل إبان شغلها منصب نائبة في البرلمان عن حزب "إخوة
إيطاليا"، فرنسا باستغلال موارد البلدان الإفريقية، وتحديداً بوركينا فاسو
باستخدام ما أسمته "العملة الاستعمارية" وهي الفرنك الإفريقي.
ولم
تكن ميلوني السياسية الوحيدة التي دافعت عن فكرة تسبب فرنسا بأزمة هجرة، ففي عام
2019 ألقى لويجي دي مايو نائب رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك، باللوم على باريس لمنع
التنمية الاقتصادية في إفريقيا والتسبب في الهجرة إلى أوروبا.
وتسببت
تلك التصريحات في توترات دبلوماسية بين باريس وروما في ذلك الوقت.
ما
طبيعة الوجود الفرنسي في أفريقيا؟
خرجت
فرنسا من مستعمراتها عام 1960، ولكنها ظلت محتفظة بعلاقات قوية بمستعمراتها
السابقة في أفريقيا، لتعمدها بربط الدول المستقلة حديثا بسياسات تعاونية عميقة
اقتصاديا وثقافيا وعسكريا، حتى تحافظ على دور مؤثر لها في مستقبل هذه الدول، ولكن
بقيت دول غرب أفريقيا الـ14 -التي تشكل أغلبية مجموعة دول الإيكواس- ترتبط بفرنسا
بشكل خاص، وعلى وجه العموم يتركز النفوذ الفرنسي في أفريقيا شمال القارة وغربها،
وشرقا في جيبوتي، وفي الجنوب الشرقي في جزر القمر ومدغشقر، مع تفاوت في مستوى
النفوذ ونوعيته وتركزه.
أين
يتركز الوجود الفرنسي في أفريقيا وكيف؟
يتركز
النفوذ الفرنسي الفاعل في غرب أفريقيا، إذ فرضت فرنسا اتفاقيات تربط اقتصاديات هذه
الدول بالاقتصاد الفرنسي ولا تزال تدفع ضريبة الاستعمار، وتضخ 85% من احتياطاتها
النقدية الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي، ولا تستطيع الحصول إلا على 15% منها
إذا ما احتاجت إلى ذلك، وتضخ أفريقيا بالتالي ما يعادل 500 مليار دولار سنويا،
وعند السحب يتم التعامل معها بالأسعار التجارية.
لدى
فرنسا، اتفاقيات تعاون عسكري مع 25 دولة أفريقية وكان لها إلى وقت قريب نحو 7
قواعد عسكرية متفاوتة الحجم في كل من تشاد وأفريقيا الوسطى والكاميرون وجيبوتي
وجزر القمر والسنغال والغابون، حيث بدأت في التقلص في السنوات الأخيرة بسبب الرفض
الذي تواجهه سياساتها في أفريقيا.
توتر
متجدد
وفي
أوائل نوفمبر/ الماضي، وقع البلدان الأوربيان في خلاف جديد حول قبول المهاجرين
الذين كانوا على متن سفينة إنقاذ المهاجرين غير النظاميين من البحر المتوسط
"أوشن فايكنغ".
وأجبرت
الحكومة الإيطالية نظيرتها في باريس على السماح برسو السفينة في ميناء فرنسي وعلى
متنها 230 مهاجرا تم إنقاذهم، وذلك بعدما تجاهلت روما مرارا المطالب بأن ترسو
السفينة في ميناء إيطالي.
وفي
غضون ذلك، نزل الناس إلى الشوارع في أفريقيا لاسيما في مالي، حيث شنت فرنسا عمليات
عسكرية لدعم القوات المحلية في حربها ضد الإرهاب.
وتواجه
السلطات الفرنسية حاليا مشاعر معادية لها واحتجاجات عنيفة ضد وجودها في المنطقة
الإفريقية، في وقت يتهم فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون روسيا ودولا أخرى
بتغذية تلك المشاعر المتنامية ضد بلاده.
سيطرة
مالية
وتظهر
محاولات فرنسا في التحكم في اقتصاديات عدد من الدول الإفريقية من خلال
"الفرنك الأفريقي - Franc CFA"
الذي يستخدم كعملة في منطقتين نقديتين مختلفتين في إفريقيا منذ عام 1945، وهما
الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا "WAEMU" والمجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا "CEMAC".
وتشيد
باريس بوجود اتفاقات تعاون نقدي بينها وثلاث مناطق نقدية إفريقية، وهي الاتحاد
الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، والجمعية الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا،
واتحاد جزر القمر.
وتضم
منطقة الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا 8 دول أعضاء وهي بنين وبوركينا فاسو وكوت
ديفوار وغينيا بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو، وتستخدم فرنك الجماعة المالية
لغرب إفريقيا.
أما
منطقة الاتحاد النقدي لوسط أفريقيا فتضم 6 دول أعضاء وهي الكاميرون والكونغو
وغابون وغينيا الاستوائية وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشا، وتستخدم فرنك الجماعة
المالية لوسط إفريقيا.
وكانت
فرنسا أعلنت تثبيت قيمة الفرنك الأفريقي أمام اليورو.
صراع
العملات
وقال
دينيس كوجنو الأستاذ في كلية باريس للاقتصاد وزميل الأبحاث الدائم في المعهد
الفرنسي لبحوث التنمية، إن التجارة مع المستعمرات الفرنسية السابقة في غرب ووسط
إفريقيا "لا تشكل سوى 1 بالمئة إلى 2 بالمئة من إجمالي تجارة فرنسا".
وأضاف
كوجنو للأناضول: "تلك المستعمرات السابقة لا تمثل سوى أقل من 1 بالمئة من
الاستثمارات الفرنسية في الخارج".
وأشار
الأكاديمي الفرنسي إلى أن التكافؤ بين الفرنك الإفريقي واليورو "مرتفع
للغاية" وهو ما يمكن تفسيره على أنه ميزة في الصادرات لفرنسا.
وفي
ظل البحث عن عملة إفريقية بديلة عن الارتباط بالعملة الفرنسية، قررت الجماعة
الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" المكونة من 15 دولة، الاعتماد على
عملتها الخاصة "الإيكو" بحلول عام 2027.
وحول
هذا القرار الإفريقي، أوضح كوجنو أن كل شيء يعتمد على ما ستكون عليه هذه العملة،
هل ستساوي تعادل ثابت مع اليورو أم سعر صرف مرن.
وأوضح
الخبير الفرنسي أن غانا ونيجيريا لم تصبحا دولتين صناعيتين أو أكثر تطورا من ساحل
العاج أو الكاميرون، بسبب تدشينهما عملتهما الخاصة فقط.
قضايا
الهجرة
ترى
بلدان إفريقية فقيرة عدة أن شبابها يغادرون أملاً في إيجاد ظروف أفضل في أوروبا،
غير أن شباب منطقة الساحل أو مناطق جنوب الصحراء ليسوا بين المهاجرين غير
النظاميين الأساسيين الذين يستخدمون طريق الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط.
وأظهرت
أرقام بيانات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس" أنه تم
تسجيل 85 ألف و140 مهاجرا غير نظامي عبروا الحدود بشكل غير قانوني في الفترة من
يناير/ إلى أكتوبر/ 2022.
وكانت
البلدان الخمسة الأولى هي مصر (16ألف و273) وتونس (16ألف و221) وبنغلاديش (11ألف
و919) وسوريا (6آلاف و150) وأفغانستان (5 آلاف و889).
وأوضحت
بيانات "فرونتكس" أنه تم تسجيل 12ألف و347 عبورًا حدوديًا غير قانوني
خلال نفس الفترة على طول طريق غرب البحر الأبيض المتوسط، بينهم 6003 جزائريين،
و3779 مغربيًا، و 568 سودانيًا، و 555 سوريًا، و 393 ماليًا.
وأكدت
إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأرقام التي كشفت عنها
"فرونتكس"، وقالت إن المهاجرين من مالي يمثلون 0.8 بالمئة فقط من إجمالي
الوافدين عن طريق البحر منذ الأول منذ يناير الماضي، يليهم القادمون من الكاميرون
1.3 بالمئة، وساحل العاج 4.2 بالمئة، والسنغال 0.2٪ بالمئة.
ولمقارنة
أفضل، يمثل المصريون 21.4 بالمئة من العدد الإجمالي للمهاجرين غير النظاميين خلال
الفترة المذكورة، ثم التونسيون بنسبة 19.8 بالمئة، والبنغلادشيون 14.8بالمئة،
والسوريون 7.8 بالمئة.
حقائق
اقتصادية
عندما
شنت فرنسا عمليات عسكرية في منطقة الساحل، لا سيما في جمهورية إفريقيا الوسطى عام
2013 وفي مالي عام 2014 ، انتقد الكثيرون باريس لسعيها لتحقيق مصالح اقتصادية
أعمق.
ورغم
أن دول غرب إفريقيا لا تعد شريكا تجاريا رئيسيا لفرنسا، غير أن شركاتها تعمل في
قطاعات حيوية في تلك الدول مثل الطاقة والاتصالات والخدمات اللوجستية، إلا أن معظم
عملها ليس في المستعمرات السابقة.
وعام
2022، قررت شركة الخدمات اللوجيستية الفرنسية "Bollore Logistics" مغادرة إفريقيا بعد
نحو 4 عقود من العمل في القارة، لتحل محلها شركة الشحن الإيطالية السويسرية "MSC".
وفي
هذا الشأن، تحدث بنجامين أوج، الباحث المشارك في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية،
عن غياب فرنسا عن عدد من القطاعات الاقتصادية في أفريقيا.
وقال
أوج للأناضول: "بصرف النظر عن أورانو التي تشارك في استخراج اليورانيوم في
النيجر، فإن فرنسا لديها شركة تعدين واحدة أخرى في إفريقيا وهي إيراميت في
الغابون".
وأروانو
المعروفة سابقًا باسم أريفا أو كوجيما، هي شركة تعمل في صناعة التعدين وتمتلك
الحكومة الفرنسية نحو 80 بالمئة منها.
يؤكد
أوج: "فرنسا ليست دولة تعدين، واليورانيوم (المستخرج من النيجر) ليس مهمًا
على الإطلاق ولا يمثل أهمية بالنسبة لمحطات الطاقة النووية الفرنسية".
ويشير
إلى أن شركات التعدين في إفريقيا هي في الأساس شركات كندية وأسترالية.
تاريخ
استعماري
يقول
بنجامين أوج إن الاستثمارات الفرنسية في منطقة الساحل منخفضة للغاية، و"فيما
يتعلق بالنفط والغاز فإن شركة توتال إنرجي ليست نشطة في أي بلد من بلدان الساحل
باستثناء الأنشطة البحرية في موريتانيا".
ويلفت
إلى أن هناك شركات نفط صينية تعمل في النيجر وتشاد، إضافة إلى الشركات الأمريكية،
موضحا أن فرنسا توجه استثماراتها وتركزها في البلدان غير الناطقة بالفرنسية مثل
أنغولا، ورواندا، وجنوب إفريقيا، ونيجيريا.
ووقعت
شركة "توتال إنرجي" في الأول من فبراير/ شباط الماضي، بالتعاون مع
المؤسسة الصينية الوطنية للنفط البحري (CNOOC)
صفقة بقيمة 10 مليارات دولار لاستغلال احتياطيات النفط في بحيرة ألبرت في أوغندا،
وبناء خط أنابيب نفط إقليمي، غير أنها حظيت برد فعل سلبي من المجموعات البيئية
المعترضة على المشروع.
وفي
السياق، قارن الباحث أوج بين وضع فرنسا والمملكة المتحدة، مشيرا إلى أن التدخل
العسكري والسياسي لباريس في مستعمراتها السابقة ولّد مشاعر معادية لها، على عكس
المملكة المتحدة التي "قطعت العلاقات بشكل صريح بعد استقلالها".
وأشار
إلى أن تلك السياسة الفرنسية تجاه المستعمرات السابقة تفسر جزئيًا سبب تعرض باريس
لانتقادات شديدة في مستعمراتها السابقة، مشيرا إلى أن عدم استعدادها فعليا لمغادرة
مستعمراتها السابقة.
واستدرك: "في أوغندا كما في نيجيريا أو حتى في أنغولا، يحدث نفس الشيء، وبما أن هذه البلدان ليس لديها ماض استعماري، لا يُشار إلى فرنسا ككبش فداء مسؤول عن الوضع السياسي والاقتصادي في هذه البلدان
المراجع:
(ب ، ن ) ، 9.12.2022 ، الوجود الفرنسي في
إفريقيا ، موقع AA .
(ب ، ن) ، 5.3.2023 ، فرنسا جديدة في أفريقيا
قديمة ، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولى .