بحر قزوين
فرع بنغازي

أكبر مسطح مائي مغلق على الأرض، وثاني أكبر وأغنى منطقة بثروات النفط والغاز في العالم، تتقاسم خمس دول شواطئه بنسب متفاوتة، لكنها تختلف -لأسباب سياسية واقتصادية- في الأساس القانوني لاستغلال ثرواته.

معلومات أساسية

بحر قزوين بحر مغلق بين آسيا وأوروبا، وهو أكبر مسطح مائي مغلق على سطح الأرض، تبلغ مساحته نحو 370 ألف كيلومتر مربع، وأقصى عمق له890  مترا، ومن ثم فإنه يحمل قانونيا خصائص البحار والبحيرات.

 وتقتسم شطآنه -بنسب متفاوتة- كل من تركمانستان وكزاخستان وروسيا وأذربيجان وإيران، وفي أعماقه من احتياطي النفط والغاز ما يجعله ثاني أكبر منطقة غنية بالثروات بعد الخليج العربي، إضافة إلى ثروة هائلة من الذهب والنحاس واليورانيوم.

وتتفاوت التقديرات بشأن احتياطيات الطاقة في حوضه تفاوتا صارخا تبعا لاختلاف مصادرها، وهو ما يلقي بشكوك كبيرة حول حقيقة بعض هذه الأرقام التي تتراوح بين 15-200 مليار برميل من النفط ذي النوعية العالية.

ولكن وكالة الطاقة الدولية تقدر الاحتياطيات المثبتة من النفط بنحو 15-40 مليار برميل (1.5%-4% من الاحتياطيات العالمية المثبتة)، أما احتياطات الغاز الطبيعي فتقدرها بنحو 6.7-9.2 تريليونات متر مكعب (6%-7% من الاحتياطيات العالمية من الغاز).

ويأتي توزع حصص دول بحر قزوين من ثروات الطاقة المكتشفة فيه على النحو التالي: كزاخستان 75%، أذربيجان 17%، تركمانستان 6%، روسيا 2%، إيران غير مكتشف.

  جذور الصراع

في عام 1988 حُفرت أول بئر للنفط بمنطقة قزوين في أذربيجان التي كانت تتبع آنذاك للإمبراطورية الروسية، كما بُنيت فيها عام 1922 أول مصفاة للنفط في العالم كله، وهي حينئذ تحت الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان يتقاسم مع إيران السيطرة على بحر قزوين.

وكان الوضع القانوني للبحر قد تحدد في العهد السوفياتي وفق اتفاقيات عقدت بين موسكو وطهران في أعوام 1921 و1935 و1940 و1970، غير أن الاتفاقيات تتعلق بتنظيم الملاحة وحق الصيد لكلتا الدولتين في كامل بحر قزوين ما عدا منطقة الأميال العشرة الخاصة بشاطئ كل منهما، ولم تتناول موضوع الثروة النفطية الكامنة في قاع البحر.

بانهيار المنظومة الشيوعية 1991 نالت الجمهوريات السوفياتية المطلة على بحر قزوين استقلالها، فأصبحت شطآنه مقسمة بين خمس دول لا دولتين، وقررت حكومات هذه الدول استغلال مواردها النفطية في المنطقة بأقصى طاقة ممكنة سعيا لتحقيق الرفاه لشعوبها التي عانت البؤس أيام الحكم الشيوعي.

بيد أن نزاعا قانونيا -تغلفه حسابات السياسة- نشب بين حكومات هذه المنطقة ووقف عقبة كأداء في طريق استغلال متفق عليه لثروات بحر قزوين وفي مقدمتها النفط، ويدور النزاع حول طبيعة الأساس القانوني لتقسيم عادل للثروات بين هذه الدول، بما يشمل تحديد حقوق ملكية الاحتياطيات النفطية تحت قاع البحر، أي تحديد هوية بحر قزوين: هل هو بحيرة مغلقة أم بحر مفتوح؟

ويعني اعتبار بحر قزوين "بحيرة مغلقة" أن المياه الإقليمية لكل دولة تمتد إلى عشرين ميلا بحريا تليها عشرون ميلا بحريا أخرى يحق لكل دولة استغلالها اقتصاديا، ثم تظل المساحة الباقية منطقة مشتركة بين الدول المطلة عليه وتقسم عائداتها الاقتصادية عليهم بالتساوي بحيث تحصل كل دولة على 20%، وهذا التصور يسمى "السيادة المشتركة" وتؤيده تركمانستان وإيران.

أما النظر إليه على أنه "بحر مفتوح" فيعني قانونا أن حصة كل دولة يجب أن تحدد على أساس قطاعها المائي وحجم شواطئها المطلة على بحر قزوين ويبقى استخدام سطح البحر مشاعا بين الجميع، وهذا التصور يُدعى "التقسيم القطاعي القومي" وتؤيده روسيا وكزاخستان وأذربيجان.

ويتمسك الطرف الإيراني بـ"حقه" في امتلاك حصة 50% من بحر قزوين -وهي نفس حصته السابقة وفقا للمعاهدات مع الاتحاد السوفياتي- بحجة أن إيران غير مسؤولة عن ظهور دول جديدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، رغم أن ساحل إيران على البحر لا يبلغ 14% من مساحته، وتقع حصتها في القطاع الجنوبي من البحر الذي لا يحتوي قدرات كبيرة من الغاز والنفط

وهناك إشكالية أخرى وهي أن عمق البحر في الجانب الإيراني يقارب ألف متر وفي الجانب الروسي (شمالي البحر) يقارب خمسة أمتار، ولذا فإن استثمار البترول في الجانب الإيراني مكلف جدا بينما التكاليف في الجانب الروسي قليلة لأن العمق ضئيل جدا.

أطراف النزاع

الأطراف الرئيسية المباشرة في هذه القضية هي الدول الخمس المطلة على بحر قزوين، ونظرا لافتقار الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفياتي إلى الإمكانيات المالية والتقنية اللازمة لاستغلال الثروة النفطية في المنطقة، فقد لجأت حكوماتها إلى الشركات العالمية للقيام بتلك المهمة، وهنا تدخل أطراف أخرى فاعلة في النزاع أهمها الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.

ومهما استند كل فريق من الأطراف المباشرة (دول بحر قزوين) إلى أدلة قانونية في موقفه من هذا النزاع، فإن المصالح الاقتصادية والحسابات السياسية هي التي تحدد رؤية كل فريق، فموارد النفط الأساسية تقع في جانب أذربيجان وكزاخستان وروسيا، ومن ثم فهي تؤيد صيغة "البحر المفتوح".

وتقترح إيران أحد أمرين: إما بقاء بحر قزوين مناصفة بينها وبين الدول الأربع الباقية كما هو الحال زمن الاتحاد السوفياتي، وعلى الدول الأربع أن تتفاوض لتقاسم النصف الآخر بينها.

أو أن يُقسّم البحر كله إلى خمسة أجزاء متساوية بحيث تحصل كل دولة على نسبة 20% من قاع البحر دون النظر لطول حدودها البحرية، وتؤيد تركمانستان الحل الأخير الذي تحتج إيران له باتفاق أبرمته عام 1970 مع الاتحاد السوفياتي قائلة إنه يقضي بتقسيم الثروة بالتساوي بينهما.

وقد بدأ التقسيم القطاعي منذ عام 1998 يأخذ طريقه إلى التطبيق العملي بحكم الأمر الواقع، على أمل التوصل إلى تسوية شاملة في نهاية المطاف، وكانت أذربيجان وكزاخستان خصوصا من بين الدول الأسرع في استخراج البترول والغاز الطبيعي.

فقد وقعت الدولتان في مايو  2003 اتفاقات ثنائية مع روسيا بشأن الوضع القانوني لاستغلال احتياطيات النفط والغاز في بحر قزوين على أساس اقتسام للمناطق الساحلية وفقا لطول سواحل الدول الثلاث، وهو ما يمنح أذربيجان نسبة 18% وروسيا 19% وكزاخستان 27%، والباقي 36% تنال منه إيران ما بين 11 14% والباقي 21.89% يكون لتركمانستان.

وهي اتفاقات تعارضها إيران وتركمانستان اللتان توصلتا قبيل ذلك إلى إعداد اتفاق ثنائي بينهما يقضي بترسيم حدود مشتركة.

أبرز المحطات

 1921-1970 : حكمت استغلالَ موارد بحر قزوين خلال هذه الفترة ثلاثُ اتفاقيات موقعة بين دولتي  آنذاك الاتحاد السوفياتي وإيران، تتعلق بالملاحة والصيد.

– 1970: توقيع اتفاقية بين إيران والاتحاد السوفياتي تقضي بتقسيم الثروة بالتساوي بينهما وهو ما اعتبر تعديلاً لاتفاقيتيْ 1921 و1940، كما صدر فيها قرار من وزارة النفط السوفياتية ينص على أن تقوم أذربيجان بجميع أعمال التنقيب في بحر قزوين

المؤثرات والانعكاسات

تتعدد عوائق التوصل إلى حل نهائي للنزاع في بحر قزوين وتتنوع بين القانوني والسياسي والاقتصادي، ولعل الجانب الاقتصادي السياسي فيها أغلب لاعتبارات تتعلق بلعبة النفوذ الإستراتيجي بين القوى الكبرى محليا ودوليا.

فروسيا أبدت مخاوفها من اندفاع أذربيجان بقوة نحو الدول الغربية، وهي نفس المخاوف التي عبَّرت عنها إيران مضيفة لها أسبابا أخرى تتعلق بخشيتها من أن تتبنى الجمهوريات الإسلامية الثلاث المطلة على بحر قزوين نمط الحياة الغربية، من جراء استقدام الرأسمال الغربي إلى المنطقة عبر التعاون الضخم مع شركات النفط الغربية.

ويقول المراقبون إن الموقف الأميركي حاسم في إنهاء النزاع، وإن هدف واشنطن في النهاية هو ضمان توصيل بترول بحر قزوين إلى الغرب على نحو يتجنب عملياً دخول روسيا على الخط مما ينسف سيطرتها على المنطقة، كما تريد أن تصل إلى وضع يقل معه اعتمادها على نفط الخليج العربي الذي تستورده.

فقد حصلت الشركات الأميركية خلال تسعينيات القرن العشرين على 38% من قيمة العقود التي أبرمتها أذربيجان لاستغلال ثروتها النفطية.

كما حصلت الشركات البريطانية على 17% من قيمة العقود، والشركة النرويجية "ستات أويل" على 8%. بينما لم تتح الفرصة لكبرى الشركات الروسية "لوك أويل" لتحصل إلا على 10%.

وفي هذا الإطار تبرز معركة كبيرة حول الطرق التي سوف تسلكها خطوط الأنابيب الحاملة والناقلة للنفط والغاز إلى الأسواق العالمية، وهي عملية تكلف مبالغ باهظة، لكنها تدر أيضاً أرباحاً كثيرة.

 الخلاف حول توصيف بحر قزوين

ولّد واقع وفرة الموارد والثروات التي يحتويها هذا البحر صراعاً على تقاسمه ما بين الدول المطلة عليه. وقد ظهر هذا الخلاف بعيد سقوط الإتحاد السوفياتي واستقلال دوله وبخاصة أذربيجان، وكازخستان، وتركمانستان، وهي الدول المطلة عليه مع روسيا الإتحادية وطبعاً إيران التي كانت تقتسمه سابقاً مع الإتحاد السوفياتي بنسب معينة، وفق معاهدات 1920 و1940، ولكن هذه الدول المشاطئة لم تستطع حتى اليوم إيجاد صيغة مقبولة من الجميع حول طريقة اقتسامه أو تحديد حصة كل منها، حتى أنه لم يتم إتفاق حول تحديد طبيعة هذا المسطح المائي «أبحرٌ هو أم بحيرة؟» لأنه «وفق القانون الدولي»، إذا اعتبر «بحراً» فلكل دولة حصة فيه حسب طول شواطئها، وإذا اعتبر «بحيرة» فإنه يتم تقاسم ثرواته بنسبة طول شواطئ كل دولة، وحسب قانون البحيرات الدولي فإنه لو تمّ استخراج النفط من أمام شواطئ أذربيجان فإن لبقية الدول المشاطئة حصة فيه، وهكذا.

قزوين في قلب الصراع العالمي حول الطاقة

مع تزايد أهمية حوض قزوين كمنطقة ذات ثقل سياسي واقتصادي، ازدادت حدة المنافسة العالمية السياسية والتجارية بين الدول الكبرى لإيجاد موطئ قدم، للسيطرة على هذه الموارد والثروات.

فمنذ تسعينيات القرن الماضي سعت الولايات المتحدة الأميركية للاستحواذ على هذه المنطقة لإيجاد مصادر طاقة بديلة عن نفط الخليج أو لتقليل الاعتماد عليه، كما أنها تسعى لإيجاد مواطئ أقدام ونفوذ في دول آسيا الوسطى بمساعدتها على استخراج هذه الموارد ونقلها، وبذلك تقطع الطريق على عودة الهيمنة الروسية على هذه الدول، وتتحكم بإنتاج الطاقة وأسعارها في وجه دول منظمة «أوبك» النفطية، كما أنها تقطع الطريق على الصين الصاعدة إقتصادياً والمتعطشة لكل نقطة نفط، أو غاز لتنمية صعودها. كذلك تمنع إيران من مدّ نفوذها الى دول آسيا الوسطى وتقطع طريق إتصالها بروسيا.

طريق الحرير طريق الأنابيب والكافيار

هكذا يمكن القول إن منطقة بحر قزوين لم تعد حيّزاً جغرافياً إقليمياً فحسب، ففي عالم اليوم، الذي تسوده الفوضى، وصراع المصالح، أصبح بؤرة للصراع على الثروة والموارد، وفضاء لنزاع الإستراتيجيات الدولية للحصول على الطاقة وتأمين نقلها. ومع مدّ الأنابيب يحضر العسكر لحماية هذه المنشآت، وخلف العسكر تحضر السياسة وفرض النفوذ، وهذا ما نراه في عدد من دول آسيا الوسطى والقوقاز من حضور للقواعد العسكرية الأميركية، ما بين البحر الأسود مروراً ببحر قزوين وصولاً الى حدود الصين، فيبدو الأمر وكأنه تطويق لروسيا والصين وإيران، وهذا ما يفسّر لعبة الصراع ما بين دول العالم الكبرى واللاعبين الإقليميين، وكأن الولايات المتحدة تعاود الرسم والسيطرة على طريق الحرير القديمة ولكن «بنسخة جديدة» هي طريق أنابيب النفط والغاز، ممزوجة مع القليل من الكافيار، وربما الكثير من الدماء...






المراجع:

 د. أحمد علو، 306- 2010 ،بحر قزوين كعكة الذهب الأسود والألماس الأسود ،الجزيرة نت.

ب،ن , 13/5/2015 ، بحر قزوين ، الجزيرة الموسوعة.

المقالات الأخيرة