تُعـاني قـارة أوروبا من تبعات مُشكلة
"الهجرة غير الشرعيَّة"، المُتدفِّقة إليها عبر البحـر الأبيض
المُتوسِّط، خُصُوصا بعـد الحراك الثوري الذي شهدته المنطقة العربية في عام 2011،
وما نتج عنه من ظروف انتقالية وفوضى وصراعات مُسلحة، وما ترتب عليها من سقوط عدد
من الأنظمة السياسية في هذه المنطقة، كل هذه المعطيات أُعْتُبِرَتْ بمثابة
تحدِّياتٍ جسيمةٍ بالنسبة للقارة العجُوز، استلزمت ضرُورة القيام بخُطواتٍ
عمليَّةٍ لمُواجهتها.
وعلى امتداد السنوات والأجيال عرفت الهجرة في
كل أنحاء المعمورة خطا بيانيا تصاعديا لا يزال متواصـــلا حتى الآن، بل إنه مرشح
للارتفاع اليوم أكثر من أي وقت مضى، كما تمثل إحدى أهم القضايا التي تحتل صدارة
الاهتمامات الوطنية والدولية في الوقت الحالي بفعل العديد من المؤثرات والعوامل السياسية،
والاقتصادية، والاجتماعية والإنسانية، لا سيما في ظل التوجه العالمي نحو العولمة
الاقتصادية وتحرير قـيــود التجارة التي تقضي بفتح الحدود وتخفيف القيود على السلع
وحركة رءوس الأموال وما نتج عن ذلك من آثار اقتصادية على الدول النامية والفقيرة
وبالرغم من حداثة مشكلة الهجرة غير الشرعية فى إطار العلاقات الدولية، فإن
الاهتمام بها من قبل السياسيين والأكاديميين والعامة قد زاد بشكل ملحوظ منذ عقد
التسعينيات من القرن الماضي، حيث أصبح عشرات الآلاف من الأفارقة والعرب يهاجرون
على متن ما يُعــرفُ بــ"قــوارب الموت"، من شواطئ البحر المتوسط إلى
السواحل الأوروبية وفي هذا الإطار،
سنتناول
في هذه المقالة موضوع: "الاتحاد الأوروبي والهجـرة غير الشرعيَّة: قضايا
وتحدِّيات".
أوَّلا- مفهُومُ الهجرة غير الشَّرعيَّة:
تُعرَّفُ الهجرة غير الشَّرعيَّة بأنَّها:
"خُرُوجُ الشَّخص من إقليم دولته أو دولةٍ أُخرى بطريقةٍ شرعيَّةٍ أو غير
شرعيَّةٍ قاصدا دُخُول دولةٍ أُخرى دُون الحُصُول على مُوافقتها أو بالحُصُول على
مُوافقتها لفترةٍ ما أو لغرضٍ ما واستمرار بقائه على إقليمها بغرض الإقامة
الدَّائمة عقب انتهاء فترة السَّماحِ أو دُخُولِهِ إلى إقليم تلك الدَّولة)
المُستقبلة (من منفذٍ غير شرعيٍّ حاملا مُستنداتٍ غير حقيقيَّةٍ للدُّخُول إلى
المنطقة المُهاجر إليها مُخالفا بذلك لوائحها ونُظُمها الدَّاخليَّة والقواعد
المُتعارف عليها دوليّا"
وتُعرِّفُ مُنظمة الأمم المُتحدة الهجرة غير
الشرعية بأنها: "دخولٌ غيرُ مُقنَّنٍ من دولةٍ إلى أخرى عن طريق البرِّ أو
الجوِّ أو البحر، لا يحملُ هذا الدُّخُولُ أيَّ شكلٍ من تصاريح الإقامة الدَّائمة
أو المُؤقتة، كما تعني عدم احترام المُتطلبات الضَّرُوريَّة لعُبُور حُـدُود
الدولة
"
ووفقا لما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة
لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية فإنها تعني : "عبور الحدود دون التقيد
بالشروط اللازمة للدخول المشروع إلى الدولة المستقبلة"(أما منظمة الهجرة
الدولية فأشارت إلى أن المهاجر غير الشرعي هو: "المهاجر الذي لا تتوافر لديه
الوثائق اللازمة والمنصوص عليها، بموجب لوائح الهجرة من أجل الدخول، والإقامة،
والعمل في دولة ما
وتعرف المفوضية الأوروبية الهجرة السرية أو غير
الشرعية : بأنها "ظاهرة متنوعة تشتمل على أفراد من جنسيات مختلفة يدخلون
إقليم الدولة العضو بطريقة غير مشروعة عن طريق البري أو البحر أو الجو بما في ذلك
مناطق العبور في المطارات
يتم
ذلك عادة بوثائق مزورة أو بمساعدة شبكات الجريمة المنظمة من المهربين والتجار،
وهناك الأشخاص الذين يدخلون بصورة قانونية وبتأشيرة صالحة ولكنهم يبقون أو يغيرون
غرض الزيارة فيبقون بدون الحُصُول على مُوافقة السُّلطات، وأخيرا، هُناك مجمُوعةٌ
من طالبي اللجوء السياسي الذين لا يحصلون على المُوافقة لكنهم يبقون في البلاد"
إذا، خلاصة القول إن الهجرة غير الشرعية أو غير
القانونية- المقصودة في هذه المقالة -هي مُغادرة الأفراد لدولهم (في قارة
إفريقيا(، وركوبهم في قوارب مطاطية أو خشبية غير آمنة، وغير مهيأة للسفر في البحر
مسافات طويلة؛ لغرض العبور إلى الضفة الأخرى، وهي الدول الأوروبية المطلة على
البحر الأبيض المتوسط، وكثير من هؤلاء المهاجرين يموتون غرقا في البحر، والبعض
منهم يصل إلى وجهته.
وقد رصدت الهيئة الأوروبية المختصة بمُراقبة
حُدُود الاتِّحاد الأوروبي (فرونتكس) في مُنتصف مايو 2014 التدفق الأكبر وغير
المسبوق في تاريخ القارة الأوروبية للمهاجرين غير الشرعيين صوب أوروبا في الشهور
الأربعة الأخيرة فقط، فقد تم رصد دخول أكثر من 25 ألف مهاجر غير شرعي إلى إيطاليا
ومالطا،) في الشهور الأربعة الأولى من 2014)، مقارنة بــ40 ألف مهاجر دخلوا أوروبا
عام 2013. وفي اليوم نفسه، دعت وزيرة الدفاع الإيطالية إلى تدخل منظمة الأمم
المتحدة في قضية الهجرة غير الشرعية التي تتدفق إلى إيطاليا، وتؤدي إلى سقوط
ضحايا، باعتبارها مسألة إنسانية طارئة، وفي الوقت نفسه، طالبت بقية الدول
الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتحمل جزء من المسئولية في مواجهة هذه
القضية ولذلك، كان على أوروبا، في السنوات الأخيرة، أن تستجيب لأخطر تحديات الهجرة
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.وقد تراجعت تدفقات الهجرة القياسية إلى الاتحاد
الأوروبي الذي شهدها عامي 2015 و2016: وصل 120 ألف شخص إلى أوروبا عن طريق البحر
في عام 2019، مقارنة بأكثر من مليون في عام 2015. ومع ذلك ، ظل معبر البحر الأبيض
المتوسط مميتًا، حيث بلغ عدد القتلى أو المفقودين 1319 شخصًا في عام 2019، مقارنةً
بـ 2277 في عام 2018، و3139 في عام 2017. أظهر تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء إلى
أوروبا الحاجة إلى سياسات لجوء وهجرة أوروبية أكثر عدلا وفعالية.
وقد ازدادت إجراءاتُ الحدِّ من ظاهـرة الهجرة
غير الشَّرعيَّة مرَّةً أخرى بعد عام 1990، وهُو العامُ الذي شهد توسُّع الاتِّحاد
الأوروبيِّ، ومنذ عام 1995 أخذت إجراءات الهجرة غير الشرعيَّة في الدُّول
الأوروبيَّة تأخُذُ الطابع الأمنيَّ، وقد كان لهذه الإجراءات تأثيرٌ سلبيٌّ أدَّى
إلى زيادة حركة الهجرة غير الشرعيَّة إلى القارة الأوروبيَّة بشكلٍ كبيرٍ، الأمرُ
الذي جعل الدُّول الأوروبيَّة تُعْطِي أهمِّيَّةً كُبرى لظاهرة الهجرة غير الشَّرعيَّة
فوضعت في عام 1999" برنامج
ستوكهولم"، الـذي كـان يشمـلُ الأولويَّات التـاليـة :
• إدارة ومُراقبة الحُدُود الخـارجيَّـة للاتحـاد الأوروبي بفعاليَّة.
• مُحـاربـةُ الاتِّجـار بالبشـر و التَّهـريب.
تشجيعُ الأشخاص من غير مُواطني الاتِّحاد الأوروبيِّ غير المُصرَّح لهُم
بالوجود في إحـدى دول الاتحاد على المُغـادرة طـواعيةً.
ولأن الأوروبيين يعطون أولوية للمشاريع المتصلة
بالهجرة من الضفة الجنوبية للمتوسط إلى الضفة الشمالية، لذلك سارعوا إلى اعتماد
"الميثاق الأوروبي للهجرة"، الذي شدد من إجراءات مكافحة الهجرة غير
الشرعية، التي سيطلب من البلدان الجنوبية الالتزام بها، في مقابل تنفيس الانغلاق
الأوروبي، والسماح بقناة للهجرة المنظمة في القطاعات التي يحتاج فيها الأوروبيون
إلى خبرات دقيقة وعالية المستوى، وهو ما يجري بلورته جماعيا في إطار آلية
"البطاقة الزرقاء"، التي ستمنح للعقول المهاجرة من الجنوب.
وبسبب مخاطر الهجرة غير القانونية أصبح الاتحاد
الأوروبي ينظُرُ إلى ظاهرة تدفُّق المُهاجرين غير الشرعيين من الضفة الجنُوبيَّة
إلى الشَّماليَّة للبحر المُتوسِّط على أنَّها مصدرُ كُلِّ المخاطر، وتُشكِّلُ
تهديدا على الأمن الأوروبيِّ، وهذا يُؤدِّي إلى انتشار ظواهر أخرى، مثل: تجارة
المُخدِّرات، والجريمة المُنظَّمة، ممَّا يُؤدِّي إلى انتشار حالات اللااستقـرار
الأمنيِّ الاقتصـاديِّ لدُول الاتِّحـاد الأوروبيِّ.وهُو ما قـاد دول الاتحاد
وخاصَّة بعد ثورات الربيع العربي إلى اتخاذ العديد من الآليَّات الأمنيَّة
لمُكافحة هذه المشكلة.فأوروبا ترى أن الأولوية لمثل هذه التهديدات ذات الطابع
الأمني، القادمة من الضفة الجنوبية للمتوسط، فركزت أوروبا على أهمية الحوارات مع
المغرب العربي مثلا في المجال الأمني عبر مبادرة (5+5)، التي تهتم بكل القضايا
الأمنية في المنطقة، وعلى رأسها الهجرة غير الشرعية.
يتبع
الجزء الثاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر
: صحيفة السياسة الدولية
الكاتب
: خالد خميس السحاتي
بتاريخ
: 1/4/2024