كوريا الجنوبية تدخل أزمة سياسية حادة بعد “الأحكام العرفية”
فرع القاهرة

كوريا الجنوبية تدخل أزمة سياسية حادة

بعد "الأحكام العرفية"

 

تكتسب كوريا الجنوبية أهمية كبيرة على صعيد الاقتصاد العالمي، وقد تؤثر الأحداث التي تمر بها على الاقتصاد في قارة آسيا والعالم وفي ظل ضغوط سياسية متصاعدة، أعلن رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، فرض الأحكام العرفية في الدولة الديمقراطية لأول مرة منذ أكثر من 50 عامًا، مما أثار احتجاجات بالقرب من مبنى البرلمان.

وبحسب بيانات البنك الدولي فإن اقتصاد كوريا الجنوبية يعتبر رابع أكبر اقتصاد في آسيا بقيمة 1.7 تريليون دولار.

وأعلن التلفزيون الوطني في ساعة متأخرة من الليل القرارن مما دفع المواطنين فورًا إلى التفكير في احتمالية وجود تهديد متعلق بكوريا الشمالية، الجارة المسلحة نوويًا، أو قضية أمنية وطنية خطيرة مثل هجوم إرهابي أو انقلاب.

لكن سرعان ما اتضح أن يون اتخذ هذا الإجراء الجذري استجابة لسلسلة من التطورات السياسية، حيث أن الأحكام العرفية تمنح القوات العسكرية صلاحيات إضافية، وقد يتم تعليق بعض ضمانات وإجراءات سيادة القانون المعتادة.

فبعد فقدانه السيطرة على البرلمان في وقت سابق من هذا العام، كانت حكومته تواجه سلسلة من مشاريع القوانين والقرارات التي تقدمها المعارضة بهدف تقويض حكمه.

ويرى المراقبون السياسيون أن الرئيس قد اضطر إلى اللجوء لهذا التكتيك غير الديمقراطي، لصد الهجمات السياسية الموجهة ضده.

أسباب وآثار قرار فرض الأحكام العرفية

يشغل يون سوك يول، ممثل حزب قوة الشعب المحافظ، منصب رئيس كوريا الجنوبية منذ عام 2022

فاز يول في الانتخابات بهامش ضئيل للغاية، متقدمًا على منافسه لي جاي ميونغ - عضو الحزب الديمقراطي - بأقل من نقطة مئوية واحدة وكان يون وافدًا جديدًا على السياسة، حيث أمضى السنوات السبع والعشرين السابقة من حياته المهنية كمدع عام.

لقد اتخذ يون منذ فترة طويلة موقفًا صارمًا بشأن كوريا الشمالية، وهو تحول عن سلفه مون، الذي فضل الحوار والمصالحة السلمية وانتقد يون هذا النهج ووصفه بأنه "خضوع".

وعد يون بتعزيز الجيش الكوري الجنوبي، حتى إنه ألمح إلى أنه سيشن ضربة وقائية إذا رأى علامات تشير إلى شن هجوم ضد سيول، لكنه واجه معارك سياسية في الداخل، حيث دخل في صراع مع الحزب الديمقراطي المعارض، الذي عزل وزراء بشكل متكرر وأحبط الخطط المالية للحكومة.

ربما دفع نفوذ المعارضة في البرلمان بشكل جزئي يول إلى إصدار أمر بفرض الأحكام العرفية الطارئة خاصة بعد مقترح من المعارضة لعزل كبار المدعين العامين ورفض اقتراح ميزانية الحكومة.

وبقرار يول، تجد البلاد نفسها تحت الأحكام العرفية للمرة الأولى منذ انتهاء عصر الدكتاتورية العسكرية في عام 1980.

وتراجعت معدلات شعبية يول منذ توليه منصبه، بفضل سلسلة من الفضائح والقضايا التي دفعت مئات الآلاف إلى المطالبة بعزله.

بعد أشهر قليلة من تنصيبه، وقع تدافع حشد في إيتايوان في عيد الهالوين، مما أسفر عن مقتل 159 شخصًا - وطالب الجمهور بالمساءلة والتحرك من قبل السلطات.

وأخبرت العائلات شبكة CNN بعد مرور عام أنها ظلت غير راضية عن الاستجابة، خاصة بعد أن منع يون مشروع قانون يقترح تحقيقًا جديدًا في الحادث في وقت سابق من هذا العام، وفقًا لوكالة رويترز.

ثم كان هناك جدل حول حقيبة ديور - حيث اتُهمت زوجة الرئيس، كيم كيون هي، بقبول حقيبة مصممة بقيمة 2200 دولار كهدية، وهو ما من شأنه أن ينتهك قانون مكافحة الفساد الذي يحظر على المسؤولين العموميين وأزواجهم تلقي هدايا بقيمة تزيد عن 750 دولارًا.

ووصف يول مزاعم ديور بأنها "حيلة سياسية" - ولكن بدلاً من أن تهدأ الفضيحة، تصاعدت إلى أزمة كاملة بالنسبة للرئيس وحزبه المحافظ، وهو ما انعكس على نتائج الانتخابات البرلمانية في أبريل حيث حققت أحزاب المعارضة الليبرالية فوزًا ساحقًا.

فمنذ توليه منصبه - خلفًا للرئيس الليبرالي مون جاي إن - واجه مجموعة من التحديات، من التهديد الدائم لكوريا الشمالية إلى التوترات المتزايدة بين شركاء كوريا الجنوبية الرئيسيين، الولايات المتحدة والصين - فضلاً عن انخفاض معدلات المواليد.

قوبل الإعلان على الفور بإدانة شديدة من قادة المعارضة، حيث وصفوه بغير الدستوري، ودعا زعيم المعارضة، لي جاي ميونغ، أعضاء حزبه الديمقراطي إلى الاجتماع في البرلمان مساء الثلاثاء للتصويت ضد الإعلان.

ورغم أن حافلات الشرطة قد تمركزت بالفعل لمنع أو عرقلة الوصول إلى مبنى البرلمان في العاصمة سيول لكن المتظاهرون اندفعوا نحو مبنى الجمعية الوطنية، وهم يهتفون "لا للأحكام العرفية! لا للأحكام العرفية!" واندلعت اشتباكات بينهم وبين الشرطة التي كانت تحرس المبنى.

وتشير الأحكام العرفية إلى حكم مؤقت تُمنح فيه السلطات العسكرية صلاحيات استثنائية خلال حالة طوارئ عندما يُعتبر أن السلطات المدنية عاجزة عن العمل، بحسب ما نقلته شبكة "BBC"، واطلعت عليه "العربية Business".

وكانت آخر مرة فُرضت فيها الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية في عام 1979، بعد اغتيال رئيس طويل الأمد خلال انقلاب، ولم يتم اللجوء إليها منذ أن أصبحت كوريا الجنوبية ديمقراطية برلمانية في عام 1987.لكن يوم الثلاثاء، لجأ يون إلى هذا الخيار في خطاب وطني، معلنًا أن البلاد تواجه تهديدًا من "قوى معادية للدولة".

البرلمان والمعارضة في مواجهة الرئيس

منذ الانتخابات العامة في أبريل، أصبح يون رئيسًا ضعيفًا، بعد أن حققت المعارضة فوزًا ساحقًا، ولم تتمكن حكومته من تمرير مشاريع القوانين التي ترغب بها، واقتصر دورها على استخدام الفيتو ضد مشاريع القوانين التي تمررها المعارضة.

كما شهد يون تراجعًا حادًا في شعبيته بين الناخبين، وسط سلسلة من فضائح الفساد واستغلال النفوذ السياسي، بما في ذلك قضية تورطت فيها السيدة الأولى لقبول حقيبة ديور، وأخرى تتعلق بالتلاعب في الأسهم.

قبل شهر فقط، اضطر يون إلى تقديم اعتذار علني على التلفزيون الوطني، معلنًا إنشاء مكتب لمراقبة مهام السيدة الأولى، لكنه رفض إجراء تحقيق أوسع أو مستقل، وهو ما كانت تطالب به أحزاب المعارضة.

هذا الأسبوع، اقترحت المعارضة تخفيض ميزانية حكومته، وهو مشروع قانون لا يمكن استخدام حق الفيتو ضده، في الوقت نفسه، تحركت المعارضة أيضًا لعزل أعضاء في حكومته، بمن فيهم رئيس هيئة التدقيق الحكومية، بسبب عدم التحقيق مع السيدة الأولى.

فاجأ إعلان يون الكثيرين، والوضع يتطور بسرعة الآن، إذ دعت المعارضة السياسية الجمهور إلى التجمع خارج البرلمان في احتجاجات سلمية ويُعرف عن كوريا الجنوبية تنظيمها لمظاهرات شعبية فعالة قادرة على تغيير الحكومات.

وفي الليلة ذاتها، دعا الحزب الديمقراطي المعارض جميع نوابه إلى الحضور إلى الجمعية الوطنية، ووفقًا للقانون الكوري الجنوبي، يتعين على الحكومة رفع الأحكام العرفية إذا طلبت ذلك الأغلبية في البرلمان من خلال تصويت، وينص القانون أيضًا على منع قادة الأحكام العرفية من اعتقال النواب.

لكن حافلات الشرطة كانت قد اتخذت مواقعها بالفعل أمام المبنى، فيما يُنظر إليه على أنه محاولة لمنع النواب من الوصول إلى الجمعية.

في الوقت نفسه، برزت انقسامات داخل حزب يون الحاكم، وأعلن زعيم حزب "قوة الشعب"، هان دونغ هون، أن إعلان الأحكام العرفية كان خطوة "خاطئة"، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام المحلية. وتعهد بالعمل على إلغاء القانون.

فالصراع بين الحكومة والمعارضة ليس وليد اللحظة، فقد شهد البرلمان صدامات متكررة بين حكومة يون والحزب الديمقراطي الذي يملك الأغلبية البرلمانية.

وتذكر بعض الصحف المحلية أن المعارضة التي يقودها لي جاي ميونج، تسعى جاهدة لحماية قيادتها من الملاحقة القضائية، في حين يرى يون أن المعارضة تعرقل عمل الحكومة بشكل ممنهج، ووصف يون الجمعية الوطنية بأنها "ملاذ للمجرمين"، في إشارة إلى محاولات المعارضة المتكررة لعزل المسؤولين الحكوميين.

التخوف الدولي من الاوضاع في كوريا

ودوليًا، أكد البيت الأبيض، الثلاثاء، أنه يتابع الأوضاع في كوريا الجنوبية "عن كثب" بعد إعلان الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية وحظر النشاط السياسي.

وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، إن إدارة الرئيس جو بايدن "على تواصل مع حكومة الجمهورية الكورية وتراقب الوضع عن كثب" وتعد سيول من الحلفاء الأساسيين لواشنطن، وتستضيف الآلاف من الجنود الأميركيين.

كما رحب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بقرار رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول إلغاء الأحكام العرفية بعد وقت قصير من إعلانه.

وقال بلينكن في بيان إن الولايات المتحدة راقبت عن كثب التطورات في كوريا الجنوبية في الساعات الـ 24 الماضية وتتوقع "حل الخلافات السياسية بشكل سلمي ووفقا لسيادة القانون".

كما دعت السفارة الصينية في سيول، الثلاثاء، مواطنيها في كوريا الجنوبية إلى توخي "الحذر" بعد فرض الرئيس الأحكام العرفية في البلاد.

وقالت السفارة في بيان إنها "تنصح المواطنين الصينيين في كوريا الجنوبية بالتزام الهدوء وتعزيز يقظتهم في مجال السلامة والحد من التحركات غير الضرورية وتوخي الحذر عند التعبير عن آرائهم السياسية".

وفي سياق متصل، أعلن رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا الأربعاء أن بلاده تتابع "بقلق بالغ واستثنائي" الوضع في سول حيث فرض الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول لبضع ساعات الأحكام العرفية قبل أن يرغمه البرلمان على رفعها.

كما أن تأثير الأزمة على العلاقة مع كوريا الشمالية، بات واضحا حيث أشار فينغولد إلى أن بيونغيانغ قد تستغل الموقف لتكثيف هجومها الإعلامي ضد سيول.

وأوضح أن كوريا الشمالية ستعتبر الخطوة فرصة لتقويض صورة الديمقراطية في كوريا الجنوبية وتعزيز دعايتها السياسية داخليًا.

وقد اختتمت المناقشات بتحليل السيناريوهات المحتملة للأزمة، ورأى فينغولد أن استمرار الخلافات بين السلطات قد يؤدي إلى تصعيد سياسي وأمني غير مسبوق، داعيًا إلى العودة للحوار السياسي وإجراء انتخابات مبكرة كخيار لتجديد الثقة بين الشعب ومؤسساته وسط تصاعد الاحتجاجات والانقسامات السياسية، تجد كوريا الجنوبية نفسها أمام اختبار حاسم لديمقراطيتها واستقرارها. فهل تنجح القوى السياسية في إيجاد مخرج سلمي للأزمة، أم تشهد البلاد تصعيدًا يعيدها إلى أجواء الحكم العسكري؟

 

 

 

المصدر: العربية

التاريخ : 3/12/2024

---------------------------------

المصدر: سكاي نيوز عربية

التاريخ : 4/12/2024

---------------------------------

المصدر: RT ARABIC

التاريخ : 4/12/2024

المقالات الأخيرة