في الثامن من ديسمبر 2024، سقط
حكم آل الأسد بعد 53 عامًا، وأخذت تتصاعد الأسئلة حول المستقبل الذي ينتظر الدولة السورية،
خاصةً مع التوغل الإسرائيلي إلى المنطقة العازلة التي أقرتها اتفاقية فض الاشتباك في
1974م، وإطلاق مئات الضربات الجوية قَضَت على مقدرات الجيش السوري الجوية والبحرية
بجانب تدمير الأسلحة الاستراتيجية وبعض القواعد العسكرية. وما يقوله المسئولون في إسرائيل
إن هذه الغارات هدفها تدمير تلك المقدرات قبل أن تقع في يد الجماعات المتطرفة داخل
سوريا.
ولكن يمكن التساؤل من زاوية أخرى
عن المقدرات الاقتصادية التي تحتوي عليها الأراضي السورية من الموارد الطبيعية مثل
النفط، والغاز الطبيعي، وعدد من المعادن، بالإضافة إلى مساحات واسعة من الأراضي الزراعية،
لذلك يحاول هذا التحليل فهم التفاعلات التي تدور حول موارد النفط والغاز بالتركيز على
مناطق تركزها، والفاعلين المحليين الذين يسيطروا عليها، وارتباط الفاعلين المحليين
بالفاعلين الدوليين، بجانب تحليل ما يمكن أن يطرأ مستقبلًا في ذلك الملف.
ومن التساؤل عن مستقبل الموارد،
يمكن استشراف مستقبل العلاقات بين الفصائل الموجودة في داخل سوريا وديناميات التفاعل
بينها وتفاصيل التشابك مع القوى الخارجية
النفط والغاز في سوريا
تتركز معظم حقول ومصافي النفط وغيرها
من منشآت تكرير النفط، كما هو موضح في الخريطة، في شرق وشمال شرق سوريا شرقي نهر الفرات
في محافظات دير الزور، والحسكة، والرقة. وبعض الحقول تتواجد في حمص في وسط سوريا ففي
دير الزور يوجد حقول العمر، التنك، الورد، التيم، الطابية، النيشان المحاش الجفرة،
وكونيكو، بالإضافة إلى محطة T2 التي تقع على خط النفط العراقي-السوري
وحقول السويدية الرميلان، الشدادي، الجبسة، الهول، واليوسفية في الحسكة وفي حمص، يوجد
حقل شاعر وحقول جزل وحيان وجحار والمهر في تدمر، بجانب عدد من النقاط من النفطية في
الرقة.
أما الغاز الطبيعي فتوزيعه يختلف
تمامًا، حيث تتركز الحقول في الوسط والغرب السوري في حقول مثل نجيب، الضبيات، الهيل،
آراك، جحار، شاعر، الحامضي، قارة، والبريج موزعة على مناطق مثل تدمر حلب وحمص وفي الشرق
يوجد حقول كبيرة ومهمة مثل الرميلان، كونيكو، والحبسة وغيرهم.
ومع شد وجذب ظل لمدة 13 عامًا بين
نظام الأسد (الميليشيات الإيرانية) والفصائل المسلحة من جهة وبين تلك الفصائل وبعضها
من جهة أخرى، انتقلت السيطرة على هذه الحقول وبالتالي الموارد التي تنتجها من النظام
السوري إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، إلى قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المكونة من الأكراد
وبعض الفصائل العربية. لذا يجب فهم ماذا كان الوضع الأخير قبل سقوط الأسد لفهم تركز
المصالح المرتبطة بالنفط والغاز ووزنها في معادلة الصراع.
السيطرة على الحقول قبل سقوط الأسد
توزعت السيطرة على تلك الموارد
بين نظام الأسد و”قسد”، باعتبارهما أكبر الفاعلين قبل الثامن من ديسمبر 2024، بسيطرة
“قسد” على شرق نهر الفرات والشمال الشرقي السوري، أما النظام فيسيطر على غرب النهر.
وهذا التقسيم أتى معه أن تسيطر قسد على الجزء الأكبر من موارد النفط والغاز حيث يقدر
بأنها تسيطر على 90% من موارد النفط و 45% من موارد الغاز ومن هنا تسيطر “قسد” على
الحقول الأكبر والأكثر إنتاجية، منذ 2017 بعد هزيمة “داعش” ومنها حقول غاز مثل كونيكو
والجبسة ورميلان وغيرها من الحقول التي تضخ موارد كبيرة من الغاز.
وانعكس ذلك على وجود الجيش الأمريكي
كحليف لـ”قسد” وكضمان لعدم عودة تنظيم “داعش” مرة أخرى وبالنظر على توزيع القوات الأمريكية
في سوريا، نجد أن انتشارها عن طريق 32 نقطة تواجد عسكرية تتركز قرب مناطق النفط والغاز
الأساسية في الحسكة، دير الزور، والرقة.
ومع مقارنة خرائط تركز النفط وتمركز
القوات الأجنبية يمكن ملاحظة التالي:
⦁ يزداد التمركز العسكري الأمريكي مع تركز
النفط والغاز، ومع زيادة القدرة الإنتاجية للحقول مثل حقول العمر والسويدية والرميلان
وكونيكو، وتقل تمامًا في منطقة التنف حيث لا يوجد حقول.
⦁ تطوق أمريكا المنطقة النفطية في شرق
الفرات بالكامل من السويدية في أقصى الشمال الشرقي إلى حقل الكشمة عند حدود نهر الفرات
وحدود سيطرة “قسد”.
ورغم التناقضات في السياسة الأمريكية
نحو سوريا من انسحابات عسكرية قامت بها للقوات في 2019 ثم تصريحات ترامب أن أمريكا
يجب أن تبقي حصتها من أرباح النفط السوري وأهمية بقاء بعض القوات لحماية حقول النفط،
ورجوع بايدن عن هذا وعدم تجديد عقد شركة النفط الأمريكية التي كانت تعمل في الحقول
السورية، التي تثير التساؤل حول ما إذا كانت تريد البقاء والسيطرة أم لا، فإن الولايات
المتحدة ما زالت تتحكم في أغلب حقول النفط السوري من خلال التواجد العسكري أو من خلال
التحالف مع “قسد” واستطاعت “قسد” الاستفادة من الواردات النفطية من خلال بيعها إما
للنظام السابق، أو لقوات المعارضة المسلحة، أو تهريبها للعراق، بضوء أخضر أمريكي.
وبعد التدخل العسكري الروسي والمساعدات
الإيرانية في 2015، استطاع نظام الأسد أن يستعيد العديد من حقول النفط والغاز التي
فقدها في بدايات الحرب. ومن هنا كانت عودة غير كاملة للسيطرة على الموارد هناك، حيث
وَجَد الجانبان الروسي والإيراني مصالحهم في حقول نفط مثل الجفرة، التيم، الورد، الثورة
الشولة، النيشان، وجزل، وحقول غاز مثل شاعر، آراك، صدد، بالإضافة إلى حقول في دير الزور
والرقة
والحقيقة أن روسيا وإيران دخلتا
في منافسة للسيطرة على قطاع الطاقة السوري، بغض الطرف عن تفاعلاتها، إلا أن هذا التنافس
خلق لكل منهما مصالح داخل قطاع الطاقة السوري. بجانب أن النظام السوري حينها عقد اتفاقات
استثمار وتنقيب واستخراج للنفط والغاز مع الطرفين جاءت متناقضة، مما خلق تنافس مصالحي
والأسوء انتقال تلك المنافسة إلى استخدام القوة العسكرية. فكان الاتفاق حتى مع قوات
فاجنر والنظام أن تحصل على 25% من حقول النفط والغاز التي تحررها وتحميها للنظام. وكان
رجل الأعمال السوري القاطرجي جزءًا من الصفقات عن طريق شركته Arfada
Petrolum، وهذه الصفقات وتحركات القوات الروسية وقوات
فاغنر والميليشيات الموالية لإيران على الأرض وضعت حقول مثل التيم والورد تحت السيطرة
الروسية وحقلي الحسيان والحمار للحرس الثوري الإيراني بحجة توقيع عقود استثمار مع النظام
بجانب استفادة النظام من الحقول التي يسيطر عليها مع حلفائه في تلبية احتياجاته الداخلية
من النفط مع اعتماده على إيران في توريد كميات كبيرة من النفط
سيناريوهات ما بعد الأسد
ما يجب التساؤل عنه بعد سقوط الأسد
هو كيف ستتشكل العلاقات بين الفاعلين المختلفين داخل سوريا؟ والسؤال الأهم ما مدى التوافقات
والخلافات بين مختلف الفاعلين؟ وكيف سيأثر ذلك على خطوط السيطرة على الثروات السورية؟
ومن هنا تم ترسيم حدود السيطرة التي كانت تحكم مسار توزيع النفط والغاز الطبيعي قبل
سقوط النظام. ومع سقوط النظام، يمكن تدقيق خريطة أخرى لمناطق السيطرة والمصالح لفهم
دور النفط والغاز في مستقبل الصراع في سوريا.
وتُظهر الخريطة أن مناطق واسعة
من الشمال ما زال يسيطر عليها “الجيش الوطني السوري” المتحالف مع تركيا، بجانب المناطق
التي يتواجد فيها الجيش التركي نفسه. مع استمرار نفوذ “قسد” على نفس المناطق التي كانت
تسيطر عليها التي تضم معظم حقول النفط والغاز السورية. أما “غرفة عمليات ردع العدوان”
التي تضم جزء كبير من فصائل المعارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام” تسيطر على مناطق في
حمص، حماة، دمشق، وحلب، واللاذقية.
وفي حمص فوق التنف وتحديدًا في
تدمر، يسيطر “جيش سوريا الحرة” الذي كان يسمى بمغاوير الثورة وتأسس من مجموعة من الضباط
المنشقين عام 2015. وهي فصائل مدعومة بشكل كبير على مستوى التدريب والتسليح من الولايات
المتحدة وتتمركز في قاعدة التنف الأمريكية.
ومع دخول “هيئة تحرير الشام” مدينة
دير الزور، ووصولها و”قسد لاتفاق لتقسيم السيطرة على محافظة دير الزور بينهما، ومنع
الجيش الوطني السوري من دخول المحافظة، يظهر على المستوى الداخلي بوادر لتوافق بين
قوات “قسد” و”هيئة تحرير الشام”، خاصة مع الدعم الأمريكي الذي تحظى به “قسد، والتقارب
الأمريكي القوي الذي يظهر نحو “هيئة تحرير الشام”، مع الحديث حول مراجعة تصنيف الهيئة
ضمن قوائم الإرهاب لدى الأمم المتحدة والولايات المتحدة واطمئنان أمريكا لتحركات الهيئة.
ومن زاوية أخرى، فإن محور إيران
وروسيا في أشد الأوقات إنهاكًا في حروبهم، مع تعثرات روسيا في حربها الطويلة بأوكرانيا،
والضربات الإسرائيلية التي أنهكت إيران، ما انعكس بشكل مباشر على الوجود الروسي والإيراني
في سوريا خاصةً بعد سقوط الأسد. مع انسحابات للقوات الروسية من مناطق التواجد وباتجاه
قاعدتي حميميم وطرطوس في نفس يوم سقوط النظام، والانسحاب الكامل بالنسبة للقوات الإيراني
ومن هنا يمكن تفكيك العلاقات لاستشراف
مستقبل السيطرة في سوريا، إذ تمثل كل من أمريكا وتركيا مركزا ثقل تلتف حولهما بدرجات
مختلفة خيوط السيطرة وصراع النفوذ بين قوى الداخل السوري، وتمتلك كل من وشنطن وأنقرة
النصيب الأكبر في رسم مستقبل سوريا.
ومن هنا يقع مستقبل السيطرة على
النفط والغاز في يد القدرة على الوصول إلى تسويات بين الفصائل المختلفة. ويمكن لـ”هيئة
تحرير الشام”، وخاصةً مع قيادة العملية السياسية إلى الوصول لتلك المعادلات بين القوى
المختلفة وبشكل أساسي بين “الجيش الوطني السوري” من جهة و”قسد” على الجهة الأخرى كمتحاربين
مباشرين، وهو ما أظهرته الهيئة بالفعل مع التوصل إلى اتفاق في دير الزور مع “قسد” واتفاق
مع القوات الروسية في حميميم. بجانب الوجود الأمريكي الذي يعد أحد عوامل التهدئة بين
الفصائل كما حدث في منبج من خلال الهدنة المؤقتة بين “قسد” و”الجيش الوطني السوري”
والفصائل المدعومة من تركيا.
وما سيحدد ذلك هو مبادرات الحكومة
الانتقالية لتفكيك الفصائل وسحب الأسلحة وتجاوب باقي الفصائل مع تلك المبادرات والإذعان
لها. أما الجانب الآخر الخاص بالموارد، فمع تنصيب محمد البشير رئيسًا للحكومة الانتقالية
في سوريا، قد يساهم استمرار المناخ الإيجابي في التواصل بين السلطات الحالية والمجتمع
الدولي في تخفيف أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على قطاع الطاقة السوري في ضوء
أهمية إيرادات النفط والغاز في عمليات إعادة الإعمار. والسؤال الأكبر حول مدى قدرة
تلك الحكومة على فرض السلطة المركزية على البلاد وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وحل
الفصائل، مما سيثير مشكلات في تسيير أعمال تلك الحكومة الجديدة، وفتح أبواب جديدة للصراع
على الموارد بين الحكومة والفصائل المسيطرة عليها من جهة والفصائل من جهة أخرى، والتي
ستعمل أمريكا وتركيا كوسيطين لتسوية تلك النزاعات.
الخلاصة، أن الصراع على الموارد سيعتمد بشكل كبير على مدى قدرة السلطة الانتقالية على توحيد الفصائل السورية، وفرض سيطرتها على الجغرافيا السورية، لكن القوة الأكثر تأثيرًا في مستقبل سوريا قد تكون الولايات المتحدة بعد قدوم ترامب وكيفية دمج كافة المكونات والجماعات المسلحة بما في ذلك “قسد” داخل الدولة الجديدة، بالإضافة إلى التسويات بين الجانبين التركي والأمريكي في تهدئة الوضع بالشمال السوري.
المصدر: مركز رع للدراسات الاستراتيجية
الكاتب : سيف دسوقي
التاريخ : 19/12/2024
-----------------------------------------------
المصدر:CNN الاقتصادية
التاريخ : 10/12/2024
-------------------------------------------
المصدر: صحيفة النهار
التاريخ : 10/12/2024