“جوزيف عون” رئيساً للبنان
فرع القاهرة

 

بعد الضبابية والشكوك التي خيمت على مجريات جلسة انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير 2025-وهي الأولى بعد الحرب والثالثة عشرة منذ شغور منصب الرئيس- نجح النواب اللبنانيون في الجولة الثانية من هذه الجلسة في انتخاب قائد الجيش جوزيف عون بتصويت 99 صوتاً بعد أن كان قد حصل في الجولة الأولى على 71 صوتاً فقط أصبح جوزيف عون هو الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية، والرئيس الخامس الذي يأتي من خلفية عسكرية بعد فؤاد شهاب (1958-1964) وإميل لحود (1998-2007) وميشال سليمان (2008-2014) وميشال عون (2016-2022).

جاء جوزيف عون إلى سدة الرئاسة بتوافق دولي وإقليمي حاسم لم يكن لينعكس لبنانياً لولا بناء التوافق بين المعارضة اللبنانية على اسمه ثم التحاق الثنائي الشيعي بهذا التوافق، الأمر الذي أدى إلى انتخابه من الجولة الثانية وليس الأولى ليظهر بذلك الثنائي الشيعي بمظهر من سمح بتنصيب الرئيس وليس بمظهر من انصاع للضغط الدولي والإقليمي.

نشاط دبلوماسي مؤيد لانتخاب "عون"

شهد لبنان خلال الأسبوع الماضي زيارات دبلوماسية متعددة تدعيماً لانعقاد جلسة الانتخاب في موعدها

9 يناير 2025- وهو الموعد المعلن عنه منذ التوصل لوقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024 ولم تكن الاتجاهات العامة للتصويت على المرشحين محسومة آنذاك رغم إكمال الفراغ الرئاسي عامه الثاني بالتزامن مع وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل ثم أسفرت التغيرات الإقليمية المتمثلة بسقوط نظام الأسد في سوريا عن فتح الباب كما لم يسبق من قبل لانتخاب رئيس لبناني دون التقيد بالنفوذ السوري الذي كان دوماً مؤثراً على هذا الاستحقاق اللبناني الهام، إلا أن التدخلات الدولية في هذا الملف لا تنتهي وكانت الاتصالات السياسية الإقليمية والدولية مع الكتل النيابية اللبنانية قد أسفرت عن تأكيد حظوظ قائد الجيش العماد جوزيف عون مرشحاً توافقياً فقبل الحرب الإسرائيلية على لبنان وأثنائها، حاول الفرنسيون عبر المبعوث الرئاسي جان إيف لودريان التوسط لتسهيل الانتخابات الرئاسية دون الإشارة إلى اسم المرشح المطلوب، وكان حينها الفريق المقرب لحزب الله يفضل سليمان فرنجية، بينما تدفع المعارضة باسم جهاد أزعور ولكن مع تطور مسار الحرب، قرر حزب الله التخلي عن ترشيحه لفرنجية وفتح المجال لمساندة مرشح توافقي، مما أعطى الأولوية مرة أخرى لقائد الجيش العماد جوزيف عون.

ولكن في المقابل واصل التيار الوطني الحر رفض ترشيح عون للرئاسة على خلفية خلاف سابق بين الطرفين بعدما رفض العماد جوزيف عون إقحام الجيش اللبناني في قمع الانتفاضة الشعبية المعروفة بـ "ثورة 17 تشرين" التي قامت ضد الرئيس ميشال عون في نوفمبر عام 2019 بينما أبدى الوزير السابق سليمان فرنجية دعمه للتوافق متنازلاً بذلك عن ترشحه رئيساً لصالح قائد الجيش

 

 ولكن في المقابل، يبدو أن زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع كان يطمح في أن يتقدم لموقع الرئاسة في ظل ملائمة الظرف الإقليمي لأول مرة لمثل هذ الطموح، وذلك بعد سقوط نظام الأسد وتراجع نفوذ حزب الله وتقدم الهيمنة الإسرائيلية مما قد يسمح بانتخاب جعجع رئيساً رغم تاريخه السابق خلال الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982 ولكن تأكيد التأييد الدولي وخاصة السعودي والأمريكي لانتخاب قائد الجيش قد ساهم في كبح طموح جعجع في هذه المرحلة بينما طُرحت عدة أسماء كمرشحين توافقيين آخرين إلى جانب قائد الجيش، مثل العميد إلياس البيسري قائد الأمن العام والوزيرين السابقين جهاد أزعور وزياد بارود، بينما ظل المرشح الأبرز هو قائد الجيش والأسماء الأخرى احتياطية.

ومع قرب انعقاد جلسة الانتخاب قدمت إلى لبنان مجموعة من الوفود الدبلوماسية من السعودية وقطر وأمريكا وفرنسا في محاولة للتأكيد على أهمية إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده في جلسة واحدة دون تسويف أو إبطاء ولكن كان قائد الجيش يحتاج عملياً لأغلبية الثلثين لتمرير انتخابه، ليس فقط في الجولة الأولى ولكن في كل الجولات، لأنه موظف من الفئة الأولى لايزال على رأس عمله ولا يحق له الترشح لمنصب الرئيس إلا بعد مرور عامين على تقاعده ولكن انتخابه بأغلبية موصوفة (الثلثين) سيُعد تعديلاً دستورياً لكون أي تعديل للدستور يحتاج أغلبية الثلثين، وكي لا يكون لثلث النواب فرصة الطعن على انتخابه أمام المجلس الدستوري فيما بعد وذلك بالاستناد على سابقة انتخاب العماد ميشال سليمان في 2008، مما يعني أن تصويت نواب المعارضة وجزء من النواب المستقلين لصالح قائد الجيش ليس كافياً بل يستوجب تصويت نواب الثنائي الشيعي أيضاً فيما كانت احتمالية انتخاب أي مرشح آخر لا يخضع لشرط موظفي الفئة الأولى بأغلبية الثلثين في الجولة الأولى وبأغلبية بسيطة (50%+1) في الجولات اللاحقة، مما جعل التحدي كبيراً لتوفير أغلبية الثلثين لقائد الجيش، وهو ما أعطى أهمية استثنائية لالتزام حزب الله وحركة أمل بخيار قائد الجيش لتأمين أغلبية الثلثين لانتخابه.

مداولات جولتيّ الانتخاب

كانت الجلسة الأولى قد شهدت مداخلات من عدد من النواب حول عدم دستورية انتخاب العماد جوزيف عون لكونه من موظفي الفئة الأولى ولا يزال قائداً للجيش ولا يمكن أن يصبح لائقاً للترشح إلا بعد مضى عامين على تقاعده إذ دعا هؤلاء إلى إجراء تعديل شكلي للمادة 49 من الدستور للسماح بانتخاب قائد الجيش ولو لمرة واحدة كي يصبح الانتخاب منسجماً مع النص الدستوري وليس متصادماً معه ولكن نواب آخرين دفعوا بعدم إمكانية إجراء تعديل دستوري بشكل صحيح لعدم وجود رئيس للجمهورية ولعدم وجود حكومة كاملة الصلاحيات كما تشترط المادتان 76 و77 والتي تصفان بدقة كيفية وشروط تعديل الدستور حيث تعطي هاتان المادتان الحق إما لرئيس الجمهورية أو لثلثي مجلس الوزراء أو لعشرة من نواب البرلمان في اقتراح تعديل الدستور على أن تكون دورة انعقاد البرلمان دورة عادية، وهي كلها شروط غير متوافرة في الوقت الراهن، فلا وجود لرئيس للجمهورية ولا حكومة كاملة الصلاحيات ولا دورة انعقاد برلماني عادية، بحكم أنه ومنذ شغور منصب الرئيس تحول البرلمان لهيئة ناخبة لا يجوز أن تنظر في أي أمر تشريعي ولو كان تعديلاً دستورياً.  

 بينما اعتبر بعض النواب الآخرين أن الانتخاب سيكون دستورياً إذا ما حصل على أغلبية الثلثين مما يعكس توافقاً عليه وتعديلاً ضمنياً للدستور يسمح بانتخابه دون التعارض مع روح الدستور فيما عبر نواب آخرون عن أهمية الإصرار على انتخاب قائد الجيش لاقتناص لحظة التوافق الدولي والإقليمي على دعم لبنان وقيام مؤسساته مرة أخرى بعد تعطيلها لمدة عامين، واعتبر هؤلاء أنه لا يجوز الدفع بعدم دستورية انتخاب عون، فيما كان الخطأ الدستوري الأكبر هو السماح بالفراغ الرئاسي والتسويغ لاستمراره لمدة عامين بينما اعتبر نواب آخرون أن الانصياع لانتخاب جوزيف عون هو رضوخ لأوامر خارجية ينفي عن عملية الانتخاب وصفها الوطني والسيادي الذي ورد في مقدمة الدستور اللبناني

على خلفية هذه الآراء المتعارضة، نشبت مشادة كلامية وتبادل اتهامات بين النائبة بولا يعقوبيان – عن قوى التغيير- التي ساندت انتخاب جوزيف عون لكونه يمثل توافقاً وطنياً ولا يجوز الدفع بعدم دستوريته إذا حصل على أغلبية موصوفة، وبين النائب عن التيار الوطني الحر سليم عون الذي عارض هذا الانتخاب وتعدي بالسب على النائبة يعقوبيان وربما لخص هذا المشهد المتوتر طبيعة المعادلات السياسية الجديدة التي بدأت تتشكل في لبنان، إذ يمثل سليم عون التيار الوطني الحر الذي يعتبر الخاسر الأكبر من تبوء قائد عسكري للمنصب المسيحي الأول في البلاد، بعد ادعاء دام لسنوات بأن التيار الوطني الحر يعبر عن أغلبية المسيحيين في لبنان ولابد أن يمثلهم في المواقع السياسية الهامة بينما تمثل النائبة بولا يعقوبيان قوى التغيير التي ترى في جوزيف عون القائد العسكري القادم من خارج الطبقة السياسية التي ثار عليها اللبنانيون قبل 6 سنوات والذي انحاز لمطالب المظاهرات خلال "ثورة 17 تشرين" ورفض قمعها بالقوة

 ولكن في كل الأحوال، يمثل جوزيف عون نقطة تقاطع هامة بين التوافق الدولي والإقليمي والالتفاف الوطني على خيار من الكفاءة المهنية والوسطية السياسية التي ساهمت في اجتياز لبنان مراحل شديدة التعقيد دون تهديد السلم الأهلي وكانت التحديات السياسية التي واكبها جوزيف عون كقائد للجيش متعددة، منها التجاذبات السياسية الشديدة والتعطيل المؤسسي الذي طغى على عهد الرئيس ميشال عون، ثم الثورة الشعبية التي اندلعت ضد الطبقة السياسية في نوفمبر عام 2019 وما تلاها من حراك شعبي كبير ثم أزمة مالية واقتصادية ومعيشية طاحنة ونقص في المواد الأساسية، وصولاً إلى الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان التي انتهت باتفاق للهدنة ومن ثم عقد الآمال على الجيش اللبناني في الانتشار جنوباً لمنع تجدد القتال

أثمرت الجولة الأولى من التصويت عن حصول جوزيف عون على 71 صوتاً و37 ورقة بيضاء وأربعة أوراق ملغاة وحصول شبلي ملاط- وهو أستاذ للقانون الدولي- على صوتين، بينما صوّت نحو 14 نائباً لشعار "السيادة والدستور" وعكس هذا التصويت اصطفاف أغلب نواب المعارضة لصالح جوزيف عون وهم نواب اللقاء الديمقراطي والقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية والنواب السنة المستقلون، مضافاً إليهم النواب الخمسة الذين انشقوا عن التيار الوطني الحر وعلى رأسهم إلياس بوصعب نائب رئيس مجلس النواب، بينما تبنى أغلب نواب التغيير شعار "السيادة والدستور"، فيما التزم كل من نواب حزب الله وحركة أمل ونواب التيار الوطني الحر بالتصويب بالورقة البيضاء

ثم رُفعت جلسة الانتخاب لمدة ساعتين قبل أن يعود النواب للتصويت في جولة ثانية أسفرت عن انتخاب جوزيف عون بأغلبية موصوفة بلغت 99 صوتاً، فيما تقلص تصويت الورقة البيضاء إلى 9 أصوات فقط والأوراق الملغاة 5 و"السيادة والدستور" إلى 13 صوتاً وشبلي ملاط صوتين كانت مهلة الساعتين كفيلة بتحويل تصويت كتلة الثنائي الشيعي - وهم حوالي 26 صوتاً - من الورقة البيضاء إلى جوزيف عون ليصدق تعهد حزب الله بعدم الوقوف ضد التوافق إذا توافر لصالح عون خلال جلسة الانتخاب بينما اعتبر البعض أن مهلة الساعتين كانت بمثابة مناورة سياسية من الثنائي الشيعي لإثبات أن انتخاب الرئيس الجديد تم بمباركتهما ولم يكن ليكتمل دون تصويت كتلتيهما ليبدو وكأنهما لا يزالان مسيطرين على المشهد السياسي رغم التغيرات الإقليمية القاسية التي طرأت على موقف المحور المقرب من إيران في المنطقة

من جانبه، خرج التيار الوطني الحر خاسراً مطلقاً من هذه الجلسة، فلا هو انضم إلى تنصيب الرئيس الجديد ولا هو التزم بخيار حليفه حزب الله ولا يبدو أنه سيكون مؤهلاً للمشاركة في الحكم في المرحلة المقبلة بعد أن خسر قنوات التواصل مع مختلف الفرقاء اللبنانيين مؤخراً وخسر أيضاً جزءاً من كتلته البرلمانية وهم النواب الأكثر كفاءة وتمرساً في العمل النيابي

إدارة جمهورية متعثرة

بعد إعلان نتائج التصويت في الجولة الثانية تقدم الرئيس المنتخب جوزيف عون لحلف اليمين الدستورية وإلقاء خطاب القسم الذي جاء حاسماً وإصلاحياً ومفاجئاً للكثيرين إذ اعتبر في خطابه أنه الرئيس الأول بعد اكتمال المئوية الأولى من عمر دولة لبنان، ولذا لابد أن يبدأ تاريخ جديد في لبنان مع بداية عهده وأشار إلى أنه وبعد الزلزال الإقليمي الذ حدث مؤخراً لابد أن يؤكد العهد الجديد على الهوية اللبنانية متعددة الطوائف والفئات وعلى التمسك بالأرض وبالحرية التي تشكل جوهر الوجود اللبناني، معتبراً أنه "إذا انكسر أحد اللبنانيين انكسروا  كلهم" ثم أشار الرئيس المنتخب في خطابه إلى ما وصل إليه لبنان من "أزمة حكم وأزمة حكام" وعدم تطبيق وسوء تنفيذ لأنظمة الحكم المرعية فيه، فيما بدا أنه انتقاد صريح لأسلوب حكم الطبقة السياسية الحالية في لبنان ثم تعهد بالإخلاص للأمة اللبنانية والحفاظ على الميثاق الوطني، وهي عبارة عادةً ما تُشير إلى الوحدة الوطنية بين المكونات الطائفية للبنان والتي بُنيت عليها دولة لبنان الحديث منذ عهد الاستقلال

ثم توجه للبنانيات واللبنانيين ليتلو تعهدات عهده الرئاسي فإذا به يذكر أهم التحديات والعثرات التي واجهت لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية قبل أكثر من ثلاثة عقود إذ تعهد بأن يكون حَكماَ عادلاً بين المؤسسات اللبنانية بما يحمي قدسية الحريات الفردية والجماعية التي تقوم عليها الدولة، وتعهد بسيادة حكم القانون وتعزيز الحوكمة التي تحفظ الحقوق وتضمن المحاسبة، واعتبر أن الجميع سيكون تحت سقف القانون والقضاء العادل تعهد الرئيس المنتخب أنه لن يسمح باستمرار المافيات ولا البؤر الأمنية ولا التهريب ولا غسيل الأموال ولا تجارة المخدرات، فيما اعتبر أنه سيعمل على تقييد الأنشطة التي كانت تتم بشكل غير شرعي على الحدود السورية اللبنانية وتساهم في تمويل وإثراء قوى وازنة من الطبقة السياسية الحالية وفي مقدمتهم شخصيات حليفة لحزب الله كما تعهد أيضاً بأنه لن يسمح بالتدخل في عمل القضاء أو الشرطة ولن يقبل بوجود حمايات أو محسوبيات أو حصانات لفاسدين، معتبراً أن العدل هو الحصانة الوحيدة في الدولة والمجتمع

كما أفرد الرئيس المنتخب خلال خطابه المفصلي مساحة معتبرة لدوره كقائد أعلى للقوات المسلحة في تأكيد حق الدولة في احتكار السلاح والاستثمار في الجيش للقيام بدوره في ضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً وبحراً، وهو في ذلك يشير إلى انتشار الجيش في الجنوب حتى الخط الأزرق بعد انسحاب الاحتلال الاسرائيلي، بالإضافة إلى ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان وهو ملف ظل معلقاً لعقود وسمح بنمو التهريب عبر معابر غير شرعية بين البلدين واعتبر أن من أهم ملامح الجيش الذي سيسعى للاستثمار فيه أنه سيكون ذا عقيدة قتالية دفاعية يحمي الأرض ويخوض الحروب طبقاً لأحكام الدستور ويطبق القرارات الدولية ويحارب الإرهاب ويحترم اتفاق الهدنة ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، وهو بذلك يرسم خطاً واضحاً لسياسته الجديدة فيما يخص قرار الحرب والسلم في لبنان ويعني ذلك خصماً مباشراً من نفوذ حزب الله الذي كان يفرض هيمنته في هذا الإطار كما تعهد الرئيس المنتخب بمناقشة سياسة دفاعية متكاملة على المستويات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية كي تتمكن الدولة اللبنانية من إزالة الاحتلال الإسرائيلي وهنا سكت الرئيس الجديد عن صيغة كانت تعترف بدور "للمقاومة" في إطار الدفاع عن لبنان والعمل على تحرير أراضيه، وهو ما يعكس أيضاً مساحة أخرى من المساحات التي سيتراجع فيها نفوذ حزب الله خلال هذا العهد الرئاسي الجديد

في المقابل، حرص الرئيس المنتخب على أن يخاطب جمهور المقاومة دون أن يسميه، فتعهد بإعادة إعمار ما هدمه الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وجميع أنحاء لبنان، واعتبر أن شهداء لبنان هم روح عزيمته والأسرى هم أمانة في عنقه ولن يفرط في سيادة واستقلال لبنان، وهو الاعتراف الأول من جانب مسؤول رسمي عن وجود أسرى لبنانيين لدى الاحتلال الإسرائيلي منذ وقف الحرب قبل نحو شهر إذ أكد  جوزيف عون أيضاً على أهمية الاستثمار في العلاقات الخارجية من أجل تقوية لبنان، لا الاستقواء بالخارج ضد اللبنانيين وبعضهم البعض وأكد أيضاً على رفض توطين الفلسطينيين وأشار إليهم بلفظ "الأخوة" واعتبر رفض التوطين تحصيناً لحق العودة ضمن حل الدولتين بحسب ما ورد بمبادرة السلام العربية التي أطلقت من بيروت كما أكد على الجانب الآخر، على حق الدولة في بسط سلطتها على كافة أراضيها حتى داخل المخيمات الفلسطينية مع الحفاظ التام على كرامتهم الإنسانية

كما تعهد الرئيس بإجراء حوار جدي مع الدولة السورية لحل كل القضايا العالقة بين البلدين وفي مقدمتها ضبط الحدود وملف المفقودين وحل مسألة النازحين السوريين والتعاون مع المجتمع الدولي لحل هذه القضية بعيداً عن دعاوي العنصرية التي كانت سائدة من قبل وفي ذلك نقد مباشر للرواية العنصرية التي روج لها الكثير من الساسة اللبنانيين لتحميل اللاجئين السوريين مسئولية تردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان كما تعهد أيضاً بالانفتاح على الشرق والغرب وتفعيل علاقات لبنان مع الدول الصديقة لفتح أسواق للمنتجات والصناعات اللبنانية في الخارج وتوجه أيضاً الرئيس المنتخب للمغتربين اللبنانيين وتعهد لهم بضمان حقهم في التصويت الذي يربطهم بالوطن ويضمن تمثيلهم بشكل صحيح ثم تعهد بالعمل على تطوير قوانين الانتخاب بما يعزز تداول السلطة والشفافية والمحاسبة وإقرار مشروع قانون اللا مركزية الإدارية الموسعة الذي يساعد على التنمية المتوازنة

ثم خاطب الرئيس المنتخب اللبنانيين المتضررين من الأزمة الاقتصادية متعهداً بدعم تطبيق الاقتصاد الحر وحماية الملكية الفردية وإصلاح القطاع المصرفي وإعمال القانون بشأنه، وحماية أموال المودعين وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي خاصةً شبكة الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي كما تعهد باحترام حرية التعبير وحرية الإعلام والاستثمار في العلم من خلال دعم عمل المدارس الرسمية والجامعات اللبنانية مع المحافظة على حق التعليم الخاص ثم تعهد بمداورة وظائف الفئات الأولى في الوزارات والمؤسسات العامة، وهي عبارة تشير إلى عدم احتكار أي طائفة لوظائف معينة ومنعها من طوائف أخرى، وهي الآلية التي نجح بها السياسيون في السيطرة على مفاصل الإدارة العامة بما أدى في النهاية إلى تعطيلها بسبب المقايضات والمكايدات السياسية والطائفية ثم اختتم بتوجيه خطابه لرفاق السلاح من أبناء المؤسسة العسكرية ليعلن خلع البزة العسكرية المرقطة ولكنه لا يزال يحمل تقاليد وقيم ما أسماه "مدرسة الشرف والتضحية والوفاء" التي لم تخذل الشعب يوماً والمقصود بها الجيش اللبناني وفي ذلك إشارة إلى أهمية ومفصلية دور الجيش اللبناني في حماية وحدة الوطن والتصدي لأهم الأزمات التي ألمت به، مما أهله لإنتاج قائد آخر يتولى الرئاسة، بعد فشل المؤسسات اللبنانية الواحدة تلو الأخرى وفي مقدمتها الأحزاب السياسية الطائفية في تنصيب رئيس طوال العامين الماضيين

ما أتى الرئيس الجديد على ذكره والتعهد به خلال خطاب القسم، يكشف بلا شك عن حجم الأزمة الهيكلية التي يعاني منها لبنان ولكنه يكشف أيضاً عن حجم التحديات التي سيواجهها خلال حكمه ويزداد الأمر صعوبة عندما يصبح من اللازم التعامل مع طبقة سياسية تحوز أغلبية داخل البرلمان وترى أن الإصلاحات المطلوب تفعيلها ستختصم قسماً كبيراً من مكاسبها السياسية فالإصلاحات التي تعهد الرئيس المنتخب بتفعيلها تتحدى سلطة ونفوذ القوى الحاكمة والمعارضة على حد سواء، فهي من جهة تتحدى الكارتلات الاقتصادية والطائفية الفاسدة التي أدخلت لبنان في أزمته الاقتصادية كما تتحدى أيضا نفوذ حزب الله الذي نازع الدولة في احتكار السلاح وتحدى سلطتها في ضبط الحدود وإعمال القانون بدعوى حماية سلاح المقاومة ولذا فإذا كان الرئيس جوزيف عون قد تبوأ الرئاسة بتوافق دولي وإقليمي ووطني كبير، فإنه سيحتاج إلى بناء وتدعيم تحالفات جديدة داخلية وخارجية تساعده على تنفيذ تعهداته الواسعة التي أطلقها خلال خطاب القسم ولذا فقد أشار إلى أهمية دور شركائه المتوقعين في تنفيذ هذه التعهدات وهم النواب والوزراء والقضاة والأحزاب والمجتمع المدني للعمل المشترك في حماية حقوق اللبنانيين كلهم دون تمييز وإنجاح الوفاء بهذه التعهدات

ولكن يبقى الفيصل هو تشكل كتلة برلمانية وازنة تشاركه نفس الرغبة في تمرير هذه الإصلاحات وإلا بقيت هذه الوعود شعارات عابرة دون تنفيذ ولعل أولى هذه الخطوات التي ستكشف عن مدى التعاون مع العهد الجديد هو الاستشارات النيابية التي ستسفر عن تسمية رئيس جديدة للحكومة فإذا اختير رئيس وزراء من الطبقة السياسية الراهنة فإن تمرير الإصلاحات سيكون عسيراً، بينما إذا سُمي رئيس وزراء من خارج هذه الطبقة ستكون الإصلاحات أكثر قابلية للتنفيذ على نطاق واسع

 

 

 

 

 

المصدر: مركز الأهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية

الكاتب : رابحة سيف علام

التاريخ : 9/1/2025

--------------------------------------------

المصدر: بي بي سي نيوز

التاريخ : 9/1/2025

--------------------------------------

المصدر: قناة العربية

التاريخ : 9/1/2025

المقالات الأخيرة