وسط استمرار النزاع في قطاع غزة والخسائر
المتزايدة للطرفين، جاء إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس ليطرح
تساؤلات جوهرية بشأن دوافع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للموافقة على
هذا الاتفاق في هذا التوقيت الحساس.
اتفاق وقف إطلاق النار، الذي جاء بوساطة قطرية
ودعم دولي، أثار جدلًا واسعًا بشأن أسبابه وتوقيته خاصة أن حكومة نتنياهو تواجه
ضغوطًا متزايدة داخليًا وخارجيًا.
فلقد أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن نجاح
الدبلوماسية الأميركية في إبرام اتفاق جديد بين حركة حماس وإسرائيل، وسط تساؤلات
بشأن إمكانية تنفيذ هذا الاتفاق على الأرض وتعقيداته السياسية والإنسانية.
يأتي هذا الإعلان في وقت حساس قبل دخول الرئيس
المنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض، مما يفتح الباب أمام مقارنة بين أسلوبي
الإدارتين الأميركية الحالية والسابقة.
فالضغط الدولي ودور الولايات المتحدة تحت إدارة
الرئيس الأميركي جو بايدن، أظهر رغبة الولايات المتحدة في إنهاء الصراع بسرعة،
خاصة مع الأعداد الكبيرة من الضحايا المدنيين والدمار الواسع في غزة.
يقول مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية،
توم حربة، لسكاي نيوز عربية إن "الضغط الدولي الذي مارسته واشنطن كان حاسمًا
في دفع نتنياهو للموافقة".
وأكد حربة أن الإدارة الأميركية استغلت
الإنجازات التي وضعتها إدارة ترامب سابقًا، مما ساهم في تسريع الوصول إلى الاتفاق.
ومع ذلك، يشير حربة إلى أن الاتفاق ليس نهاية
للصراع، بل بداية لمرحلة جديدة تتطلب إعادة إعمار غزة بمشاركة دولية. وأضاف أن
إسرائيل اضطرت للتراجع عن الخيار العسكري المكلف في ظل تصاعد الخسائر الميدانية.
بايدن والاتفاق.. خطوة أولى أم حل مؤقت
جو بايدن وصف الاتفاق بأنه ثمرة
"دبلوماسية مثابرة ودقيقة"، مؤكدًا أنه سيمكن الفلسطينيين من العودة إلى
أحيائهم في جميع مناطق قطاع غزة، كما أشار إلى أن المرحلة الثانية من الاتفاق
ستشهد التفاوض بشأن الإفراج عن مزيد من الرهائن خلال الأسابيع الستة المقبلة.
لكن الاتفاق لم يخلُ من الانتقادات، إذ قال
محرر الشؤون الإسرائيلية في سكاي نيوز عربية، نضال كناعنة إن إدارة بايدن لم تُجبر
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تقديم تنازلات كبيرة.
وأضاف: "إدارة بايدن تُعتبر ضعيفة مقارنة
برئاسة ترامب، الذي حقق نتائج عبر التهديد" وأكد كناعنة أن نهج بايدن
الديمقراطي في التعامل مع لم يُجدِ
نفعًا، في حين أن إدارة جمهورية قوية يمكن أن تجبر نتنياهو على الالتزام
بالاتفاقات.
أما عن الخسائر العسكرية الإسرائيلية فيؤكد
الدكتور علي الهيل، أستاذ العلوم السياسية والإعلام خلال حواره لغرفة الأخبار أن
إسرائيل تكبدت خسائر كبيرة في الأيام الأخيرة، سواء على مستوى الأفراد أو المعدات.
"الجنود الإسرائيليون أصبحوا هدفًا مباشرًا للمقاومة، مما زاد الضغط على
القيادة الإسرائيلية للموافقة على وقف إطلاق النار"، يوضح الهيل.
كما أشار إلى أن المقاومة الفلسطينية لم تستنفد
كل قدراتها العسكرية، بل حققت إنجازات استراتيجية رغم الفارق الكبير في القوة. هذه
الخسائر دفعت الشارع الإسرائيلي إلى المطالبة بإنهاء النزاع، حيث أظهرت استطلاعات
الرأي أن 58% من الإسرائيليين يرغبون في الانسحاب من غزة
و من المقرر أن يتم التصديق على الاتفاق في
الكابينيت الإسرائيلي يوم السبت المقبل، يعقبها جلسة حكومية للموافقة الرسمية ومع
ذلك، فإن الأيام المقبلة قد تشهد تصعيدًا إضافيًا، حيث يُتوقع أن تستغل إسرائيل
الفترة المتبقية حتى بدء تنفيذ الاتفاق يوم الأحد لتوجيه ضربات أكبر في غزة، وفقًا
لما ذكره محرر الشؤون الفلسطينية في سكاي نيوز عربية، سلمان أبو دقة.
وأضاف أبو دقة: "الساعات الأخيرة في أي
حرب هي الأخطر، وغالبًا ما تُستغل لتدمير مزيد من البنية التحتية".
أما الباحث في معهد ترومان للسلام بالجامعة
العبرية، روني شاكيد، يرى أن نتنياهو كان محاصرًا بين الضغوط الداخلية والخارجية
ويشير شاكيد إلى أن "نتنياهو كان مترددًا في الموافقة على الاتفاق خشية
انهيار حكومته، لكنه اضطر إلى ذلك بعد أن أصبح واضحًا أن الحل العسكري لن يحقق
أهدافه".
كما أضاف أن المعارضة السياسية في إسرائيل
ضعيفة في الوقت الحالي، مما أعطى نتنياهو مجالًا للمناورة ومع ذلك، فإن التوترات
داخل حكومته، خاصة من التيار اليميني المتطرف الذي يطالب بتوسيع المستوطنات في
غزة، لا تزال تشكل تحديًا.
مخاوف فلسطينية.. ما وراء الاتفاق
رغم تصريحات بايدن بأن الفلسطينيين سيتمكنون من
العودة إلى مناطقهم، أشار سلمان أبو دقة إلى وجود قلق بشأن بنود الاتفاق التي قد
تنص على إنشاء منطقة عازلة تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى بعض المناطق.
وقال أبو دقة: "القطاع يعاني بالفعل من
دمار واسع، ومعظم المناطق المدمرة غير صالحة للعيش، مما يتطلب وقتًا طويلاً لإعادة
الإعمار".
أضاف أبو دقة أن عملية إزالة الركام قد تستغرق
سنوات، مع غياب البنية التحتية الأساسية للإيواء كما أشار إلى أن الإدارة
الأميركية تؤكد أن غزة يجب أن تكون جزءًا من الدولة الفلسطينية المستقبلية، لكن
تطبيق الاتفاق على الأرض قد يكون معقدًا في ظل مخاوف من تملص إسرائيل من
التزاماتها.
من جهته، أكد محمد عز العرب، رئيس وحدة
الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن
حماس تعرضت لضربات قاسية خلال الأشهر الأخيرة، حيث فقدت جزءًا كبيرًا من قياداتها
وقدراتها العسكرية "تقديرات القوة الدولية لحماس انخفضت بنسبة تتراوح بين 75-80%
مما جعلها مضطرة للتفاوض" يوضح عز العرب.
ويضيف أن إسرائيل كانت تراهن على إنهاك حماس،
لكنها أدركت أن القضاء الكامل عليها مستحيل دون تكاليف بشرية ومادية ضخمة كما أن
وقف إطلاق النار يتيح لنتنياهو تحقيق مكاسب سياسية من خلال استعادة الرهائن.
أما فيما يتعلق بإعادة إعمار غزة، يشير الخبراء
إلى أن الاتفاق سيخلق تحديات لوجستية وسياسية ضخمة. يرى الدكتور الهيل أن غزة
تحتاج إلى دعم دولي مكثف لإعادة بناء بنيتها التحتية ومع ذلك يظل السؤال حول من
سيتولى إدارة القطاع مفتوحًا.
توم حربة أشار إلى احتمالية تشكيل قوة داخلية
أو دولية لإدارة غزة، مع استبعاد استمرار سيطرة حماس المطلقة. ويضيف أن الاتفاق قد
يكون بداية لمرحلة جديدة من المفاوضات حول مستقبل القطاع.
ترامب وبايدن.. دبلوماسية مختلفة لنتائج
متشابهة
بينما ينسب بايدن الفضل لدبلوماسيته في إبرام
الاتفاق، يظل هناك جدل حول فعالية هذه الدبلوماسية مقارنة بأسلوب ترامب.
يرى نضال كناعنة أن إدارة ترامب كانت قادرة على
تحقيق نتائج مباشرة عبر استخدام التهديد كوسيلة ضغط على إسرائيل، في حين أن أسلوب
بايدن الأقل صدامية لم يحقق حتى الآن تنازلات كبيرة.
وقال كناعنة: "العلاقات المستقبلية بين
اليمين الإسرائيلي والرئيس ترامب قد تشهد تقديمه الكثير لإسرائيل، لكن ذلك لن يكون
دون مقابل واضح".
الاتفاق الجديد يمثل خطوة أولى نحو تهدئة
الأوضاع في غزة، لكنه يواجه تحديات هائلة على الأرض. المخاوف من تملص إسرائيل،
تعقيد عودة الفلسطينيين إلى مناطقهم، والصعوبات الإنسانية في إعادة الإعمار، كلها
تجعل من الاتفاق اختبارًا حقيقيًا للدبلوماسية الأميركية وقدرتها على تحقيق نتائج
مستدامة.
مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ يوم الأحد المقبل،
سيظل السؤال الرئيسي: هل ستتمكن الإدارة الأميركية من الحفاظ على التزام الأطراف
كافة، أم أن الاتفاق سيكون مجرد هدنة مؤقتة في صراع طويل؟
فالعديد من الخبراء يشيرون إلى تأثير الرئيس
الأمريكي السابق دونالد ترامب على القرار الإسرائيلي. روني شاكيد يصف الاتفاق
بـ"اتفاق ترامب"، موضحًا أن الضغوط التي مارسها ترامب سابقًا ساهمت في
تهيئة الأجواء لهذا الاتفاق. "وجود ترامب كان مفيدًا لإسرائيل في عدة قضايا،
لكن الضغوط الأميركية الحالية جعلت نتنياهو مضطرًا للتعاون"، يوضح شاكيد.
توقيت موافقة نتنياهو على وقف إطلاق النار يعكس
تداخل عوامل معقدة، من بينها الضغط الدولي، التحديات الداخلية، والخسائر العسكرية.
رغم الانتقادات التي تواجهها حكومته، يبدو أن نتنياهو يحاول استغلال هذا الاتفاق
لتخفيف حدة التوترات الداخلية وتعزيز موقفه السياسي.
ومع ذلك، فإن استمرار الصراع في غزة يظل
احتمالًا قائمًا ما لم يتم التوصل إلى حل شامل يضمن حقوق الفلسطينيين ويضع حدًا
للتوترات في المنطقة.
المصدر:
سكاي نيوز عربية
التاريخ
: 16/1/2025
---------------------------------------
المصدر:
CNN عربية
التاريخ
: 15/1/2025
----------------------------------------
المصدر:
بي بي سي نيوز
التاريخ
: 15/1/2025