ترامب يعيد تشكيل النظام العالمي
فرع القاهرة

 

بعد سنوات من إدارة جو بايدن التي تميزت بالنهج التقليدي والعلاقات المضطربة مع القوى الكبرى، يعود دونالد ترامب إلى الواجهة حاملاً رؤية مختلفة ومثيرة للجدل حول إعادة تشكيل النظام العالمي.

في ظل التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة، روسيا، والصين، يبدو أن ترامب يضع خارطة طريق جديدة تُبنى على مبدأ: "ابقِ أصدقاءك قريبين وأعداءك أقرب".

التطورات الأخيرة بين قادة العالم الثلاث: دونالد ترامب، فلاديمير بوتين، وشي جين بينغ، توحي بتغيرات عميقة اتصالات مكثفة بين الأطراف الثلاثة تشير إلى محاولات لإعادة ترتيب موازين القوى العالمية.

وبحسب الباحث في العلاقات الدولية حسان القبي فإن المشهد السياسي يزداد ضبابية مع كل يوم بسبب التوترات بين القوى العظمى والحرب في أوكرانيا، لكن ترامب يبدو وكأنه يسعى لتغيير قواعد اللعبة.

الحرب الأوكرانية و التهديد الأمريكي

الحرب في أوكرانيا، التي تمثل واحدة من أخطر الأزمات الجيوسياسية والمستمرة منذ 2022، قد تكون ساحة اختبار رئيسية لرؤى ترامب المستندة على "أميركا أولاً".. وبينما تضغط الأزمة على الاقتصاد العالمي، تبدو العقوبات على النفط الروسي أحد المفاتيح التي قد يسعى ترامب لاستغلالها إما لتضييق الخناق على موسكو أو لفتح قنوات تفاوضية جديدة.

خيارات ترامب قد تتراوح بين نهج تصالحي يسعى لتخفيف العقوبات بهدف ضمان تحقيق اختراق دبلوماسي، ونهج تصعيدي يُضاعف الضغوط الاقتصادية على روسيا لإجبارها على تقديم تنازلات في المفاوضات. وفي المقابل، قد يستخدم ترامب أدوات ضغط على كييف، كوقف المساعدات العسكرية، لدفعها إلى القبول بشروط تسوية قد لا تكون مثالية من منظورها، ولكنها تخدم مساعي واشنطن لتحقيق استقرار إقليمي سريع.

فقد أعلن ترامب عن نيته إنهاء الحرب في أوكرانيا بأسرع وقت ممكن، واصفاً الوضع الحالي بأنه "كارثة اقتصادية" بالنسبة لروسيا.

كما أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تصريحات سابقة استعداده لتقديم تنازلات لإنهاء الصراع لكن الغزل السياسي بين ترامب وبوتين أثار قلقاً واسعاً في أوروبا، حيث تشعر دول الاتحاد الأوروبي بتهديد مباشر لتوازنها الأمني والاقتصادي.

من جهته، أوضح الكاتب والباحث السياسي، إيهاب عباس، خلال حديثه إلى التاسعة على سكاي نيوز عربية أن ترامب يستغل حالة الغضب الأوروبي من الحرب الطويلة والتكاليف الباهظة لإعادة توجيه موازين القوى لصالحه.

وأضاف أن "هناك فرصة لترامب ليظهر كقائد عالمي يسعى لإحلال السلام، ولكن التحديات الداخلية والخارجية ستظل قائمة".

ترامب ونتنياهو علاقة معقدة ومصالح متبادلة

تظهر العلاقة بين ترامب ونتنياهو تداخلًا معقدًا بين المصالح السياسية والشخصية. بينما يسعى ترامب لتعزيز إرثه السياسي عبر تحقيق إنجازات كبرى مثل التطبيع بين السعودية وإسرائيل، يجد نتنياهو نفسه محاصرًا بضغوط داخلية تشمل تحقيقات قانونية واستقالات عسكرية، مما يضعه بين المطرقة والسندان.

يشير أديب إلى أن "مصالح نتنياهو الشخصية تتفوق على الأمن القومي الإسرائيلي، مما يجعله أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات داخلية أو خارجية للحفاظ على بقائه السياسي".

فبرغم الحديث المتزايد عن إمكانية تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، يرى المحللون أن الطريق إلى ذلك معقد. وفق موفق أديب، فإن "السعودية لا يمكنها اتخاذ خطوة كبيرة نحو التطبيع في ظل وجود حكومة إسرائيلية لا تبدي جدية في تحقيق السلام".

في هذا السياق، يُظهر ترامب حرصًا على استغلال هذا الملف لإبراز نفسه كوسيط دولي. لكن حرب يشير إلى أن "الأحداث الأخيرة، وخاصة في غزة والضفة الغربية، عطّلت أي حوار جاد حول السلام، مما يجعل الحديث عن حل الدولتين أقرب إلى الخيال".

بعيدًا عن السياسة، تواجه المنطقة تحديات اقتصادية هائلة تتطلب إعادة إعمار دول مثل غزة وسوريا ولبنان بتكاليف تُقدر بمئات المليارات.

هذه الأرقام الضخمة، كما يشير أديب، تثير تساؤلات حول من سيتحمل هذه الأعباء في ظل تراجع الدعم الدولي وغياب رؤية واضحة من قبل إدارة ترامب.

في نهاية المطاف، تبدو هدية ترامب لإسرائيل محاطة بالكثير من الجدل. قد تكون بداية مرحلة جديدة من التحالفات السياسية والمكاسب الإسرائيلية، لكنها أيضا قد تكون شرارة لصراعات جديدة تهدد استقرار المنطقة. ومع تعقيد المشهد الدولي والإقليمي، يبقى السؤال:هل يستطيع ترامب إدارة هذه الملفات المعقدة دون التسبب في أزمات جديدة؟

الصين شريك اقتصادي أم خصم استراتيجي؟

تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على الواردات من الاتحاد الأوروبي، مضيفا أنه قد يفرض أيضا رسوما بنسبة 10% على الواردات الصينية بحلول فبراير.

وأشار ترامب خلال حديث إلى الصحفيين في البيت الأبيض بعد يوم من أدائه اليمين، إلى الحاجة لتصحيح الخلل في الميزان التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وقال "إنهم يعاملوننا بشكل سيئ جدا لذا فإن الرسوم الجمركية ستشملهم. لا يمكنك أن تحصل على الانصاف إلا أذا قمت بذلك".

 

وقبل يوم، اتهم ترامب التكتل بعدم استيراد ما يكفي من المنتجات الأمريكية، قائلا إنه سيقوم ب"تصحيح ذلك" من خلال فرض الرسوم أو حض الأوروبيين على شراء المزيد من النفط والغاز.

وفيما يتعلق بالصين، كرر ترامب تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على بضائعها، متهما بكين بارسال "الفنتانيل إلى المكسيك وكندا" قبل أن يجد هذا المخدر طريقه الى الولايات المتحدة.

وعندما سُئل عن موعد فرض هذه الرسوم، أجاب "ربما الأول من فبراير هو التاريخ الذي نتطلع إليه

في الوقت الذي يسعى فيه ترامب لإصلاح العلاقات مع روسيا، يبدو أن الصين تمثل محوراً استراتيجياً آخر في أجندته اتصالاته مع شي جين بينغ تشير إلى إمكانية بدء مفاوضات جديدة تهدف إلى تحقيق مكاسب متبادلة، لا سيما في المجال الاقتصادي.

وبحسب الباحث في العلاقات الدولية في جامعة باري ساكلاي الفرنسية، حسان القبي، فإن "ترامب رجل أعمال قبل أن يكون سياسياً، ويعلم أن التعاون مع الصين يمكن أن يحقق مكاسب ضخمة للطرفين".

لكن العلاقة بين واشنطن وبكين لا تخلو من التعقيدات، خاصة في ظل الصراع التكنولوجي والتجاري المتزايد في هذا السياق، يلعب عمالقة التكنولوجيا مثل إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ دوراً محورياً في تشكيل السياسة الداخلية والخارجية الأميركية.

التحديات الأوروبية بين الأمن والغضب

تصاعد القلق الأوروبي من التقارب الروسي الأميركي، مع تراجع الدعم الأميركي التقليدي لأمن القارة.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أشارت إلى ضرورة التعامل "ببراغماتية" مع إدارة ترامب، في إشارة إلى المخاوف من أن أوروبا قد تضطر للاعتماد على نفسها في مواجهة التهديدات الروسية.

وفي هذا السياق، يحذر القبي من أن "الضغوط على أوروبا ستزداد، خاصة إذا استغل ترامب هذه التفاهمات لبيع المزيد من الأسلحة الأميركية بأسعار مرتفعة، ما قد يزيد من الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي."

بالتزامن مع التحولات الجيوسياسية، يبرز صراع داخلي آخر بين ترامب و"أباطرة التكنولوجيا" شخصية مثل إيلون ماسك، الذي يمتلك تأثيراً اقتصادياً وإعلامياً هائلاً من خلال منصة "إكس"، قد تصبح عائقاً أمام إدارة ترامب، خاصة مع تعارض مصالحه في مجال السيارات الكهربائية مع سياسات ترامب الاقتصادية.

الباحث السياسي إيهاب عباس يوضح أن "الصراع بين ترامب وماسك قد يزداد تعقيداً، خاصة إذا حاول ماسك توسيع نفوذه السياسي أو دعم أطراف معارضة لترامب".

مع بداية ولايته الثانية، يبدو أن ترامب يخطط لإعادة تشكيل النظام العالمي بطرق قد تكون غير مسبوقة بينما يسعى لإنهاء النزاعات وتقريب المسافات بين الخصوم التقليديين، يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع ترامب تحقيق رؤيته لعالم جديد متعدد الأقطاب دون أن يدفع العالم نحو مواجهات جديدة؟

يرى القبي أن "ترامب يتبع نهجاً مغايراً تماماً في السياسة الدولية قد ينجح في تقليل التوترات وإعادة تعريف التحالفات، لكنه في الوقت ذاته يواجه مخاطر حقيقية من الداخل والخارج، مما يجعل فترته المقبلة محفوفة بالتحديات".

ويبقى العالم في انتظار ما ستؤول إليه هذه التحركات الدولية فبين إنهاء الحرب في أوكرانيا، إعادة صياغة العلاقات مع الصين وروسيا، ومعالجة المخاوف الأوروبية، يقف دونالد ترامب في قلب عاصفة من التحديات فهل سيكون قادراً على تحقيق رؤيته لنظام عالمي جديد، أم أن الطموحات ستصطدم بالواقع المعقد؟.

 

 

 

 

المصدر: سكاي نيوز عربية

التاريخ : 22/1/2024

------------------------------------------

المصدر: بوابة الأهرام

التاريخ : 22/1/2025

المقالات الأخيرة