النــــظــام الــــرئــــاســـــي
فرع بنغازي

تعد الولايات المتحدة الأمريكية مهد النظام الرئاسي ومثاله التقليدي ففيها نشأ وتطور وتحددت خصائصه، ومنها انتقل إلى العديد من دول العالم وخاصة أمريكا اللاتينية. وقد اشتق النظام الرئاسي أسمه من رئيس الجمهورية ودعم سلطته الفعلية وذلك بحصر الوظيفة التنفيذية بين يديه، ومن هنا لا يمكن الأخذ بالنظام الرئاسي إلا في الدول الجمهورية، ويقوم النظام الرئاسي على أساس الفصل بين السلطات العامة في الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية بحيث تكون كل واحدة منها مستقلة عن الأخريات في ممارسة وظيفتها المحددة بالدستور.

وسوف نتناول خصائص النظام الرئاسي

على خلاف النظام البرلماني الذي يقوم على ثنائية الجهاز التنفيذي، والتعاون والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فأن النظام الرئاسي يتميز بوحدة السلطة التنفيذية والفصل بين السلطات. وسنتعرف على هاتين الخاصتين وكما يلي.

أولا- وحدة السلطة التنفيذية

يتمثل الأساس الأول للنظام الرئاسي بوحدة السلطة التنفيذية، بمعنى وجود رئيس الدولة يتولى ويمارس وحده السلطة التنفيذية من الناحية الدستورية، فهو يجمع بين صفتي رئيس الدولة ورئيس الحكومة , ولا يوجد إلى جواره رئيس وزراء أو مجلس وزراء كهيئة جماعية .

ويتولى الشعب اختيار رئيس الدولة بالاقتراع العام , سواء المباشر أم غير المباشر , وقد كفل له ذلك مركزاً قوياً يتلائم مع ثقة الشعب به من أجل تحقيق المساواة بينه باعتباره صاحب الوظيفة التنفيذية , وبين البرلمان – المنتخب من قبل الشعب أيضاً- باعتباره صاحب الوظيفة التشريعية , وهذه الصفة التمثيلية لرئيس الدولة أعطته سلطات واسعة , وجعلته ممثل الأمة في وظيفة رئيس الدولة ومباشرة السلطة التنفيذية .

على هذا الأساس يضع الرئيس السياسة العامة للدولة، ويشرف على تنفيذها، حيث ينظم ويراقب أعمال الإدارات العامة، ويتولى القيادة العليا للجيش , ويباشر السياسة الخارجية , يعاونه وزراءه ومساعدوه , دون أن يكون لهم استقلال في مواجهته , يعينهم ويعزلهم , ويخضعون له خضوعاً تاماً , ويستمدون سلطاتهم واختصاصاتهم منه , وتكون مسؤوليتهم عن تنفيذهم السياسة العامة أمامه وحده .

وهكذا وعلى عكس القاعدة في النظام البرلماني التي تقوم على أن رئيس الدولة يملك ولا يحكم , فأن القاعدة في النظام الرئاسي أن الرئيس يسود ويحكم , ويكون مسؤولاً عن تصرفاته وتصرفات وزرائه ومساعديه أمام الشعب .

ثانياً- الفصل بين السلطات

يقوم النظام الرئاسي على أساس آخر هو الفصل بين السلطات الثلاثة، التشريعية والتنفيذية والقضائية , مع بعض حالات التوازن بينها , فالبرلمان يستقل بمباشرة الوظيفة التشريعية دون تدخل أو اشتراك من السلطة التنفيذية .فلا يجوز لرئيس الدولة دعوة البرلمان إلى دورات انعقاد عادية , أو فض اجتماعه أو تأجيله , وليس له كذلك حل البرلمان , أو أحد مجلسيه , ويمتنع عليه أيضاً حق اقتراح القوانين .

كما لا يجوز الجمع بين المنصب الوزاري وعضوية البرلمان، ويمتنع على الوزراء أيضاً دخول البرلمان , والمناقشة فيه لشرح سياسة الحكومة والدفاع عنها .

والسلطة التنفيذية بالمقابل تستقل في مباشرة وظيفتها دون تدخل من البرلمان، فهي التي تضع السياسة العامة للدولة، وهي التي تتولى تنفيذها , ولا تكون مسؤولة عنها إلا أمام الشعب , فالرئيس ووزراءه غير مسؤولين سياسياً أمام البرلمان , وليس للوزراء أن يكونوا أعضاء فيه , أو أن يستطيع البرلمان توجيه أسئلة أو استجوابات لهم , أو طرح الثقة أو سحبها منهم , ولا يملك البرلمان أيضاً أن يرغم الوزراء على حضور جلساته .

ومن عوامل استقلال السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية أن الرئيس لا يدين بمنصبه للبرلمان إنما إلى الشعب الذي انتخبه .

كذلك منح النظام الرئاسي السلطة القضائية استقلالها في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية بأن جعل اختيار أكثر القضاة يتم بالانتخاب من الشعب، وبنظام قانون مستقل للمحاكم , كما يتمتع القضاة باستقلال تام في إصدار قراراتهم .

ولما كان مبدأ الفصل المطلق بين السلطات مستحيلاً وغير قابل للتحقيق نشأت الحاجة إلى تكملته بمبدأ آخر وهو مبدأ التوازن والرقابة المتبادلة الذي يزود كل سلطة من السلطات الثلاث بالوسائل التي تصلها بالأخريات، وتمنحها القدرة على وقفها عند حدود اختصاصها .

 ويقوم مبدأ التوازن والرقابة على الأسس الآتية:

1- أعطاء رئيس الجمهورية حق الاعتراض على القوانين التي يشرعها البرلمان وهو ما يسمى بحق الاعتراض التوقيفي المؤقت , لأن أثره لا يتعدى إعادة القانون المعترض عليه إلى البرلمان الذي يستطيع إسقاط الاعتراض بالموافقة على القانون بأغلبية موصوفة .

2- إعطاء البرلمان حق الاشتراك في بعض سلطات رئيس الدولة وفي مقدمتها السياسة الخارجية , وحق تعيين كبار الموظفين , حيث يلزم الدستور موافقة البرلمان .

3- تملك السلطة القضائية حق الرقابة على أعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية , وحق تأويلها أو الامتناع عن تطبيقها , في حالة مخالفتها للدستور.

النظام المجلسي

إلى جانب النظام البرلماني والنظام الرئاسي هناك نظام نيابي ديمقراطي ثالث هو النظام المجلسي أو نظام حكومة الجمعية، وميزته أن العلاقة بين سلطاته تقوم على أساس التدرج , فلا تتعاون كما في النظام البرلماني أو ينفصل بعضها عن بعض كما في النظام الرئاسي .

وقد منح المجلس النيابي أو الجمعية النيابية المكانة الأسمى بين سلطات الدولة الثلاث، حيث يعلو مركزها على مركز السلطتين الأخريين، ومن هنا جاءت تسمية هذا النظام

وسنعرض خصائص لنظام المجلسي:

خصائص النظام المجلسي

يمتاز النظام المجلسي أو نظام حكومة الجمعية بميزتين أساسيتين هما تنظيم العلاقة بين السلطات على أساس التدرج , ووضع الوظيفة التنفيذية في هيئة جماعية:-

 ِأولاً: التدرج بين السلطات

يتميز النظام المجلسي بانعدام المساواة والتوازن بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية , وأن الهيئة التشريعية المنتخبة من الشعب تكون في مركز القمة من الهيئات الأخرى في الدولة , مع الإبقاء على مبدأ توزيع السلطات بين الهيئات الثلاث , حيث تتولى كل واحدة منها وظيفة من وظائف الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية , وليس صحيحاً ما يعتقده البعض من أن النظام المجلسي يقوم على أساس تركيز السلطات ودمجها في البرلمان المنتخب من الشعب , هذا البرلمان يقبض – كما يذهبون – على ناصية الأمور ويضطلع بالسلطات كافة سواء التشريعية أو التنفيذية .

لقد ميز النظام المجلسي السلطة التشريعية وبوأها المكانة الأعلى بين سلطات الدولة , ولكن دون أن تقوم بمباشرة جميع وظائف الدولة , وإنما تقتصر على مباشرة وظيفتها , فضلاً عما تملكه من سلطات في مواجهة الهيئة التنفيذية , في الأشراف والمراقبة إلى درجة جعلت منها في مركز التابع , حيث يقوم البرلمان بانتخاب أعضاء الحكومة ويلزمها بمراعاة السياسة العامة التي يضعها , ويوجه لها الأوامر , ويتولى التعقيب على قراراتها بالإلغاء أو التعديل , كما يجعل البرلمان من أعضاء الحكومة عرضة للأسئلة والاستجوابات والمسائلة السياسية حول قيامهم بواجباتهم وتنفيذهم القوانين والتزامهم بالسياسة العامة للبرلمان , وله عزلهم عند ثبوت مسؤوليتهم .

وفي المقابل ليس ثمة رقابة أو تدخل أو تأثير من قبل الحكومة على البرلمان , كما هو الحال في النظام البرلماني , ولو وجد مثل هذا التأثير المقابل لأنعدم التدرج وظهر التعاون , ومن هنا يؤكد بعض الفقه أن النظام المجلسي كالنظام البرلماني كلاهما يقوم على توزيع السلطات , ولكن التدخل والرقابة تكون من جانب البرلمان على الحكومة في النظام المجلسي , في حين يكون التدخل والرقابة متقابلاً في النظام البرلماني .

ثانياً: جماعية الجهاز التنفيذي

أن الميزة الثانية للنظام المجلسي هي وضع الوظيفة التنفيذية في هيئة جماعية خلافاً لحال هذه الوظيفة في النظام البرلماني حيث تمتاز بالثنائية , والنظام الرئاسي حيث تقوم على الوحدة , وسبب هذه الخاصية هو لضمان عدم اكتساب السلطة التنفيذية نفوذاً كبيراً ومركزاً قوياً , وإنما تظل بمثابة التابع للهيئة التشريعية تختارها بنفسها , ويكون لها على تلك الهيئة سلطة العزل وسلطة إلغاء وتعديل قراراتها .

ولمزيد من ضمان جعل الهيئة التنفيذية في درجة أدنى من الهيئة التشريعية , لا يعطي رئيس هذه الهيئة مركزاً متميزاً على زملائه , وجعل مدة ولايته سنة واحدة دون إمكان التجديد له , وبذلك يظل دوره شرفياً بدون سلطات متميزة .

النظام المختلط

إلى جانب الأنظمة الديمقراطية المعروفة ظهر نظام جديد اصطلح على تسميته بالنظام المختلط , لعل من ابرز أمثلته النظام المعمول به في فرنسا في ظل جمهوريتها الخامسة , ويبدو أن سبب التسمية يرجع إلى تردد نظام الحكم المختلط بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي , ومحاولة المزج بين عناصر النظامين وتحقيق عناصر خاصة به تجمع بينهما . وسنعالج خصائص النظام المختلط كما يلي:

خصائص النظام المختلط

قد يبدو غريباً أن يمزج النظام المختلط بين نظامين :هما في الأصل متعارضان إذ يقوم النظام البرلماني على ثنائية الجهاز التنفيذي , بحيث يوجد رئيس دولة غير مسؤول سياسياً , ولا يمارس سلطات حقيقية , وإنما مجرد سلطات أسمية وشرفية , إلى جانب الوزارة التي تتولى مباشرة السلطة التنفيذية الفعلية , كما يقوم النظام البرلماني على ركن ثان وهو التعاون والتداخل والرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية , بحيث يكون للبرلمان حق مسائلة الوزارة سياسياً , سواء بصورة تضامنية أم فردية , مما قد يؤدي إلى إقالة الوزارة كلها , أو أحد الوزراء عند تحقق مسؤوليتهم , ومن ناحية مقابلة تملك السلطة التنفيذية حق حل البرلمان سلاحاً موازياً.

أما النظام الرئاسي على عكس النظام البرلماني يقوم على وحدة السلطة التنفيذية، وحصر كامل وظيفتها في رئيس الدولة , حيث يسود ويحكم وليس الوزراء سوى مساعدين له يعملون على تنفيذ سياسته , من ناحية ثانية يقوم النظام الرئاسي على مبدأ الفصل بين السلطات . ومع وجود هذا التعارض بين النظامين البرلماني والرئاسي وقيامهما على عناصر متعارضة نجد بعض الدساتير المعاصرة تأخذ بنظام حكم يجمع بينهما , فأصبح له خصائص هي في حقيقتها مزج لعناصر مختلفة من النظامين البرلماني والرئاسي . وأهم خصائص النظام المختلط 

أولاً: ثنائية الجهاز التنفيذي

تتكون السلطة التنفيذية في النظام المختلط من رئيس جمهورية منتخب من قبل الشعب , يسود ويحكم , ويتمتع باختصاصات حقيقية لا شرفية , وهو الرئيس الفعلي , وإلى جانبه وزارة مسؤولة أمام البرلمان , مسؤولية تضامنية وفردية , تشترك مع رئيس الجمهورية في وضع السياسة العامة للدولة والأشراف على تنفيذها , وهكذا يشترك رئيس الدولة مع الوزارة في ممارسة السلطة التنفيذية , بحيث يصبح كلاهما سلطة تقرير حقيقية تتوزع بينهما الاختصاصات بناء على قواعد الدستور .

أما مسؤولية طرفي السلطة التنفيذية فأنها تتحقق تطبيقاً للمبدأ القائل (حيث توجد السلطة توجد المسؤولية) وتكون أما الشعب بالنسبة إلى رئيس الدولة وأمام البرلمان بالنسبة للوزارة.

ثانياً- التعاون والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية

تتحقق هذه الخاصية في النظام المختلط كما هي متحققة في النظام البرلماني، حيث يكون للسلطة التشريعية حق مسائلة الوزارة سياسياً , مسؤولية فردية وتضامنية , وإسقاط الوزارة كلها أو أحد أعضائها نتيجة لهذه المسؤولية .

من ناحية مقابلة تملك السلطة التنفيذية حق حل البرلمان سلاحاً مقابلاً للمسؤولية الوزارية.

وفي ضوء هذه الخاصية نجد أن النظام البرلماني يبدو متحققاً، كما لو كان كاملاً، يضعفه وجود الخاصية الأولى التي تفتح الباب لدخول النظام الرئاسي، وذلك لوجود رئيس دولة منتخب من قبل الشعب، والذي يملك اختصاصات فعلية جوهرية، يمارسها بنفسه أحياناً، وتشترك معه الوزارة في أحيان أخرى , ودوره ليس مجرد دور شرفي , وإنما هو دور حقيقي بحيث تتعدى سلطته في أهميتها سلطة الوزارة .






المراجع :

_ (ب، ن) , 11،30، 2015، النظام الرئاسي وشبه الرئاسي، موقع الجزيرة نت .

­­_ (ب، ن) 9،6 2022، النظام الرئاسي ومدى صلاحيته للدول النامية ، المركز الديمقراطي العربي .

المقالات الأخيرة