مع
وصول دونالد ترامب مجددا إلى البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة، بعد غياب استمر
4 سنوات، تتجه الأنظار إلى الشرق الأوسط
وتحديدا القضية الفلسطينية والسياسة التي سينتهجها خاصة مع استمرار حرب الإبادة
على قطاع غزة والهيمنة على الضفة والقدس.
وللفلسطينيين
سجل صعب مع ترامب وإدارته فهو من أوقف تمويل الأونروا وأغلق مكتب منظمة التحرير في
واشنطن عام 2018، ونقل سفارة بلاده إلى القدس وأعلنها عاصمة
موحدة للصهاينة عام 2017، ثم أعلن عام 2020 رؤيته لتحقيق "السلام" فيما ما عرفت بـصفقة القرن التي
رفضها الفلسطينيون وقالوا إنها تنتقص حقوقهم ولا تتضمن إقامة دولة فلسطينية.
الحفاظ
على التمثيل
يرى
المستوى السياسي الفلسطيني أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري سيان في دعم الاحتلال
الصهيوني وأن هناك "شراكة كاملة في استمرار العدوان وحرب الإبادة ضد الشعب
الفلسطيني" وفق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وأضاف
هناك دعم وحماية للاحتلال من مغبة مساءلته على جرائمه وخاصة من خلال استخدام
الفيتو بمجلس الأمن، وشراكة كاملة في حرب الإبادة".
وتابع:
"صحيح أن ترامب فاز اليوم في هذه الانتخابات، لكن نحن ندرك تماما أن الموقف
الأميركي ليس فقط منحازا، لكنه شريك مع الاحتلال في استمرار الحرب والعدوان ضد
الشعب الفلسطيني".
وشدد
على أن مواجهة المخاطر والتحديات الناجمة عن فوز ترامب "تتطلب التأكيد على أن
الشعب الفلسطيني لن يستسلم ولن تكسر إرادته وسيبقى متمسكا بحقوقه وثوابته ومنها
عودة اللاجئين وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس والحفاظ
على وحدة تمثيله في إطار منظمة التحرير وأداتها السلطة الفلسطينية".
وقال
إن الجهد السياسي الفلسطيني يرتكز في هذه المرحلة على "وقف حرب الإبادة، ورفض
محاولات التهجير سواء من قطاع غزة أو الضفة والقدس، وحماية الشعب الفلسطيني من
التجويع والتعطيش، وعملية سياسية تفضي إلى إنهاء الاحتلال".
وشدد
على أن هذا البرنامج يعزز الوحدة الوطنية في كل الأراضي الفلسطينية ويرفض ما يسمى
"اليوم التالي" الذي يسعى فيه الاحتلال لفصل قطاع غزة من أجل عدم إقامة
دولة فلسطينية.
وقال
إن الفلسطينيين اليوم بحاجة لتأكيد تمسكهم بالحقوق والثوابت والوحدة الوطنية
لمواجهة كل المخاطر والتحديات "بوحدته ومقاومته وصموده على الأرض وتمسكه
بحقوقه وثوابته كان شعبنا دائما يفشل كل مخططات الاحتلال".
تجاوز
وتطبيع
من
جهته، يتوقع أستاذ العلوم السياسية المختص بالشأن الأميركي الدكتور أيمن يوسف
"تداعيات واضحة" لفوز ترامب على الملف الفلسطيني ككل، لكن التأثير
الأكبر، برأيه، سيكون حول إدارة المعركة في قطاع غزة، مرجحا "إعطاء نتنياهو
وقتا لإنهاء هذه المعركة ثم الحديث عن المخرج السياسي بشكل أو بآخر".
وقال
إن الشهرين القادمين "حاسمان جدا فيما يتعلق بقطاع غزة، وقد أوصل ترامب رسالة
إلى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يطلب فيها إنهاء الحرب قبل أن يستلم
رسميا البيت الأبيض" وقد حدث فعلا وقف أطلاق النار قبل استلامه بيومين.
وأضاف
في حديثه للجزيرة نت أن "ترامب لن يرى المتغير الفلسطيني بوضوح، ولن يرى حتى
القيادة الفلسطينية سواء على مستوى الفصائل أو مستوى التنظيمات أو مستوى القيادة
السياسية".
ومتجاوزا
الفلسطينيين، يقول الخبير ذاته، إن ترامب سيحاول أن يصل إلى مقاربات جديدة فيما
يتعلق بالقضية الفلسطينية عبر تفعيل مشروع التطبيع العربي الاقتصادي والسياسي
ومحاولة إدارة الأمور بعيدا عن المواجهات العسكرية مرجحا "تطبيعا عربيا شاملا
تنضم إليه أغلب الدول العربية، لأنه (ترامب) يعتقد أن الفلسطيني غير قادر ولا يرغب
في اتخاذ قرارات تاريخية ويعترف فيها بالكيان ".
وأضاف
أن سلطة الكيان ستمضي في فرض أمر واقع يكون جزء منه في قطاع غزة من خلال تهجير
السكان والتضييق عليهم، وضم أراض جديدة في الضفة الغربية، وتكثيف المشروع
الاستيطاني.
ولا
يتوقع المحلل السياسي أي ضغوط أميركية على الكيان فيما يتعلق بالبناء في
المستعمرات الكبرى والتوسيع في مناطق "ج" المقدرة بنحو 60% وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة "وبالتالي يفشل المسار
السياسي أو الحل السياسي، ويبقى الحل الاقتصادي أو الحل التطبيعي هو الحل الوارد
في هذه المرحلة".
إنهاء
السلطة
من
جهته، يرجح المحلل السياسي، أحمد أبو الهيجا، تحرك ترامب لوقف الحرب على غزة، لكن
في المقابل ستدفع الضفة ثمنا كبيرا لأنه "قد يبارك خطوات الحكومة اليمينية الصهيونية
بضم الجزء الأكبر منها".
وتوقع
أبو الهيجا فرض نوع من التدخلات الإقليمية للتعامل مع الملف الفلسطيني مع إضعاف
دور السلطة الفلسطينية بشكل أكبر "وستكون في وضع حرج جدا".
وتابع
أن الحكومة الصهيونية معنية في النهاية بإنهاء وجود السلطة الفلسطينية، لكن في
المرحلة الحالية ستبقى وفق وصف وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش
"كالغريق الذي رأسه فوق الماء وجسمه تحت الماء، فلن تسمح بغرقها أو
نهوضها".
وتوقع
تقليص وجود السلطة في غالبية مناطق الضفة الغربية، لا سيما شمالا وإنكار وجودها في
كثير من المناطق واستبدالها تدريجيا بنماذج من القطاع الخاص وتقويتهم، وربما تحميل
الأردن جزءا من المسؤولية.
وتابع
إن إشكالية الكيان مع السلطة لا تتعلق بأدائها "إنما بالرمزية السياسية
لوجودها".
ما
الثمن الذي ستدفعه القدس خلال ولاية ترامب الجديدة؟
بعد
11 شهرا من تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة
الأميركية، كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قد قال، يوم السادس من
ديسمبر من عام 2017، إن الكيان دولة ذات سيادة، ولها الحق كأي
دولة سيادية أخرى أن تحدد عاصمتها، والاعتراف بذلك كأمر واقع هو شرط ضروري لتحقيق
السلام.
وفي
إعلانه الشهير قال ترامب "إننا اليوم نعترف أخيرا بما هو جلي، وهو أن القدس
عاصمة الكيان، وهذا ليس أقل أو أكثر من اعتراف بالواقع، بل هو أيضا الأمر الصحيح
الذي يجب القيام به، إنه أمر يجب القيام به".
وأعطى
ترامب في الإعلان ذاته تعليمات لوزارة الخارجية الأميركية بالتحضير لنقل سفارة
أميركا من تل أبيب إلى القدس، وأشار إلى أن التعاقد مع معماريين ومهندسين ومخططين
سيبدأ على الفور حتى تكون السفارة الجديدة -بعد الانتهاء من بنائها- إجلالا رائعا
للسلام.
إطلاق
يد الكيان
لم
يكن ذلك الإعلان مستغربا من شخص كترامب، ولم يعوّل المقدسيون على إدارته ولا على
الإدارات الأميركية السابقة واللاحقة.
ورغم
أن تهويد القدس وخرق الوضع القائم في المسجد الأقصى يعد سياسة صهيونية قديمة متبعة
منذ احتلال شرقي القدس عام 1967، فإن إعلان ترامب أطلق يد الكيان أكثر في
تنفيذ مخططاتها وسياساتها العنصرية في المدينة المحتلة.
ومع
تولي ترامب ولاية جديدة بفوزه في الانتخابات الرئاسية على المرشحة الديمقراطية
كامالا هاريس، قال الأكاديمي والخبير بالشأن الصهيوني محمد هلسة حول مواقفه
المتوقعة تجاه القدس والمقدسات خلال السنوات الأربع المقبلة.
مع
نتنياهو، عندما قدم له جملة من الامتيازات أحدها صك الملكية في موضوع الجولان
السوري المحتل، والامتياز المهم المتعلق بنقل السفارة الأميركية من تل الربيع إلى
القدس، بالإضافة إلى اختلاق مسار اتفاقيات إبراهيم وجر أنظمة عربية للتطبيع مع الكيان
الصهيوني".
وأكد
هلسة أن المواقف الأيديولوجية للرئيس ترامب وسلوكه الفوقي العام، وكل ما فعله خلال
ولايته الأولى انعكس على القضية الفلسطينية بشكل أساسي، وسينعكس هذه المرة أيضا
بسبب مواقفه واعتباراته تجاه كل ما يجري من جهة، وبسبب نظرته للعالم العربي الذي
يشعر بالتحرر من حاجته إليه من جهة أخرى.
انفلات
أكثر
ويضيف
هلسة "سنلمس خلال ولايته الجديدة انفلاتا أكثر تجاه كل ما هو عربي إسلامي،
وسينعكس هذا الانفلات أيضا تجاه القدس بشكل أساسي والرغبات الصهيونية فيه، واليمين
الذي يحكم في الكيان سيتقاطع مع انفلات قوة اليمين التي ستحكم الولايات المتحدة
المتمثلة بترامب والحزب الجمهوري واليمين المسيحي أيضا".
وهذا
سيؤدي، وفقا للأكاديمي هلسة، إلى استمرار المد الصهيوني في المنطقة، وكسر شوكة
العرب والمسلمين في ظل الموقف العربي الضعيف والصامت والمهزوم أمام الاندفاع الصهيوني.
"أثبت
العرب على امتداد عام ونيف من الإبادة في غزة أنهم غير قادرين على فرض موقف على الكيان
الصهيوني لمنعه من وقف المجازر التي يرتكبها على الأقل، وفي حال قرر نتنياهو
ويمينه الذهاب إلى تنفيذ أجندتهم بالمدينة المقدسة والمسجد الأقصى تحديدا، لن يشعر
ترامب بتهديد العالم العربي والإسلامي، فلديه شواهد على ما جرى خلال السنة
الماضية"، وفق هلسة.
ويعتقد
الباحث والأكاديمي المقدسي أنه "في إطار المقايضات التي ستجري بين ترامب
ونتنياهو، فمن الممكن أن يقدم الأخير هدية لترامب بوقف الحرب، وفي المقابل سيعده
ترامب بامتيازات تتعلق بالتطبيع مع بلدان أخرى، أو بضم الضفة الغربية أو القفز
قفزة نوعية في قضية المسجد الأقصى".
ويرجح
هلسة أن الأقصى سيكون في عين العاصفة، وأن القدس ستشهد انتهاكات جديدة لأن ترامب
سيذهب إلى اتخاذ كل ما من شأنه أن يفرض الرواية الإسرائيلية، وما يمكن أن يدفعه
إلى التراجع -كأن تكون مصالح الولايات المتحدة مهددة من خلال ضغط وموقف عربي- غائب
وغير موجود، وبالتالي لن يتردد في القول إن اليهود لهم حق في الصلاة بمكان خاص
ومستقل في المسجد الأقصى بفرض التقسيم المكاني على مستوى رسمي.
"لن
يقول أي نظام عربي لترامب لا، وحركة الشعوب في العالم العربي الآن صفر، فهل سيكون
الأقصى أغلى من عشرات آلاف الأرواح التي تزهق أمام الكاميرات؟ بالتأكيد لا
للأسف"، يضيف خبير الشأن الصهيوني.
تقسيم
الأقصى
وختم
المتحدث نفسه بالقول إنه خلال ولاية ترامب الثانية "سنشهد تقسيما مكانيا
كاملا للمسجد الأقصى، ولن يقتصر الإعلان عن ذلك من خلال صفحات نشطاء جماعات الهيكل
فحسب، بل قد يكون الإعلان عن ذلك رسميا، وهو ما سيعتبر إنجازا كبيرا لليمين الصهيوني
الحاكم، وقد تنفذ تغييرات على الأرض باقتطاع مساحة عبر وضع الحواجز والسواتر، على
غرار ما تم فرضه في الحرم الإبراهيمي بالخليل".
أما
الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات فقال إن سياسة ترامب أكثر اتساقا مع
السياسة الصهيونية، وسيستمر الطرفان في خرق القانون الدولي ومخالفته خلال السنوات
الأربع المقبلة، كما فعلا إبّان الولاية الأولى، لعدم وجود من يردعهما.
ولا
يعتقد عبيدات أن ترامب سيمارس ضغوطات جدية على نتنياهو من أجل وقف الحرب، بل سيكون
سخيا أكثر من إدارة بايدن في الدعم المالي والسياسي والعسكري، "وهذا سينعكس
حتما على قضية القدس والمسجد الأقصى الذي شهد خلال عام الحرب الكثير من الانتهاكات
غير المسبوقة".
قراءة
في المستقبل المجهول
بعد
ما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فوزه في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، مما يثير تساؤلات حيوية حول السياسات المستقبلية وتأثيراتها على
الشؤون الدولية، في القضية الفلسطينية.
وفي
هذا الصدد، توضح الورقة أن ترامب من أشد المعادين لفصائل المقاومة، والتي ينعتها
بـ"الميليشيات المسلحة"، وهو ما دفعه، مثلاً، إلى الحديث عن استشهاد
يحيى السنوار والإعلان عن أن مقتله يمثل خطوة مهمة في سبيل استقرار المنطقة. جاء
هذا الإعلان من ترامب بشكل لافت ومبالغ فيه، مما يعكس سياسته المحتملة في
المستقبل.
وتشير
الورقة إلى أن تاريخ الانتخابات الأميركية يظهر أن السياسة الأميركية ليست دائمًا
ثابتة، حتى بعد إعلان نتائج الانتخابات. يشير المحللون إلى أن استمرار ترامب في
البيت الأبيض يثير مخاوف بشأن استمرارية النهج الذي اتبعه خلال فترته الرئاسية
الأولى. أحد أبرز عوامل عدم الاستقرار هو الغموض الذي يكتنف السياسات المستقبلية،
حيث لا يمكن التنبؤ بشكل كامل بالتوجهات التي سيتبناها ترامب في فترة ولايته
الثانية.
فوز
ترامب
حيث
كانت فترة ترامب السابقة محملة بقرارات أثرت سلبًا على الفلسطينيين، أبرزها نقل
السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بها كعاصمة للكيان، وإلغاء التمويل
الأميركي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
هذه السياسات ساهمت في تعزيز عزلة السلطة الفلسطينية وتهميش مطالبها السياسية.
ومع
إعلان ترامب فوزه في الانتخابات، هناك مخاوف من أن تستمر هذه السياسات أو تتوسع
لتشمل إجراءات أكثر صرامة، مثل تقليص المزيد من الدعم الدولي للفلسطينيين أو تشجيع
خطط استيطانية إضافية. بالنسبة للفلسطينيين، يعني ذلك مواجهة واقع جديد يزيد من
تعقيد الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية.
المستقبل
المجهول ومخاطر التنبؤ
وتصل
الورقة إلى أن الانتخابات الأميركية تحمل في طياتها مخاطر تتعلق بعدم القدرة على
التنبؤ بالسياسات المستقبلية. ومع إعادة انتخاب ترامب، تصبح التوقعات أكثر صعوبة
في ظل سجله السياسي الذي اتسم بالقرارات المفاجئة والمتشددة.
وتختتم الورقة بالقول إن فوز ترامب وإعلانه عن فترة جديدة في البيت الأبيض يضع المنطقة أمام تحديات سياسية كبيرة. القضية الفلسطينية، بشكل خاص، قد تشهد المزيد من التعقيد في ظل السياسات المتوقعة من إدارة ترامب، التي قد تسعى إلى ترسيخ نهجها السابق في التعامل مع الملف الفلسطيني دون أي تغيير جذري. في ظل هذا المشهد السياسي، يبقى الفلسطينيون والأطراف الدولية المعنية في حالة ترقب لما ستأتي به الأيام المقبلة، وسط احتمالات مفتوحة ومخاوف من مزيد من التصعيد أو الجمود السياسي.
المراجع
_ عوض الرجوب، 6/11/2024، ما
مستقبل القضية الفلسطينية بعد فوز ترامب؟، الجزيرة نت.
_ محمد هلسة، 7/11/2024، ما
الثمن الذي ستدفعه القدس خلال ولاية ترامب الجديدة؟، مونت كارلو الدولية.