مقاتلات الجيل السادس الصينية “تغير في موازين القوى العالمية”
فرع القاهرة


 

تشهد تكنولوجيا الطائرات المقاتلة تقدما مستمرا وابتكارات متتالية تؤثر بشكل واضح على ديناميكيات القتال الجوي وتوازن القوى بين الدول الكبرى، التي تتسابق في تعزيز ترساناتها العسكرية بأحدث التكنولوجيات الحربية.

تشهد تكنولوجيا الطائرات المقاتلة تقدما مستمرا وابتكارات متتالية تؤثر بشكل واضح على ديناميكيات القتال الجوي وتوازن القوى بين الدول الكبرى، التي تتسابق في تعزيز ترساناتها العسكرية بأحدث التكنولوجيات الحربية.

ومع التطور السريع في هذا المجال، بدأت ملامح حقبة جديدة في القتال الجوي تتشكل مع ظهور مقاتلات الجيل السادس، التي تمثل ثورة في الحروب الجوية ومستقبل النزاعات العسكرية بشكل عام، حيث سجلت الصين أول ظهور علني لهذا الجيل الجديد من المقاتلات، مما أثار ردود أفعال متنوعة داخل دوائر صناعة القرار في الدول المنافسة وبين خبراء الطائرات الحربية في مختلف أنحاء العالم.

 في هذا المقال، نستعرض أحدث تطورات برنامج الصين الخاص بمقاتلات الجيل السادس، ونوضح كيف تختلف الطائرات الصينية الجديدة عن سابقتها، وما هو تأثيرها على مشهد القوة العسكرية العالمية؟

مسيرة تطور الطائرات المقاتلة

يتسم تاريخ الطائرات المقاتلة بالابتكار المستمر، المدفوع باحتياجات القتال الجوي وطموحات الدول في التفوق التكنولوجي. أولى الطائرات المقاتلة النفاثة ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية، مع دخول الطائرة "ميـسرشميت مي 262" الخدمة في الجيش الألماني. ومع اندلاع الحرب الباردة، شهدت تصاميم الطائرات الحربية تطورا كبيرا، حيث تم الوصول إلى سرعات أعلى وديناميكا هوائية محسنة، مع تطوير المقاتلات الأسرع من الصوت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، مثل "إف-14 تومكات" الأمريكية و"ميغ-29" السوفيتية، التي تميزت بقدرة أفضل على المناورة، وأنظمة رادار متطورة، وأسلحة أكثر فعالية.

في التسعينيات، ظهرت المقاتلات من الجيل الخامس التي أحدثت تحولات كبيرة في ميدان القتال الجوي فقد قدمت طائرات مثل "إف-22 رابتور" و"إف-35 لايتنينغ" تقنيات التخفي المتقدمة، والإلكترونيات الجوية المبتكرة. تم تصميم هذه الطائرات ليس فقط لتكون أسرع أو أكثر تطورا، بل لتكون شبه غير مرئية للرادارات، مما منحها قدرة بقاء أفضل في الأجواء المعادية.

 

الآن، ومع التطلع إلى مقاتلات الجيل السادس، يتغير التركيز من مجرد تعزيز السرعة، والتخفي، والنيران إلى دمج تقنيات جديدة مثل الاستقلالية، والحرب القائمة على الشبكات (Network-centric warfare) والقدرة على نشر أسراب الطائرات المسيرة. هذه القدرات المتطورة، تجعل من هذه المقاتلات النقلة النوعية التالية في القتال الجوي، حيث تجمع بين مزايا الأجيال السابقة وتقنيات حديثة تماما.

ميزات مقاتلات الجيل السادس

تمثل مقاتلات الجيل السادس التطور المقبل في تصميم الطائرات العسكرية، ومن المتوقع أن تتفوق على قدرات المقاتلات الحالية من الجيل الخامس، مثل "إف-35" الأمريكية و"جيه-20" الصينية، التي تركز على التخفي المتقدم، والطيران الأسرع من الصوت، والمناورة الاستثنائية. من المتوقع أن تشمل مقاتلات الجيل السادس النسخ المطورة من هذه الإمكانيات، إلى جانب كونها مصممة لدمج تقنيات مبتكرة تجعلها أكثر قدرة على التفوق في ساحات المعارك الحديثة. وتوجد اختلافات رئيسية بين مقاتلات الجيل الخامس والجيل السادس، كما يلي:

- الاستقلالية: من المتوقع أن تتمتع مقاتلات الجيل السادس بمستويات استقلالية أعلى بكثير مقارنة بالمقاتلات من الجيل الخامس، مما يعني أنها ستكون قادرة على تنفيذ مهام معقدة بأقل تدخل بشري، مما يقلل من المخاطر على الطيارين ويزيد من كفاءة العمليات.

تكنولوجيا الأسراب: من المرجح أن تكون مقاتلات الجيل السادس مزودة بتقنيات لإدارة أسراب من الطائرات المسيرة، واستخدامها في الاستطلاع، والمراقبة، والمهام القتالية. هذه القدرة على التحكم في العديد من المسيرات ستمنح ميزة استراتيجية كبيرة في الحروب القائمة على الشبكات.

- الحرب القائمة على الشبكات: بينما تعتمد مقاتلات الجيل الخامس بشكل كبير على الأنظمة الشبكية، ستتمتع مقاتلات الجيل السادس بتكامل أعمق مع شبكة أوسع من البيانات في الوقت الفعلي، مما سيتيح لها العمل كجزء من شبكة مترابطة تضم أجهزة استشعار وطائرات وأقمار صناعية وموارد أخرى، مما يسهل اتخاذ قرارات تكتيكية في الوقت الفعلي.

- التخفي المتقدم والسرعة: في حين أن المقاتلات من الجيل الخامس تحتوي على تقنيات تخفي، فإن مقاتلات الجيل السادس ستعمل على تعزيز هذه القدرات بشكل أكبر، إذ من المتوقع أن تشمل تقنيات تخفي متقدمة لجميع جوانب الطائرة، بالإضافة إلى توظيف مواد جديدة تجعل من الصعب اكتشافها. علاوة على ذلك، قد تتمتع هذه الطائرات بقدرة على الطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت (ماخ 5)، وهو ما لا تستطيع المقاتلات من الجيل الخامس تحقيقه.

- الذكاء الاصطناعي: من أبرز السمات المميزة لمقاتلات الجيل السادس هو دمج الذكاء الاصطناعي، فمن المتوقع أن تحتوي هذه المقاتلات على أنظمة اتخاذ قرارات متقدمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تساعد الطيارين في التعامل مع المواقف القتالية المعقدة، مما يعزز أداء الطائرة ويقلل العبء على الطاقم البشري.

 

 

حقق قطاع الطيران العسكري في الصين تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة، وقد تم تتويجها مع الظهور الأخير لطائرات مقاتلة من الجيل السادس، مثل "جيه-36" و"جيه-50". ورغم أن التفاصيل حول هذه المقاتلات لم يتم الكشف عنها من مصادر رسمية بعد، إلا أن العديد من الميزات الرئيسية قد تم ملاحظتها بالفعل.

ظهرت الطائرة "جيه-36"، وهي طائرة بلا ذيل، لأول مرة في 26 ديسمبر 2024، ويُعتقد على نطاق واسع أنها طائرة مقاتلة من الجيل السادس تتمتع بقدرات التخفي والطيران الأسرع من الصوت، ومن المتوقع أن تكون الطائرة "جيه-36" مزودة بخزائن أسلحة داخلية متطورة قادرة على حمل صواريخ جو-جو وصواريخ جو-أرض.

يقول المراقبون إن تصميم الطائرة يشير إلى أنها ستكون منصة أكثر قوة ومرونة من المقاتلة الصينية "جيه-20"، التي تُصنف كطائرة من الجيل الخامس، ويُتوقع أن تكون "جيه-36" مقاتلة هجومية مصممة للقيام بالهجمات العميقة، مع القدرة على إطلاق صواريخ بعيدة المدى وقنابل انزلاقية ضد أهداف استراتيجية مثل المطارات وحاملات الطائرات.

 إضافة إلى هذه القدرات، قد تكون الطائرة "جيه-36" مزودة برادار متقدم وأنظمة استهداف مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يسمح لها بالعمل كمقاتلة هجومية وكذلك كعقدة قيادة وتحكم لمنصات أخرى في الجو أو على الأرض أو في البحر.

أما الطائرة "جيه-50"، وهي طائرة مقاتلة أخرى من الجيل السادس يتم تطويرها بواسطة الصين، فتشترك مع "جيه-36" في العديد من مفاهيم التصميم، لكن يُتوقع أن تركز بشكل أكبر على دور المقاتلات الخفيفة على عكس القدرات متعددة الأدوار للمقاتلة "جيه-36". ويعتقد مراقبون أن قدراتها قد تفوق أو توازي تلك الموجودة في المقاتلة الأمريكية "إف-35"، خاصة من حيث المدى، سعة الحمولة، وقدرة الطيران الأسرع من الصوت.

التحديات الكبيرة أمام التفوق الجوي الأمريكي

كان رد فعل الولايات المتحدة العلني حول ظهور المقاتلات الصينية من الجيل السادس هادئا إلى حد كبير فقد تجنب مسؤولو البنتاغون التعليق المباشر على الموضوع، ربما لتجنب تصعيد التوترات ومع ذلك، لا شك أن ظهور هذه الطائرات المتقدمة قد أثار القلق في أوساط مجتمع الدفاع الأمريكي.

يشير الخبراء إلى أن هذه الطائرات الجديدة، بمجرد أن تصبح جاهزة للعمل، قد تشكل تحديا كبيرا للتفوق الجوي الأمريكي، ووفقا لسكوت دويتشه، محلل من بنك "دويتشه بنك"، فإن استثمارات الصين في تكنولوجيا الجيل السادس قد تؤثر سلبا على الطلب المستمر من قبل البنتاغون على طائرة "إف-35"، فسرعة الطائرة "جيه-36" واستقلالها وقدرتها على تنفيذ مهام معقدة متعددة الأدوار قد تجعل طائرة "إف-35"، التي تعتبر حاليا العمود الفقري للقوات الجوية الأمريكية، عرضة للخطر في الصراعات المستقبلية.

 

علاوة على ذلك، فإن قدرات الطيران الأسرع من الصوت للطائرة "جيه-36" وميزات التخفي المتقدمة من المحتمل أن تمنحها ميزة كبيرة على طائرة "إف-35"، خاصة في السيناريوهات التي تتطلب استجابة سريعة ومرتفعة لمعدلات الهجمات الجوية. المحصلة تقول أن المقاتلات الصينية من الجيل السادس قد تؤدي إلى تغيير موازين القوى في السماء، مما يضطر الولايات المتحدة إلى تسريع جهودها الخاصة لتطوير طائرات مقاتلة من الجيل السادس، خاصة في ظل التحديات التي قد يواجهها أسطول "إف-35" الحالي.

مستقبل القتال الجوي لمقاتلات الجيل السادس

بينما تعد طائرات "جيه-36" و"جيه-50" الصينية من أبرز برامج مقاتلات الجيل السادس التي تحظى بتغطية إعلامية كبيرة مؤخرا، تعمل دول أخرى أيضا على مشاريع مماثلة. فلدى الولايات المتحدة برنامج لتطوير طائرتها الخاصة من الجيل السادس، والمعروف ببرنامج "الجيل التالي للهيمنة الجوية (NGAD)". على الرغم من قلة التفاصيل المتوفرة، يُعتقد أن برنامج NGAD سيركز على تطوير مقاتلات معززة بقدرات مطورة للاستقلالية، والتخفي، والتحكم بأسراب المسيرات. ووفقا للتقارير، بدأت القوات الجوية الأمريكية بالفعل باختبار تقنيات النماذج الأولية، ويعتقد بعض الخبراء أن برنامج NGAD قد يكون جاهزا للعمل بحلول أوائل ثلاثينيات القرن الحالي.

وفي نفس السياق، تتعاون الدول الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، في برنامج "منظومة القتال الجوي المستقبلي (FCAS)"، الذي يهدف إلى تطوير طائرة مقاتلة من الجيل السادس لتحل محل مقاتلات "يوروفايتر تايفون" و"داسو رافال" ومن المتوقع أن تركز هذه المقاتلة على التخفي المتقدم، والاستقلالية، وقدرات الطيران الأسرع من الصوت. من جانب آخر، يعد برنامج الطائرة المقاتلة اليابانية "إف-3"، الذي يتم تطويرها بواسطة شركة ميتسوبيشي، أيضا منافسا في سباق مقاتلات الجيل السادس.

من دون شك، سيؤدي إدخال المقاتلات من الجيل السادس إلى تحويل طبيعة القتال الجوي، بإمكانياتها المطورة من سرعات تفوق الصوت، وزيادة الاستقلالية، والقدرة على التحكم في أسراب الطائرات المسيرة، مما سيمنح الدول المشغلة لها ميزة استراتيجية وتكتيكية قوية. علاوة على ذلك، سيمثل تطوير هذه الطائرات تحولا جذريا في الطيران العسكري، ومن المرجح أن ينتج استراتيجيات قتال جوي جديدة بالكامل.

عليه سيتغير ميزان القوى بشكل كبير مع تسابق دول مثل الصين والولايات المتحدة لتطوير ونشر المقاتلات من الجيل السادس، حيث يجبر انتشار القدرات الجوية المتقدمة الدول على إعادة التفكير في عقائدها العسكرية، إذ ستتيح هذه الطائرات تنفيذ الاشتباكات بسرعة وحسم عبر مسافات أكبر، مع تقليل المخاطر على الطيارين البشر. ومع تزايد تكامل الأنظمة المستقلة والذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية، يمكننا أن نتوقع تغييرات كبيرة ليس فقط في القتال الجوي، ولكن أيضا في البنية التحتية الدفاعية والحروب السيبرانية.

يعد السباق نحو تطوير الطائرات المقاتلة من الجيل السادس فصلا حاسما في التطور المستمر للتكنولوجيا العسكرية، ومع تقدم دول مثل الصين في هذا المجال، يشهد العالم تحولا في ميزان القوى الجوية العالمي، ومع دخول هذه الطائرات المتقدمة إلى الخدمة، سيعاد تعريف أساليب خوض الحروب في السماء، وكيفية عرض الدول لقواها، وكيفية تكيف الأنظمة الدفاعية مع الحقائق التكنولوجية الجديدة، ورغم أن التفاصيل ما زالت تتكشف، فإن شيئًا واحدًا واضحًا: سيكون لمستقبل الحروب الجوية تأثير كبير على العالم لعقود قادمة.

 

 

المصدر: المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية

التاريخ : 3/2/2025

-------------------------------------------------

المصدر: صحيفة الشرق

التاريخ : 29/12/2024

 

المقالات الأخيرة