دور الثقافة والإعلام كرافد أساسي للتربية
فرع بنغازي

ثقافة الأمة هو تراثها الحضاري والفكري بحيث تشكل ثقافة الأمة عناصر مترابطة تشكل إطاراً ومحيطاً يحكم الأفراد والأسر والمجتمع.

ويشير أحد الباحثين إلى أن المجتمعات الإنسانية قادرة على تشكيل ثقافاتها، فبين الإنسان وثقافته علاقة تأثر. وتتغير الثقافة حينما يجمع الأفراد على التغير ويقبلونه ولذلك فالأجيال الجديدة من أفراد المجتمع تصنع وتصهر داخل الثقافة الجديدة بكل ما فيها من تغير قد لا تكون الأجيال السابقة قد مرت به أو خبرته.

لقد عاشت المجتمعات في السابق محافظة على ثقافاتها إلى حد كبير إلا في التغيير النسبي عليها الذي يعترضه التغير الاجتماعي، حيث لم تكن وسائل المواصلات ووسائط الاتصال قد ارتقت بعد إلى الحد الذي يسمح بالتواصل الثقافي الذي نشهده اليوم، فقد كانت القدرة على السفر محدودة ومرتبطة بالتجارة إلى حد كبير في وقت كانت فيه وسائل التنقل تقليدية غير أن التبادل التجاري قد كان وسيلة من وسائل التواصل الثقافي.

ولعلنا هنا نذكر ما كان يقال من أن (زيت التجارة قد أشعل مصباح الحضارة).

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدول لحماية هذه الفئة الشبابية إلا أن المتغيرات الثقافية السريعة النابعة من الثقافات، والجنسيات, واللغات، والديانات المتعددة، ووسائل الإعلام المتقدمة، غيرت من شخصية الشباب وتوازنهم، وولدت الكثير من التناقضات التي يعيشون معها بصورة يومية، وقضت فيها على تأثير العوامل المكونة للشخصية وهي التنشئة الاجتماعية الوالدية، لتحل محلها التنشئة النابعة من البدائل، ما أنتج الصراع القيمي بين الشباب والسلوكيات والتصرفات النابعة من الثقافات الأخرى المتداخلة مع ثقافة المجتمع، والوضع الثقافي الذي يعيشه النظام العالمي، فالطابع التقليدي للثقافة بدأ ينهار أمام التقدم والتطور والتحديث. كذلك تأثرت المكانة الحالية للشباب والتي برزت كنتيجة للتغيرات التعليمية والديموجرافية والاقتصادية، التي عن طريقها يؤسس الشباب علاقاتهم بالمجتمع.

وإن من الملاحظ أن الغالبية من الشباب يتأرجحون في حياتهم اليومية، وتظهر المشاكل التي تبدأ بالمعارضة بينهم وبين عالم الكبار، وتتصادم الثقافة التقليدية بالثقافة الأخرى, ما يولد الاضطرابات والمشاكل النفسية والانفعالات اليومية، لما تتقبله هذه الشخصية الشابة من مؤثرات وثقافات متنوعة ومتعددة، وتفاعل كل هذه المؤثرات دون توجيه مستمر، ومراقبة لتخليص الشخصية الشابة من الشوائب والسلبيات التي تؤثر بطريقة سلبية على عقليته ونفسيته الشبابية.

ولا يخفى علينا الآن أن التقنية الحديثة والإعلام قد جعلت التواصل الثقافي أمراً واقعاً وملموساً بعد أن أصبح تدفق المعلومات سمة العصر الذي نعيش فيه ما جعل عوامل التغير الثقافي بفعل امتصاص الثقافات الأخرى والتأثر بها من المسلمات الحياتية في عالمنا المعاصر.

ومن صفات الثقافة أنها في تغيير مستمر، ويرجع هذا التغيير إلى موافقة الناس لعمليات الإضافة الثقافية، على أن عملية التغيير لا تجد السبيل أمامها دائماَ سهلاً وممهداً وأحياناً تقاوم الأنماط الثقافية الجديدة نتيجة الشك في قيمتها أو بسبب خوف الناس من النتائج المترتبة على التغيير ذلك. والثقافة هي رقي الفكر وسمو الوجدان، والسبيل إلى رقي الفكرة هو التعليم وتنمية المعارف والتجربة، وإن الطريق إلى سمة الوجدان هو الفن والأخلاق والوعي الديني الصحيح، وكل هذا من شأنه أن يرقى بالسلوك ويسمو بالعلاقات ويعمق الانتماء للوطن ويؤكد الإحساس بالأخوة بين المواطنين. فأين ذلك من السلامة المرورية عندما نرى أن معدل حالات الإعاقة السنوية المسجلة في العالم العربي تجاوز ستة عشر ألف معاق من جراء الحوادث المرورية.

 

 

سنسلط الضوء على عدة عناصر رئيسية أهمها:

·       التعريف بمفهومي التربية والثقافة.

·       العلاقة الديناميكية بين التربية والثقافة

·       إشكالية العلاقة بين التربية والثقافة

وتشترك التربية والإعلام في الأهداف العامة وفي أسلوب تحقيق تلك الأهداف، وبعيداً عن التفاصيل الدقيقة لأهداف كل منهما نلحظ أن التربية والإعلام يهدفان إلى إيصال المعلومة إلى المتلقي باستخدام وسائل اتصال متشابهة، فعملية الاتصال في الجانبن لا تعدو كونها نقل رسالة من مرسل إلى متلق بوسيلة ما. وإذا أردنا الدخول في بعض التفاصيل نجد أن الاختلاف والخلاف بين التربية والإعلام يكمنان في الأهداف التفصيلية حيث تحدد الأهداف التفصيلية في التربية السلوك المطلوب بأسلوب يمكن قياسه، في حين لا يرى الإعلاميون أهمية تذكر لهذا الأسلوب، وفي وسيلة نقل المعلومة حيث يتجاوز الإعلام حدود المنهجية إن صح التعبير في نقل المعلومة. فالإعلام لا يتقيد بمنهجية معينة وإن كان ينهج سياسة محدودة، والإعلام لا يخاطب فئة معينة من جمهوره ولا يشترط كذلك مستوى معيناً من الثقافة أو العمر أو الجنس فهو كما وصفه الدكتور حمود البدر بالحصان الجامح الذي يتعذر على التربية والتعليم مجاراته، ولكن لا يتعذر عليهما الاستفادة من إمكاناته التقنية في نقل المعلومة، خصوصا ونحن نعيش في عصر ثورة المعلومات وفي عصر التقنية التي تسهل عملية جمعها وتدفقها واسترجاعها، وفي هذا الصدد يقول فتح الباب وزملاؤه "وهكذا أصبحت إذاعة العلم وانتشار الفن وذيوع الأدب غير قاصرة على مصاحبة العالم، وحضور قاعات الدارس، ولا محدودة بمجال الرواية وإلقاء الشعر في المحافل والمنتديات، والأسواق كما كان في القرون الأولى، ولم يقتنع العلماء ولا رجال الإعلام ببث الكلمة عبر موجات الأثير، ومن خلال المذياع، ولم يكتفوا بالمطبوعات حيث تخرج الماكينات آلاف النسخ أو ملايين النسخ في ساعات قليلة، تنقلها الطائرات وتنشرها في أرجاء العالم, بل أصبحت المعلومة والفكرة الأدبية والنفحة الجمالية، تصل إلى الناس جميعاً لك ولي، في بيتك بطرق متنوعة مطبوعة أو مسموعة أو مرئية، سلكيا، أو لاسلكيا، بضغط الأزرار أو إدارة المفاتيح وغيرها من التقنيات في عصر الكمبيوتر والإنترنت".

إذاً تلقي المعلومة لم يعد قاصرا على المدرس والمدرسة والكتاب المدرسي والتجارب المعملية، أو حتى الوسائل التوضيحية البدائية، وبالتالي لم تعد التربية مسئولية المنزل والمدرسة والمسجد، فقد أفرد الإعلام دوراً فاعلا في تشكيل شخصية الطفل التي تمثل السنوات الست الأولى في حياته فترة حرجة في تكوين شخصيته، وقد سمح الإعلام لنفسه بمباركة من أوكلت إليهم أمور تربية النشء أن يكون عنصرا فاعلا في هذه المهمة، ولم يعد التمرس خلف الصيحات المدوية والمحذرة من الغزو الفكري مجدياً في نزع هذا الحق الذي فرضه الإعلام على مخطط التربية في العالم العربي على وجه الخصوص.

وقد استعرض الباحث العديد من الدراسات والبحوث التي أجريت في العالم العربي (ما توافر للباحث أثناء إعداد هذه الورقة) ولم يجد ما يدحض مقولة إن النتائج التي يحصل عليها من جراء دراسة التأثير الإعلامي على النشء ما هي إلا وجهات نظر وتخمينات لا تحكمها دلائل إحصائية. إلا أن أشهر الدراسات حول تأثير أفلام العنف على زيادة السلوك العدواني ما قام به أرون ومساعدوه حيث أجروا دراسة استمرت عشرين عاماً بدأت عام 1960م وأجريت على عينة قوامها (87) طفلاً في سنوات عمرية مختلفة (7ـ9 سنوات). وأجريت فحوصات سيكولوجية للعينة تضمنت قياس السلوك العدواني ومظاهره سواء في المدرسة أو في المنزل.

وبعد حوالي سنة أجريت دراسة تتبعية لنفس العينة ودراسة أخرى كذلك عندما بلغت أعمار أفراد العينة حوالي (19) سنة. ودراسة عندما بلغت أعمارهم (30) سنة. وكان الارتباط بين مشاهدة أفلام الجريمة والعنف وارتكاب الجرائم دالاً إحصائياً وذلك نتيجة مشاهدة العنف والجريمة على شاشات التلفزيون.

ومثل هذه الدراسة تعزز ما ذهب إليه العديد من علماء النفس بأن تأثير التلفزيون ينحصر في تعزيز سلوك كامن في الفرد أكثر من خلق سلوك جديد. كذلك أدت نتائج دراسات الاحتمال ووجهات النظر إلى لجوء الباحثين إلى نموذج الاستخدام والإشباع الذي يعتبر أكثر النماذج تطبيقاً في الدراسات الإعلامية، حيث يرى كل من بلور وكاتز 1974، وبالم جرين 1984، وروزنجرين وزملاؤه 1985 أن المتلقي للمعلومة عبر وسائل الإعلام ينتقي ويفاضل بين ما هو معروض من وسائل الإعلام؛ لذا يثير نموذج الاستخدام والإشباع التساؤل عما يفعله المتلقي بالوسائل بدلا من التساؤل عما تفعله الوسائل بالمتلقي.

وهذا يبرز التأثير من خلال الاحتياجات الاجتماعية والنفسية للمتلقي لا من خلال المحتوى الإعلامي نفسه. وهنا يفترض نموذج الاستخدام والإشباع أن الجمهور المتلقي نشط يحدد طبيعة الربط بين إشباع احتياجاته واختيار التعرض لوسائل الإعلام، وكما أن المتلقي أقدر على إبلاغ الباحث عن احتياجاته ومدى إشباعها بواسطة وسائل الإعلام.

وفي العالم العربي وأمام التطور المضطرد في مجال الإعلام لا يوجد من الدراسات التطبيقية ما يبرز دور الإعلام في التربية وانحراف السلوك سواء بعض التقارير أو الدراسات المكتبية التي تبرز تلك الأنشطة وتثمنها كأسلوب لمواجهة الاستهلاك المتزايد للبرامج المستوردة. كما تحاول بعض الدراسات تقييم بعض المحاولات الإعلامية التي تهدف إلى تحقيق الأهداف التربوية التي رسمتها المؤسسات الإعلامية في مجال التربية والتعليم وتعزيز الجانب السلوكي.

الإذاعة رغم مزاحمة التلفزيون لها واستحواذه على جمهورها تلعب دوراً فاعلا في التربية والتعليم والتوجيه، وتسعى العديد من الإذاعات العربية إلى رسم أهداف تربوية تثقيفية محدودة لتحقيق الجانب التربوي.

وفي دراسة أجرها الباحث حول الأبعاد التربوية لبرامج الأطفال المعدة محليا اتبع فيها أسلوب المسح الوظيفي وتحليل المضمون، وقد أعدت لهذه الدراسة قائمة بالمبادئ والقيم والجوانب الإيجابية التي أشارت إليها تساؤلات الدراسة على شكل بطاقات تحليل المضمون ودرجة التشبع الكمي للمبادئ المشار إليها، وقد اشتملت استمارة تحليل المضمون على:

1ـ الأهداف.

2ـ تنمية الاتجاهات نحو العقيدة.

أـ تنمية الاتجاهات.

ب ـ تنمية الاتجاهات نحو المجتمع.

ج ـ تنمية الاتجاهات نحو الوطن.

د ـ تنمية الاتجاهات نحو البيئة.

3ـ تنمية المهارات الذهنية وتشمل:

أ ـ الحث على التفكير العلمي.

ب ـ الحث على التفكير الابتكاري.

ج ـ الحث على التفكير الناقد.

4ـ الإعداد ويشمل:

أ ـ التهيئة الذهنية.

ب ـ الارتباط بالواقع.

ج ـ المواءمة الزمنية.

د ـ المواءمة العمرية.

ومثل هذه المبادئ التي يرتكز عليها المحتوى التربوي جديرة بالأخذ بها في البرامج التوعوية التي تبث وتنشر في وسائل الإعلام المختلفة. وللوصول إلى هيكل برامج فاعلة للتوعية في مجال السلامة المرورية لابد أن يكون الهدف هو مجال أنشطة الهيئات الثقافية والإعلامية في المجال التوعوي بحيث ترتبط بشكل أو بآخر بثقافة المجتمع المسيرة والمحصنة بالعقيدة الإسلامية.

وللوصول إلى هذا الهدف لا بد من برنامج توعوي يشمل المفاهيم التربوية والسلوكية، والإدراك الواعي لكيفية التعامل مع القضايا والأحداث، التي تحقق الأمن الفكري والاستقرار الاجتماعي، وتحافظ على القيم؛ ولذلك فهو إحساس بروح المسؤولية الخاصة والعامة، نحو الإنسان والمجتمع.







المراجع:

د. سعيد عبدالله حارب , 2‏/11‏/2022 , دور الثقافة والاعلام كفرد أساسي للتربية ,البيارق

د. معاذ عليوي ,9/7/2016 , العلاقة بين التربية والثقافة: إشكالية الممارسة والتطبيق ,الأولى الثقافية

المقالات الأخيرة