السياسات الزراعية في ليبيا
فرع بنغازي

على الرغم من محدودية وصغر القطاع الزراعي في ليبيا، إلا أن الزراعة متأصلة بقوة في تقاليدنا وكذلك تربية الأغنام والماشية، لكن في الوقت الراهن نقوم باستيراد معظم استهلاكنا من المواد الغذائية.

رؤية إحياء ليبيا 2030 تتصور قطاعات فعالة وحديثة ومنتجة توفر للشعب احتياجاته من منتجات الزراعة والثروة الحيوانية ومصائد الأسماك، وتضمن له الأمن الغذائي، وتلعب دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية الريفية. فلدينا القدرة على تنشيط القطاع الزراعي لخفض وارداتنا الزراعية، وضمان الأمن الغذائي، وخلق الفرص الاقتصادية، وتشجيع العادات الغذائية الصحية.

فبالرغم من انخفاض الاهتمام بقطاع الزراعة في الدول النامية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي نتيجة توجه الكثير من هذه الدول إلى التصنيع كأداة رئيسية للتنمية، إلا أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العديد من الدول العربية لازالت تعتمد بشكل كبير على القطاع الزراعي، حيث يسهم هذا القطاع في توفير المنتجات الغذائية والمدخلات الوسيطة للعديد من الصناعات التحويلية وهو ما يسمى بمساهمة الناتج، كما يوفر القطاع الزراعي فرص العمل والمعيشة لنسبة كبيرة من السكان بشكل مباشر أو غير مباشر، إذ تبلغ نسبة المشتغلين بالزراعة حوالي 30% من إجمالي حجم القوى العاملة الكلية في الدول العربية. كما يسهم القطاع الزراعي في توفير النقد الأجنبي من خلال عائد الصادرات من السلع الزراعية أو من خلال توفير سلع زراعية منتجة محلياً، مما يحد من حجم الواردات من الغذاء، وهو ما يدعم بالتالي تمويل برامج التنمية. ويوفر القطاع الزراعي أيضا سوقا للسلع الصناعية المنتجة محلياً، وهو ما يطلق عليه مساهمة السوق.

لا تنحصر مشاكل الزراعة العربية بنقص الموارد فقط، وإنما ترتبط بكفاءة استغلال المتوفر منها. وهناك العديد من المعوقات التي تعترض مسيرة القطاع الزراعي، منها ما هو اقتصادي كالاختلالات في أسواق المنتجات الزراعية ومستلزمات الانتاج الناتجة عن احتكار الإنتاج والتوزيع، أو عن تدخل الدولة من خلال تسعير المنتجات وتحديد أسعار الصرف وفرض الضرائب ما أدى إلى العزوف عن الاستثمار في القطاع الزراعي، خاصة في ظل ضعف حوافز الاستثمار في هذا القطاع.

أولا- السياسات الزراعية نظرة شمولية:

يختلف محتوى السياسات الزراعي من دولة إلى أخرى مما يؤدي إلى اختلاف أداء القطاع الزراعي، لذلك فأنه في كثير من الأحيان يستدل على الأهداف والوسائل التنفيذية للسياسات الزراعية من المؤشرات الإقتصادية المتعلقة بالنشاط الزراعي وما يتاح من خطط نظرية.

وبالرغم من إختلاف السياسات الزراعية من دولة لأخرى، إلا أنها تندرج في إطار الحزم التالية:

-  سياسة توفير الغذاء ونمط الحيازة الزراعية أو ما يطلق عليها سياسة الإنتاج والتراكيب

المحصولية والأنماط الزراعية.

-  السياسات التمويلية والإستثمارية.

-  سياسات التخزين.

-  سياسات التسعير.

-  سياسات التسويق.

-  سياسات التجارة الخارجية للسلع الزراعية.

تانيا- سياسة توفير الغذاء:

ترتبط سياسات توفير الغذاء بكافة السياسات الزراعية والاقتصادية، كما أنها انعكاس لدرجة نجاح تلك السياسات، وبالنظر إلى عدم وضوح أهداف محددة للسياسات في غالبية الدول العربية، فإنه عادة ما يتم الاستدلال على نتائجها من خلال استعراض تطور مؤشرات المكونات الغذائية للفرد العربي ونسب الاكتفاء الذاتي منها.

ثالثا ـ السياسات التمويلية والاستثمارية:

تحتل السياسات التمويلية والاستثمارية دورا رئيسيا في دعم وتطوير القطاع الزراعي. وقد انعكس اهتمام الدول العربية في القطاع الزراعي من خلال زيادة المخصصات الاستثمارية للقطاع الزراعي في الخطط التنموية على المستوى القطري وبالرغم من ذلك إلا أن حصة القطاع الزراعي من الاستثمار لا زالت منخفضة مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى حيث خصص الجزء الأكبر من الاستثمارات لقطاعات التجارة والخدمات والصناعة. وقد قامت الدول العربية منذ عقد السبعينات بإنشاء مؤسسات الإقراض الزراعي، وذلك بهدف تحفيز المؤسسات والأفراد على توجيه جزء من مدخراتهم لتمويل الأنشطة الزراعية في بلدانهم. كما عملت خلال عقد الثمانينات على زيادة مساهماتها في رؤوس أموال هذه المؤسسات

رابعا ـ سياسات التسعير:

ان للأسعار والسياسات السعرية أهمية كبيرة نظرا لدورها في توجيه الموارد بين مختلف أنواع الإنتاج وكذلك في توزيع الإنتاج بين المستهلكين، إضافة إلى تأثيرها على الكفاءة الاقتصادية للموارد، ونمط وعدالة توزيع الدخول وتأثيرها أيضا على الاستهلاك وحجم العائد الصافي من التجارة الخارجية الزراعية، وكذلك تأثيرها على حجم المدخرات وبالتالي الاستثمارات الزراعية، وأخيرا تأثيرها على المستوى المعيشي للمزارعين والمستهلكين على حد السواء. كما تلعب الأسعار الزراعية دوراً هاماً في معدلات التضخم والبطالة والنمو الاقتصادي وعليه فإن السياسة السعرية الناجحة تتطلب معرفة واسعة برد فعل المستهلك والمنتج تجاه تغيرات الأسعار.

خامسا ـ سياسات تحرير التجارة الخارجية:

وكما هو معروف فقد تم التوقيع على أكبر اتفاق عالمي للتجارة في التاريخ يوم 94/4/15 في مراكش في المغرب يهدف إلى إزالة الحواجز أمام الصادرات ومن ثم تعزيز الازدهار الاقتصادي وبالتالي انتهت مفاوضات ما عرف بجولة أوروغواي للاتفاق العام للتعرفة الجمركية والتجارة "الجات" وقد تم إنشاء منظمة التجارة الدولية لتخلف الجات" لتعمل على تنفيذ القوانين الخاصة بالقضايا التجارية بطريقة أكثر شمولاً، وتوفر برنامجاً لمفاوضات تجارية متعددة الأطراف، وتراجع السياسات التجارية للدولة الأعضاء بصفة دورية. وقد أدخل ملف للزراعة للمرة الأولى في المفاوضات من أجل تحرير تجارة المنتجات الزراعية بحيث تضمنت الاتفاقية تخفيض الرسوم الجمركية على السلع الزراعية، بالإضافة إلى تخفيض الدعم وحجم الصادرات الزراعية المدعومة وفتح الأسواق أمام الواردات من هذه السلع.

مشاريع التحول لتحديث قطاع الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي:

تنفيذ مشروعات المصب في قطاع الزراعة:

وقد أدى التدخل الحكومي السابق إلى نقص استخدام موارد المياه والأراضي وثبط الاستثمار الخاص في تقنيات الزراعة التجارية والري. البنية التحتية للمعالجة والتخزين غير كافية لتمكين المعالجة المحلية للاستهلاك الوطني والتصدير إلى الأسواق الإقليمية والدولية. لهذا السبب، فإن العرض الزراعي المحلي غير قادر على تلبية الطلب المحلي والصادرات منخفضة.

ومن أهدافه:

-  وضع خطة إستراتيجية للتنمية الزراعية

-  تحسين الأمن الغذائي الليبي وتقليل الاعتماد على الواردات

-  توفير فرص العمل في المناطق الريفية للحد من التوترات الإقليمية والتحضر

-  تطوير سوق تصدير للمنتجات الزراعية الليبية

وضع نظام للإدارة الفعالة والمتكاملة لمتجمعات المياه، وإعادة تأهيل نظم الري القائمة:

تعتمد الزراعة في ليبيا على الري من مصادر مياه غير متجددة ومهددة بالنضوب على نحوٍ متسارع. ومن هنا يمكن لبرامج إدارة مستجمعات المياه المتكاملة الإسهام في تكوين كوادر، على مستوى البلديات والمحليات، يُسْنَد إليها ملف إدارة الموارد المائية بكفاءة وفعالية لتحسين الإنتاج الزراعي وزيادة الإنتاجية.

أهداف المشروع:

-  زيادة إمدادات المياه للأغراض الزراعية من خلال إعادة تأهيل وبناء منظومة الري، وإدخال تحسينات على أساليب تخزين المياه، والمحافظة على مستجمعات المياه.

-  تحسين وزيادة الاستفادة من مياه الأمطار في الأغراض الزراعية.

-  زيادة الإنتاجية الزراعية وتنويع المحاصيل لزيادة دخل المزارعين ورفع مستوى المعيشة في المناطق الريفية.

-  التحكم في الكيماويات والمحسنات المستخدمة في الزراعة ومنع تسربها الى مستجمعات المياه وتلويثها

إصلاح نظام الإرشاد الزراعي، ودعم نقابات المزارعين المحليين:

ثمة حاجة إلى تحديث منظومة وسياسات الإرشاد الزراعي لتعزيز الأمن الغذائي، وزيادة الإنتاجية الزراعية، وإحداث تنمية ريفية شاملة، والحفاظ على الموارد الطبيعية للبلاد. كما يحتاج القطاع الزراعي في ليبيا إلى تأسيس نظام أقوى وأكثر تنسيقاً لدعم التنمية الزراعية، ويشمل ذلك المؤسسات التعليمية، والنقابات الزراعية، وهيئات الائتمان الزراعي، ومراكز البحوث، بهدف الانطلاق نحو تحقيق التنمية الزراعية المستدامة.

اهداف المشروع:

- تطبيق اللامركزية بشكلٍ أكثر فاعلية، مع تقوية جسور التعاون بين المؤسسات المعنية بالقطاع الزراعي للارتقاء بمستوى الإرشاد الزراعي المحلي وزيادة كفاءته.

- دعم وتشجيع المؤسسات التي توفر التدريب للمزارعين.

- توسيع نطاق الخدمات المالية للمزارعين باعتماد التقنيات الحديثة.

-  زيادة مواءمة البحوث الزراعية مع خدمات الإرشاد الزراعي في البلاد

تيسير حصول المزارعين على التمويل:

على مستوى المزارع فإن لتوفير الائتمان تأثيراً كبيراً عند اتخاذ القرارات الزراعية كاختيار المحاصيل التي لها أثر كبير على قدرة البلاد على الوفاء باحتياجاتها الغذائية الزراعية على سبيل المثال. وفيما يتعلق بالتمويل، لم تنقطع شكاوى المزارعين الليبيين من نقص التمويل لشراء اللوازم واعتماد تقنيات أكثر حداثة لإزالة العوائق أمام تحقيق التنمية الزراعية. ومن ناحية أخرى، يحتاج المزارعون إلى تبسيط إجراءات الحصول على التمويل أو الائتمان الزراعي من خلال تعزيز برامج التمويل المتخصصة.

اهداف المشروع:

-  وضع برنامج وطني يهدف الى زيادة إمكانية حصول المزارعين على السلف والقروض لتمويل شراء المعدات، وتطبيق البرامج الحديثة التي يمكن أن تزيد من الإنتاج الزراعي.

- ضمان مواءمة عروض التمويل وشروط الحصول على القروض من المصرف الزراعي الليبي مع احتياجات المزارعين.

- العملُ على دمجِ مؤسسات الإقراض والتمويل في منظومة الإرشاد الزراعي بشكلٍ أكثر فاعلية.

- إدخال تحسينات على الأعمال والممارسات الزراعية تدعم التوجه نحو الزراعة المُستْدَامَة وتحسين المحاصيل

وضع استراتيجية للأمن الغذائي من شأنها تحقيق التوازن بين الإنتاج المحلي والاستثمارات الداخلية والخارجية، وحيازة الأراضي الزراعية في الدول الأخرى:

يتطلب حل قضايا الأمن الغذائي انتهاج خطة متكاملة الأوجه، تراعي القيمة المضافة، وتهتم باستراتيجيات إدارة المخاطر الغذائية. وبما أن الزراعة تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء، ونظراً لأن الماء هو أكثر الموارد ندرة في ليبيا، فإنه ينبغي التفكير في جدوى اقتناء وزراعة الأراضي الزراعية في البلدان ذات الموارد المائية الضخمة، والأراضي الزراعية الخصبة، والأيدي العاملة الرخيصة، بالإضافة إلى الاستثمار في الشركات الدولية الزراعية لتلبية متطلبات الأمن الغذائي للحد من استنزاف وهدر الموارد المائية المحلية المحدودة

أهداف المشروع:

-  وضع استراتيجية للنهوض بالأمن الغذائي في ليبيا وتقليل الاعتماد على الواردات

- تنويع الإنتاج الزراعي في ليبيا لتحقيق التوازن بين الإنتاج المحلي والاستثمارات في الشركات الزراعية وتَمَلُّك الأراضي الزراعية خارج البلاد

- الحد من إنتاج المحاصيل التي تتطلب توفير موارد مائية كبيرة والتي لا تعتبر ملاءمة لظروف المناخ والتربة في ليبيا

تسريع وتيرة الخطط الحالية لإنشاء محطات لتحلية مياه البحر للاستخدام المنزلي والزراعي:

تعتمد ليبيا بشكلٍ أساسي، في الوقت الحاضر، على النهر الصناعي لتلبية معظم إمداداتها من المياه. ومع ذلك، علينا أن نأخذ في الاعتبار أن استخدام هذا المصدر، والذي يعتمد على المياه الجوفية غير المتجددة، يُحد من قدرة ليبيا على تلبية الطلب المتزايد على المياه. بيد أنه يمكننا دفع عجلة الخطط الحالية لبناء محطات لتحلية المياه، مع وضع خيارات أخرى على طاولة البحث مثل إشراك القطاع الخاص لضمان سرعة الإنجاز والتسليم.

اهداف المشروع:

- تلبية الطلب المتزايد على الموارد المائية

- تحقيق الأمن المائي على المدى الطويل من خلال تنويع مصادر إمدادات المياه

-  الحفاظ على المصادر غير المتجددة من المياه للأجيال القادمة

وضع استراتيجية جديدة خاصة بالأغذية والزراعة من شأنها الأخذ في الاعتبار التكاليف الاقتصادية والبيئية لنظام دعم المزارع في البلاد:

إن الطلب على المياه المستخدمة في الزراعة يستهلك ما يقرب من 85٪ من إمدادات ومصادر المياه المتاحة للبلاد. وعوضاً عن هذا الهدر يمكننا تعزيز إنتاجية المزارع من المحاصيل من خلال انتهاج أساليب سليمة في إدارة الطلب على المياه مثل رفع الدعم عن المحاصيل الضريبية واختيار المحاصيل ذات الإنتاجية الأفضل؛ ومن ثم يمكن استثمار المبالغ التي يتم توفيرها في إعادة تدريب الفلاحين، وتحسين أصناف البذور، وتنفيذ برامج لتقديم مساعدات لاقتناء وترقية المعدات الموفرة للمياه.

اهداف المشروع:

-  تقليل ورفع الدعم تدريجياً عن المحاصيل الضريبية لتشجيع التحول نحو سلة غذائية من المحاصيل الأكثر استدامة بيئياً.

- توجيه الإعانات بشكلٍ أكبر نحو أصناف المحاصيل التي يمكن أن يُسْتَعَاض بِها عن الواردات.






 

المراجع

صالح العصفور، سبتمبر/ 2003، السياسات الزراعية، المعهد العربي للتخطيط بالكويت.

ب . ن ، 2023، تحديث قطاع الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي، مجلة إحياء ليبيا.

المقالات الأخيرة