الأزمة الإيرانية تقترب من التصعيد العسكري
فرع القاهرة

تُعدّ إيران، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بؤرة التوتر في الشرق الأوسط، وفي ظل تصاعد التوترات  العسكرية والتصريحات التصعيدية بين طهران وواشنطن، تقف العلاقة بين البلدين علي حافة الهاوية بين التفاوض تحت الضغط، أو الانزلاق في مواجهة عسكرية، خاصًة في ظل التعقيدات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي تحشد فيه الولايات المتحدة قواتها وتبعث برسائل تحمل نوعا من الدبلوماسية وآخر من التهديد، تؤكد إيران على استعدادها للمواجهة رغم انفتاحها على التفاوض غير المباشر مع الولايات المتحدة.

مؤشرات التصعيد

رسالة ترامب: بعث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي استهلها بالتعبير عن رغبته في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، بعيدًا عن سنوات النزاع وسوء التفاهم والمواجهات غير الضرورية التي شهدتها العقود الماضية، كما أبدى استعداده لتحقيق السلام، ورفع العقوبات، ودعم الاقتصاد الإيراني ومع ذلك، لم تخلُ الرسالة من التحذيرات، حيث تضمنت تهديدات بإجراءات صارمة، بما في ذلك احتمال شن هجوم عسكري وفرض عقوبات إضافية على إيران، في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي خلال شهرين.

الموقف الإيراني من التفاوض: وفقًا لوكالة الأنباء الرسمية الإيرانية “إيرنا”، نقلًا عن وزير الخارجية عباس عراقجي أن إيران ترفض التفاوض بشكل مباشر تحت سياسة الضغوط القصوي حول برنامجها النووي، لكنها منفتحة حول التفاوض بشكل غير مباشر عبر سلطنة عمان كوسيط للتواصل مشيرًا في ذلك إلى عدم ثقة طهران من إجراء مفاوضات مباشرة مع ترامب نظرًا لانسحابه الأحادي من الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس أوباما عام 2015، وأنه لا جدوي من تلك المفاوضات مثلما ذكر خامنئي ذلك عدة مرات قبل سنوات.

رؤية واشنطن: يدرس البيت الأبيض الاقتراح الإيراني بشأن المفاوضات غير المباشرة، حيث يرى البعض أن التوصل إلى اتفاق ممكن، وأن المفاوضات المباشرة تعد أداة أكثر فاعلية، رغم عدم اعتراضهم على دور الوساطة العمانية بين البلدين. في المقابل، يعتبر آخرون أن هذه المفاوضات مجرد مناورة إيرانية لكسب الوقت وتحقيق أهدافها، ويؤيدون توجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية، إلى جانب حشد قوات عسكرية كبيرة في الشرق الأوسط تحسبًا لأي تصعيد عسكري محتمل.

التحركات الأمريكية: أرسل البنتاجون ست قاذفات من طراز B-2، ما يمثل ثلث أسطول القاذفات الشبحية التابعة للقوات الجوية الأمريكية، إلى جزيرة دييجو جارسيا في المحيط الهندي. وتتميز هذه القاذفات بقدرتها على حمل قنابل تزن 30,000 رطل، مصممة لتدمير الأهداف الصلبة والمحصنة تحت الأرض كما يشمل الحشد العسكري مقاتلات من طراز F-35، ومن المتوقع وصول مجموعتين من حاملات الطائرات هما USS Harry S. TrumanوUSS Carl Vinson خلال الأسبوعين المقبلين، في خطوة وُصفت بأنها رسالة مباشرة إلى إيران، سواء لوقف دعمها للحوثيين في اليمن أو للتوصل إلى اتفاق نووي جديد وكثّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضربات الجوية ضد الحوثيين منذ منتصف مارس 2025، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 53 شخصًا وإصابة 100 آخرين.

من جانبهم أعلن الحوثيون استهداف حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان 3 مرات خلال 24 ساعة.

قوة  الردع الإيرانية: في ظل التصعيد العسكري، دعت القوات المسلحة الإيرانية إلى توجيه ضربة استباقية للقاعدة الأمريكيةالبريطانية في دييجو جارسيا، قبل أن تستخدمها الولايات المتحدة لشن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية. وأكد مناصروا النظام الإيراني أنه كان ينبغي استهداف الجزيرة، قبل أن تتمركز فيها القوات الأمريكية بمعداتها العسكرية.

في المقابل، يقترح بعض الخبراء والسياسيين الإيرانيين إطلاق صواريخ تحذيرية باتجاه الجزيرة دون استهداف أي منشآت، وذلك لإرسال رسالة ردع إلى واشنطن. وتضم القاعدة حوالي 4000 عسكري بريطاني وأمريكي.

ومن جانبه، علّق المرشد الإيراني علي خامنئي على تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشيرًا إلى أن العداء مع الولايات المتحدة وإسرائيل ليس بجديد، مستبعدًا وقوع هجوم أمريكي، لكنه حذّر من رد إيراني قوي في حال حدوث أي اعتداء.

في السياق ذاته، هدد قائد الحرس الثوري الإيراني باستهداف 50 ألف جندي أمريكي في المنطقة، مؤكدًا أن إيران قادرة على ضرب ما لا يقل عن 10 قواعد عسكرية أمريكية منتشرة في الشرق الأوسط.

ساعة الصفر تقترب

بين التصعيد العسكري المحتمل والدبلوماسية المترددة، تقترب ساعة الصفر في المواجهة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى. 

ورغم أن الدبلوماسية لا تزال تحظى بمساحة من المناورة، فإن الاستعدادات العسكرية لا تترك مجالًا للشك بأن الخيارات العسكرية تظل على الطاولة كيف ستنتهي هذه الأزمة؟ يبقى السؤال الأهم في ظل توازنات إقليمية متغيرة وأزمات اقتصادية داخلية تعصف بإيران.

إسرائيل وتحضيرتها للهجوم: ذكرت القناة 14 العبرية أن تهديدات الرئيس الأمريكي، إلى جانب التدريبات المكثفة لجيش الاحتلال الإسرائيلي تشير إلى هجوم كبير وشيك على إيران، وبفضل الممر الجوي الجديد لإسرائيل عبر سوريا ، زادت فرصة حدوث هجوم إسرائيلي على إيران، وكذلك قامت إسرائيل بتحسينات على الطائرة الحربية من الجيل الخامس من طراز F-35I آدير ، لمواجهة أنظمة الدفاع الروسية S-300 التي تنشرها إيران حول موقعها النووية، والتي تمتلكها إيران إلى جانب أنظمة الدفاع الروسية الأحدث من طراز S-400.

قدرات إيران النووية: تعتقد الولايات المتحدة ووكالة الطاقة الذرية، أن إيران لديها برنامج نووي سري أوقفته عام 2003 ، في حين نفت “الجمهورية الإسلامية” امتلاكها أو التخطيط لامتلاكه.

وفي عام 2015 وافقت إيران على فرض قيود على أنشطتها النووية في مقابل تخفيف العقوبات الدولية إلا أن هذا الاتفاق انهار بمجرد انسحاب الولايات المتحدة في مايو 2018، وبدأت إيران في توسيع برنامجها النووي لتخصيب اليورانيوم، ووصلت درجة نقاء تخصيب اليورانيوم إلى 60% مما يجعلها قريبة من درجة النقاء اللازمة لصنع الأسلحة.

تمتلك إيران عددًا من المنشآت والمواقع النووية الداخلة في تنفيذ برنامجها النووي الطموح، مثل مفاعل أراك لإنتاج الماء الثقيل ومحطة بوشهر النووية ومنجم غاشين لليورانيوم ومحطة أصفهان لمعالجة اليورانيوم في محافظة قم وموقع بارشين العسكري ومنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم. ويُتوقع أن تكون هذه المواقع هي استهداف العمليات الإسرائيلية الأمريكية.

التداعيات المحتملة للصدام

إذا تم تنفيذ الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، فإن التداعيات ستكون بعيدة المدى، ليس فقط على إيران، بل على التوازنات الإقليمية والدولية حرب يشير إلى أن "منطقة الشرق الأوسط ستشهد تحولات استراتيجية خطيرة"، متوقعًا أن تسعى دول إقليمية أخرى مثل تركيا إلى تعزيز نفوذها في المنطقة بعد الضربة المحتملة على إيران. الوضع الراهن، الذي شهد صعودا ملحوظا للدور الإيراني بعد سقوط صدام حسين، قد يشهد تحولا كبيرا إذا ما استمر التصعيد.

يُعد ذلك مؤشرا على الخطر الذي قد يترتب على ضرب إيران، إذ قد يؤدي إلى اضطرابات إقليمية غير قابلة للسيطرة عليها. حرب يذكر أن السيناتور الراحل جون ماكين كان قد قال في وقت سابق: "ليس هناك ما هو أسوأ من حرب مع إيران، إلا إذا كانت إيران تمتلك سلاحا نوويا عسكريا" من هنا، تصبح الخيارات أمام الولايات المتحدة وحلفائها شديدة التعقيد، بين الخيارين السيئين: الحرب أو السماح لإيران بتطوير قدرة نووية عسكرية.

التداعيات الاقتصادية والأمنية:  أعلن الجيش الإيراني استعداده لإغلاق مضيق هرمز، حيث تسيطر إيران على ساحله الشمالي. ويُعد المضيق ممرًا استراتيجيًا تمر عبره 20% من إمداداتالنفط العالمية و30% منالغاز الطبيعيالمسال، يؤدي إغلاق المضيق إلى ارتفاع أسعار النفط لأكثر من 200 دولار للبرميل، مما قد يتسبب في فوضى اقتصادية عالمية، حيث سترتفع تكاليف الشحن والإنتاج في سلاسل التوريد التي تعتمد على النفط. كما ستتأثر العديد من الدول، وعلى رأسها دول الخليج التي تعتمد على المضيق لتصدير النفط والغاز، بالإضافة إلى الصين، واليابان، والهند، وكورياالجنوبية، حيث تمر أكثر من 60% منوارداتها النفطية عبر المضيق، مما قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي في هذه الدول.

قد يكون الاقتصاد الأمريكي أقل تأثرًا على المدى القصير، لكن سوق الأسهم الأمريكية سيواصل تراجعه، إذ انخفض بالفعل بنسبة 10%منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة. كما حذّر مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في وكالة موديز، من أن خطر الركود أصبح مرتفعًا بشكل مقلق ومتزايد.

أمن الخليج: من جهتها، أكدت إيران أنها إذا عجزت عن بيع النفط، فلن يُسمح لأحد بذلك، ملوّحة بإمكانية استهداف المصالح الاقتصادية الأمريكية، بالإضافة إلى قطاعات النفط في أي دولة خليجية تدعم الطائرات المقاتلة والمسيرات الأمريكية من خلال السماح لها باستخدام مجالها الجوي أو أراضيها.

تأثر الذهب عالميًا: من المرجح استمرار الارتفاع في أسعار الذهب، ومن المحتمل أن يتجاوز مستوى 3500 دولار للأوقية، كما حدث في الفترات السابقة والارتفاعات غير المسبوقة التي شهدها الذهب عالميًا.

وختامًا؛ يتضح من المشهد الراهن أن العلاقة بين البلدين تقف على حافة الهاوية، وتتأرجح في مسار الضغوط القصوى، المحفوف بمخاطر التصعيد العسكري، وفي ظل تعقيدات المشهد الأمني في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج يبقي خيار المفاوضات هو الحل الأسلم، رغم المخاطر الجدية القائمة والتي تهدد بتصعيد الأزمة في المنطقة.





 

 

المصدر: مركز رع للدراسات الاستراتيجية

الكاتب : منة الحفني

التاريخ : 6/4/2025

-------------------------------------------

المصدر: سكاي نيوز عربية 

التاريخ : 6/4/2025

المقالات الأخيرة