إن مرحلة الشباب هي أخصب مراحل العمر، وهي مرحلة العطاء وهم الثروة الثمينة التي لا تعوض، وهم تاج وعز الأوطان بصلاحهم تنهض البلدان، والشباب في أي مجتمع من المجتمعات عنصر حيوي في جميع ميادين العمل الإنساني والاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي، وهم المحرك الرئيس الفعال لأي إصلاح أو تغيير في المجتمعات ودوماً يشكلون الرقم الأصعب في أي ثورة إصلاحية، وأداة فعالة مهمة من أدوات التطور الحضاري للمجتمع، وهم همزة الوصل بين الماضي والمستقبل وهم الحاضر الذي يصنع المستقبل.
عندما نتابع الاحصائيات نجد أن نسبة الشباب في أغلب البلدان تتجاوز 50% وبعضها تتجاوز 60% إلا أن مشاركتهم في صنع القرار ضئيلة جدًا وقد تكاد تكون معدومة في بعض البلدان. مَن ْيرُيد المسْتَقْبلْ وَيخَطِطْ لهُ لا بُدَّ أَن يضَعْ الجِيل اَلجَدِيد في أَعلى أولَوِياتِهِ
أهمية المشاركة السياسية للشباب
يعتبر الشباب عنصر حيوي وفعال في المجتمع له القدرة على التأثير في مختلف جوانب الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويواجه الشباب العديد من القضايا المختلفة والتي لا يستطيع فهمها وإيجاد الحلول لها سوى الشباب، لذا تعتبر مشاركة الشباب في الحياة السياسية مهمة جدًا لمساعدة الشباب وتمكينهم من تحسين ظروفهم المعيشية وتعزيز حضورهم السياسي، ويُمكن توضيح هذه الأهمية كما يأتي :
الحفاظ على قوة المجتمع والحياة السياسية
تعتبر شريحة الشباب من كبرى الشرائح في المجتمعات المختلفة وأهمهما ويعتبر عزوف الشباب عن المشاركة السياسية أو انفصالهم عن الحياة السياسية سبباً مباشراً في تقويض تمثيل الأنظمة السياسية حيث أن الأنظمة السياسية الناجحة يجب أن تكون أنظمة تمثيلية تحافظ على تمثيل مختلف شرائح المجتمع . ولبناء مجتمعات قوية ومستقرة وسليمة لا بد من مشاركة الشباب في العمليات السياسية المختلفة ولابد من مشاركتهم بصياغة السياسات الحالية والمستقبلية للبلاد وتطويرها بما يتناسب مع الاحتياجات المستقبلية ويتحقق ذلك من خلال توعية الشباب بحقوقهم وإعطائهم المعرفة والقدرة اللازمتين للمشاركة في الحياة السياسية.
تعزيز الحياة الاجتماعية
إن عدم تمكن الشباب من المشاركة الحقيقة في الحياة السياسية الرسمية قد يولد شعوراً لدى الشباب بالعجز والإحباط حيث يفقد الشباب ثقتهم بالسياسيين الموجودين ويتنامى الاعتقاد بأن أصواتهم لن تسمع ولن تؤخذ على محمل الجد مما يتسبب باستبعاد الشباب بشكل متزايد من المشاركة في عملية صنع القرار والمناقشات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
تنعكس الحياة السياسية بشكل مباشر على العديد من الجوانب الحياتية اليومية وبالتالي فإن مشاركة الشباب في الحياة السياسية يؤدي بطريقة ما إلى مشاركتهم في العديد من الأعمال الاجتماعية كالمشاركة في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والأعمال الخيرية المختلفة مما يعزز من شعورهم بالمواطنة الحقيقية.
تعزيز مشاعر الانتماء
تُساعد مشاركة الشباب الحقيقية في الحياة السياسية في تطوير علاقة الشباب بالمسؤولين الحكوميين والسياسيين القدامى الأمر الذي يساهم في تنمية مهاراتهم وخبراتهم السياسية مما يساعدهم في قيادة التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم، ويعزز هذا الأمر من فرص التنمية والنهوض بالبلد الأمر الذي يعمل على إكسابهم شعورًا أكبر بالانتماء. كما تُساعد مشاركة الشباب بالحياة السياسية على إحياء العديد من القيم الديمقراطية الهامة جداً حيث تعمل هذه القيم على تقويض الممارسات القمعية السائدة وتجنيب البلاد مخاطر عديدة في حين أن عدم مشاركة الشباب يزيد من شعور الشباب بالإحباط وزعزعة استقرار الديمقراطية وتسريع أسباب الصراع داخل الدولة .
تأثير كبير على النتائج
لدى الشباب القدرة الكبيرة على التأثير في نتائج الانتخابات حيث يمثل الشباب قوة انتخابية كبيرة صامتة قادرة على إحداث الفرق في أي عملية انتخابية قادمة، لذا تتسابق العديد من الأحزاب السياسية على محاولة جذب الشباب والعمل على إشراكهم في تطوير البرامج الحزبية الخاصة بهم نظراً لقدرتهم الكبيرة في التأثير على الآخرين، وقدرتهم الفائقة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.[
الشباب على مر العصور الشباب في حضارتنا
لنأخذ نظرة سريعة لواقع الشباب في عصور كان المسلمين لهم دولة وكيف كان دور الشباب في تأسيسها وقيادتها، فعند الرجوع إلى العصور القديمة نجدها تزخر بالطاقات الشبابية وتقلدها للمناصب السيادية والإدارية وتكون صاحبة قرار، ومن أمثلة ذلك في الحضارة العربية الاسلامية كثير فزيد بن حارثة كاتب الوحي ولم يتجاوز سن الثالث عشرة من عمره وقد كلفه النبي عليه الصلاة والسلام بتعلم اللغة السريانية واليهودية، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي كان يلقب بحبر الأمة وترجمان القرآن، واسامة بن زيد الذي قاد جيشا كبيراً ومازال فتىً وتحت إمْرته كبار الصحابة، وعمرو بن كلثوم الذي ساد قبيلة تغلب وعمره 15 سنة، ومحمد بن القاسم فاتح بلاد السند وعمره 17 سنة، وعبد الرحمن الناصر كان عصره يسمى بالعصر الذهبي في الاندلس وعمره أنداك 21 سنة، وفي عهده قضى على الاضطرابات وقام بنهضة علمية لتصبح أقوى دول عصره حتى أصبح قادة أوربا يتودّدون له, ومحمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية والتي استعصت على كبار القادة في حينها كان يبلغ 22 سنة وهؤلاء غيض من فيض فغيرهم الكثير
الشباب والمنظمات الدولية:
لو أطلعنا على دور المنظمات الدولية في اهتمامها بالطاقات الشبابية وأخذ دورها الحقيقي في المجتمع لرأينا بأنها تنادي بذلك في كل المحافل الدولية، يقول كوفي عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة عن الشباب ((المجتمع الذي يقطع نفسه عن الشباب يقطع نفسه عما يمده بالحياة، ويكون مكتوب عليه أن ينزف حتى الموت)).
وحسب تقارير الأمم المتحدة بأن الفئة العمرية 15-25 سنة تشكل أكثر من 50% في البلدان النامية ومن كلا الجنسين وكثيراً ما لا يسمح لهذه الأعمار بأي تمثيل لصنع القرار، وهناك تقرير أصدره الاتحاد البرلماني الدولي في 16 مارس عام 2016م خلال مؤتمره في زامبيا حيث كشف التقرير إن 1.9% فقط من مجموع 45000 أعداد البرلمانيين في العالم أعمارهم تقل عن 30 سنة وما يقارب 80% من المناصب العلوية التي شملتها الدراسة لا تحتوي على أعضاء دون سن 30 سنة، وهناك أربعة دول ليس فيهم دولة عربية هي (السويد / النروج / فنلندا / الاكوادور) لديهم 10% نواب تحت سن 30 سنة. وحسب أرقام الأمم المتحدة فأن نسبة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 - 44 سنة يشكلون 57% من نسبة الناخبين في العالم
الشباب والأمم المتحدة:
في عام 1965، أصدرت الجمعية العامة في قرارها 2037 ، إعلان مشاركة الشباب كمُمثل للسلم والاحترام المتبادل والتفاهم بين الشعوب.
وفي الفترة من عام 1965 إلى عام 1975، ركزت الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي على ثلاثة مواضيع أساسية في ميدان الشباب، وهي المشاركة والتنمية والسلم. وجرى التأكيد كذلك على الحاجة إلى وجود سياسة دولية معنية بالشباب.
مراحل المشاركة السياسية:
الاهتمام السياسي:
ويندرج هذا الاهتمام من مجرد الاهتمام أو متابعة الاهتمام بالقضايا العامة وعلى فترات مختلفة قد تطول أو تقصر، بالإضافة إلى متابعة الأحداث السياسية. حيث يميل بعض الأفراد إلى الاشتراك في المناقشات السياسية مع أفراد عائلاتهم أو بين زملائهم في العمل، وتزداد وقت الأزمات أو في أثناء الحملات الانتخابية.
المعرفة السياسية:
والمقصود هنا هو المعرفة بالشخصيات ذات الدور السياسي في المجتمع على المستوى المحلى أو الوطني مثل أعضاء المجلس المحلى وأعضاء المجلس التشريعي بالدائرة والشخصيات المسؤولة كالوزراء.
المشاركة الانتخابية:
ويتمثل في المشاركة في الحملات الانتخابية بالدعم والمساندة المادية من خلال تمويل الحملات ومساعدة المرشحين أو بالمشاركة بالتصويت وتقديم الشكاوى والاشتراك في الأحزاب والمنظمات.
الشباب والأحزاب السياسية
تتسم العلاقة بين الشباب والأحزاب السياسية في العديد من البلدان بالتوتر. وهناك فجوة واسعة بين الأحزاب والشباب.
فالعديد أو الأغلبية من الشباب لا يثقون بالأحزاب السياسية، في حين عادة ما يتذمر قادة الأحزاب من عدم استعداد الشباب للمشاركة.
أسباب عزوف الشباب عن السياسة والانخراط في الاحزاب:
1 - غياب التمثيل السياسي للشباب لغياب الديمقراطية داخل الأحزاب.
2 - لا توجد برامج حزبية واضحة المعالم تميّز حزب عن آخر، تحفّز وتعطي اهتمام لشريحة الشباب.
3 - ضعف أو انعدام منح الشباب الفرصة داخل الأحزاب السياسية للترشح للانتخابات التشريعية والمحلية.
4 - شعور الشباب بعجزه إلى المشاركة والتأثير في القرارات والقوانين التي تنظم كيفية مباشرة حقوقه في المعيشة والحياة والسياسة.
5 - افتقار البرامج السياسية للأحزاب إلى الاهتمام بشريحة الشباب وتحقيق تطلعاتهم.
6 - وجود الأمية والفقر وخاصة بين الشباب يلعبان دورين أساسيين في إحجامهم عن المشاركة في الحياة السياسية حيث لا يتحقق الإشباع للحاجات الأساسية للشباب مثل إيجاد فرص عمل مناسبة والزواج وبناء حياته المستقلة بما يؤثر سلباً على قيام الشباب بالأعمال التطوعية بداية وانتهاءً بالمشاركة السياسية.
7 - ضعف الثقافة الديمقراطية لدى الشباب ووجود فجوة بين المعرفة السياسية والمشاركة السياسية.
8 - ضعف دور الإعلام بشكل عام الرسمي والحزبي وعدم قدرة وسائل الإعلام على بث القيم أو طرح النماذج السلوكية التي تغذي الممارسة الديمقراطية إذا تنقل وسائل الإعلام من القمة إلي القاعدة دون القيام بالتغذية العكسية بمعني نقل ردود أفعال القاعدة إلى القمة وإيصال تطلعاتهم الى القادة السياسيين.
9 - عوامل تتعلق بالثقافة الشبابية بفقدان الثقة في أهمية المشاركة السياسية للفرد والمجتمع. وهناك شعور بعدم جدية الإصلاح السياسي ونزاهة الانتخابات وجدوى المشاركة.
10 - عدم الثقة المطلقة في المشاركة بحرية وشيوع الاعتقاد بأن من يدلى برأيه بحرية يتعرض للأذى.
11 - ضعف الوعي السياسي والاجتماعي وغياب التنشئة الاجتماعية السليمة التي تحث الشباب على المشاركة الايجابية، بل وخوف معظم الأُسر من السياسة ومعارضتها لاهتمام الأبناء بالسياسة، ولأي شكل من أشكال المشاركة السياسية.
12 - افتقار المراحل الدراسية للمناهج التعليمية المخصصة في الثقافة الديمقراطية والتوعية في المشاركة السياسية.
13 - عدم وجود معاهد متخصصة في الديمقراطية تقوم بتثقيف الطلبة والجمهور كما في كثير من البلدان الديمقراطية.
14 - افتقار القواعد الديمقراطية السليمة في تشكيل وإدارة الأحزاب والمنظمات والاتحادات الطلابية في المدارس والجامعات، مما لا يتيح للنشء الجديد والشباب فرصة التدريب السياسي والتنشئة السياسية الفعالة.
15 - فقدان الثقة في كثير من رموز العمل السياسي واتهام بعضهم بالفساد.
16 - وجود فجوة كبيرة بين الأجيال وسيطرة جيل من كبار السن على قيادة الأحزاب والمؤسسات المهمة، وعدم إتاحة الفرصة للشباب للمشاركة الفعالة داخلها. مما أعطى شعوراً باليأس
تداعيات ضعف المشاركة السياسية للشباب
• شيوع الإحساس بالاغتراب بين الشباب
• التمرد والتطرف
• جنوح أعداد متزايدة من الشباب إلى سلوكيات سلبية
أهم أدوار مشاركة الشباب:-
المشاركة بعملية الانتخابات حيث تعتبر أصوات الشباب حاسمة، وتشكل جزء كبير لا يتجزأ من الأصوات الشاملة.
المشاركة بقضايا الرأي العام والمناصرة كقضايا حقوق المرأة والطفل، ومناصرة الفئات المهمشة في الحصول على حقوقها.
التطوع في مؤسسات المجتمع المحلي، يساهم في إضافة عدد الأيدي العاملة وزيادة الإنتاج والفائدة.
القيام بالأنشطة التعاونية، كالقيام بإنتاج فيلم وثائقي يتناول موضوع معين يتعاون على إنتاجه مجموعة من الشباب كل منهم ذو تخصص معين.
المساعدة في إنشاء المشاريع الخدماتية، كالضغط على الشركات الكبيرة بإنشاء مشاريع البنى التحتية الهامة لسير حياة المجتمع.
القيام بمؤتمرات علمية وورشات عمل ونقاشات من شأنها توسيع المعرفة، وتحفيز العقل، لاستقبال إنتاجات فكرية جديدة.
التخطيط للبيئة المحلية وكيفية الحفاظ عليها، كالرسم المتقن لأماكن المنتزهات العامة، وأماكن الترفيه والرياضة والتعليم.
وأهم الميزات والسمات التي يمتلكها الشباب ولا يمكن إغفالها من القادة السياسيين أو الإصلاحيين وغيرهم نوجزها :-
الشباب هم الأكثر طموحاً في المجتمع، ويشهد لهم الجميع بذلك.
الشباب الأكثر تقبلاً للتغيير. فلا يمكن حدوث إصلاح وتغيير دون مشاركتهم.
لديهم طاقة هائلة ويتمتعون بالحماس والحيوية فكراً وحركة.
عند اقتناعهم بفكرة سيكون عطاؤهم بلا حدود.
الشباب قوة اجتماعية رئيسية في المجتمع وأكبر من أي قوة اجتماعية أُخرى
ختاما " لا بد من قراءة ماضينا وواقعنا اليوم، وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد أن الاعتراف بالكرامة المتأصلة وبالحقوق المتساوية والثابتة لجميع أفراد الأسرة البشرية هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. فأنه من باب أولى الاعتراف بحق الشباب في المشاركة السياسية وفي المساهمة في اتخاذ القرار السياسي من داخل الأحزاب السياسية بإتاحة الفرصة للشباب للوصول إلى مراكز قيادية داخل الأحزاب السياسية ومن جهة أخرى تشجيع الشباب على المشاركة السياسية من داخل الأحزاب بتشريع قوانين الأحزاب السياسية التي تحدد نسبة تمثيلية للشباب في أعلى الهرم القيادي.