مع دخول الحرب الروسية - الأوكرانية عامها الثالث، يتزايد الحديث عن نقطة تحول محتملة في الصراع؛ حيث برزت فكرة نشر قوات حفظ السلام كخيار لتحقيق الاستقرار. وفي 17 فبراير 2025، عقد القادة الأوروبيون اجتماعاً عاجلاً لمناقشة إمكانية إرسال قواتهم إلى أوكرانيا في إطار اتفاق وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تسارع المباحثات الأمريكية–الروسية حول إنهاء الحرب. وازداد زخم هذا الطرح بين الأوروبيين الذين يخشون تهميش دورهم في التسوية المستقبلية، لا سيما في ظل المحادثات المباشرة بين واشنطن وموسكو، وسط غياب أوروبي وأوكراني واضح، بيد أنه رغم دعم بعض الدول الأوروبية لتعزيز الوجود العسكري في أوكرانيا، فإن تنفيذ هذه الخطة يواجه تحديات كبيرة، أبرزها المعارضة الروسية القوية، والصعوبات اللوجستية المعقدة، فضلاً عن خطر التصعيد العسكري المباشر بين روسيا وأوروبا، بجانب غياب الدعم الأمريكي لهذه القوات.
محفزات الطرح
ثمة دوافع متعددة شجعت بعض الدول الأوروبية على تشكيل قوات أوروبية لحفظ السلام في أوكرانيا عقب التوصل إلى اتفاق مع روسيا لإنهاء الحرب، أبرزها:
1– المخاوف الأوروبية من التهميش في المفاوضات: يشعر القادة الأوروبيون بقلق متزايد إزاء احتمال استبعادهم من المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة مع روسيا؛ وذلك على خلفية نتائج الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك المحادثات المباشرة التي جرت يوم 18 فبراير 2025 بين روسيا والولايات المتحدة في الرياض، بين وزيري خارجية روسيا سيرجي لافروف والولايات المتحدة ماركو روبيو في الرياض، وبحضور وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان.
يضاف إلى ذلك تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث بشأن توجهات واشنطن في مفاوضات إنهاء الحرب وإعادة هيكلة الأمن الأوروبي، ومن دون التشاور مع الزعماء والمسؤولين الأوروبيين. وقد تزايدت المخاوف الأوروبية بعد إجراء المحادثات الأمريكية الروسية في السعودية، وهو ما عزز الشعور بأن الأوروبيين باتوا بلا تأثير حقيقي على مستقبل الأمن الإقليمي. ومن هذا المنطلق، ترى بعض العواصم الأوروبية أن نشر قوات حفظ السلام قد يكون وسيلة لضمان دور أكبر في تحديد مستقبل أوكرانيا وحماية المصالح الأوروبية؛ وذلك على الرغم من المحاولات الأمريكية لطمأنة الأوروبيين؛ إذ سبق أن أوضح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن أوروبا وأوكرانيا ستشاركان في أي مفاوضات جدية لاحقة.
2– تعزيز الأمن الأوروبي وردع روسيا: ترى بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا والمملكة المتحدة، أن نشر قوات في أوكرانيا لا يقتصر على ضمان أمن كييف فحسب، بل يشكل أيضاً رادعاً إستراتيجياً ضد التوسع الروسي؛ إذ تعتبر موسكو توسُّع نفوذها هدفاً ثابتاً؛ لذا فإن وجود قوات أوروبية لحفظ السلام سيرسل رسالة واضحة أن أوروبا مستعدة للدفاع عن مصالحها الأمنية. وفي هذا السياق، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القمة الطارئة التي عُقدت في باريس يوم 17 فبراير الجاري، بهدف مناقشة تداعيات التنسيقات الأمريكية–الروسية، مؤكداً أن تصرفات إدارة ترامب قد أثارت مخاوف القادة الأوروبيين بشأن مستقبل أمنهم الجماعي، كما صرح رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا بأن هذه المبادرة تمثل بداية عملية طويلة الأمد، سيتم تنفيذها بمشاركة كافة الشركاء الملتزمين بالسلام والأمن في القارة.
3– دعم الحكومة الأوكرانية وتعزيز قدراتها العسكرية: مع غياب عضوية أوكرانيا في حلف الناتو، اقترح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نشر 200 ألف جندي أجنبي لحماية أي اتفاق لوقف إطلاق النار، ولكن يبدو أن الغرب غير قادر على تعبئة مثل هذا العدد الضخم. ورغم ذلك، طرحت بعض العواصم الأوروبية – على رأسها باريس ولندن – فكرة تشكيل قوة تتراوح بين 30 و40 ألف جندي مدعومة بغطاء جوي، لحماية أوكرانيا ومنع أي تقدم روسي إضافي، خاصة على امتداد الجبهة التي تبلغ 1000 كم. ومع استبعاد القدرة على توفير العدد الذي اقترحه زيلينسكي، يرى الخبراء أن هذه القوة قد تكون بمنزلة "فخ استراتيجي"؛ حيث قد يؤدي أي استهداف روسي لها إلى تصعيد عسكري أوسع نطاقاً، قد يمتد إلى مواجهة شاملة بين أوروبا وروسيا.
4– الضغط الأمريكي لتوفير الحماية الأوروبية لأوكرانيا: يعتقد المحللون أنه في حال التوصل إلى اتفاق، فإن واشنطن ستطالب أوروبا بتنفيذه وتحمل مسؤولية دعم أوكرانيا، بهدف تقليل الالتزامات الأمريكية. وخلال اجتماع في باريس في 7 ديسمبر 2024، أبلغ ترامب نظيريه الأوكراني والفرنسي أنه لا يدعم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، لكنه يريد أن يرى أوكرانيا قوية ومسلحة جيداً بعد وقف القتال، مشدداً على أن أوروبا يجب أن تضطلع بالدور الرئيسي في الدفاع عن أوكرانيا، منوهاً بضرورة وجود قوات أوروبية لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
من جانبه، أوضح وزير الدفاع الأمريكي أن ترامب يتوقع أن تتحمل أوروبا المزيد من المسؤوليات المالية والعسكرية في دعم أوكرانيا، مشيراً إلى ضرورة زيادة الإنفاق العسكري الأوروبي إلى 5% من الناتج القومي، كما أكد أن رفض ترامب عضوية أوكرانيا في الناتو يأتي في إطار رؤية استراتيجية لتجنب صدام مباشر مع روسيا، لكنه شدد على أهمية تحمل الأوروبيين عبء الدفاع التقليدي عن أوكرانيا، في ظل تركيز الولايات المتحدة على مواجهة الصين. وفي استجابة لهذه الضغوط، بدأت بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا ودول البلطيق، مناقشة إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا، رغم أن ألمانيا أبدت تحفظاً ووصفت الفكرة بأنها سابقة لأوانها.
5– تقليل اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة: مع تصاعد الشكوك حول مدى التزام واشنطن بأمن القارة الأوروبية، تسعى العديد من الدول الأوروبية إلى تعزيز سياساتها الدفاعية بصورة أكثر استقلاليةً عن الدعم الأمريكي؛ فقد كشفت التصريحات الأمريكية عن واقع الأمن الأوروبي، موضحةً أن الدول الأوروبية عانت لعقود من نقص حاد في تمويل منظوماتها الدفاعية، بل أيضاً كشفت عن افتقارها إلى استراتيجية أمنية متماسكة في ظل تراجع الدور الأمريكي، بجانب غياب قيادة واضحة تُوجِّه المسار الأمني الأوروبي. ويُنظر إلى احتمال نشر قوات لحفظ السلام في أوكرانيا باعتباره فرصة لإثبات قدرة أوروبا على تحقيق استقلالها الاستراتيجي، خاصةً في ظل تحول تركيز السياسات الأمريكية نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
في هذا السياق، أفاد مسؤولان بأن فرنسا وضعت خططاً عسكرية أكثر تطوراً مقارنةً بدول أوروبية أخرى؛ حيث تُقدِّر أنها قادرة على إرسال نحو عشرة آلاف جندي، في حين لا تزال بعض الدول الأوروبية الأخرى مترددة أو تواجه قيوداً على قدراتها العسكرية.
6– ضبابية مستقبل النزاع الروسي–الأوكراني: منذ فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024، ازدادت مخاوف أوكرانيا وحلفائها من أن يؤدي تعهده بإنهاء الحرب بسرعة إلى وقف المساعدات العسكرية الأمريكية؛ ما قد يدفع كييف إلى قبول تسوية غير مواتية. ومع ذلك، فإن فرض اتفاق سلام يُبقي أوكرانيا دون دعم، قد لا يحقق المصالح الأمريكية أو يخدم إدارة ترامب. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع ألا يكون لدى كييف دافع للحفاظ على اتفاق شعرت بأنها أُجبرت على قبوله، خصوصاً إذا اعتبرته شكلاً من أشكال الاستسلام؛ ما قد يُحفز روسيا على شن غزو جديد بهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي أو انتزاع تنازلات إضافية من الغرب.
7– بديل واقعي لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو: لطالما طالب وصرَّح الرئيس الأوكراني في مرات عدة بأن "دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الناتو ضرورية لبقائنا". ومع ذلك، فإن عضوية أوكرانيا في الحلف تشكل نقطة خلاف رئيسية تعرقل تحقيق السلام مع روسيا، فضلاً عن كونها التزاماً يصعب تنفيذه بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
ورغم استمرار الجدل حول الأهداف الحقيقية لبوتين عند بدء الحرب في 2022، فإن تعهد الغرب المتكرر بضم أوكرانيا إلى الناتو كان أحد العوامل المحفزة للحرب، ومن المرجح أن تفضل موسكو استمرار الصراع على السماح بانضمام كييف إلى الحلف. ومن هذا المنطلق، قد تكون الضمانات الأمنية الأوروبية أكثر واقعيةً؛ نظراً إلى مصلحة أوروبا المباشرة في موازنة القوة الروسية عبر الحفاظ على استقلال أوكرانيا كحاجز جيوسياسي.
تحديات رئيسية
يعد طرح فكرة إنشاء قوات أوروبية لحفظ السلام في أوكرانيا، خطوة مثيرة للجدل؛ لأنها قد تواجه تحديات متعددة، أهمها:
1– المعارضة الروسية لفكرة إرسال قوات حفظ سلام: رغم الحديث عن جهود السلام، لا تزال روسيا ترى أوكرانيا جزءاً من مجال نفوذها الاستراتيجي، وستواصل تعزيز قواتها العسكرية حتى بعد أي اتفاق محتمل؛ الأمر الذي يعني أن القوات الأوروبية قد تعمل في بيئة عدائية، مع مخاطر عالية للانخراط في مواجهات مباشرة مع القوات الروسية. وقد أوضحت موسكو أنها ستعتبر أي وجود عسكري أجنبي في أوكرانيا هدفاً مشروعاً، ما لم يكن ضمن تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو أمر غير مرجح؛ نظراً إلى امتلاك روسيا حق الفيتو، محذرةً من أن أي قوة أوروبية لا تحظى بتفويض أممي لن تكون مشروعة وفقاً للقانون الدولي.
من جانب آخر، يحذر الخبراء العسكريون من أن نشر قوات أوروبية قد يؤدي إلى تصعيد النزاع وتحويله إلى مواجهة واسعة بين الناتو وروسيا. وفي هذا السياق، شدد وزير الدفاع الأمريكي هيجسيث على أن أي قوة تُنشَر في أوكرانيا "يجب أن تكون خارج إطار حلف الناتو، وألا تخضع للمادة الخامسة". ومن ثم، فإن أي انتشار أوروبي في أوكرانيا يعني ضرورة استعداد القوات الأوروبية لمواجهة قوة نووية عظمى من دون دعم الضمانات الأمنية الأمريكية، وهو ما قد يجعل هذا التدخل مخاطرة استراتيجية كبرى. وفي أفضل السيناريوهات، قد يؤدي هذا الانتشار إلى استنزاف القدرات العسكرية الأوروبية بشكل كبير؛ ما سيؤثر على جاهزيتها في مناطق أخرى، ويفرض عليها تركيز مواردها في مسرح عمليات ثانوي واحد.
2– غياب الدعم الأمريكي لمقترح إرسال قوات إلى أوكرانيا: رغم تأييد بعض القادة الأوروبيين فكرة إرسال قوات حفظ السلام، أكدت الولايات المتحدة أنها لن تنشر قواتها في أوكرانيا؛ الأمر الذي يثير تساؤلات جدية حول مدى واقعية تنفيذ هذه المبادرة بفاعلية، وهو ما أكده ستارمر عقب الاجتماع الأوروبي؛ حيث أشار إلى أن نشر القوات لن يحقق النجاح المطلوب إلا إذا حظي بـ"دعم أمريكي"، مشدداً على أن هذا هو "السبيل الوحيد لردع روسيا بفاعلية ومنعها من شن هجوم جديد على أوكرانيا".
3– التحديات اللوجستية والعسكرية: في أسوأ السيناريوهات، قد يؤدي إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا إلى جر أوروبا إلى مواجهة عسكرية مباشرة بعيداً عن قواعدها اللوجستية الأساسية، وهو وضع قد تستغله روسيا لصالحها، خاصةً أن القوات الأوروبية تعاني في الأساس من نقص حاد في القوة البشرية، فضلاً عن افتقارها إلى الدعم اللوجستي الذي توفره القوات الأمريكية، والذي يُعد عاملاً حاسماً في أي حرب مشتركة.
هذا ويتطلب نشر آلاف الجنود الأوروبيين في أوكرانيا تخطيطاً عسكرياً ولوجستياً شاملاً؛ إذ يشير الخبراء إلى أن أي قوة من هذا النوع ستحتاج إلى دعم جوي مكثف، بجانب أنظمة دفاع صاروخي متطورة، وهيكل قيادة وسيطرة متكامل؛ لضمان فاعلية عملياتها. علاوةً على ذلك، فإن تأمين خطوط الإمداد وسط منطقة حرب نشطة، سيشكل تحدياً كبيراً؛ نظراً إلى قدرة القوات الروسية على استهداف وتعطيل البنية التحتية الحيوية.
وفي هذا السياق، صرح مسؤول أوروبي بارز بأن القارة الأوروبية لا تمتلك حتى 200 ألف جندي يمكن نشرهم لهذه المهمة، مؤكداً أن أي قوة برية تحتاج إلى دعم أمريكي، خصوصاً في مواجهة دولة بحجم روسيا، التي تُعد ثاني أكبر قوة نووية في العالم، وأضاف أن غياب هذا الدعم سيجعل القوات الأوروبية عرضة بشكل دائم لمحاولات روسيا تقويض مصداقية الحلف عسكرياً وسياسياً. وحتى في حال نشر عدد أقل من الجنود، مثل 40 ألف جندي، فإن ذلك سيظل تحدياً بالنسبة إلى دول تعاني من تباطؤ اقتصادي، ونقص في القوات العسكرية، وضغوط لزيادة ميزانياتها الدفاعية، خاصةً أن هذا العدد لن يكون كافياً لتوفير قوة ردع فعلية أمام روسيا.
4– الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي: تباينت مواقف الدول الأوروبية بشأن طبيعة نشر القوات، بما في ذلك حجم القوة المطلوب تشكيلها، وصلاحياتها، ومدى الحاجة إلى دعم أمريكي لتنفيذ المهمة. ورغم أن بعض الدول أبدت دعماً للفكرة، فإن التوصل إلى توافق أوروبي شامل حولها لا يزال بعيد المنال، لا سيما في ظل غياب ضمانات أمنية واضحة، سواء من الولايات المتحدة أو حتى من حلف الناتو.
وبينما تتبنى فرنسا والمملكة المتحدة موقفاً مؤيداً بقوة لنشر قوات حفظ سلام أوروبية، فإن دولاً أخرى، مثل ألمانيا وبولندا وإسبانيا، تبدي تردداً كبيراً؛ إذ تعتبر أن هذه الخطوة قد تكون سابقة لأوانها، وقد تستفز رد فعل روسياً حاداً؛ فعلى سبيل المثال، استبعد رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك مشاركة بلاده في المبادرة، موضحاً أن بولندا لا تعتزم إرسال جنود إلى أوكرانيا، لكنها ستواصل تقديم الدعم اللوجستي والسياسي للدول التي ترغب في اتخاذ هذه الخطوة مستقبلاً. وبالمثل، أعرب المستشار الألماني أولاف شولتز عن عدم ارتياحه لهذه المناقشات، مؤكداً أنها "سابقة لأوانها تماماً، وتأتي في توقيت غير مناسب". أما إسبانيا، فقد أبدت موقفاً مماثلاً؛ حيث صرح وزير خارجيتها خوسيه مانويل ألباريس، بأنه "لا أحد يفكر حالياً في إرسال قوات إلى أوكرانيا ضمن أي مهمة حفظ سلام محتملة".
من جانبه، أبدى رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو استغرابه حضور كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي محادثات باريس حول نشر قوات أجنبية في أوكرانيا، مشيراً إلى أن هذه المسألة لا تدخل ضمن اختصاصات الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإن المشاركة في مثل هذه الاجتماعات قد تضر بالتماسك الداخلي للاتحاد.
5– احتمالية حدوث مواجهة مباشرة مع روسيا: إذا تعرضت القوات الأوروبية المنتشرة في أوكرانيا لهجوم من قبل القوات الروسية أو الفصائل المسلحة المدعومة منها، فقد تجد الدول الأوروبية نفسها مضطرة إلى الرد عسكرياً؛ ما يرفع احتمالات التصعيد السريع والمباشر بين الطرفين.
ومن الناحية القانونية، لن يؤدي هذا التدخل إلى تفعيل المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي؛ نظراً إلى أن العمليات الأوروبية ستُنفَّذ خارج إطار الحلف. ومع ذلك، فإنه من الناحية العملية، سيكون من الصعب الفصل بين الضمانات الأمنية التي تقدمها الدول الأوروبية لأوكرانيا وبين مظلة الحماية التي يوفرها الناتو، خصوصاً إذا تعرضت هذه القوات لهجوم مباشر. ولتجنب حدوث تداخل بين الأدوار، يرى الخبراء أنه سيكون من الضروري وضع "جدار حماية" واضح بين الناتو وأي تحالف أوروبي واسع النطاق يسعى إلى ضمان أمن أوكرانيا، إلا أن مثل هذه الترتيبات قد تؤدي إلى إضعاف الحلف بشكل كبير؛ لأنها ستفرض شروطاً رسمية على التزاماته الفعلية، التي من المفترض أن تستند إلى مبدأ الدفاع المشترك كضرورة استراتيجية أساسية.
خلاصة القول: يبقى مقترح إرسال قوات حفظ السلام إلى أوكرانيا محفوفاً بالتعقيدات والمخاطر، على الرغم من الدوافع القوية التي تدفع باتجاهه؛ ففي الوقت الذي يسعى فيه القادة الأوروبيون إلى تعزيز نفوذهم في تحديد مستقبل أوكرانيا وردع العدوان الروسي، تواجه هذه الخطوة عقبات كبيرة، بدءاً من المعارضة الروسية القوية، وغياب دعم أمريكي واضح، مروراً بالتحديات اللوجستية والانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي. وبناءً على هذه التحديات، قد تفكر الدول الأوروبية في التركيز على تعزيز الدعم العسكري والاقتصادي لكييف بوسائل أخرى، مثل تطوير قدرات الجيش الأوكراني، وتقديم ضمانات أمنية طويلة الأمد، بدلاً من المخاطرة بانخراط مباشر في مواجهة عسكرية غير محسوبة العواقب مع روسيا.
المراجع
_ عبدالله جمال، 26/2/2025، كيف يثير مقترح إرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا انقسامات أوروبية؟، انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية.
_ بهاء العوام، 25/1/2025، ارسال الأوروبيون قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا، اندبندنت العربية.